عزالدين محمد ابوبكر
الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 16:41
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المنطق الوجوديّ ليس منطقًا صوريًا يرتكز على القواعد العقلانيّة الصارمة ، بل هو منطق ينطلق من التجربة الإنسانيّة الحيّة ، و هو مرآة تعكس الصراع الداخليّ للإنسان مع وجوده في العالم ؛ والمنطق الوجوديّ يتعامل مع الأسئلة الحيويّة ، التي تتعلق بالوجود وتهتم بها الفلسفة الوجوديّة ، مثل : الهوية ، والحرية ، و البحث عن المعنى ، وهي قضايا إنسانيّة عميقة ، يمكن للإنسان أن يتفاعل معها في حياته اليومية ، لأنها نابعة من التفكر الموقفي في المواقف الإنسانيّة.
والمنطق الوجوديّ مثلما سبق وأشرت ، يستمد قضاياه من السمات الأساسيّة للفلسفة الوجوديّة ؛ مثل قول جان بول سارتر "الوجود يسبق الماهيّة" ، الذي يعني أن الإنسان يُولد أولاً دون جوهر (Essence) أو معنى محدد له (نفي الحتميّة) ، ثم يُعرف نفسه ويقوم بعمل معناه الخاص ، من خلال أفعاله واختياراته ، و وفقًا لهذا المفهوم ؛ فالإنسان ليس كائنًا له طبيعة ثابتة مسبقة أو محددة ، بل هو كائن حر (له إرادة حرة) يسعى إلى تحديد هويته من خلال اختياراته ، وتُعد الحرية من الموضوعات السائدة عند جميع الفلاسفة الوجوديين ، لأنها من الموضوعات التي تشكل جوهر الوجود الشخصيّ ، لأن ما يميز الإنسان عن جميع الموجودات الأُخرى التي نعرفها على سطح الكرة الأرضيّة ، هو ممارسته للحرية ، و قدرته على الإمساك بزمام الأمور ، وتشكيل مستقبله و من خلال اتخاذ الإنسان للقرارات ، تتحقق له وتظهر أمامه ذاته الحقة.
والحرية في الفلسفة الوجوديّة هي حرية لا تحدها قوانين أو تقاليد مُسبقة ، ولكن هذه الحرية تأتي مع مسؤوليّة كبيرة على عاتق الفرد ، فالفرد لا يختار فقط لنفسه ؛ بل هو يختار للإنسانيّة جمعاء ، لأنه لا يستطيع الهروب من واقع أنه يخلق/يشكل معايير للآخرين ، وهذه المسؤولية هي مصدر القلق الوجوديّ ؛ حيث يُدرك الإنسان أنه لا يستطيع الهروب من تأثير اختياراته ، و القلق (Angst) وقد سار إلى أبعد مدى له عند كيركجور ؛ وقد نهل كل الوجوديين من نهر كيركجور (مؤلفاته) مثل مارتن هايدجر الذي كان للقلق ، في فلسفته نصيب ، وقد قابل سارتر بين أوصاف القلق عند كيركجور و هايدجر ، ثم وجد أن الأوصاف والمفاهيم لا تبدو متناقضة بالنسبة له ، بل هي على العكس من هذا "وصف" يتضمن "الوصف" الآخر ، بمعنى أن المفاهيم متقاربة وتحتوي بعضها البعض ، و القلق الوجوديّ هو حالة نفسية وفكرية ، تنشأ عندما يُدرك الإنسان عدم اليقين والعبثية في الحياة.
و هذا القلق يظهر عندما يبدأ الإنسان في التساؤل عن معنى حياته ، أو عن معنى وجوده في عالم لا يُقدم أيّ إجابات واضحة ، وهذا القلق ليس ناتجًا عن ظروف خارجية ، بل هو جزء من التجربة الإنسانيّة (الوجدانية)* ؛ و يعتبر عند الفلاسفة الوجوديين مثل سارتر وكيركجور (قدمنا سارتر على كيركجور ، لأن الأول كان قارئًا الثاني) أساسًا ، من الأساسيات التي تحدد وجود الإنسان ، وقد ربط هايدجر الزمانيّة بـ القلق وشرح هذا الأمر ، في مُصنفه الشهير الوجود والزمان ، ومن خلال هذا القلق يمكن للإنسان أن يجد فرصة لتحديد ذاته ، و إعادة بناء معناه في العالم.
