أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - الإرث السياسي ل«أفقر رئيس في العالم»















المزيد.....



الإرث السياسي ل«أفقر رئيس في العالم»


حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 13:11
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كان بيبه موخيكا معروفاً بأنه عاش حياةً متواضعة حتى عندما كان رئيساً للأوروغواي. ولم يكن ذلك مجرد نزعة شخصية أو سلوكاً غريباً، بل كانت جزءاً من قناعته الديمقراطية العميقة: أن من يتولّون الحكم لا ينبغي لهم أن يرفعوا أنفسهم فوق الشعب.
في نهاية عام 2023 التقيتُ «أفقر رئيس في العالم». كنت قد رأيته قبل ذلك بعشر سنوات في فعالية أُقيمت في واشنطن، لكنه في تلك المرة كان محاطاً بحشد متحمّس يصعب الوصول إليه ـ يصافح الناس، يلتقط الصور الذاتية، ويداعب رؤوس الأطفال. كان يمكن للمرء أن يظنه نجماً موسيقياً أكثر منه رئيساً في أواخر السبعين من عمره لدولة صغيرة في أمريكا الجنوبية.
بيبه ـ المقاتل السابق في حرب العصابات، السجين السياسي، الرئيس لاحقاً، الظاهرة المنتشرة والرائجة، الفيلسوف، زارع الزهور، والناجي من محن الحياة ـ كان مصدر إلهام وسحر للكثيرين.

حين أُتيح لي أخيراً أن أتحدث شخصياً مع خوسيه «بيبه» موخيكا، لم يكن بعد رئيساً للأوروغواي، وكان قد استقال من مقعده في مجلس الشيوخ بسبب تدهور حالته الصحية. التقينا في «إل كوينتشو دي فاريلا»، وهو مكان متواضع بسقف من القش، بُني حول موقد نار ويقع بالقرب من مزرعة بيبه. على مرّ السنين أصبح هذا المكان أشبه بمزار رمزي: زاره سياسيون، وناشطون، ومشاهير، ومفكرون ـ من الناشطة الأمريكية أنجيلا ديفيس إلى الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا. حين دخلت، شعرت وكأنني في صومعة ناسك في الجبال. تحدّثنا عن واقع الحركات الاجتماعية وموقعنا في التاريخ. وعلى الرغم من انسحابه من الحياة العامة، ظل بيبه مهتماً بالحركات الاجتماعية في الخارج ومنفتحاً على الأفكار الجديدة.
من السهل أن نفهم لماذا أثار موخيكا هذا القدر من الإعجاب لدى الناس. فبعد أن أصبح رئيساً للدولة عام 2009، رفض الانتقال إلى القصر الرئاسي، وفضّل البقاء في منزله الريفي المتداعي المؤلف من ثلاث غرف على أطراف العاصمة مونتيفيديو ـ محاطاً فقط بحارسين وكلبته ذات الثلاث أرجل «مانويلا». واصل عالم النبات شغفه بزراعة الزهور، وكان يقود بنفسه سيارته القديمة من نوع «فولكسفاغن بيتل» طراز عام 1987 إلى مقر عمله، ويتبرع بـ 90% من راتبه للأعمال الخيرية، وبدأ فترة رئاسته ولديه أقل من ألفي دولار في حسابه البنكي. هذه البساطة ورفضْ الترف المادي أكسبته سمعة «أبسط وأزهد رئيس في العالم».
كان موخيكا في السابق عضواً في حركة ثورية ماركسية مسلّحة، وقضى بعد الانقلاب العسكري عام 1973 أكثر من عقدٍ في السجن الانفرادي. وعندما استُعيدت الديمقراطية في الأوروغواي عام 1985، خرج من السجن، ودعا إلى نزع السلاح، مؤكداً على إمكان تحقيق التقدّم عبر السياسة البرلمانية. وكان أحد مؤسّسي حركة «المشاركة الشعبية» اليسارية (Movimiento de Participación Popular - MPP)، وبدأ منها مسيرته السياسية التصاعدية: ففي مطلع الألفية أصبح عضواً بارزاً في الحكومة، وفي عام 2009 انتُخب أخيراً رئيساً للبلاد. وخلال فترة ولايته التي امتدت لخمس سنوات، حكم بحزم، ولفت الأنظار عالمياً بإصلاحاته التقدمية الكبيرة التي جعلت بلاده تحقق نمواً ملحوظاً في المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية على حدّ سواء. وبعد انتهاء رئاسته، واصل عمله كأحد أكثر أعضاء مجلس الشيوخ تأثيراً في البلاد.
وخلال فترة حكمه كلها، كان بيبه يبدو كجدٍّ حكيم يتحدث بعفوية وبصوته الطبيعي. كان دائماً يحمل قصصاً ودروساً من الحياة والتاريخ والفلسفة. لم يقدّم نفسه بوصفه سياسياً، ولم يتحدث كواحد منهم. لم يكن يجهّز محاور الحديث مسبقاً، ونادراً ما كان يرتدي بدلة رسمية. بدا كجارٍ بسيط يتحدث في مقهى شعبي أو يحتسي المَتَه(شاي المَتَه التقليدي، والذي يُعد مشروباً منعشاً يُحضّر من أوراق نبات اليَرِبَا مَاتِي.المترجم. )في ساحة السوق. وفي المقابلات، كان يجيب على الأسئلة المكررة والمبتذلة بمزيج من الصراحة الجريئة ، مضيفاً بينها حكماً عميقة تنمّ عن تأمل طويل في الحياة والسياسة.
عندما قيل له إن أسلوب حياته غير معتاد بالنسبة لرئيس دولة، أجاب موخيكا بابتسامة خفيفة مع هزّة كتف:
«تلك مشكلة الرؤساء الآخرين، لا مشكلتي. [...] إنهم يعيشون مثل [الأقلية الثرية] في بلدانهم. لكنّ الجمهوريات أُسِّست للدفاع عن مبدأ: لا أحد أعلى من أحد. [فالجمهوريات] كانت ردّاً على الإقطاع والملَكيات المطلقة ـ ضد أولئك السادة ذوي الشعر المستعار، والسجاد الأحمر، والأتباع الذين ينفخون في الأبواق عندما يخرج اللورد للصيد، وكل ذلك الهراء. الديمقراطية تعني أن الأغلبية هي التي تحكم».
وكان بيبه يكرر دائماً: «أنا أعيش كما يعيش معظم الناس في بلدي. [...] لأنك إن لم تفعل ذلك، فإن نمط حياتك هو من سيؤثر فيك».
في المحصلة، كان موخيكا ـ الذي توفي في ربيع عام 2025 عن عمر ناهز 89 عاماً ـ نوعاً نادراً من السياسيين. لم يكن محبوباً للغاية فحسب، بل كان أيضاً سياسياً بارعاً، وخطيباً ملهماً، وإدارياً فعّالاً. لم يبع قناعاته يوماً. قاوم بيبه كل التوقعات الساخرة: لم يُخفف من سياساته لكسب رضا الوسط، ولم يُصَب بغرور السلطة. كان ديمقراطياً حتى النهاية، وعندما بدأت صحته بالتدهور، انسحب طوعاً من الحياة السياسية، ليفسح المجال أمام جيلٍ جديد من التقدميين ـ من بينهم ياماندو أورسي، الذي انتُخب رئيساً عام 2024.
ورغم براغماتيته، ظلّ موخيكا وفياً لمبادئه، ناقداً للوضع القائم، ومُصرّاً على أن النضال من أجل التغيير يجب أن يستمر.

