بين الدين والهوية: الانتفاضة الكردية التي أرعبت أتاتورك

مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 14:13
المحور: القضية الكردية
    

تمهيد

في أعقاب انهيار الإمبراطورية العثمانية وقيام جمهورية تركيا عام 1923، شرعت الدولة الجديدة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الجذرية، التي شملت إلغاء الخلافة الإسلامية، وفصل الدين عن الدولة، وتحويل المؤسسات الدينية والقبلية التقليدية، وفرض هوية وطنية تركية موحدة. في هذه البيئة المشحونة، برز رفض واسع في مناطق شرق الأناضول - ذات الأغلبية الكُردية - لما اعتُبر تهميشاً مزدوجاً للهوية القومية الكُردية من جهة، وللدين الإسلامي وهياكله الاجتماعية من جهة أخرى. وقد مثلت هذه التغييرات تهديداً للنفوذ التقليدي للزعماء الدينيين وشيوخ العشائر، مما هيأ الأرضية لبروز حركات المقاومة، كان أبرزها ثورة الشيخ سعيد بيران في عام 1925 .(2)(4)

اندلاع الثورة ومسارها العسكري


اندلعت شرارة الثورة في 8 فبراير/شباط من عام 1925، عندما وصل الشيخ سعيد إلى قرية بيران برفقة مائة فارس، وتصادف وجوده مع وصول مفرزة عسكرية تركية جاءت لاعتقال بعض الكُرد. وعندما رفض قائد المفرزة طلب الشيخ تأجيل الاعتقالات حتى مغادرته، وقع اشتباك مسلح أسفر عن مقتل بعض الجنود الأتراك وأسر آخرين(4) . وقد فُسر هذا الحدث على نطاق واسع بين الكُرد على أنه إعلان للانتفاضة، فاندفعت القبائل الكُردية للهجوم على القوات التركية (2).

الجدول الزمني لأبرز أحداث الثورة:

تاريخ الحدث
5 فبراير 1925 وصول الشيخ سعيد إلى قرية بيران ووقوع الاشتباك الأول مع المفرزة التركية .(4)
8 فبراير 1925 بداية الثورة بشكل فعلي بعد انتشار خبر الاشتباك (2) .
14 فبراير 1925 سيطرت القوات الكُردية على مدينة كينج بالكامل و جعلتها عاصمة مؤقتة لكُردستان .(4)
22 فبراير 1925 إعلان الحكومة التركية حالة الطوارئ .(4)
منتصف أبريل 1925 اعتقال الشيخ سعيد بعد حصار مضني للثوار(2)(4).
30 مايو 1925 إعدام الشيخ سعيد و47 من قادة الانتفاضة في ساحة المسجد الكبير في آمد (ديار بكر) .(2)(4(

توسعت الانتفاضة بسرعة مذهلة، وبلغ عدد المنتفضين وفقاً للتقديرات حوالي 15,000 مقاتل، وسيطروا على أراض واسعة في ولايات آمد ( ديار بكر) وماردين(2) . وفي مواجهة هذا التمدد، حشدت الحكومة التركية قوات ضخمة بلغ عددها 52,000 جندي، مستعينة بالأسلحة الثقيلة والدعم اللوجستي، مما مكنها من تطويق الثورة و قمعها بعنف (2).

الدين والقومية: تحليل لثنائية الدافع

تشكل ثورة الشيخ سعيد نموذجاً فريداً لتداخل البعد الديني مع البعد القومي في حركات المقاومة:

