أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - لماذا نسأل: لماذا؟ ، محاولة لبناء مدخل فلسفي موجز إلى أعمق اسئلة الكائن البشري















المزيد.....

لماذا نسأل: لماذا؟ ، محاولة لبناء مدخل فلسفي موجز إلى أعمق اسئلة الكائن البشري


عزالدين محمد ابوبكر

الحوار المتمدن-العدد: 8413 - 2025 / 7 / 24 - 19:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"يبدو أننا خُلقنا لنسأل ؛ ما أجمل جحيم السؤال ومأزق الوجود!" ، هذا ما حدثت به نفسي قبل أن اخلد إلى النوم عندما فكرت بـ دلالة وقصدية الـ "لماذا؟" ، و بسبب هذا نشأت لنا تدوينة اليوم من كلام ما قبل النوم ، وفي الواقع إن الـ "لماذا؟" ليست مجرد أداة استفهام ، بل هي فعل وجودي بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، و سوف نبين هذا الأمر في تدوينة اليوم ، و أنا أرى أن السؤال بـ "لماذا؟" هو سؤال قديم قدم الفكر الفلسفي ، مثلما قال مارتن هايدجر عن السؤال عن ماهية الشيء أنه سؤال قديم ، والجديد فيه دائماً هو فقط أنه يجب في كل حين طرحه من جديد.

منذ اللحظة الأولى للوعي عند الإنسان ، يبدو أنه لم يكن مجرد حيوان ناطق (حسب التعريف الكلاسيكي) فحسب ، بل كان كائناً يتساءل ويبحث من حوله وفي الموجودات ؛ حيث يمكننا معرفة أن أجدادنا البدائيين كانوا يسألون أو بـ الأحرى يندهشون! ، وبعد هذا الإندهاش يأتي سؤال الانتعاش "لماذا؟" ، حيث يجدون أنفسهم أمام خواء التعريف ، واليوم نرى أغلب الأطفال الصغار يسألون: لماذا السماء زرقاء؟ وعندما يكبرون قليلاً ويصبحون مراهقين يسألون: لماذا نحن مختلفين؟ ، وعندما يصيبهم المرض يسألون: لماذا يحدث هذا؟ ، وعندما يصبحون فلاسفة نجدهم يسألون: لماذا هناك شيء بدلاً من لا شيء؟ ، ليظهر لنا أن تاريخ تطور الإنسان ، هو تاريخ تطوري رافقه سؤال "لماذا؟" ، و هذا السؤال هو جذر العقل ، وجرح الروح ، و هو تلك الشيفرة التي تجعل القلق يعطينا معنًا لوجودنا.

و السؤال بـ "لماذا؟" هو فعل وجودي بامتياز ، لأنه سؤال يتحدى السكوت ، ويرفض الخضوع لأنه يرغب في الفهم ، لكن هذه الرغبة في الفهم ، قد تترجم في أحيان كثيرة إلى الرغبة في النجاة ، أو على الأقل "لماذا؟" انا موجود هنا؟ ، ونحن كـ ذوات عاقلة نقول "لماذا؟" عندما لا يكفينا الجواب السطحي ، ونقولها في بعض الأوقات لأن الوجود يربكنا ، لكن يبدو أننا نقول "لماذا؟" لأننا نريد أن نعثر على خيط في متاهة الحياة ، أو على الأقل شمعة تنير لنا الطريق أو تجعلنا نعثر على صديق! ، لكن يظل السؤال تمرينًا من أجل التأكد من صلابة الفكر.

الفلسفة لا تبدأ بـ الإجابات ، بل تبدأ عندما يسأل أحدهم: لكن "لماذا؟" ، وغالباً ما تنتهي محاولة الإجابة إلى حيز من الفراغ أو الخواء التعريفي الشرس ، الذي تقوم المذاهب الفلسفية المختلفة بـ إعادة تأهيله ، عن طريق إعادة سؤاله أو إعادة طرحه! ، وقد أحسن مارتن هايدجر عندما قال "الفلسفة عندما تبتدئ تكون دائماً في وضعية حرجة" ، وكل ما بني من مذاهب وأفكار وتيارات فلسفية ، إنما هو استجابة طويلة ، ومعقدة تحكمها الصيرورة ، ولذلك هي متغيرة دائماً لسؤال "لماذا؟" ، وإن الفيثاغوريون ، و أفلاطون ، ابن رشد ، نيتشه ، سارتر ، وحنة آرندت ، بالإضافة إلى فتجنشتاين ، كلهم كانوا أطفالاً كباراً سألوا "لماذا؟" ... ثم رفضوا السكوت ، وهناك غيرهم الكثير من الأطفال الكبار مجهولين الهوية عند القراء ، لكن "لماذا؟"