لقد رحل موخيكا اليوم، لكن بإمكان الناس حول العالم ـ ممن يناضلون من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية ـ أن يتعلموا الكثير من تجربته. فقد بيّن قبل كل شئ كيف يمكن للحركات الاجتماعية أن توصل ممثليها إلى مواقع السلطة، وأن تتعامل مع تناقضات السياسة البرلمانية من دون أن تتخلى عن نضالها الجذري من أجل عالمٍ أفضل.
إن رفضه لأن يعيش كما يعيش أصحاب المناصب العليا لم يكن استعراضاً أو تصنّعاً، بل كان تعبيراً عن شكلٍ مختلف من الحكم الديمقراطي ـ حكم يقوم على المساءلة أمام الشعب، لا أمام النخب.

من هو بيبه موخيكا؟
وُلِد خوسيه ألبرتو موخيكا كوردانو، الذي عُرف منذ طفولته بلقب «بيبه»، عام 1934 في مزرعة صغيرة غرب العاصمة مونتيفيديو. كان الفقر في ريف الأوروغواي خلال الأربعينيات شديداً للغاية. وقبل أن يبلغ رئيس المُستقبل السادسة من عمره، توفي والده وفقدت أسرته المزرعة. نشأ موخيكا في هامش جغرافي وسياسي لبلدٍ كان اقتصاده قد ازدهر خلال الحرب العالمية الثانية، لكنه انهار سريعاً عندما اتجهت أوروبا نحو إعادة الإعمار الداخلي وتوقفت عن استيراد المنتجات الزراعية من أميركا اللاتينية.
في شمال الأوروغواي، كان مزارعو قصب السكر (Cañeros) يعانون ظروف عمل قاسية، وأثناء فترة الركود الاقتصادي تفشّت المجاعات. وقد دفعت النقابات العمالية التي نشأت وسط الغضب واليأس، إلى جانب انتصار الثورة الكوبية عام 1959، بالشاب موخيكا نحو الراديكالية السياسية. وسرعان ما قطع صلته بنشاطه المبكر في منظمة الشباب التابعة لـ«الحزب الوطني» (Partido Nacional) ـ أحد الحزبين المهيمنين تقليدياً على الحكم في الأوروغواي ـ لينضم إلى حركة التوباماروس (Tupamaros)التي تعني(حركة التحرير الوطنية)، وهي حركة حضرية لينينية ضمّت ناشطين سياسيين ونقابيين وطلبة ومزارعين سابقين من مناطق زراعة القصب.
اشتهرت هذه المجموعة في ستينيات القرن العشرين بعملياتها الجريئة، من تخريب وسرقة بنوك وخطف وغارات لنهب الأسلحة، موجَّهة ضد الشرطة والنخب المحلية والجهات الأجنبية. لكن في عام 1972 انهارت حركة التوباماروس تحت وطأة القمع الشديد الذي مارسه الجيش والشرطة. وفي العام التالي، 1973، استولى نظام عسكري وحشي على الحكم، ليفرض دكتاتورية استمرت اثني عشر عاماً.
خلال أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، كانت الشرطة تطارد بيبه موخيكا،حيث أُصيب بست رصاصات، واعتُقل أربع مرات ـ وتمكّن من الفرار من السجن مرتين خلال عمليات هروب جماعية.
في عام 1972 أُلقي القبض على موخيكا للمرة الأخيرة. وخلال الأعوام الاثني عشر التالية، نُقل هو وعدد من السجناء السياسيين الآخرين سراً بين أماكن احتجاز مختلفة، حيث وُضعوا في الحبس الانفرادي. قضى بيبه عامين في حفرة رطبة، وسبع سنوات منع فيها عن القراءة. عانى شهوراً طويلة ويداه موثوقتان خلف ظهره بأسلاك معدنية، ومن فترات ممتدة في ظلامٍ تام، مقطوعاً عن أي اتصال بشري. بدأ يتحدث مع نفسه ويهلوس. لم يكن له رفاق سوى العناكب والنمل.
