|
الذكاء الأصطناعي، ذكي لكن للأسف غير مربح
حازم كويي
الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 17:40
المحور:
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
السباق على قيادة مجال الذكاء الاصطناعي جارٍ على قدم وساق. لكن ما زال السؤال مفتوحاً: هل سيجلب هذا الاستثمار جدوى ـ ولصالح من تحديداً؟
بيتر كاوفمان* بيتر شادت* ترجمة: حازم كويي
الذكاء الاصطناعي يدفع عجلة الاقتصاد العالمي. فشركات التكنولوجيا تستثمر مئات المليارات في مراكز البيانات من أجل تدريب نماذجها للذكاء الاصطناعي. أما في أسواق البورصة، فقد جرى بالفعل رفع سقف التوقعات حول عائدات الذكاء الاصطناعي إلى مستوى التريليونات. الأمل المعقود هو أن يحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في الاقتصاد، وأن يرفع الإنتاجية، وبذلك يجلب النمو المنشود. لكن ليست البورصة والشركات وحدها من تعقد الآمال؛ فحتى السياسة دخلت المضمار: إذ تسعى الولايات المتحدة والصين، عبر الدعم الضخم للذكاء الاصطناعي، إلى تحقيق هيمنة تكنولوجية عالمية وتعزيز قوتيهما كقوى عظمى. غير أن مشكلة أساسية ما تزال قائمة: حتى الآن، من المعجزة الموعودة لم تظهر سوى المضاربات، أما النتائج الملموسة فما زالت محدودة جداً. عمالقة التكنولوجيا الكبار يسيرون وفق مبدأ "الكل في الرهان": فقد استثمرت مايكروسوفت خلال الربع الأخير مبلغاً قياسياً بلغ 24 مليار دولار، بينما ضاعفت أمازون استثماراتها لتصل إلى 31 مليار دولار، وتخطط شركة ألفابت (الشركة الأم لغوغل) لإنفاق 85 مليار دولار خلال العام بأكمله. هذه الآمال المعقودة على الذكاء الاصطناعي تبرر حالياً أرقاماً خيالية: بما في ذلك شركة ميتا (فيسبوك سابقاً)، ويُتوقع أن تنفق هذه الشركات الأربع معاً في عام 2025 أكثر من 344 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي. ويذهب الجزء الأكبر من هذه الأموال إلى مراكز البيانات، التي تُستخدم في تدريب وتشغيل ما يُعرف بالنماذج اللغوية الكبيرة للذكاء الاصطناعي (LLM). سباق المضاربين إنه سباق استثماري ضد الزمن ـ وضد المنافسة. فقد صرحت المديرة المالية في مايكروسوفت، آيمي هوود: «على الفرق أن تبذل أقصى ما لديها لتوفير القدرات بأسرع ما يمكن وبأعلى قدر من الكفاءة». هذا السباق بين الشركات بات اليوم يقود الاقتصاد الأمريكي بأكمله: ففي النصف الأول من هذا العام شكّل ازدهار الاستثمارات في تكنولوجيا المعلومات تقريباً كامل النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. يأمل الاقتصاديون وصُنّاع القرار في حدوث دفعة إنتاجية جديدة تدفع النمو العالمي المتباطئ. ففي مجال الإنتاج، من المتوقع أن تتفاعل الروبوتات بشكل متزايد مع البشر بفضل الذكاء الاصطناعي، وبذلك يتجاوزون تدريجياً حدود عملهم الحالية داخل مناطق محددة في قاعات الإنتاج الحديثة. أما السيارات، فيُنتظر أن تصبح خلال بضع سنوات ذاتية القيادة بالكامل، مما سيغير شكل التنقل والمواصلات جذرياً. وفي المكاتب، يُفترض أن تجعل تقنيات الذكاء الاصطناعي عمل المترجمين غير ضروري إلى حدٍ كبير، وأن ترفع كفاءة الكتّاب وموظفي الدعم الإداري بشكل ملحوظ. وفي ميدان العلوم، من المنتظر أن تُستبدل سلاسل كاملة من التجارب بالاستباق الرقمي لها عبر الذكاء الاصطناعي. وترى شركة رأس المال الاستثماري سيكويا كابيتال أن تأثيرات الذكاء الاصطناعي ستكون "على الأقل بحجم تأثير الثورة الصناعية". أما