أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - عن الفلسفة والتفكير، وخطر الأيديولوجية الإرهابية















المزيد.....

عن الفلسفة والتفكير، وخطر الأيديولوجية الإرهابية


عزالدين محمد ابوبكر

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 23:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عن الفلسفة والتفكير الإنساني ، وخطر الأيديولوجيا الإرهابية

ما هي الفلسفة؟

إن السؤال عن ماهية الشيء ، هو محاولة من طرف الإنسان لفهم ما يحيطه من الأشياء و الموجودات ، ومن الناحية الوجودية فالبحث عن ماهية الشيء ، هو ذلك البحث الذي يقام من أجل فهم طبيعة الشيء وهويته التي يتكون منها ، مثل قولنا: ما هي الشمس؟ ؛ حيث نحن هكذا نسأل عن طبيعتها وتكوينها لنستطيع تحديد تعريفها أو ماهيتها ، لكن في بعض الأحيان لا يمكن إقامة تعريف متفق عليه من قبل البشر لهذا الشيء ؛ حيث أن فهم الطبيعة والهوية الخاصة بهذا الشيء ، لا يسمح لإقامة تعريف صحيح متفق عليه من قبل البشر ، لكن هذا الأمر لا يمنع المحاولة ، و لذلك نشأت العديد من التعريفات للفلسفة.

و إن محاولة تعريف الفلسفة لمهمة مستحيلة! هذا ما قاله البعض ، لكثرة الآراء والمذاهب والأفكار بها ، وإن كان التعريف مرضياً عند قوم لكان مكروهاً عند آخرين ، لكن يمكننا القول بأن الفلسفة هي ذلك النشاط ، أو هذه الطريقة في التفكير في مسائل بعينها مثل الإله ، الوجود ، و الزمان وهكذا ، لكن ما يميز هذا التفكير عن غيره هو استعماله للبراهين المنطقية الصارمة ، وهي أيضاً محاولة التفسير التي يقوم بها الفرد للأشياء من حوله ، ويمكن استعمال هذا التفكير أو التفلسف بقصد تعريف نظرة المرء تجاه الحياة و الموجودات وغير ذلك الكثير.¹

لكن إن كلمة "الفلسفة" هي كلمة أجنبية ذات أصل اغريقي ؛ حيث أننا إذا استمعنا إلى جميع ألسنة البشر حول العالم ، لوجدنا انهم كلهم باستثناء الهولنديين يقومون بنطق الكلمة حسب أصلها الاغريقي مع بعض التحوير أو التحريك ، فهناك من ينطقها فيلوسوفي وفيلوسوفيا وفلسفة ، ومع الرجوع إلى الأصل الاغريقي سوف نجد أن كلمة φιλοσοφία ليست لفظاً مفرداً ، بل هي لفظ مركب من كلمتين ، فيلو التي تعني محبة ، و سوفيا التي تعني حكمة ، ليصبح الناتج عن هذين المقطعين هو محبة الحكمة ، وهي بالمناسبة مقصد من مقاصد الفلسفة.²

وقد قال هيراقليطس البنطي وأيده في قوله شيشرون ، أن فيثاغورث هو أول من أطلق لفظ فيلوسيفر (بمعنى: محب الحكمة أو الفيلسوف) على أولئك الناس الذين اهتموا بدراسة الأشياء وطبيعتها ، و تركوا ما عدا ذلك من ألوان المعرفة ، و لما شعروا بأنهم لا يستطيعون معرفة كل شيء ، لم يدعوا أنفسهم بـ الحكماء بل دعوا أنفسهم بـ محبي الحكمة ، لأنهم سعوا إلى الحكمة وحاولوا قدر المستطاع بلوغها والاهتمام بها ، إذن الفيلسوف أو محب الحكمة هو من يسعى لمعرفة أو محاولة معرفة الأشياء وفهمها ، لكن يشكك البعض في نسبة هذا القول لفيثاغورث ؛ حيث يرى البعض أن من أطلق لفظ فيلسوف اول الأمر هو سقراط ، ومن بعده تلميذه أفلاطون الذي استعمل حب الحكمة ليفرق بين تفلسف أو حب الحكمة عند سقراط ، من ادعاء الحكمة عند السوفسطائيين ، و الفلسفة هي المعرفة العقلية والعلم بالمعنى الأعم ، وهذا المعنى نجده في مؤلفات أرسطو.³