في مطلع الثمانينيات، بدأت الديكتاتورية تفقد قبضتها على الحكم. أضعفتها الأزمة الاقتصادية، والمقاومة المدنية الواسعة، والضغط الدولي المتزايد. فدفعت الحركات المتنوعة ـ من الإضرابات الجماهيرية واحتجاجات الطلبة إلى حركة حقوق الإنسان التي ازدادت قوة ـ النظام إلى التفاوض مع المعارضة. وبعد التوصل إلى تسوية ديمقراطية عام 1985، استعادت حكومة مدنية السلطة. في العام نفسه، أُطلق سراح موخيكا البالغ آنذاك خمسين عاماً ضمن عفوٍ عام عن السجناء السياسيين. وهكذا عاد بيبه، بعد أكثر من عقد من السجن، إلى بلدٍ تغيّر كثيراً ـ إلى ديمقراطية لا تزال هشة، لكنها أصبحت منفتحة من جديد على النقاشات الاجتماعية والسياسية.
أثار الانتقال إلى السياسة البرلمانية في أواخر الثمانينيات نقاشات داخلية حامية بين الناشطين. ولم يعتذر موخيكا يوماً عن مشاركته في الكفاح المسلح، فقد رأى فيه حينها ردّاً ضرورياً على القمع الحكومي والظلم البنيوي. لكنه أقرّ أيضاً بأن ذلك النضال لم يكن حلاً شاملاً ـ إذ تبيّن في النهاية أنه غير فعّال في إحداث التغيير الاجتماعي، شأنه شأن العمل السياسي المدني في تلك الفترة. قال موخيكا:
«لا يمكن أن يكون الكفاح المسلح هدفاً للحياة. في ظروف معينة قد يبدو وكأنه الطريق إلى الأمام، لكنه لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. فالمجتمعات لا يمكن أن تُبنى على هذه القاعدة. هذا لا معنى له».
وخلال العقدين التاليين، أصبحت حركة المشاركة الشعبية (بالإسبانية: Movimiento de Participación Popular، اختصاراً MPP) كحزب سياسي نشأ في أوروغواي عام 1989 والقوة السياسية الأكثر نفوذاً. وتميّزت عن الأحزاب الأخرى بعملها القاعدي الواسع، وآلتها الانتخابية الفعالة، وأيديولوجيتها التقدمية الواضحة.
وفي عام 1989 انضمت إلى تحالفٍ سياسي أوسع عُرف باسم الجبهة الواسعة (Frente Amplio). وفي عام 2004 حقّق هذا التحالف فوزاً تاريخياً: فبعد الأزمة المالية عام 2002 التي هزّت اقتصاد الأوروغواي وزعزعت ثقة الناس بالقيادة السياسية، انتُخب تاباري فاسكيث ـ وهو طبيب أورام ورئيس بلدية مونتيف.
أدّت نجاحات حكومة «الجبهة الواسعة» (Frente Amplio) الأولى إلى تحقيق مزيدٍ من الانتصارات. ففي عام 2009 انتخب الشعب الأوروغواياني رئيساً أكثر تقدمية: بيبه موخيكا. فالدستور لايسمح لرؤساء الأوروغواي بتولّي ولايتين متتاليتين، ومع ذلك فاز التحالف بثلاث انتخابات رئاسية متعاقبة. تولّى موخيكا الرئاسة من عام 2010 إلى 2014، ثم عاد تاباري فاسكيثفي لفترةٍ ثانية من 2015 إلى 2019. أصبح الرئيسان جزءاً أساسياً مما يُعرف بـ«الموجة الوردية» ـ وهي سلسلة الانتصارات الانتخابية للقوى اليسارية في أمريكا اللاتينية خلال العقدين الأولين من الألفية الجديدة، التي تحدّت الأرثوذكسية النيوليبرالية وجعلت العدالة الاجتماعية محور النقاش السياسي في القارة.