و علم النفس الحديث أو علم النفس الوجودي ، يعلمنا أن الإنسان عندما يسأل "لماذا؟" في حالات الألم أو الصدمة ، إنه لا يبحث أو بـ معنى أصح لا يكترث بـ التفسير المنطقي ، ولا يحاول البحث عنه دائماً ؛ لأنه يبحث أو يسأل من أجل معنى يتحمل به المأساة حيث أن:
• المصدوم يسأل: لماذا أنا؟
• المحزون يسأل: لماذا غادروا أو ذهبوا؟
• المكتئب يسأل: لماذا لا أشعر بشيء؟
• أما عن الفيلسوف فهو يسأل: لماذا الشروخ تملأنا؟ ، ولماذا الحوائط لا تحتوينا؟

كل هذه الأسئلة ليست أسئلة عقلية فقط ، بل هي وجودية لها زاوية شعورية حادة ، وتكتسي بـ رداء باطني/جواني يحمل الكثير من السمات الوجودية للفرد ، وهذه الأسئلة إذا لم تُعطَ فضاءًا آمنًا ، فقد تتحول أو تنمسخ بتعبير كافكوي إلى خدر ، أو إلى عدوان أو نوع من الصمت القاتل ، وهكذا قد نصل إلى نفس النتيجة التي توصل إليها هايدجر ، وهي إن الفلسفة هي ذلك التفكير الذي يبدو من ماهيته ، أنه لا جدوى منه لكنه يثير الانفعالات أو ضحك الخادمات بتعبير هايدجر.

وقد سبق و وصفت الشاعر وردزورث بأنه "شاعر الوجود أو شاعر للوجود" ، لما في شعره من سمات يمكن قراءتها وجوديًا ، لكن لماذا يقول الشعراء "لماذا؟" ؟ ، في الحقيقة يبدو لي أن الشعراء يسألون من أجل أن ينقذوا اللغة مِن مَن ؟ ، من التكلس والجمود ؛ حيث أن اللغة بلا "لماذا؟" هي مثل الطفل بلا بزازه (قنينة الحليب)* ، لأنها لن تنمو ولم تكبر بدون السؤال ، و بدون السؤال لن يكون هناك تفكير! ، بينما نجد المتصوفة يسألون "لماذا؟" لكي يعرفوا ويخترقوا حجب المعنى ، وبكل تجريد ألخص الأمر لك/لكي بأنهم يبحثون عن الحق! ، حتى الأنبياء - في لحظات الوحي أو التواصل - سألو "لماذا؟" ؛ وخير مثال على هذا نجده في القرآن الكريم ، حيث نجد النبي موسى يخبر ربه بأنه لما اُنزل إليه من خير فقير ، ونجد أيضاً يسوع المسيح في الأناجيل القانونية يقول أثناء الصلب "إلهي لماذا تركتني؟" ، وهذه الـ "لماذا؟" بالتحديد هي لحظة تمزق روحي لا يطلب تفسيراً ، بل يتوق إلى حضن المعنى ، و دفء الكينونة ، إذن كلمة "لماذا؟" ، هي فعل وجودي ، له أهمية وجدية و نبوية و كونية.

لكن ، "لماذا؟" خطر غياب السؤال؟
لأننا عندما نتوقف عن السؤال ، لا نصبح أكثر سلامًا ، بل نصبح أكثر قابلية للاستعباد ... ، حيث أن الأنظمة الشمولية مثل النازية وقياداتها ، و الأيديولوجيات المنغلقة أو المنكبة على نفسها ، هي كلها أشكال من التفكير اللا-سؤالي (المعتمد على الترديد) الذي يخشى سؤال "لماذا؟"
وقد يبدو لنا من هذه النقطة ، أن السؤال هو تلك الفوضى الجميلة التي تسبق الحرية ، أو أنه هذا الصوت الذي ملأ العالم كينونةٍ وإمكانًا ، و هو ذلك الإنفجار الأول في الكون الداخلي للإنسان.