ويقول الفيلسوف الوجودي الروسي نيكولاس برديائف: أن الفلسفة هي معرفة بالواقع عن طريق الوجود الإنساني ومظاهره العينية ، و يضيف أيضاً أن من يعرف نفسه تتكشف له اسرار كان يجهلها خلال معرفته بـ الآخرين ، و هذا التعريف على مقدار بساطته إلا أنه تعريف جيد ، لأن هذا التعريف يحتوي على المعرفة ، الواقع ، الوجود الإنساني ، مظاهره العينية ؛ وهذا تلخيص وإيجاز استطيع أن أقول عنه أنه دقيق ، لإحتوائه على أهم ما تدور الفلسفة الوجودية عنه وحوله.⁴

وهكذا حاولنا في السطور السابقة تبيان ماهية الفلسفة ، لكن ...

- بماذا تفيد الفلسفة؟

لا أرى من المنصف الحديث عن فائدة الفلسفة ، دون الإشارة إلى صدمة الفيلسوف من الواقع والحياة والناس! ؛ حيث نجد في قلب الفوضى اليومية للواقع العربي ، أن الفيلسوف الوجودي يقف حائراً ، أو متصدعاً مأزومًا بمعنى آخر ، أو كأنه ألقي به في عالم لا يخصه ، و للأسف تتجلى هذه الأزمة الوجودية هنا ، لا في نصوص الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أو كيركجور (ابو الفلسفة الوجودية) أو ألبير كامو فقط ، بل في شوارع المدن الكبرى ، وفي المقاهي ، و حتى في وجوه العابرين ، وفي صمت الطبقة الوسطى ، وفي لا جدوى المثقف!

حيث ينتمي الفيلسوف الوجودي إلى ذلك النوع الجميل من الوعي ، الذي يرفض التبرير الزائف ، و يقاوم التكيف ، ويتحدى كافة أشكال الإنكار ، هذا الوعي الذي استطيع أن اسميه بـ اليقظة ، هذه اليقظة التي قد تجعل من الواقع عبئًا ؛ حيث يقف الفيلسوف الوجودي وخلفه الفلسفة مواجهًا لـ اللامبالاة الجماعية ، والاغتراب العاطفي ، وعدم فهم الحرية وتقديرها ، وفي وطنه الذي خرج من حرب إلى أخرى ، نجد السوري مفتقداً لقيم الحوار والنقد والعقلانية مثله مثل أي شقيق له في دول الشرق الأوسط ؛ حيث أن هذه القيم لم تستدمج بنيويًا في الوعي الجمعي والمجتمعي ، مما أدى إلى ظهور أزمة المعنى في زمن ما بعد الحداثة في مجتمعاتنا.

و الفلسفة و الفكر الفلسفي لا يقدمان حلولاً جاهزة ، بل يساعدان الفيلسوف أو المثقف على مسائلة الواقع ، و تعرية المسكوت عنه ، و طرح الممكنات والإمكانات الوجودية للفرد في وطنه ، لكن نجد بعض المجتمعات وبعض أفرادها يطلبون من الفلسفة تقديم نفع مباشر ، و تطبيقاً فورياً! ، و بهذا تظهر لنا مفارقة جذابة أو مثيرة للاهتمام والاستنكار في نفس الآن ، و هي مفارقة كيف نقوم بتطبيق فكرة ولدت من معاناة العقل في واقع يرفض التفكير؟ ، مع العلم بمطالبتهم بالتطبيقات الفورية والجاهزة! ، و من الجدير بالذكر الإشارة إلى أن بعض المفكرين من الإخوان يفرضون التفكير الفلسفي ، لأنه يريهم هشاشة أفكارهم وضعف سلطانهم ، كما يربك العامة من غير المتعلمين والمنتمين للإخوان ، لأنه يوقظ الأسئلة التي طُمست لأجل "الطمأنينة الزائفة".

ومن النقاط الموجزة السابقة يتضح لنا أن الفلسفة مهمة ، لأنها ترينا الخلل ، ثم تقدم محاولات و حلولاً من أجل إصلاح الخلل ، و استئصال امراض المجتمع الفكرية ، و هذا إن تم فسوف يتم عن طريق مساعدة العلوم الإنسانية الأخرى مثل علم الإجتماع ، و علم النفس ، لكن تظل الصدارة للفلسفة ، عندما يكون عدونا مدعي تفكير وبلا ضمير... لكن...