بين عامي 2005 و2019 شهدت الأوروغواي فترة نمو اقتصادي قوي وشامل. فأصبحت تُعتبر قصة نجاح في المنطقة. ارتفع الإنفاق الاجتماعي بشكلٍ ملحوظ، وتم تنفيذ برامج تحويلات مالية واسعة النطاق وصلت إلى أكثر من 30٪ من الأسر، إلى جانب إصلاحات صحية شاملة ضمنت وصولاً عادلاً وشبه شامل إلى الرعاية الطبية. أسهمت هذه السياسات في خفض معدلات الفقر بشكل مذهل ـ من نحو 40٪ عام 2005 إلى أقل من 9٪ عام 2019 ـ لتصبح الأوروغواي الدولة الأقل فقراً والأكثر مساواة في أمريكا الجنوبية.
في عام 2019 بدأ الوضع الصحي لبيبه بالتدهور، فقرّر عدم الترشح لولاية رئاسية جديدة. وبعد فترة قصيرة انسحب تماماً من الحياة السياسية الرسمية، لكنه واصل نشاطه السياسي حتى نهاية حياته. ففي فبراير 2024 ساهم في تنظيم لقاء عابر للحدود جمع ناشطين تقدميين، وممثلين نقابيين، وسياسيين منتخبين في مدينة (فوز دو إيغواسو البرازيلية)، دعا خلاله إلى تعزيز الأممية والتضامن الإقليمي في أمريكا اللاتينية.

الأصالة ذات المضمون
من سيرة بيبه موخيكا يمكن استخلاص دروس كثيرة، لكن هناك ثلاثة عناصر يمكن تعميمها خارج أمريكا اللاتينية أيضاً.
أول هذه الدروس هو أن الأصالة لا يمكن «تصميمها» أو شراؤها مهما كان فريق العلاقات العامة بارعاً. ففي السياسة الانتخابية والعمل التمثيلي غالباً ما تتكرر المقولة البسيطة: يجب أن تخاطب الناس بصدق حتى يشعروا أنك واحدٌ منهم. غير أن بيبه أظهر أن جوهر الأصالة الحقيقي يكمن في السياسة ذاتها ـ في العمل الملموس، في الجهد المبذول، وفي القرارات المتخذة.
لقد برهن موخيكا أن الأصالة ليست مجرد أسلوب في التواصل أو بناء صورة ذاتية، بل هي نتيجة الالتزام السياسي الحقيقي الذي يُترجم إلى أفعال. فصورته العالمية كـ«أفقر رئيس في العالم» لم تكن دعايةً أو خدعة إعلامية، بل انعكاسٌ لحياته الفعلية. فقد عاش مع شريكته لوسيا توبولانسكي ـ التي كانت بدورها سياسية وسيناتورة ونائبة للرئيس ـ حياةً بسيطةً ومتواضعة طوال أربعين عاماً بعد سقوط الدكتاتورية. لم يكن ذلك خياراً شخصياً فحسب، بل تعبيراً عن قناعته بواجبه تجاه شعب الأوروغواي والعالم.
قبل فوزه بالرئاسة، اعتبرت وسائل الإعلام السائدة في الأوروغواي أن بيبه مرشح غير مناسب، ووصفته بالفظّ والبسيط أكثر مما ينبغي. ورغم جاذبيته، كان يرتكب الهفوات ويكسر الأعراف التي تحدد سلوك أصحاب المناصب العليا. ورأى بعض المعلقين السياسيين أن رفضه لرموز ومظاهر السلطة دليلٌ على قلة الجدية. لكن موخيكا كان يتحدث بفخر عن أسلوب حياته الزاهد قائلاً:
«أنا لست فقيراً. الفقراء هم الذين يحتاجون إلى الكثير. لأن من يحتاج إلى الكثير، لا يشبع أبداً.»
كانت تلك رؤية خاصة للعالم، نابعة من تجربة معيشة، ومتأثرة بفهمٍ عميق للاقتصاد السياسي الماركسي. وفي أحد اللقاءات المؤثرة، شرح فلسفته قائلاً:

