أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - تقنية المعلمومات و الكومبيوتر - محمد بسام العمري - الذكاء الاصطناعي ومحنة الضمير — قراءة في أخلاقيات العقل الصناعي














المزيد.....

الذكاء الاصطناعي ومحنة الضمير — قراءة في أخلاقيات العقل الصناعي


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 04:53
المحور: تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
    


حين تجاوز الإنسان حدود الصنعة إلى عوالم البرمجة، لم يَعُد سؤال التقنية هو: كيف تعمل الآلة؟
بل أصبح: كيف ينبغي أن تعمل؟
ذلك التحوّل من القدرة إلى الواجب هو ما أدخل الذكاء الاصطناعي في محنة الضمير — محنة السؤال الأخلاقي الذي لا يمكن للخوارزمية أن تجيب عنه بمعادلةٍ أو رقم.
لقد أبدع الإنسان آلةً قادرة على التعلّم، لكنّه لم يمنحها بوصلة الرحمة، فغدت المسألة أعقد من أن تُحسم بين الصواب والخطأ التقنيين.
وهنا يبرز جوهر الإشكال:
كيف نضمن أن تظلّ الآلة في خدمة الخير الإنساني، لا في خدمة من يملك السيطرة عليها؟
أولاً: مفهوم الأخلاق في فضاءٍ بلا وجدان
الأخلاق في أصلها وُجدت لتضبط الفعل الإنساني، إذ تصدر عن ضميرٍ يعي الألم والفرح، ويشعر بنتائج اختياره.
أما الآلة، فهي كيانٌ بلا تجربةٍ ولا ندم؛ تعرف الخطأ حسابيًا، لكنها لا تعرفه وجدانيًا.
وفي هذا الفارق الدقيق تتولّد المفارقة الكبرى بين العقل الحيّ والعقل الصناعي.
قال ديكارت: «أنا أفكر، إذن أنا موجود.»
لكن الذكاء الاصطناعي يقول ضمنيًا: «أنا أُحسب، إذن أنا أعمل.»
وشتّان بين الوجود من أجل المعنى، والوجود من أجل الوظيفة.
ثانيًا: الأخلاق بين الإنسان والمبرمج
الذكاء الاصطناعي لا يخطئ من تلقاء نفسه، بل من خلال ما يزرعه فيه الإنسان من تحيّزٍ خفيّ أو قصدٍ مبرمج.
فالخوارزمية لا تعرف العدالة بذاتها؛ إنما تتعلّمها عبر بياناتٍ منحازةٍ سلفًا إلى ثقافةٍ أو سلطةٍ أو رأي.
ومن هنا ظهر مصطلح “التحيّز الخوارزمي” (Algorithmic Bias)، وهو من أخطر مظاهر اللامسؤولية الأخلاقية في عصرنا.
حين يُقصى الفقير من قرضٍ مصرفي لأن بياناته الاجتماعية “غير موثوقة”، أو تُستهدف جماعة عرقية في الإعلانات الرقمية لأن الخوارزمية تعلّمت التمييز من تاريخٍ بشريٍّ مشوّه، يصبح السؤال الأخلاقي أكثر إلحاحًا:
من المسؤول؟ الإنسان أم الآلة؟
في الحقيقة، لا يمكننا مساءلة آلةٍ كما نُحاسب إنسانًا، لأنها بلا قصدٍ ولا نية، وهنا يظهر الفراغ الأخلاقي الذي يُخيف الفلاسفة أكثر مما يُقلق المبرمجين.
ثالثًا: من أخلاق السيطرة إلى أخلاق التواضع
أخطر ما أنتجته التقنية الحديثة هو وهم السيطرة الكاملة.
ظنّ الإنسان أنه كلّما صنع آلةً أذكى، صار هو أسمى، لكنه في الحقيقة يقترب من هاويةٍ أخلاقية:
كلّ تقدّمٍ تقنيٍّ لا يوازيه نضجٌ قيميٌّ يفتح الباب لانحطاطٍ مموّه بذكاءٍ لامع.
وهنا يأتي مفهوم "أخلاق التواضع" الذي دعا إليه الفيلسوف المعاصر نيك بوستروم، وهو إدراك الإنسان أن قدرته على البرمجة لا تُعفيه من مسؤوليته عن المصير.
فالتواضع أمام المعرفة هو أرقى صور الوعي الأخلاقي، لأنّه يُذكّر المبرمج والمفكّر معًا بأنّ العقل — أيًّا كان نوعه — بلا رحمةٍ يُصبح آلةً لتوليد الألم.
رابعًا: الرؤية الإسلامية — ميزان النية والضمير
تضع الفلسفة الإسلامية جوهر الأخلاق في النية لا في الفعل وحده، لأن النية تنبع من الوعي الإنساني، لا من الأمر الخارجي.
قال النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.»
هذه القاعدة الأخلاقية تُميّز الإنسان عن الآلة، لأنها تربط الفعل بالقلب، لا بالكود.
من هذا المنطلق، لا يمكن للذكاء الاصطناعي — مهما بلغ — أن يُصبح “أخلاقيًا” بالمعنى الكامل، إلا إذا أُدخل في برمجته إدراكٌ روحيٌّ للآخر، أي أن يتعلّم احترام الحياة لا فقط تحليلها.
خامسًا: نحو أخلاقٍ تشاركية
بدل أن نخاف من الذكاء الاصطناعي أو نُسبغ عليه قداسة، يمكن أن نؤسّس لما أسماه بعض المفكرين المعاصرين بـ "الأخلاق التشاركية" — حيث يتحمّل الإنسان والآلة معًا مسؤولية القرار، لكن بحدودٍ واضحة:
• الإنسان يُقرّر القيم والمبادئ.
• الآلة تُنفّذ وفق معيار المصلحة والخير العام.
هكذا فقط يمكن تحويل التقنية من خصمٍ محتمل إلى شريكٍ متواضعٍ في بناء عالمٍ أكثر عدلاً ورحمة.
إنّ محنة الضمير في الذكاء الاصطناعي ليست محنة الآلة، بل محنة الإنسان ذاته.
فالآلة لا تملك روحًا، لكنّها تكشف لنا عن طبيعة أرواحنا؛ تُرينا كيف يمكن للذكاء أن يتحوّل إلى جهلٍ إن خلا من الرحمة، وكيف يمكن للمعلومة أن تقتل المعنى إن فُصلت عن القيم.
الذكاء الاصطناعي مرآتنا، فإذا رأينا فيها قسوةً أو ظلمًا، فلأنّنا وضعنا فيه صورتنا.
ولا خلاص من هذه المحنة إلا بعودة الإنسان إلى ميزان النية والضمير، حيث يكون العلم في خدمة الخير، والآلة في خدمة الحياة.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان والآلة — من التنافر إلى التكامل دراسة في البدايات ال ...
- -شظايا الحب في عيون القمر-
- الانتكاسة
- -أنثى تتوضأ بالضوء-
- إلى التي كانت نُورَ النصفِ قرن
- -من رحم الشدائد تولد العظمة-
- حينَ تاهَ العُشّاقُ بينَ الزمانِ والحنين
- تاريخ النقد الأدبي والفلسفي في الثقافات العربية والغربية
- أدب الأطفال كوسيلة للتكيف مع التحديات المستقبلية
- -التجريب والاستكشاف: مفتاح الإبداع لدى الأطفال-
- تأثير الجمال على السلوك الأخلاقي بين الأديان والفلسفة
- الشهداء يصرخون ....... إننا قادمون
- -تأملات فلسفية في تجربة العشق والإنسانية-
- المرأة: الكينونة التي تلد المعنى — قراءة فلسفية وجمالية عبر ...
- -حين تبدأ العقارب من جديد: ولادة تحت الأنقاض-.
- -أجزاء من الدجاج تهدد صحتك-
- إسهامات رواد القصة القصيرة
- مقامة الكتابة بين السراج والسراب
- حين تزهر الروح في ضوء الفجر
- نشأة القصة القصيرة وتطورها التاريخي


المزيد.....




- المغرب يعتمد يوم 31 أكتوبر عطلة وطنية بمناسبة اعتماد خطة الح ...
- لأول مرة.. تقنية ثورية تكشف اليورانيوم داخل عظام العراقيين
- دراسة تكشف فوائد -مذهلة- للمحليات الصناعية في إنقاص الوزن
- إسرائيل والهند توقعان مذكرة لتعزيز التعاون الأمني والتكنولوج ...
- وزير الخارجية: اتفاق مع تركيا لبناء سدود في العراق لتخزين ال ...
- مصادقة البرلمان التركي على مذكرة لتوفير حصة عادلة من المياه ...
- مؤسسة RVF تستأنف نشاطاتها بمدينة غزة وشمالها لتزويد السكان ب ...
- -المياه مقابل النفط- عراقيون ينتقدون اتفاقية المياه بين العر ...
- حظك اليوم الأربعاء 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025
- كفتة العدس التركية


المزيد.....

- التصدي للاستبداد الرقمي / مرزوق الحلالي
- الغبار الذكي: نظرة عامة كاملة وآثاره المستقبلية / محمد عبد الكريم يوسف
- تقنية النانو والهندسة الإلكترونية / زهير الخويلدي
- تطورات الذكاء الاصطناعي / زهير الخويلدي
- تطور الذكاء الاصطناعي بين الرمزي والعرفاني والعصبي / زهير الخويلدي
- اهلا بالعالم .. من وحي البرمجة / ياسر بامطرف
- مهارات الانترنت / حسن هادي الزيادي
- أدوات وممارسات للأمان الرقمي / الاشتراكيون الثوريون
- الانترنت منظومة عصبية لكوكب الارض / هشام محمد الحرك
- ذاكرة الكمبيوتر / معتز عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - تقنية المعلمومات و الكومبيوتر - محمد بسام العمري - الذكاء الاصطناعي ومحنة الضمير — قراءة في أخلاقيات العقل الصناعي