و غالبًا ما يشير الفلاسفة الوجوديين إلى أن الموت هو أحد الحقائق الوجوديّة ، التي لا يمكن تجنبها أو إنكارها إذن فالموت حقيقة ، لكن موت الإنسان يجعل الحياة محدودة ؛ وهذه المحدوديّة تجعل الإنسان مُنكبًا ومندفعًا ، على البحث عن المعنى في حياته ، لأنه بـ إدراكه لمحدوديّة زمانيّة وجوده ، يوقظه الإنغماس في الحياة بشكل أكثر أصالة ، إلى مدى أهميّة وجوده ، ويمكن تلخيص الفهم الوجوديّ للموت ، بأنه الوعي المستمر بأن الحياة لن تستمر طويلاً أو إلى الأبد ، وبالتالي فإن كل لحظة في الحياة تتطلب نوعًا من الوعي العميق ، والإختيار الواعي ؛ ويمكن الرجوع إلى رواية «موت إيڤان إيليتش» لتولستوي (صديق الإمام محمد عبده بالمناسبة) للمزيد من الفهم لهذا الأمر ، و يختلف التفكر الوجوديّ في الموت من فيلسوف وجوديّ إلى آخر.
وقد تناول الفيلسوف ألبير كامو مفهوم العبث ، في أعماله الفلسفيّة مثل "أسطورة سيزيف" و "رواية الغريب" ؛ حيث اعتبر أن الوجود البشريّ محكوم بالعبث لأن الإنسان يبحث عن معنى ، في عالم لا يُقدم أيّ دليل على وجود هذا المعنى ، ومن هذه النقطة فالإنسان يعيش في توتر دائم ، بين رغبته في المعنى والواقع الذي يخلو من أي غايه ، ويلاحظ اختلاف المترجمين لمؤلفات كامو إلى العربيّة ، في بيان أمر كلمة (Absurd) حيث نجد ترجمات الكلمة مُتفاوته من مترجم إلى آخر ، لكن سوف أُكرس مقالاً عن هذا المفهوم عن قريب ، لكن العبث لا يعني أن الحياة غير ذات قيمة ، بل أن الإنسان يجب أن يتقبل العبث ويستمر في العيش ، من خلال خلق معانيه الخاصة في عالم يفتقر إلى المعنى الموضوعيّ ، وكان كل ما سبق هو عرض موجز ؛ السمات الأساسيّة للفلسفة الوجوديّة ، التي يمكن استخدامها والبحث عنها بواسطة المنطق الوجوديّ.
- قضايّا الإنسان في المنطق الوجوديّ
القضيّة في المنطق هي وحدة التفكير ، وهي الحد الأدنى من الكلام المفهوم ؛ حيث أنها تكون مُنتهى تحليل جزء من مجرى الفكر ، وتسمى نهاية التحليل أو نتيجته بـالقضية ، ويمكن القول بأن القضية من بناء الفكر ، مثل خليّة في الكائن العضويّ ، حيث تكون هي وحدته التي لا يمكن تحليلها إلى عناصر أبسط منها ، مع احتفاظها بصفة الحياة ، كذلك "القضية" التي لا يمكن تحليلها إلى عناصر أبسط منها ، مع احتفاظها بصفة الفكر ، والقضيّة المنطقيّة الوجوديّة ، هي قضيّة تحوم في ساحة الأسئلة الوجوديّة ، التي تهتم بـ الإنسان ومواقفه اليوميّة ، والقضايّا التاليّة هي من أهم القضايّا ، التي يستطيع المنطق الوجوديّ أن يثيرها أو يُحللّها ؛ مثل قضيّة المعنى (أو عدم المعنى) ، حيث نجد أن الوجوديّة تتعامل معها بشكل مباشر ، مع "السؤال الكبير" عن معنى الحياة ، ففي عالم يعج بـالضوضاء والشكوك والمفارقات ؛ نجد الفلسفة الوجوديّة واقفة في ساحة الفلسفة ، برفقة السؤال الإنسانيّ المركزيّ "هل للحياة معنى؟" ، ويرى سارتر أن الحياة لا تحمل معنى مُسبقًا ، و أن الإنسان هو من يخلق هذا المعنى عبر أفعاله ، لكن ذلك يأتي مع التحدي الكبير ؛ كيف يستطيع الإنسان إيجاد معنى في عالم لا يُقدم أيّ أجوبةٍ واضحة؟ ، ويمكن أن يُترجم هذا إلى مسؤوليّة الإنسان في خلق معناه الخاص ، والإبتعاد عن الفراغ الوجوديّ ، الذي قد يُعرضه للإنغماس في العدميّة ، و الحريّة في المنطق الوجوديّ ليست مجرد قدرة على الإختيار ، بل هي أيضًا وعي كامل بالمسؤولية تجاه هذه الاختيارات ؛ لكن الحرية المطلقة لذوي النظر ، هي سلاح ذو حدين ، من جهة توفر للإنسان إمكانيّة بناء ذاته ، ومن جهة أُخرى ، تضعه في موقف من القلق الوجوديّ ، لأنها تعني أن الإنسان يجب أن يواجه نتائج اختياراته ، في ظل غياب أي ضمانات أو معايير خارجية.