«إما أن تتعلم كيف تكون سعيداً بالقليل ـ أن تسافر بخفة لأن السعادة في داخلك ـ أو لن تبلغ شيئاً أبداً. لكننا أنشأنا مجتمعاً استهلاكياً، واقتصاداً لا بدّ أن ينمو باستمرار ـ لأن عدم النمو يُعدّ مأساة ـ وهكذا صنعنا جبلاً من الحاجات الزائفة. أصبحنا نعيش في دورة لا تنتهي من الشراء والرمي، بينما نهدر في الحقيقة أعمارنا.»
وقد روى لي أحد الصحفيين الذين غطّوا أكثر من رئيس في الأوروغواي كيف كان موخيكا مختلفاً عن غيره ـ حتى عن زميله في الحزب، الرئيس تاباري فاسكيث. فبينما كان أغلب الرؤساء يتعاملون مع الصحافة بتحفظ، كان موخيكا يعتبر الصحفيين أنداداً له. وفي رحلاته الخارجية، كان يستغني عن الحراس، ويخرج أحياناً من غرفته بالفندق مرتدياً البيجاما ليجلس مع الصحفيين في بار الفندق يتحدث ويحتسي الشراب معهم ببساطة ودفء.
مع ذلك، لم يستخدم موخيكا علاقاته الودية مع الصحافة لتحسين صورته أو الترويج لنفسه. فعندما سُئل عن حصيلة حكومته في مكافحة الفقر في الأوروغواي، رفض أن يمدح نفسه. قال بكل تواضع:
«لقد أخرجنا عدداً كبيراً من الناس من الفقر المدقع»،«لكننا لم نحولهم إلى مواطنين ـ بل جعلناهم فقط مستهلكين أفضل. وهذا هو فشلنا.»
ومع ذلك، تتحدث الأرقام بوضوح: ففي عهد موخيكا انخفضت نسبة الفقر من 21% إلى 9.7%، وارتفعت الأجور الحقيقية بنحو 4% سنوياً، كما نما الناتج المحلي الإجمالي للفرد بمعدل 4.4% سنوياً في المتوسط. وارتفع الإنفاق الاجتماعي من 21% إلى 23% من الناتج المحلي، مما وسّع شبكة الحماية الاجتماعية وعزّز الخدمات الحكومية الموجهة لعائلات الطبقة العاملة والوسطى. كذلك انخفضت مستويات اللامساواة: إذ زاد الحد الأدنى للأجور الحقيقية بنسبة 37%، بينما تراجع نصيب أغنى 10% من الدخل القومي بأكثر من 10% (أي ست نقاط مئوية). وبحسب جميع المقاييس، فقد أوفى موخيكا بجوهر الوعود التي يرفعها اليسار ـ لكنه رفض أن يُنسب الفضل لنفسه.
كان أسلوب حياة بيبه انعكاساً صادقاً لشخصيته وللالتزامات السياسية التي شعر بها تجاه مجتمعه. والدروس المستخلصة من ذلك واضحة: ينبغي لقادتنا ألا يمثلونا فحسب، بل أن يظلوا جزءاً منّا. فالمعيار الحقيقي هو في نوع العلاقة المتبادلة بينهم وبين الناس ـ في مدى احترامهم لنا، وفي كيفية وفائهم بمسؤولياتهم تجاه الجماعة.
لكن ما نراه في الواقع السياسي غالباً هو العكس تماماً. سياسيون كانوا يوماً جزءاً من الناس العاديين، يوحون لاحقاً بأننا مَدينون لهم بالاحترام لما حققوه من نجاح شخصي. غير أن ما فعلوه في الحقيقة هو الانفصال عن الطبقات والمجتمعات التي زعموا تمثيلها. فبمجرد أن يتبنّوا رموز المناصب ومظاهر السلطة وامتيازاتها، يصبحون مرتبطين مادياً بمواقعهم وبالطبقة العليا التي ينتمون إليها تدريجياً. ومع مرور الوقت، يقعون في وهمٍ خطير: أن البقاء في المنصب وإعادة الانتخاب هو الغاية الأسمى.
إن الارتباط المادي والمعيشي بالأغلبية الشعبية يمكن أن يخفف من هذه النزعة التي ترافق ممارسة السلطة. وبالطبع، لا يمكن أن يصل أحد إلى الرئاسة دون قدرٍ من الطموح إلى القوة، وبعض اليساريين ما زالوا يصفون موخيكا، همساً، بـ«الكوديو» ـ أي «الرجل القوي». ومع ذلك، فقد ظل أسلوب حياته قريباً من حياة الناس البسطاء، ومنحه ذلك قدرة نقدية فريدة عندما كان يتلقى النصائح من النخب الاقتصادية وأصحاب النفوذ الرفيع.