- كيف نستخدم الفلسفة؟ ، الفلسفة الوجودية تحديداً؟

الفلسفة الوجودية ليست نظرية إجتماعية بالمعنى الكلاسيكي ، لكنها تمنحنا عدسة شديدة الحساسية لفهم الفرد داخل مجتمعه ؛ حيث تجعلنا الفلسفة الوجودية بحكم انها فلسفة إنسانية ، نسأل:

• كيف يحيا الفرد في وطنه/مجتمعه/بيته؟
• كيف يشعر وهو مع الآخرين؟
• كيف يختنق ، أو كيف يختار أو لا يختار؟

و الاهم من ذلك كيف يفهم نفسه ، وكيف يراها.

وفي مجتمعاتنا العربية ؛ حيث يختلط الموروث بالدين ، و الدين بالسلطة ، و السلطة بالخوف ، نجد أن الفلسفة الوجودية تحاول تقديم طرق لفهم ما وراء السلوك الظاهري ، و الفرد في الفلسفة الوجودية لا يُفهم عبر طبقته ، أو دينه ، أو ثقافته فقط ، بل يفهم بوصفه كائناً حرًّا مسؤولاً ، قلقاً على أصالة وجوده وحريته ، ومتورطاً في الواقع.

و هنا ، نستطيع رؤية المجتمع بطريقة أخرى ؛ حيث قد نراه:

• كـ منظومة لا تحاول فهم الفرد ، بل تحاول أن تتخطاه ، وهنا يجب على الفرد التمسك بالقيم الفردية والوجودية.
• و لا نراه كـ مسرح ثقافي ، بل كـ "حلبة ضغط وجودي" على الفرد المفكر.

و يجب علينا أن نستخدم الفلسفة الوجودية ، عندما نجد:
• الفرد يولد في قوالب جاهزة.
• ويقال له لا تفكر ولا تناقش الكبار.
• وافعل ما يفعله الآخرون ، ولا تتميز.
• وعندما يقومون بتربيته على أن الاختلاف فتنه.
• وعندما يجعلونه يعيش حياة ليست له.
• وعندما يفكرون في سلب حريته و فردانيته وحقوقه منه!

و الفلسفة عندما نستخدمها ، فهي تجعلنا لا نقبل مخدرات الذات ؛ حيث نجد الأفراد في مواجهة الأزمات الوجودية ، يقومون بـ الهروب إلى الجماعة والى أولئك المتدينين ، أو يهربون إلى الطائفة أو العشيرة ، ومن منظور وجودي فهذه الهويات المزيفة (لأنها انتماءات غير حقيقية) ليست حلولاً ، بل مخدرات للذات ، و أقول إلى كل شاب في أزمة وجودية ، ابتعد عن كل المخدرات ولا تقبل بـ مجرد الهروب ، واجه وتحمل المسؤولية ، لأن وطنك يحتاجك ، وأهلك في حاجة إليك دائماً...

ونحن نستخدم الفلسفة ، لكي نقوم بـ تعرية زيف المجتمعات المنمقة ، و لكي نجعل الفرد مركزاً للمعنى ، لا مجرد ترس في آلة ، و لكي نفتح الباب أمام "الحياة الأصيلة" ، حتى وسط رداءة المجتمع أو الوجود!

و عليك أن تكون صادقاً ، حتى لو كان عالمك يخاف الحقيقة.
و عش كما لو أن الحرية ممكنة ، رغم كل ما يقنعك بالعكس.
و المجتمع ليس قدراً ، بل بناء حيوي ، وكل بناء قابل للهدم وإعادة التأسيس على أساس سليم ، يحترم الإنسان ، و حرية التفكير ويؤمن بـ إمكان الضمير.

عن التفكير الإنساني:

التفكير ليس مجرد تراكم عشوائي للمعطيات الحسية.

لأن التفكير هو ذلك النشاط التركيبي ، الذي يقوم به العقل لتنظيم خبراته ، و للمزيد من الفهم في هذا الأمر ، يجب علينا أن نتناول التفكير الإنساني عند الفيلسوف إيمانويل كانط فيلسوف التنوير ؛ حيث أن إيمانويل كانط قد ميز بين نوعين من المعرفة ، النوع الأول هو المعرفة القبلية (a priori) ؛ حيث يكون العقل هو مصدرها ، و من سماتها الأساسية أنها ضرورية ومستقلة عن التجربة ، أما النوع الثاني فهو المعرفة البعدية (a posterior) ؛ حيث مصدرها الحواس ، ومن سماتها الأساسية أنها تجريبية و مشروطة بالتجربة.