مكاسب النمو الاقتصادي الناتجة عن الذكاء الاصطناعي المستقل فيُقدَّر حجمها بما يتراوح بين تريليوني وأربعة تريليونات دولار سنوياً ـ وهي فجوة تقديرية واسعة. لذلك اكتشفت حكومات الدول الكبرى الذكاء الاصطناعي باعتباره مورد قوة استراتيجياً للمستقبل، وهي تدعم تطويره محلياً بمليارات الدولارات. فالولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق ما تسميه «الهيمنة التكنولوجية»، وهو هدف يوازي سباق التسلح العسكري والسعي للانتصار في الحرب التجارية العالمية. أما الصين، فترد باستراتيجيتها الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي. وكلا القوتين العظميين تتنافسان أيضاً على كسب أوروبا باعتبارها «مستعمرة رقمية». إذ يعدهما الذكاء الاصطناعي ليس فقط بمزيد من النمو الاقتصادي، بل أيضاً بخلق تبعيات جديدة للمنافسين، فضلاً عن مكاسب عسكرية. فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يعمل كفيروسات ذكية لقرصنة العدو، وكطائرات مُسيّرة لتحل محل المركبات العسكرية الحديثة، وكأداة تخطيط استراتيجي لاستخدام القدرات العسكرية بدقة. ويقول غوستين هوغه من جامعة كامبريدج: «عسكرياً، قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى مضاعِف قوة، يحسن بشكل جذري فعالية القوات المسلحة القائمة ويغير ديناميكيات القوة العالمية». أما على صعيد القوة التدميرية العسكرية، فقد أثبت الذكاء الاصطناعي بالفعل جدواه، كما ظهر مؤخراً في استخدام الجيش الإسرائيلي له، حيث جرى تكليف الذكاء الاصطناعي باختيار أهداف هجومية رئيسية في غزة. في المقابل، ما تزال التأثيرات الاقتصادية متواضعة. فمن ناحية، ينتشر الذكاء الاصطناعي بسرعة: إذ يستخدم أكثر من 700 مليون شخص مثلاً تطبيقات عديدة. كما أن شركات تصنيع السيارات تبيع أعداداً متزايدة من السيارات ذاتية القيادة جزئياً على الأقل، في حين تعتمد شركات الخدمات المالية على ما يُعرف بـ"المُستشارين الآليين" في تقديم الاستشارات والتواصل مع العملاء. أين المعجزة الإنتاجية؟ لكن السؤال الكبير يبقى: هل يستحق الأمر حقاً؟ وهل ستتحقق الأرباح الموعودة؟ ثمة شكوك جدية. فأنظمة الاشتراك مثلاً، لا تكفي لتغطية تكاليف البحث الهائلة، ولا حتى لتسديد التكاليف التشغيلية المستمرة الناتجة عن استخدام النماذج من قبل العملاء. أما المليارات التي جرى تحقيقها حتى الآن من العائدات، فهي في جوهرها مجرد رهان على الفائدة المستقبلية للتقنية. فضلاً عن ذلك، بدأت أولى التشققات تظهر في موجة الحماس المُحيطة بالنماذج اللغوية الكبيرة، بدءاً من تكاليفها الباهظة وصولاً إلى توقعات بانخفاض العائدات. فبحسب تقديرات صحيفة الإيكونوميست البريطانية، تبلغ الإيرادات السنوية الحالية للشركات الغربية الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي حوالي 50 مليار دولار. وهو مبلغ ضخم وقد ينمو مستقبلاً، لكنه لا يشكل سوى جزء ضئيل من 2900 مليار دولار، وهو ما يتوقعه بنك "مورغان ستانلي" الأمريكي كإجمالي الإنفاق العالمي على مراكز البيانات الجديدة بين 2025 و2028 ـ دون احتساب تكاليف الطاقة أصلاً. يضاف إلى ذلك مشكلات تقنية: فـالإيكونوميست كتبت أن «أحدث النماذج التي طورتها OpenAI أو غوغل ليست سوى أفضل قليلاً من النماذج السابقة، رغم ضخ المزيد والمزيد من الأموال في تطويرها». كما أن الذكاء الاصطناعي ما زال عرضة لما يسمى "الهلوسات"، مما يعيق الشركات في مجالات