|
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثالثة عشر: الإنسان هو الذي اختلق فكرة العبادة
محمد بركات
الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 18:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هناك سؤال مشهور يدور على ألسنة الناس، هو: لماذا خلق الله الإنسان وهو غني عن عبادته ؟ أولاً: مر بنا أنه ثبت في علم البيولوجيا أن الإنسان غير مخلوق، ولكنه متطور عن أسلافه من أشباه البشر، الأمر الثاني: أن الأديان التوحيدية الإبراهيمية - كالإسلام واليهودية والمسيحية - التي تزعم أن الله يدعو الناس إلى عبادته، جاءت في مرحلة متأخرة من تاريخ الإنسان، ووجدته قد اختلق فكرة العبادة، مبرمجاً على فكرة عبادة الآلهة استرضاء لها وتجنباً لغضبها، ولم يكن من اليسير تغيير هذه الفكرة المتجذرة المتأصلة فيه منذ آلاف السنين، ولذلك أقرتها وتعاملت معه على هذا الأساس، ولكن جولت – لا سيما المسيحية والإسلام – تطوير هذه الفكرة بالعبور من الشكل إلى الجوهر، ومن العبادة إلى المعبود، فمثلاً يذكر القرآن أن الله يقول لموسى: (وأقم الصلاة لذكري) فالمقصود هو "الذكر" أي إقامة علاقة مع الله بشكل مباشر. هنا يثور سؤال: لو جاءت الأديان ووجدت الإنسان على علاقة متطورة مع الله، علاقة صداقة ووحدة وجود، هل كانت ستجعل الصلاة كوسيط لذكره؟ القرآن يقول أن الله لا ينتفع بتلك العبادات، فيقول عن الذبائح والأضاحي - وهي عبادة قديمة منذ الثورة الزراعية في العصر النيوليتي، وأقرتها الأديان كعادتها – يقول: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) لن ينتفع بها، ولكن ينتفع بالتقوى، ما وجه العلاقة بين الذبائح والتقوى؟ لا يوجد! ولكنه يصحح فكرة استرضاء الآلهة عن طريق الذبائح التي كانوا يقدمونها للأنصاب والأصنام التي حول الكعبة استرضاء لها، وإلا حلت بهم اللعنة! ويقول عن الصوم: (وأن تصوموا خير لكم) ولم يقل خير له، ينبههم إلى أنه يريد خيرهم ومصلحتهم، وأما هو فهو غني عن عبادتهم. إذن لماذا خلق الله الإنسان وهو غني عن عبادته ؟ هنا تفيدنا نظرية وحدة الوجود، فتقول أن الله خلق الإنسان لكي يظهر. لكي يظهر فيه، فالغيب المحض حتى عن نفسه يريد أن يرى نفسه في مرآة كاملة، تظهر فيها كل الأخلاق والصفات المكنونة في طي البطون إلى عالم الظهور، فتشعر الحقيقة الإلهية بنفسها، وترى روعتها من خلال هذا الإنسان. وأما فكرة العبادة، فلم تأت بها الأديان، وإنما اختلقها الإنسان البدائي نفسه. وقد اتفقت النصوص المقدسة وعلم الأديان وأنثروبولوجيا الدين على هذه الحقيقة، أن الإنسان هو الذي اختلق فكرة عبادة الله. 1- النصوص الدينية: ورد في القرآن أن قوم نوح لما واجهوا دعوته قالوا: لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (نوح:23) وساق ابن كثير في تفسيره عدة روايات تثبت أن القدماء اخترعوا عبادة هؤلاء الذين كانوا سادة وقادة فيهم، فلما ماتوا عبدوهم. قال البخاري: عن ابن عباس: هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت.. وقال ابن جرير الطبري: عن محمد بن قيس قال: كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر، فعبدوهم. اهـ. الفكر الديني القديم كان ينسب كل شيء شرير إلى الأرواح الشريرة، وينفي دور الإنسان، فليس "إبليس" هو الذي دعاهم، (وسيأتي بيان أنه لا وجود لشيء يسمى إبليس، وأن له مفهوم آخر في التصوف الفلسفي) ولكن القدماء هم الذين قاموا بعبادة الأسلاف. الإسلام امتداد لشريعة عرب الجاهلية جاء الإسلام ووجد للعرب شريعة يتعبدون بها، فأقرها تأليفاً لقلوبهم، وذلك مثل شعائر الحج والعمرة، ورمي الجمرات والغسل من الجنابة وقطع يد السارق ورجم الزاني وصلب قطاع الطرق الخ، يقول الفقيه الأصولي المالكي الأندلسي أبو إسحاق الشاطبي أن من خصائص الشريعة (السكوت عن أعمال أخذت قبل من شريعة إبراهيم - عليه السلام - كما في النكاح والطلاق والحج والعمرة وسائر أفعالهما إلا ما غيروا فقد كانوا يفعلون ذلك قبل الإسلام فيفرقون بين النكاح والسفاح ويطلقون ويطوفون بالبيت أسبوعا ويمسحون الحجر الأسود ويسعون بين الصفا والمروة ويلبون ويقفون بعرفات ويأتون مزدلفة ويرمون الجمار ويعظمون الأشهر الحرم ويحرمونها ويغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم ويكفنونهم ويصلون عليهم ويقطعون السارق ويصلبون قاطع الطريق إلى غير ذلك مما كان فيهم من بقايا ملة أبيهم إبراهيم فكانوا على ذلك إلى أن جاء الإسلام فبقوا على حكمه حتى أحكم الإسلام منه ما أحكم وانتسخ ما خالفه فدخل ما كان قبل ذلك في حكم العفو مما لم يتجدد فيه خطاب زيادة على التلقي من الأعمال المتقدمة وقد نسخ منها ما نسخ وأبقى منها ما أبقى على المعهود الأول) الموافقات 1 / 277 (وكانوا يصومون عاشوراء كما في الصحيح، بل كانوا يتحنثون في رمضان بالصوم كما يدل عليه حديث بدء الوحي، وقوله تعالى: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}، وقد ثبت اغتسالهم من الجنابة واختتانهم، وكان لهم نكاح بخطبة وصداق، ولهم طلاق وظهار. ويظهر أن تلك الأحكام كانت عند العرب من بقايا شريعة إبراهيم وولده إسماعيل. فلما جاء الإسلام أقر ما أقر ونسخ ما نسخ، ومن جملة ما نسخه القرآن نذر الجاهلية لغير الله) محمد الحجوي الفاسي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي ص63. هذا الكلام دليل واضح على أن الإسلام استمرار وإقرار لشريعة الوثنيين العرب، الذين اختلقوا تلك العبادات، كما اختلقها غيرهم. وأما قول الشاطبي والحجوي أنها من شريعة ابراهيم، فهذا تبرير حفاظاً على صورة الإسلام، ولكنه تبرير غير دقيق، لأنه لم يثبت أن ابراهيم كان نبياً للعرب ولا حتى في القرآن، وإنما الذي ورد: أنه بنى الكعبة مع ابنه اسماعيل، وهذا محل شك كبير، لأنه يصور الكعبة هي البيت المقدس الوحيد في جزيرة العرب، بينما كانت هنالك كعبات كثيرة، بناها الوثنيون، فما الحاجة لأن يأتي ابراهيم من موطن الحضارة البابلية ليبني بيتاً مقدساً لقوم وثنيين، لهم كعباتهم؟ ومن الواضح جداً أن ادعاء بناء ابراهيم للكعبة، هو محاولة لعقد صلة قرابة وصهر بين الإسلام والديانتين التوحيديتين قبله المسيحية واليهودية، حتى يكون هو الديانة الإبراهيمية الرسمية الثالثة، وهذا أمر مفروغ منه عند المؤرخين الغربيين. هذه واحدة، والأخرى: أن الفترة بين ابراهيم ومحمد فترة طويلة، يصعب معها الحفاظ على شريعة لم يكن صاحبها مقيماً بين ظهرانيهم. في صحيح البخاري برقم (3732) عن سلمان قال: (فترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم ست مائة سنة). فما بالك بإبراهيم؟ والأهم أنه لم يكن مقيماً بجزيرة العرب. يبدو إذن أن هذه كانت شريعة بسيطة وضعها حكماء العرب أنفسهم، كما ذكر د. جواد علي أن أول من حكم أن الولد من الزنا للفراش في الجاهلية أكثم بن صيفي حكيم العرب، ثم جاء الإسلام بتقريره. فقد ورد في الحديث: "الولد للفراش وللعاهر الحجر". ويذكر أهل الأخبار أن الرجم لم يكن معروفًا بين الجاهليين، وأن أول من رجم "ربيع بن حدان" ثم جاء الإسلام بتقريره في المُحصن أي المتزوج. (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 10 / 232). وفي "كتاب الأوائل" لأبي هلال العسكري مجال واسع لعرض أسماء أول من شرعوا وحرموا المحرمات في الجاهلية، ومن ذلك: اول من حرم الخمر فى الجاهلية الوليد بن المغيرة وقيل اول