و محاولة التفكير الإنساني عند كانط ، هي محاولة مزج بين الحس والعقل ، لكنها لا تقوم بـ اختزال إحداهما في الآخر ، و في مقاله عن "جواب على سؤال: ما هو التنوير؟" نجد إيمانويل كانط يقول: "إن بلوغ التنوير هو خروج الإنسان من القصور الذي هو مسؤول عنه" ، ويعطينا بعد كلامه هذا شعاراً نتمسك به في رحلتنا ، و هو "تجرأ على أن تعرف!" (sapere aude) ، ويضيف قائلاً: كن جريئًا في إستعمال عقلك أنت! ، لأن ذلك هو شعار التنوير⁵ ، وهكذا يتبين أن التفكير الإنساني يعني القدرة على الحكم الذاتي للعقل ، بمعنى أن لا اقبل اي فكرة دون أن اتحقق منها بنفسي ، ولا أخضع لسلطة أو تفكير دون مسائلة نقدية ، ويعني أيضاً أن التفكير هو شرط هام من شروط الحرية.

و التفكير لا قيمة له إذا لم يقترن بـ :
• الحرية: لأن الفرد يفكر حين يختار ، و الإختيار يعني الإنفتاح على الحرية.
• المسؤولية: لأن الفرد مسؤول عن ما يفكر فيه ، ومسؤول عن ما يقوله ويخبر به الآخرين.

وهكذا يتضح لنا أن الحرية ليست أن تفعل ما تريد ، بل أن تستخدم عقلك دون وصاية ، لأنك مفكر ومسؤول ، وعندما يمتلك المرء التفكير والمسؤولية ، فهذا يعني أنه في طريقه للإنفتاح على الحرية ، مما يكسب حياته شكلاً أكثر أصالة وجوديًا.

وهناك ثلاثة مبادئ أساسية لقيام عملية التفكير الإنساني عند كانط وهي:

• مبدأ الكلية (universality) ؛ حيث أن التفكير الإنساني لا يصح إلا إذا أمكن تعميمه ، بمعنى أنني كـ فرد موجود لا افكر فقط لما يناسبني ، بل لما يمكن أن يكون قانوناً للكل و مناسباً لهم ، وهذا شرط من الشروط الأساسية للأخلاق الكانطية.
• مبدأ الاستقلالية (autonomy) ؛ حيث أن العقل ليس تابعاً ، لا للسلطة ، ولا للعقيدة ، ولا للتجربة فقط ، لأن التفكير الإنساني هو عقل يشرّع لنفسه ، على أسس معرفية وتجريبية ومنطقية سليمة.
• مبدأ الهدفية الغائية (finality) ؛ حيث الإنسان لا يُستعمل أو لا يُعامل على أنه وسيلة ، لأن الشكل الحقيقي للتفكير هو الذي لا يحول الإنسان إلى أداة ، بل ذلك الذي يعترف به كغاية.

كل هذا جميل ، لكن كيف نُفعل التفكير الكانطي في مجتمعاتنا العربية المعاصرة؟
الإجابة ، عن طريق:
• إعادة الإعتبار للعقل والتفكير ، لا للسلطة والتراثيات.
• تدريب الناشئة على السؤال لا على الحفظ.
• التمييز بين حرية الاعتقاد وحرية التفكير.
• ممارسة العقل والتفكير كـ أخلاق لا كـ ذكاء مجرد.
• وأن استخدم عقلي ، فهذا يعني أنني إنسان.
• و أنا حر لأنني أشرّع بعقلي ، ولا أتبعه كـ عبد.

- لكن ، كيف يوجد التنوير؟

ليس عبر التفكير وحده ، بل عبر التفكير النقدي القائم على:
• التساؤل.
• الشك.
• التجريب.
• البرهان.

وعبر التربية والتعليم ؛ حيث لا تنوير بلا:

• الشك البناء.
• التفكير الاستقلالي.
•الحوار المفتوح.

- إشكاليات التنوير في السياق العربي: (تساؤلات ، إجابات)

• هل التنوير غربي المنشأ؟
- من الناحية التاريخية ، نعم ؛ ومن وجهة نظري فالقيم مثل الحرية ، النقد ، العقل ، حقوق الإنسان هي قيم كونية ، بمعنى أنني عندما أستخدمها فهذا يعني أن على غيري استخدامها والتمتع بها ، مثلما حظيت انا بها.