مثل الرعاية الصحية أو التحليل القانوني من تبني هذه التقنيات. وفوق ذلك، أظهرَت شركة DeepSeek الصينية قبل أشهر، عند طرحها نموذجاً أصغر وأكثر كفاءة ونشر تصميماته على الإنترنت، كيف يمكن لمقاربات غير تقليدية ـ وأرخص بكثير ـ أن تفاجئ السوق. وإذا نجحت النسخ الأرخص من الذكاء الاصطناعي في فرض نفسها، فقد تتحول مليارات الاستثمارات التي ضختها الشركات الغربية إلى استثمارات مهدورة. توجد أيضاً شكوك حول ما إذا كانت "معجزة الإنتاجية" المدفوعة بالذكاء الاصطناعي ستنتشر فعلاً في عموم الاقتصاد. فالبنك المركزي الأوروبي يوضح: «نسمع باستمرار عن إمكانيات جديدة ومثيرة يمكن أن تُسهم فيها أدوات الذكاء الاصطناعي في مواجهة المشكلات الاقتصادية، وعن الزيادات في الإنتاجية المرتبطة بها». لكنه يضيف في الوقت نفسه أنه «لا يوجد أي إجماع بشأن تأثيرات هذه التكنولوجيا». ويبقى غير مؤكد ما إذا كانت تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستنعكس يوماً ما في الميزانيات العمومية للشركات ـ ومتى سيحدث ذلك ـ وما إذا كان أثرها سيبرر تكاليف استخدامها. وفي هذا الصدد، جاءت نتائج دراسة أعدها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) صادمة: «على الرغم من استثمارات الشركات التي تتراوح بين 30 و40 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، توصّل التقرير إلى النتيجة المفاجئة بأن 95٪ من هذه الشركات لا تحقق أي عائدات». فقط 5٪ من مشاريع الذكاء الاصطناعي التجريبية حققت قيمة بملايين الدولارات، في حين بقيت الغالبية العظمى بلا أثر ملموس على حسابات الأرباح والخسائر. وأضاف MIT: «رغم أن أدوات مثل ChatGPT وCopilot واسعة الانتشار ـ إذ إن أكثر من 80٪ من الشركات قد اختبرتها أو استخدمتها في مشاريع تجريبية، وحوالي 40٪ تقول إنها باتت تستخدمها فعلياً ـ فإن هذه الأدوات ترفع الإنتاجية الفردية بالدرجة الأولى، لكنها لا تزيد الأرباح». أي أن الذكاء الاصطناعي قد يكون مذهلاً من الناحية التكنولوجية، لكنه من منظور رأسمالي ما زال غير فعّال. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع المستثمرين في البورصة من مواصلة المراهنة على نجاح الذكاء الاصطناعي. ويتضح ذلك من تقييمات أسهم شركات التكنولوجيا: ففي عام 2018 كانت شركة آبل أول شركة تصل قيمتها السوقية إلى تريليون دولار (1000 مليار). أما اليوم، فقد بلغت قيمة شركة الرقائق الأمريكية إنفيديا 4,1 تريليون دولار، ومايكروسوفت 3,8 تريليون، وألفابت 3 تريليونات، وأمازون 2,5 تريليون، وميتا 1,9 تريليون. وبالمُجمل، فإن قيمتها السوقية المشتركة تتجاوز ثلاثة أضعاف الناتج الاقتصادي السنوي لألمانيا. ووفقاً لتورستن سلُك من شركة الاستثمار Apollo، فإن أسهم الذكاء الاصطناعي مقيمة الآن بأعلى من أسهم الإنترنت في عام 1999 ـ أي قبيل انهيار البورصة مباشرة. القيم السوقية للأسهم تعكس اليوم بالفعل التوقعات الضخمة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والتي تُقدّر بتريليونات الدولارات. لكن هذه الثروة، في جوهرها، تمثل مطلباً على عاتق العمال: وهو أن يحققوا العوائد المتوقعة. فهؤلاء هم من يُتوقع أن تزيد إنتاجيتهم وأداؤهم بفضل الذكاء الاصطناعي. ويُحمَّلون المسؤولية عن ضمان أن تؤدي هذه الإنتاجية الأعلى إلى تعزيز الربحية، وأن تُبرر مليارات الدولارات المستثمرة، وبالتالي تبرير تقييمات الأسهم التي تصل إلى تريليونات الدولارات.