المساءلة تحتاج إلى هياكل
الدرس الثاني الذي يمكن أن نتعلمه من "بيبه" يتعلق بالسؤال حول كيفية ضمان أن تتحول المعتقدات الشخصية إلى نتائج سياسية فعلية. في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، من الصعب الحفاظ على مساءلة حقيقية تجاه الطبقة العاملة والحركات الاجتماعية. كثيراً ما نجح الناشطون في وضع سياسيين موالين لهم في مناصب عامة ـ لكنهم كانوا يضطرون بعد ذلك لمشاهدة هؤلاء السياسيين وهم يستسلمون لضغوط الشركات والليبراليين الجُدد.
على الجانب الآخر، يحاول السياسيون أحياناً السيطرة على النظام السياسي والحفاظ عليها، وينتهي بهم المطاف في كثير من الأحيان إلى تبني أساليب سلطوية. هناك عدد قليل جداً من الآليات المؤسسية التي تمكن المسؤولين المنتخبين من تجنب هذا التطور، وتنفيذ سياسة تقدمية مستمرة، خصوصاً عندما يواجهون مقاومة مستمرة من وسائل الإعلام، والشركات، والنخبة السياسية.
لذلك، فإن وجود موهبة سياسية استثنائية وحدها لا يكفي. بدون دعم هيكلي، تكون احتمالات خيبة الأمل كبيرة. ومن دون هيكل دائم ومستقل، يعمل وراء الحملات الانتخابية ويتجاوزها، لا يمكن ضمان مساءلة المسؤولين تجاه المجتمع العام.
لا شك أن بيبه موجيكا كان موهبة سياسية استثنائية، لكن ما مكّنه من الثبات والمضي قُدماً في التواصل المستمر مع قاعدته الشعبية هو الهيكل الفريد لـ الجبهة الواسعة (Frente Amplio) ومسؤولياتها في المحاسبة والمساءلة. تُعد الجبهة مثالاً مهماً على حركة جماهيرية حقيقية في أمريكا اللاتينية. من خلال إنشاء آليات تربطها ارتباطاً وثيقاً بمصالح واهتمامات أنصارها في القاعدة،حيث تمثل الجبهة نموذجاً قيماً للغاية للسياسة التشاركية الجادة.
الجبهة الواسعة ليست حزباً بالمعنى الصارم للكلمة، بل هي تحالف من حركات سياسية، مرتبطة بشبكة من اللجان القاعدية المحلية. تنظم هذه اللجان أعضاءها في أحيائهم، وتفتح النقاشات، وتحشد الدعم، وتربط بشكل مباشر بين الأحياء والمجتمعات المختلفة وقيادة الحزب. كما تشكل هذه اللجان نقطة انطلاق للعمل التطوعي خلال الحملات الانتخابية. علاوة على ذلك، تجتمع هذه اللجان بانتظام لمناقشة المقترحات السياسية وانتخاب المندوبين الذين يشاركون بعد ذلك في عمليات اتخاذ القرارات الوطنية المهمة. نصف المندوبين في المجلس الوطني (أعلى هيئة قرار في الجبهة الواسعة)، وكذلك عدد كبير في مواقع قيادية أخرى، يأتي من هذه اللجان القاعدية.
على الرغم من أن هذه اللجان لم تعد نشطة كما في السابق، إلا أنها ما زالت تشكل الديناميكية الداخلية للجبهة الواسعة وتخلق وتعزز مستوى استثنائياً من المشاركة السياسية. فالسلطة الداخلية في التحالف لا تعتمد فقط على حصص الأصوات في الانتخابات البرلمانية، بل يكافئ النظام الجماعات التي تستطيع بناء شبكات محلية قوية ونشطة. عملياً، لا يعمل هذا النظام دائماً بشكل مثالي، فغالباً ما يتم تجاهل اللجان أو تصبح منحازة بشكل مفرط. ومع ذلك، فإن مستوى المساءلة تجاه رغبات القاعدة يظل موجوداً، وهو أمر نادر في السياسة الحزبية والانتخابية الحديثة.
كان هذا الهيكل بالغ الأهمية في صعود موجيكا. فقد كان جناح الوسط المعتدل داخل الجبهة الواسعة ـ الذي غالباً ما يتكون من أفراد من الطبقة المتوسطة الميسورة وموظفين حكوميين ـ ينظر إليه بعين الشك. كانت لهذه الجماعات نفوذ كبير وقدمت قادة مثل تاباري فاسكيز، وعدد من وزراء المالية، والعديد من خبراء السياسة والإدارة في التحالف. ومع أنهم كانوا جذابين للتيار الرئيسي ويمتلكون موارد هائلة، إلا أن الهيكل الداخلي الراسخ للجبهة الواسعة عادل هذا التوازن، حيث كانت أصوات النشطاء المنظمين لها وزن مماثل.
لم تُسهم هذه الهياكل في صعود موجيكا السياسي فحسب، بل ضمنت أيضاً أنه يمكن مساءلته بعد توليه المنصب. فقد كانت هذه الهياكل التنظيمية ـ وليس قناعاته الشخصية وحدها ـ هي التي مكنت موجيكا من البقاء على اتصال وثيق مع المجتمعات التي أوصلته إلى السلطة.
قد تجعل الهياكل في بلدان أخرى من الصعب تكرار هذا النموذج التنظيمي. ومع ذلك، يمكن للنشطاء اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه من خلال فرض الديمقراطية الداخلية داخل التنظيمات. يمكننا أن نسأل: إلى أي مدى تقوم المؤسسات مثل الأحزاب ـ بما يتجاوز مجرد الحملات الانتخابية ـ مسؤوليتها تجاه الحركات الاجتماعية؟ في عالم المنظمات غير الحكومية، وأبحاث السياسة، والضغط السياسي، هناك العديد من الأساليب التي تدعي تمثيل مصالح الناس العاديين، لكنها في الواقع تتحدد بقرارات مجالس إدارة المنظمات غير الربحية، والممولين الخيريين، والمستشارين السياسيين. وعندما تحاول التنظيمات إشراك قاعدتها، يحدث ذلك غالباً في دور استشاري محدود، مثل إدخال ممثل رمزي للقاعدة في مجلس الإدارة ـ على أن يتوقع منه لاحقاً التكيف والموافقة على قرارات القيادة.
بدلاً من ذلك، ينبغي للمجموعات أن تحذو حذو الجبهة الواسعة (Frente Amplio) وتولي الأولوية لبناء هياكل تضمن أن المسؤولين المُنتخبين لا يُدعَمون فقط من قِبل الأشخاص الذين أوصلوهم إلى المناصب، بل يُحاسَبون أيضاً أمامهم. بدون بنية تحتية دائمة من هذا النوع، سيظل القادة التقدميون يكافحون بمفردهم ضد أنظمة مصممة لامتصاصهم، أو استيعابهم، أو عزلهم.