• هل يتناقض التنوير مع الدين؟
- لا ، إذا تم فهم الدين ورؤيته كـ منظومة أخلاقية روحية منفتحة.
- نعم ، إذا استخدم الدين كـ سلطة مغلقة تحتكر المعنى والحقيقة.

• هل نحتاج إلى تنويرنا الخاص؟
- نعم ، نحن نحتاج إلى تنويرنا الخاص ، لأن التنوير ليس قالباً جامداً ، بل هو روح نقدية قابلة للتأصيل الثقافي ، و التنوير في سياق عربي ، يجب أن يعاد إنتاجه داخل اللغة ، الذاكرة ، والسياق المحلي.

و التنوير ليس لحظة في القرن الثامن عشر ، بل هو كل لحظة تختار فيها العقل بدل الخرافة ، وعندما نختار الاختلاف بدل التكرار ، و الحوار بدلاً من العنف ، والمسؤولية بدل الخضوع ، وعندما نختار الحرية دائماً وأبداً...

- التفكير الإنساني مقابل التفكير الإرهابي:

التفكير الإنساني ليس مجرد التفكير المجرد ، بل هو تلك المنظومة العقلية الأخلاقية التي تؤمن بحرية الإنسان ، و بكرامته الوجودية ، و بقدرته على النقد والتغيير ، وبأن القيمة أعلى من العرق ، و الدين ، و الجنس ، و الإنتماء.

و التفكير الإنساني هو أحد الأسباب الرئيسية لتكوين حقوق الإنسان ، العدالة الاجتماعية ، و الحركات المناهضة للعبودية ، و مقاومة الاستبداد ، و فلسفات الوجود و التحرر ، والتفكيك.

بينما الأيديولوجيا الإرهابية هي تلك البنية الفكرية المنغلقة ، التي تقوم على اختزال الإنسان إلى هوية واحدة دينية ، أو عرقية ، أو حتى قومية ، و هي أيضاً محاولة لنزع الشرعية عن الآخر ؛ حيث يتم تجريده (أي: الإنسان) من إنسانيته ، و هي تبرير العنف باسم الحق المطلق ، أو الطهر وأشياء من هذا القبيل ، و هي التحريض على القتل كفعل تطهير ، و هذا الأمر الأخير كان ظاهراً وبوضوح عند الجماعات الإرهابية سيئة الذكر مثل داعش!

و الإرهاب لا يولد من الفراغ ، بل يتغذى على:

• الخطابات الزائفة والداعية باسم الدين.
• فقدان المعنى والقيمة الوجودية للأفراد.
• والانفصال عن الجماعة ؛ حيث أن الإرهابي يختار كل من نفاه المجتمع أو لم يهتم به ، لكي يقدم له الاهتمام الكاذب والانتماء المزيف ، ويتحول الفرد هنا من مواطن صالح إلى مرتزق فاسد القيم ضعيف الأخلاق.

والأيديولوجيا الإرهابية تقدم وهم القوة واليقين والأهم من ذلك الخلود! ، ويتم تقديم هذه القيم بواسطة خطاب ديني ضحل ، ضعيف النصوص ومشكوك في قيمته ومدى صلاحيتها لزماننا.

والأيديولوجيا الإرهابية هي تهديد صريح للفكر الإنساني ؛ حيث أنها تقتل الحق في التفكير والاختلاف.

و تستبدل الحوار بالفتوى ، و العقل بالنقل المشوه.

وتعيد العالم إلى نظام الطاعة-الخوف-القوة ، لا إلى الحرية-المسؤولية-الاختيار.

لكن ، كيف يواجه الفكر الإنساني الإرهاب ؟
ليس بالقوة فقط ، بل عبر:
• الفكر النقدي: تحديداً تفكيك خطاب الإرهاب ، وكشف تناقضاته.
• التعليم التحرري: حيث نقوم بـ إعادة بناء الذات الحرة.
• الفلسفة الوجودية: جعل الفرد مسؤولاً عن اختياراته لا عبداً لها.
• الفنون: حيث مواجهة قبح العنف بجمال التعبير.

وهكذا يتضح لنا أهمية التفكير الإنساني ، وخطر الأيديولوجيا الإرهابية على المجتمعات.
وفي الختام ، حفظ الله مصر وشعبها...