و لكن ، هل من جواب للـ "لماذا؟"؟
بكل أسف وسعادة ، ليس دائماً.
لأننا أحياناً نسأل "لماذا؟" ولا نجد جواباً ، أو لا نسمعه بسبب صوت صرصار الليل ... لكننا نصبح أكثر إنسانية لمجرد السؤال ؛ حيث أننا نحاول فتح آفاق جديدة ، و الـ "لماذا؟" لا تُعطينا يقينًا ، بل هي تربينا تربية وجودية على التواضع ، و على الحيرة ، و على المساءلة ، و على مواجهة الفراغ و الخواء المتربص بنا في كل مكان! ، و هذا هو ما يجعلنا أحياء بالمعنى الحقيقي ، و نحن نحيا بالسرد ، ولكن نولد بالسؤال.

- ختامًا ، من أجل بداية جديدة أو "لماذا؟" نسأل "لماذا؟" ؟
+ نسأل لأننا نرفض أن نكون مجرد تروس في آلة ، و لأننا نبحث عن المعنى ، حتى حين يخذلنا لأننا بشر!
وكل سؤال بـ "لماذا؟" هو عدم منفتح على الوجود.
واسأل لكي لا تحاصر بـ التساؤلات المفرضة عليك.
ولا تقف جامداً في مكانك لكي لا تصبح نسأل بين "لماذا؟" نسأل "لماذا؟".

المصدر:
صـ ٣٣ ، ٣٥ – السؤال عن الشيء: حول نظرية المبادئ الترنسندنتالية عند كَنْت ؛ تأليف: مارتن هايدغر ، ترجمة: إسماعيل المصدق ، مراجعة: موسى وهبة ، المنظمة العربية للترجمة ، الطبعة الأولى-٢٠١٢ ، بيروت.



#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة النرجس: قراءة وجودية و هرمنيوطيقية-أنطولوجية
- البيان القومي الوجودي الإنساني: رؤية فلسفية في جدلية الهوية ...
- وليم وردزورث: بين السمات الرومانسية والقراءة الوجودية
- التفكير القمري والتفكير الشمسي: قراءة في جدلية الإدراك والتك ...
- قراءة ديالكتيكيّة للأحلام ، ونظرات أخرى
- الوعي والتفكير القمري: نحو فهم الوجود من خلال أنماط الإدراك ...
- القمر ، والتفكير القمري على الطريقة المصرية القديمة: بين الد ...
- ديالكتيكيّة تفسير الأحلام عند ابن سيرين
- هل يمكن قراءة الأعمال الكرتونيّة وجوديًا؟
- المنطق الوجوديّ ... -المنطق الذي لا يسعى للتوصل إلى قوانين ث ...
- المنطق الوجودي ... منطق الإنسان الملقى به في الوجود
- مقالة غير ختاميّة عن فلسفة الشوارع المصريّة
- مقالات أدبيّة: الشذرّة الرهاويّة ... من الأدب الرؤيويّ الأپو ...
- مقالات وجودية: نظريّة المراحل الكيركجوريّة
- مقالات وجودية: فلسفة الشوارع المصرية ، الجزء الثاني
- مقالات وجودية: نظريّة المراحل عند كيركجور
- فلسفة الشوارع المصريّة : فلسفة مواقف ، وتفكر إنسانيّ.
- مقالات وجوديّة: أبو الدرداء ، حياته ، ومذهبه ، ومواقفه الوجو ...
- مقالات وجودية: هل يمكن دراسة ”السحر العربي“ وجودياً؟
- مقالات وجودية: كيركجور ومواقفه الفلسفية


المزيد.....




- وسط مواقف متباينة.. فرنسا تدافع عن قرارها الاعتراف بدولة فلس ...
- حرائق جديدة تلتهم غابات تركيا والحكومة تعلن منطقتي كوارث
- مراقبون: مقتل العشرات بهجمات للدعم السريع في قرية بغرب السود ...
- بسبب الحرب في غزة.. هل ستنهج ألمانيا موقفا أكثر صرامة إزاء إ ...
- عاجل | مصادر بمستشفيات قطاع غزة: استشهاد 38 فلسطينيا بنيران ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ من اليمن
- عاجل | بيان مشترك لأعضاء بالكونغرس الأميركي: هناك فوضى وخطور ...
- ماذا وراء طلب دمشق من أنقرة تعزيز قواتها الدفاعية؟
- بيان دمشق وواشنطن وباريس.. هل ترجم آمال ومطالب الشعب السوري؟ ...
- الإمارات ترحب باعتزام فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين محمد ابوبكر - لماذا نسأل: لماذا؟ ، محاولة لبناء مدخل فلسفي موجز إلى أعمق اسئلة الكائن البشري