وقضيّة الهويّة الذاتيّة ؛ حيث يتسائل الإنسان عن "مَنْ هو" أو "ما الذي يُحدد هويته" ، من خلال التفاعل مع العالم ، حيث الفرد يصنع ذاته ويُحدد مقاصده وأهدافه ، لكن هذا الصراع الداخليّ يعكس التمزق ، بين ما يريد أن يكون وما يتوقعه الآخرون منه ، كما في "حالة" الوجوديّة الإجتماعيّة (مثلما طرحها سارتر ، في "الوجود والعدم" ؛ في مفهوم "الآخر" وتأثيره على الفرد).
أما عن مواجهة الإنسان للعزلة الوجوديّة ، فنجد أنه لا يمكن للإنسان أن يشارك وجوده بالكامل مع الآخرين ، وهذه العزلة قد تكون مصدرًا للقلق ، لكنها قد تكون أيضًا مصدرًا للحريّة والتفرد ، والإغتراب هو حالة نفسية قد تنشأ ، عندما يشعر الإنسان بأنه منفصل عن العالم ، أو أن وجوده ليس متصلاً بالمجتمع ، ويبدو من النقاط السابقة ، أن المنطق الوجوديّ يتعامل مع قضايا الإنسان بشكل مباشر وجوهري ، و أن الفلسفة الوجوديّة لا تقدم حلولاً جاهزة ، بل تجعل الإنسان في مواجهة مباشرة مع تحديات الوجود ؛ وهكذا يتبين لنا أن المنطق الوجوديّ ، هو منطق يرفض التماثل مع القوانين التقليديّة (مع عدم نُكران استخدام بعض المصطلحات المتعلقة بالمنطق الكلاسيكي في المنطق الوجوديّ) ، ويعترف بأن الإنسان هو من يصنع معناه في عالم غارق في عدم اليقين.
- أهداف المنطق الوجودي
من أهم أهداف المنطق الوجوديّ ، هو تسليط الضوء على الحرية الإنسانيّة ، والإنسان وفقًا لهذه النظرة ، ليس محكومًا فقط بالقوانين الطبيعيّة أو المجتمعيّة ، بل يمتلك قدرة على اختيار مصيره ، لكن هذا الإختيار يأتي مع عبء المسؤولية ، ويجب على الإنسان أن يتحمل نتائج خياراته ، ويكون الهدف هنا هو تحليل العلاقة بين الحرية والمسؤوليّة ، وكيفية تأثيرها على صنع القرارات ، وإيجاد المعنى الشخصيّ في الحياة ، ونجد أيضًا أن فهم الموت ، يُعد من أحد أهم الأهداف المهمة للمنطق الوجوديّ ؛ حيث يبحث المنطق الوجوديّ في كيفيّة تأثير هذا الوعي بالموت ، على الخيارات اليوميّة للإنسان ، وكيف يمكن أن يولّد الوجود الأصيل ، أما بخصوص عبثيّة كامو ، فنجد أن "العبثيّة" هي حقيقة مفادها أن الكون لا يُقدم معايير ثابتة أو إجابات شافية عن الغاية من الحياة ، و المنطق الوجوديّ يبحث في كيفيّة تعايش الإنسان مع العبث ، دون أن يستسلم للهروب من الواقع أو اللجوء إلى الحلول المريحة.
- لكن هل توجد حدود للبحث في المنطق الوجوديّ؟
تتجلى أولى تلك الصعوبات ، في صعوبة القيام بـ"التحديد الكميّ" ؛ حيث يرفض المنطق الوجوديّ ، البحث عن تعريفات ثابتة أو قوانين ثابتة ثابتة للوجود ، فهو يتعامل مع التجربة الشخصيّة ، والتي هي غير قابلة للتقليص إلى أرقام أو معادلات ، وهذا يجعل تطبيق المنطق الوجوديّ في البحث العلميّ الكميّ أمرًا صعبًا ، إذ يعتمد البحث الوجوديّ على التحليل النوعيّ للتجربة البشريّة.