الحفاظ على الضغط
يستمر التركيز على هياكل المساءلة الداخلية في الدرس الثالث الذي يمكن استخلاصه من مسيرة موجيكا: أهمية الحركات الاجتماعية النشطة والمستقلة خارج الحكومة المنتخبة أو الحزب السياسي.
لقد شكّلت قناعات موجيكا الشخصية وهيكل الجبهة الواسعة أسلوب قيادته. ومع ذلك، كانت القوة الدافعة وراء العديد من الإصلاحات التقدمية في أوروغواي خلال رئاسته، تأتي من مجموعة أوسع من القوى التي تعمل خارج مراكز السلطة. فقد تبين أن مطالب الحركات الاجتماعية ـ أي «الضغط من الخارج» ـ كانت حاسمة لتحقيق بعض التغييرات المهمة للغاية.
مؤخراً، تحدثت مع مستشار مقرب سابق لموجيكا، كان لينينياً مقتنعاً وموظف سابقاً، وقد أبدى إحراجاً واضحاً عند اعترافه بأنه لا توجد في أوروغواي هيكلية رسمية للأطر أو نظام صارم للمشاركة السياسية من قبل الحركات يتجاوز تحالفات الحملات الانتخابية البحتة. فعلى الرغم من أن الجبهة الواسعة تمتلك قاعدة قوية، إلا أن علاقاتها مع المجتمع المدني والحركات الاجتماعية الأوسع كانت متقطعة إلى حد كبير، وغالباً غير رسمية، وأحياناً متعارضة. وحتى تحت الحكومة الأكثر تقدمية، كانت القرارات المهمة تُتخذ في النهاية من قِبل موجيكا ودائرته المقربة.
مع ذلك، فإن العديد من إنجازات رئاسة موجيكا لم تكن في الأصل من أولوياته الشخصية. فقد أصبحت إصلاحات مثل تقنين الماريجوانا، والإجهاض القانوني، وزواج المثليين رموزاً إصلاحية لحكومته، لكنها لم تكن في البداية على جدول أعماله الشخصي. بل كانت نتيجة الضغط من الحركات الاجتماعية المنظمة جيداً.
كان موجيكا سياسياً متمرساً ومرتبطاً بشكل وثيق بقاعدته، ما جعله قادراً على الاستجابة بصراحة لهذه المطالب الخارجية. فقد أدرك الديناميكيات، وبقي مرناً، وتجنب الالتزام بخطة محددة سلفاً. ومن ثم أصبحت هذه الإصلاحات من بين أهم إنجازاته خلال فترة رئاسته ـ لكنه اضطر إلى الدفع نحو تبنيها والدفاع عنها.
على سبيل المثال، قاد نشطاء متنوعون حركة تقنين الماريجوانا، مُتحدين من السياسات الدولية الصارمة تجاه المخدرات. حيث نظمت مجموعات مثل Asociación de Estudios de Cannabis del Uruguay وProderechos احتجاجات، ولجأت إلى ممارسة الضغط على المشرعين، وأبقت القضية حاضرة في وسائل الإعلام. وبمرور الوقت، جعلت هذه الجهود التغيير ممكناً سياسياً وقابلاً للتنفيذ، بالتزامن مع الحاجة إلى إيجاد استراتيجيات مبتكرة لمكافحة تجارة المخدرات بعد فشل ما يُعرف بـ "حرب المخدرات" بقيادة الولايات المتحدة.
عندما بدأ نشطاء الماريجوانا في أوائل العقد الأول من الألفية الجديدة بتنظيم أنفسهم، كان الرأي العام في البداية ضدهم: فقد رفض نحو ثلثي سكان أوروغواي تقنين الماريجوانا. وكان موجيكا نفسه متردداً في البداية، حيث صرح في مقابلة: «لا تظنوا أنني سأدافع عن الماريجوانا. […] الحب هو الإدمان الصحي الوحيد على الأرض، وكل الإدمانات الأخرى وباء، فقط تختلف أضرارها في شدتها». ومع ذلك، تمكنت حركة التقنين من زيادة نفوذها عبر ربط قضيتها باستراتيجية أوسع لحقوق أكثر، مدعومة من الطلاب، ومجموعات LGBTQ، والنقابات، وقوى المجتمع المدني الأخرى.
بحلول عام 2012، أدت المخاوف المتزايدة من العنف في المدن إلى نقاش مكثف حول الأمن. وأصبح التقنين يُنظر إليه في كثير من الأوساط كإجراء أمني، وكذلك كوسيلة لتجفيف مصادر أرباح عصابات المخدرات وفصل الماريجوانا عن المخدرات الأشد خطورة. وفي عام 2013، أصبحت أوروغواي أول دولة في العالم تقنن الماريجوانا للاستخدام الخاص. في النهاية، كان دعم موجيكا وأغلبية الجبهة الواسعة في الكونغرس العامل الحاسم لتمرير قانون التقنين، لكن الأهم من ذلك كله، أن التنظيم المتواصل للحركات الاجتماعية هو الذي حول قضية تقنين الماريجوانا من مطلب هامشي، مثير للريبة، وغير شعبي إلى نجاح سياسي ملموس.
هذا درس مهم للحركات الاجتماعية التي تسعى لتحقيق تغيير تقدمي: مجرد وجود حلفاء في المناصب، أو حتى وجود رئيس متفانٍ سياسياً لصالح الشعب، لا يكفي. فالحركات الاجتماعية هي التي تدفع حدود الإمكانيات السياسية، وتجبر المسؤولين المنتخبين عند الحاجة على الخروج من منطقة راحتهم. فالسلطة السياسية، حتى وإن أُسِّست على نوايا حسنة، تواجه قيوداً من الجمود المؤسسي، والمصالح المتعارضة، وحدود الإرادة السياسية.
تاريخ أوروغواي يبرز أهمية الضغط المستمر، والتحريك الاستراتيجي، والانخراط العام. يجب أن يكون الهدف إبقاء القضايا حاضرة باستمرار، ليس فقط خلال الدورات الانتخابية، بل أيضاً داخل أروقة السلطة. الحلفاء في المناصب العامة قد يفتحون الأبواب، لكن الحركات هي من يجب أن تمر منها. غالباً ما وصف موجيكا نفسه بأنه متحفظ، وحتى متشكك، لكنه كان في الوقت نفسه منفتحاً بشكل غير معتاد على الضغط من الخارج ومن القاعدة الشعبية. وعلى عكس السياسيين الذين يغلقون أبوابهم بعد تولي المناصب، كان موجيكا دائماً يترك الباب مفتوحاً على مصراع صغير.