الدافع الديني: كان الشيخ سعيد زعيماً دينياً مرموقاً ينتمي إلى الطريقة النقشبندية، وبلغ عدد مريديه نحو 12 ألفاً (4). وقد مثلت الإصلاحات العلمانية الجذرية التي نفذها النظام الكمالي، مثل إلغاء الخلافة وإغلاق المدارس الدينية، صدمة للهوية الإسلامية في المنطقة. وأثناء محاكمته، أوضح الشيخ سعيد أن أحد أهداف الثورة الأساسية كان "تطبيق الشريعة الإسلامية" التي تمنع القتل والزنا وشرب الخمر (4) .
الدافع القومي: على الرغم من الطابع الديني الظاهر، كانت الثورة مدفوعة أيضاً بمطالب قومية كُردية واضحة. فقد مارس الشيخ سعيد النشاط السياسي عبر الجمعيات الكُردية مثل "آزادي" التي انتخب رئيساً لها، وشارك في مؤتمر حلب عام 1924 الذي قرر القيام بانتفاضة شاملة لانتزاع الحقوق القومية الكُردية (2)(4) . وشكل إعلان مدينة كينج عاصمة مؤقتة لكُردستان تجسيداً عملياً لهذا الطموح السياسي(4) .

هذا المزيج بين الديني والقومي هو ما منح الثورة زخمها الشعبي الواسع، حيث استخدم الخطاب الديني لاستقطاب القبائل والعامة، بينما كانت الأطر التنظيمية القومية تهدف في الخلفية إلى تحقيق حكم ذاتي أو استقلال كُردي.

نتائج الثورة وتداعياتها


كانت تكلفة قمع الثورة باهظة جداً، حيث:

بلغ عدد القتلى المدنيين ما يقارب 15,000 شخص(2)(4) .
دُمّر 900 منزل، وأُحرقت أو أُزيلت 210 قرية (2)(4).
تم تهجير عشرات الآلاف من الكُرد قسراً (2).

أما على الصعيد السياسي، فشكلت الثورة نقطة تحول في السياسة التركية:

منظمة خويبون صورة تذكارية للمؤسسين

على المستوى الداخلي: شرعنت الحكومة التركية قمعاً أمنياً شديداً في المناطق الكُردية، وعززت سياسة الإنكار القومي والثقافي تجاه الهوية الكُردية (1)(3).
على المستوى الكُردي: أصبحت الثورة رمزاً خالداً للمقاومة في الذاكرة الجماعية الكُردية. ورغم فشلها العسكري، إلا أنها مهدت الطريق لتنظيمات كُردية لاحقة أكثر تطوراً، أبرزها حركة "خويبون" التي تأسست عام 1927 لمواصلة النضال من أجل الحقوق القومية(2) .


خاتمة

ما تثبته ثورة الشيخ سعيد بيران هو أن الاحتجاج في وجه الدولة التركية الحديثة لم يكن مجرد انتفاضة قبلية أو دينية عابرة، بل كان تعبيراً مبكراً عن أزمة الهوية في الشرق الأوسط ما بعد العثماني. لقد مثلت الثورة لحظة تحول في الوعي الكُردي، حيث بدأ الدفاع عن المصالح الدينية والقبلية التقليدية يتحول إلى مطالب واضحة بالهوية القومية والحقوق السياسية. هذا الإرث من المقاومة المركبة، بين الدين والقومية، لا يزال حياً حتى اليوم، كما تشير بعض الدراسات إلى استمرار التداخل بين الإسلام والهوية الوطنية في المجتمع الكُردي الحديث (1) .


+++++++++++++++++++&&&

المراجع

1. Kurdish Nationalism and Islam: An Ethnography of Modern Iraqi and Turkish Kurdistan - دراسة أكاديمية.
2. ثورة الشيخ سعيد - مقالة موسوعية.
3. قراءة في أحوال تركيا بعد أيام من إعدام سعيد بيران - تحليل تاريخي.
4. الشيخ سعيد بيران.. القائد الكردي الذي واجه الكمالية دفاعًا عن الدين والهوية - مقالة توثيقية.

أتمنى أن يكون هذا المقال قد حقق الفائدة المرجوة، وأنا على استعداد لتزويدك بمواد إضافية داعمة حسب حاجتك.

#مروان_فلو (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل