محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق
(Mohamed Ibrahim Bassyouni)
الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 08:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في خضم عالمٍ عربيّ يموج بالصراعات والضجيج ومحاولات شراء النفوذ واستعارة الأدوار، تظل مصر ظاهرة سياسية مختلفة. ليست قوة مصر قائمة على طفرة مالية أو تحالف عابر، بل على جذور تمتد في عمق حضارة شكّلت وجدان المنطقة، وولّدت مفاهيم الدولة والقيادة والهوية. لذلك فإن الحديث عن «بيع الريادة» أو انتزاع المكانة من مصر ليس إلا وهماً جديدًا يروّجه الذين يظنون أن التاريخ يُشترى أو يُستأجر، بينما الحقيقة أن القيادة تُصنع عبر القرون ولا تُصنّع في لحظة.
افتتاح المتحف المصري الكبير كان رسالة سياسية قبل أن يكون حدثًا ثقافيًا؛ رسالة تقول إن مصر — رغم ما تواجهه من أزمات اقتصادية وضغوط حادّة — ما زالت تمسك بخيط الحضارة الذي لم ينقطع، وما زالت قادرة على تشكيل المزاج الإقليمي حين تقرر ذلك. فالدول تُقاس بما تضيفه للبشرية، لا بما تملكه في المصارف، ومصر أضافت — عبر التاريخ — ما يجعلها نقطة ارتكاز لا يمكن تجاوزها، مهما حاول البعض الظهور بدور أكبر من حجمه الحقيقي.
السياسة الإقليمية اليوم مليئة بكيانات تتكئ على المال وحده، تحاول صناعة ثِقل سياسي أو ثقافي عبر النفوذ الإعلامي وإنفاق المليارات. لكن هذا النفوذ سريع التبخر؛ لأنه بلا سند حضاري أو قاعدة اجتماعية حقيقية. أما مصر، فمشكلتها اليوم ليست في غياب المكانة، بل في سوء إدارة مواردها وتراجع جودة مؤسساتها، وهي أزمة يمكن إصلاحها عندما تدرك الدولة أن قوتها الناعمة وتاريخها هما مصدر شرعيتها الحقيقي، لا المشاريع الضخمة ولا الخطاب الاحتفالي.
المنطقة كلها — بحكامها وشعوبها — تعرف جيدًا أن القاهرة كانت دائمًا مركز القرار العربي، سواء أحبّ البعض أم كره. واليوم، ورغم محاولات القفز على هذا الدور، يبقى الثقل في العمق المصري: في الثقافة، والتعليم، والجيش، والموقع، والناس. من يريد تجاوز مصر عليه أن يتجاوز خمسة آلاف عام من الوجود المتواصل، وهذا ما لم يستطع أحد فعله من قبل.
السياسة لا تعترف بالفراغ، ومصر ليست فراغًا يمكن ملؤه؛ هي حجر الأساس الذي بُنيت عليه المنطقة، وسيظل دورُها حاضرًا مهما حاولت أصوات الصخب أن تطغى على الحقيقة. الريادة لا تُباع، والمكانة لا تُؤجَّر، والتاريخ لا يغيّره ضجيجُ اللحظة… ومصر، رغم الجراح، تعرف كيف تعود كلما أرادت.
#محمد_ابراهيم_بسيوني (هاشتاغ)
Mohamed_Ibrahim_Bassyouni#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