ما يزال هناك الكثير لنتعلمه
إرث بيبه موجيكا لا يقتصر على القوانين التي أُقرت تحت قيادته، بل يشمل أيضاً طريقة تجسيده شكلاً مختلفاً من السياسة: سياسة متواضعة، سياسة قائمة على المساءلة الصارمة، وسياسة المشاركة الديمقراطية. فقد شدد على أن القيادة الحقيقية تنبع من تجارب الحياة اليومية، وأن المؤسسات الديمقراطية لا يمكن أن تزدهر إلا إذا كان المجتمع المدني قوياً بما يكفي لإجبار أصحاب السلطة مراراً وتكراراً على المحاسبة.
في عام 2024، كشف موجيكا خلال احتفالٍ بفوز أورسيس بالانتخابات أنه يقاتل الموت، قائلاً: «أنا رجل مسن على وشك الشروع في رحلة لا عودة منها. لكنني سعيد! […] لأنه عندما لا تكون يداي هنا، سيكون هناك آلاف آخرون يواصلون النضال. طيلة حياتي، قلت إن أفضل القادة هم من يتركون خلفهم جماعة تتجاوزهم بكثير ـ واليوم أنتم جميعاً هنا».
وبعد فترة وجيزة، أضاف في تأمله لحياته: «قضيت سنواتي أحلم، وأكافح، وأصارع. لقد صفعوني بعنف، وأكثر من ذلك بكثير. لا يهم، ليس لدي أي حسابات لأسدّدها».

غويليرمو "غيولي" بيرفيجيلو*: باحث أول وزميل في معاهد بحثية متخصصة، يعمل في مجالات الجغرافيا الاقتصادية لأمريكا اللاتينية، الاقتصاد السياسي، والحركات الاجتماعية.



#حازم_كويي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زهران ممداني: انتصار اشتراكي في نيويورك
- وجهة نظر ماركس عن الديمقراطية
- زوهران ممداني: «الاشتراكي الذي يريد أن يغيّر نيويورك»
- نحن نصنع التاريخ
- العقل يتفوّق على الذكاء الاصطناعي
- -مسألة الحزب-
- الولايات المتحدة والذكاء الاصطناعي: «هيمنة تكنولوجية عالمية»
- الذكاء الأصطناعي، ذكي لكن للأسف غير مربح
- هل تحتاج نظرية الفاشية إلى تجديد؟
- إنجلز: العقل المنظم وراء النظرية الماركسية
- سر التجربة الصينية: من الفقر إلى أضخم طبقة وسطى في العالم
- ماركس نصيرٌ للديمقراطية
- -النرويج تشهد تقدماً لليسار الجذري-
- حزب اليسار الألماني :نحن الأمل
- كارل ماركس كسياسي: «الفرنسيون بحاجة إلى جَلدْ»
- -نيتشه والتمرد: بين النقد الثقافي والتقدّم بعد 125 عاماً-
- قبل 125 عاماً رحل فريدريش نيتشه «عداء الجماهير»
- حركة -اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً- ((MAGA
- حرب إسرائيل في غزة هي من أكبر الجرائم في التاريخ.
- من يملك الكون؟


المزيد.....




- نه به پارلمانِ افکارِ توده‌ها، بردگي زنان و سلب آزادي‌ها
- الوضع السياسي الراهن ومهام الماركسيين الثوريين
- نا ب? پ?رل?ماني ب?ه?ژارکردني ج?ماو?ر و ک?يل?کردني ژنان و س?ر ...
- فقدان الرفيق سيون أسيدون خسارة كبيرة للحركة الديمقراطية والت ...
- تركيا تدرس السماح بعودة مقاتلي حزب العمال الكردستاني من العر ...
- شعب المغرب يفقد أحد أكبر مناضليه: وفاة سيون أسيدون
- Verdict From the People: Why the Gaza Tribunal Is About Acco ...
- Nervous Breakdown Or Getting Better: To Win Is Essential
- Muridke To Gaza: How Pakistan’s Regime Sheds Blood To Prove ...
- Solidarity With the People Of Sudan, Tanzania and Cameroon


المزيد.....

- كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو& ... / عبدالرؤوف بطيخ
- قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي / امال الحسين
- كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2 ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة / رزكار عقراوي
- كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - الإرث السياسي ل«أفقر رئيس في العالم»