وثاني هذه الصعوبات تكمن في فكرة الذاتيّة ؛ حيث تستند الفلسفة الوجوديّة إلى التجربة الفرديّة ، ومن ثم فإن الإجابة على الأسئلة الوجوديّة قد تختلف من شخص إلى آخر ، وهذا يجعل النتائج غير قابلة للتعميم كما في العلوم الطبيعية ، وصعوبة التعامل مع المفاهيم غير القابلة للقياس ، مثل القلق ، والحرية ، والبحث عن المعنى ، وهي مفاهيم صعبة القياس ، وفي بعض الأحيان صعبة التفسير بموضوعيّة ؛ لأن هذه المفاهيم تتغير بناءًا على ثقافة الفرد ، أو دينه ، أو خلفيته الإجتماعيّة ، وتجربته الشخصيّة ، لذا يصعب تحديد حدود دقيقة لهذا النوع من المنطق ، وقد تكون النتائج غير متسقة أو شاملة ، لكن كل هذا لا يؤثر على مدى أهمية المنطق الوجوديّ ، لكل مفكر ومثقف ، لكن تظل مشكلة التقلب بين الفلسفات ، من أكثر المشاكل أهميّةٍ ؛ حيث أن المنطق الوجوديّ كثير التقلبات بين الفلسفات المختلفة مثل العدميّة ، أو العبثيّة ، أو التراجيديّة (موجودة حتى لو لم تسمع بها) ، وهذا يؤدي إلى تنوع واسع في الاستنتاجات ، والتفسيرات التي قد تكون متناقضة في بعض الأحيان.
- لكن ؛ ما هي النتائج الممكنة للمنطق الوجوديّ؟
في الحقيقة يبدو أن النتيجة الأساسية للمنطق الوجوديّ هي تحفيز الإنسان ، على قبول حريّة اختياره وتحمل المسؤولية المترتبة عليه ، وهذا يمنح الفرد القدرة على تشكيل حياته الخاصة ، بدلاً من الخضوع للأُطر الإجتماعيّة أو الثقافيّة التي تفرض معايير مُحددة ، ويجب أن نتذكر أنه من خلال الوعي بالحرية ، يمكن للإنسان أن يخلق معناه الشخصي في عالم ملئ باللا-يقين ، والفلسفة الوجوديّة تدعو الفرد إلى أن يعيش بشكل أصيل ، عن طريق أن يكون المرء وفيًا لنفسه أمام التوقعات الإجتماعيّة أو القيّم السائدة ؛ وهذه النتيجة تدعو الإنسان إلى التوقف عن التظاهر (أو الإدعاء بمعنى أصح) ، والعيش بصدق مع نفسه ومع العالم من حوله ، لكن المنطق الوجوديّ قد يؤدي إلى التصالح مع العبث ، حيث يُدرك الإنسان أنه لا يوجد معنى موضوعيّ أو غائيّ في الحياة ، لكن هذا الوعيّ يمكن أن يُحفز على إيجاد معنى شخصيّ ، من خلال الأنشطة اليوميّة والتفاعل مع الآخرين ، ويمكن للإنسان أن يجد السلام الداخليّ عن طريق التفاعل الإبداعيّ مع اللحظة الراهنة ، والقلق الوجوديّ بالرغم من كونه مصدرًا للألم ، إلا أنه يمكن أن يصبح دافعًا للإبداع والتحقيق الذاتيّ ، وهذا القلق يدفع الأفراد للتساؤل عن غرضهم في الحياة ، مما قد يؤدي إلى البحث الدؤوب عن المعنى والتجربة الشخصيّة ؛ وبما أن المنطق الوجوديّ يدعو إلى رفض القيّم المسبقة التي يفرضها المجتمع ، فإن هذه الفلسفة قد تساهم بشكل كبير في تحرير الإنسان من القيود الإجتماعيّة ، التي تحد من قدرته على التعبير عن ذاته ، ومن ثم فالإنسان يصبح قادرًا على العيش بـ حرية ، بعيدًا عن التوقعات التي تحد من إمكاناته ؛ ومن ما سبق يتبين أن النتائج المُمكنة ، التي يمكن أن يخلص إليها المنطق الوجوديّ تشمل تحقيق الحرية الشخصيّة ، وإيجاد المعنى الذاتيّ ، والتصالح مع العبث ، مما يؤدي إلى إبداع شخصيّ و رؤيّة جديدة للحياة أكثر أصالة.