الهوامش:
1- صـ ١٤ ، الفلسفة: الأسس ؛ تأليف: نيغيل واربرتون ، ترجمة: محمد عثمان ، مراجعة: سمير كرم ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، الطبعة الأولى - عام ٢٠٠٩ ، بيروت.
2- ٣٩ ، في دلالة الفلسفة وسؤال النشأة: نقد التمركز الأوروبي ؛ تأليف: الطيب بوعزة ، مركز نماء للبحوث والدراسات ، الطبعة الأولى - عام ٢٠١٢ ، بيروت.
3- صـ ٧٩ ، مدخل جديد إلى الفلسفة ؛ تأليف: عبد الرحمن بدوي ، دار مدين ، الطبعة الأولى -عام ٢٠٠٦ ، ... .
4- صـ ٩ ، الحلم والواقع ؛ تأليف: نيكولاس برديائف ، ترجمة: فؤاد كامل ، مراجعة: علي أدهم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، طبعة عام- ١٩٨٤ ، القاهرة.
5- صـ ٨٥ (مع بعض التصرف في النص) ، ثلاثة نصوص: تأملات في التربية - ما هي الأنوار؟ - ما التوجه في التفكير؟ ؛ تأليف: أمانويل كانط ، تعريب وتعليق: محمود بن جماعة ، دار محمد علي للنشر ، الطبعة الأولى - عام ٢٠٠٥ ، صفاقس (تونس).



#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن ليس للتسلية، بل للفهم والتحول الوجودي!
- الألم لا يُشوّه الجمال ، لكنه يكشف عنه
- الشعر الرومانسي والشعر الوجودي: أيّهما أكثر تعبيرًا عن واقعن ...
- لماذا نسأل: لماذا؟ ، محاولة لبناء مدخل فلسفي موجز إلى أعمق ا ...
- قصيدة النرجس: قراءة وجودية و هرمنيوطيقية-أنطولوجية
- البيان القومي الوجودي الإنساني: رؤية فلسفية في جدلية الهوية ...
- وليم وردزورث: بين السمات الرومانسية والقراءة الوجودية
- التفكير القمري والتفكير الشمسي: قراءة في جدلية الإدراك والتك ...
- قراءة ديالكتيكيّة للأحلام ، ونظرات أخرى
- الوعي والتفكير القمري: نحو فهم الوجود من خلال أنماط الإدراك ...
- القمر ، والتفكير القمري على الطريقة المصرية القديمة: بين الد ...
- ديالكتيكيّة تفسير الأحلام عند ابن سيرين
- هل يمكن قراءة الأعمال الكرتونيّة وجوديًا؟
- المنطق الوجوديّ ... -المنطق الذي لا يسعى للتوصل إلى قوانين ث ...
- المنطق الوجودي ... منطق الإنسان الملقى به في الوجود
- مقالة غير ختاميّة عن فلسفة الشوارع المصريّة
- مقالات أدبيّة: الشذرّة الرهاويّة ... من الأدب الرؤيويّ الأپو ...
- مقالات وجودية: نظريّة المراحل الكيركجوريّة
- مقالات وجودية: فلسفة الشوارع المصرية ، الجزء الثاني
- مقالات وجودية: نظريّة المراحل عند كيركجور


المزيد.....




- إيتاي تشين.. إسرائيل تعلن تسلمها رفات آخر رهينة أمريكي إسرائ ...
- الأزمة الجزائرية الفرنسية: ماكرون يمد يده لتبون؟
- لبنان قد يخفض أو يلغي كفالة الإفراج عن هنيبال القذافي بحسب م ...
- موريتانيا: المحكمة العليا تثبت الحكم بسجن الرئيس السابق محمد ...
- فرنسا: رئيس الوزراء سباستيان لوكورنو يجدد رفض إلغاء اتفاقية ...
- الانتخابات الأمريكية المحلية: -اختبار- للديموقراطيين والجمهو ...
- القوة الدولية في غزة كما تراها إدارة ترامب
- مشوع قانون المالية لسنة 2026: طاحونة الشيء المعتاد (2)
- بوتين: صاروخ -بوريفيستنيك- يضمن أمن روسيا لعقود
- صور..كنوز توت عنخ آمون تعرض لأول مرة في المتحف المصري الكبير ...


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - عن الفلسفة والتفكير، وخطر الأيديولوجية الإرهابية