ستيفان كاوفمان*:درس الاقتصاد في برلين الغربية. يعمل منذ ثلاثين عاماً كصحفي اقتصادي، وقد شغل منصب محرر في عدة صحف. وقد ألف كاوفمان عدة كتب، منها حول الأسواق المالية، وكذلك مواد تعليمية لصالح مؤسسة روزا لوكسمبورغ.
بيتر شادت* درس العلوم السياسية وعلم الاجتماع، وحصل على درجة الدكتوراه في العلوم الحكومية. منذ عام 2017، يعمل كأمين نقابي لدى الاتحاد الألماني للنقابات (DGB) في شتوتغارت. وقد نشر من بين أعماله كتاب «رقمنة صناعة السيارات الألمانية»
#حازم_كويي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تحتاج نظرية الفاشية إلى تجديد؟
-
إنجلز: العقل المنظم وراء النظرية الماركسية
-
سر التجربة الصينية: من الفقر إلى أضخم طبقة وسطى في العالم
-
ماركس نصيرٌ للديمقراطية
-
-النرويج تشهد تقدماً لليسار الجذري-
-
حزب اليسار الألماني :نحن الأمل
-
كارل ماركس كسياسي: «الفرنسيون بحاجة إلى جَلدْ»
-
-نيتشه والتمرد: بين النقد الثقافي والتقدّم بعد 125 عاماً-
-
قبل 125 عاماً رحل فريدريش نيتشه «عداء الجماهير»
-
حركة -اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً- ((MAGA
-
حرب إسرائيل في غزة هي من أكبر الجرائم في التاريخ.
-
من يملك الكون؟
-
هتلر:سيرة إنهيار
-
الجامعات الصينية في صدارة العالم
-
حزب في مرحلة تحول
-
-تراجع العولمة الحالي لا يخدم قضايانا-
-
إيلون ماسك:هل هو عبقري طموح أم رجل يفتقر للروح؟
-
التصنيع بدلاً من التسلّح
-
-تعدد الأقطاب؟ احتمال قائم في المستقبل-
-
-رئيسة المكسيك تُظهر كيف يمكن التصدي لترامب-
المزيد.....
-
الهند تطور مضاد حيوى لمكافحة البكتيريا المقاومة للأدوية
-
ما -القمر العملاق- الذي يُنير سماء العالم العربي غدا؟
-
بيان من حماس حول اختطاف نشطاء -أسطول الصمود- في المياه الدول
...
-
فى يوم التوعية به.. ما هو الشلل الدماغى وأنواعه ولماذا يحدث
...
-
اليوم العالمي للصحة النفسية
-
حظك اليوم الثلاثاء 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2025
-
عبارات عن الصحة النفسية
-
رسائل صباحية عن شهر أكتوبر 2025
-
نصائح للعروس للتخفيف من اكتئاب الخريف قبل الزفاف
-
عادات صباحية لمقاومة الأنسولين
المزيد.....
-
التصدي للاستبداد الرقمي
/ مرزوق الحلالي
-
الغبار الذكي: نظرة عامة كاملة وآثاره المستقبلية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
تقنية النانو والهندسة الإلكترونية
/ زهير الخويلدي
-
تطورات الذكاء الاصطناعي
/ زهير الخويلدي
-
تطور الذكاء الاصطناعي بين الرمزي والعرفاني والعصبي
/ زهير الخويلدي
-
اهلا بالعالم .. من وحي البرمجة
/ ياسر بامطرف
-
مهارات الانترنت
/ حسن هادي الزيادي
-
أدوات وممارسات للأمان الرقمي
/ الاشتراكيون الثوريون
-
الانترنت منظومة عصبية لكوكب الارض
/ هشام محمد الحرك
-
ذاكرة الكمبيوتر
/ معتز عمر
المزيد.....
|