و المنطق الوجوديّ يختلف عن المنطق الكلاسيكي ، في أنه لا يقتصر على التعامل مع الإستدلالات العقلانيّة أو المفاهيم المجردة ، بل يركّز على التجربة الإنسانيّة الواقعيّة والتفاعل مع العالم الذي نعيش فيه ، والهدف من المنطق الوجوديّ هو فهم كيفية وجود الإنسان في العالم ، وهو يعتمد على مفاهيم مثل الحرية ، والقلق ، والبحث عن المعنى ، والموت ، وفهم الحياة ، وكل هذه المفاهيم هي ضمن إطار بحث النظريّة المنطقيّة الوجوديّة ، ورغم أنّ المنطق الوجوديّ ليس منهجًا رياضيًا أو صوريًا ، إلا أنه يُمكن تطبيقه عمليًا في الحياة اليوميّة وفي تحليل التجربة الإنسانيّة ، وهذا التطبيق لا يتطلب تبريرات عقلية ؛ بقدر ما يركز على التفاعل الشخصيّ مع العالم والوجود.
وفي الحياة اليوميّة ، يُعد التطبيق العمليّ للمنطق الوجوديّ تحفيزًا للأفراد على اتخاذ قراراتهم بشكل شخصيّ ، وحمل مسؤولياتهم بشكل كبير ، من خلال الحرية التي تمنحها الوجوديّة ، يُتوقع من الناس أن يصنعوا اختياراتهم ، دون الإعتماد على تقاليد أو معايير مجتمعيّة ثابتة ، والإستدلال الوجوديّ لا يعتمد على القياسات العقلانيّة التقليديّة ؛ بل يستخدم التفكير العميق والتأمل في تجربة الحياة ، و وجب الإشارة إلى أن الفيلسوف الوجودي لا يسعى إلى التوصل إلى قوانين ثابتة ، بل إلى تحقيق الفهم العميق للوجود ، و الإستدلال الوجودي يتعامل مع المشاعر ، والاختيارات ، والتجارب الشخصيّة كـ أدوات أساسيّة لفهم الحياة ، ولا تقتصر فقط على الإستنتاجات العقليّة ؛ والإستدلال الوجوديّ يعتمد على الفهم الفرديّ للوجود ، وعندما يطرح الإنسان سؤالاً عن المعنى ، أو الهدف في حياته ؛ لا يكون البحث عن إجابة موضوعيّة ، بل عن تفسير شخصيّ يتماشى مع تجربته الداخليّة ، والمنطق الوجوديّ ليس منطق جاف ، بل هو منطق يشجع الشخص على التأمل في خياراته الخاصة ، ومشاعره تجاه العالم ، ومن المعروف أن الفلاسفة الوجوديين يرفضون البرهان الأنطولوجيّ (تذكر ديكارت ، أو ابحث عنه) كما طرحه الفلاسفة التقليديون ، و بدلاً من تناولهم البرهان الأنطولوجيّ والحديث عنه في أعمالهم ، فأننا نجدهم يدعون الأفراد إلى التفاعل مع الوجود بشكل أصيل ، والعيش في مواجهة الحقيقة غير المؤكدة ؛ ويمكننا أن نقول عن الفلسفة الوجوديّة أنها رحلة في الأراضيّ بعيدًا عن السماويّ ، والفلسفة الوجوديّة تتجاهل البرهان الأنطولوجيّ التقليديّ ؛ لأن أول مبدأ لها هو القول بأسبقيّة الوجود على الماهيّة ، وهكذا نرى أن الوجوديّة تُبدي تحفظًا عن إثبات أي نوع من المعنى النهائي أو الغائيّة الكونيّة ، مؤكدةٍ أن الإنسان هو من يخلق المعنى في عالم غير ثابت ...
المصادر :
- صـ ٧٩ ، الوجودية : مقدمة قصيرة جداً ؛ تأليف توماس آر فلين ، ترجمة مروة عبد السلام ، مراجعة محمد فتحي خضر ، نسخة رقمية صادرة عن مؤسسة هنداوي عام-٢٠١٣.
- صـ ١٩ ، ١٨٣ ، الوجودية ؛ تأليف جون ماكوري ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام...
- صـ ١٠ ، المنطق الوضعي ؛ تأليف زكي نجيب محمود ، مكتبة الأنجلو المصرية ، طبعة عام-١٩٥١ ، القاهرة.
#عزالدين_محمد_ابوبكر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