من حرمها قيس بن عاصم. أول من قطع في السرقة الوليد بن المغيرة. أول من حرم القمار أقرع بن حابس. ونزل القرآن ووافق هؤلاء في الجاهلية. وبعد الإسلام انتقلت الموافقات للصحابة، ومن أبرزهم عمر بن الخطاب، فقد كان يقترح على النبي تشريعاً، فينزل به القرآن. أخرج الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. قال ابن عمر: وما نزل بالناس أمر قط فقالوا وقال إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر. وأخرج ابن مردويه عن مجاهد قال: كان عمر يرى الرأي فينزل به القرآن. أمثلة على موافقات عمر بن الخطاب في القرآن: • آية الحجاب: اقترح عمر بن الخطاب على النبي صلى الله عليه وسلم أن تحتجب نساء النبي، فنزلت آية الحجاب مصداقاً لقوله. • تحذير أمهات المؤمنين من الغيرة المفرطة على رسول الله ﷺ . • مقام إبراهيم: اقترح عمر على النبي اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، فنزلت الآية الكريمة التي تأمر بذلك. • الامتناع عن الصلاة على المنافقين: عبر عمر عن رأيه في أن النبي لا ينبغي له أن يصلي على عبد الله بن أبي بن سلول المنافق، فنزلت الآية: {وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنهُم ماتَ أَبَدًا وَلا تَقُم عَلى قَبرِهِ}. • تحريم الخمر: كان عمر يرغب في تحريم الخمر تحريماً باتاً، فنزلت آيات تحريم الخمر موافقة لرأيه. • أسرى بدر: وافق القرآن رأي عمر في أسرى بدر، حيث أنزل الله آيات تتعلق بالأسرى موافقة لقول عمر. • الآية في سورة المؤمنون: قال عمر عندما نزلت الآيات التي تصف خلق الإنسان: {فَتبارَكَ اللَّهُ أَحسَنُ الخالِقِينَ}، فنزلت الآية الكريمية كذلك في القرآن. • آية الاستئذان: روى أنس عن عمر أنّه وافق الوحي في مسألة الاستئذان. البخاري (402) مسلم (2399) أبو داود الطيالسي (41). هذه الموافقات القرآنية للجاهليين وللصحابة تدل على أن الأديان استجابة لمتطلبات البشر، وفقاً لعصر وزمن معين، ومكان معين، وليست مستقبلية سرمدية كما يظن أهلها. الغريب أن علماء المسلمين يبالغون في تعظيم عمر بن الخطاب لأجل تلك الميزة، أو قل لتلك الجرأة دون غيره من الصحابة، فكتب الإمام السيوطي (قطف الثمر في موافقات سيدنا عمر) وقام بشرحه الشيخ محمد بدر الدين الحسني المغربي وسماه بـ"فتح الوهاب في موافقات سيدنا عمر بن الخطاب". ولا يعلمون أن القرآن وافق الوليد بن المغيرة وأكثم بن صيفي وربيع بن حدان وغيرهم من حكماء العرب. إذن فالقول بأن الأديان – ومنها الإسلام – هي التي قامت بتشريع العبادات، قول غير دقيق من وجهة نظر شرعية إسلامية بحتة.
2- علم الأنتروبولوجيا: وأما من وجهة النظر العلمية: فهناك شواهد أكيدة تدل على عبادة أرواح الأسلاف الزعماء، مع مقدمات الثورة الزراعية. في عام ١٨٥١م نشر الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر مقالته الشهيرة، حول دور معتقد الأرواح في نشوء الدين؛ فلقد لاحظ سبنسر أن الثقافات البدائية تعتقد أن لأرواح الموتى دورًا هامًّا في حياة ذويها ومحيطها الذي عاشت فيه إبان حياتها الأولى، وبأن تحرُّر الأرواح من أجسادها يعطيها نوعًا من القوة لا يمتلكها الأحياء، ويمكن توجيهها للنفع أو للضَّر تبعًا للطريقة التي تجري معاملتها بها، والطقوس التي تقام لها. وتتسع دائرة تأثير الروح بما يتناسب مع مكانتها السابقة، والمحيط الذي كانت تنشط فيه؛ فروح الفرد العادي تؤثر بعد الموت في دائرة الأهل والأقارب المباشرين، أما روح الساحر أو زعيم القبيلة فيشمل تأثيرها الجماعة كلها. وقد قادته دراسته لدور هؤلاء السحرة والزعماء خلال حياتهم وبعد مماتهم، إلى نتيجة مفادها أن الآلهة الأولى التي عبدها الإنسان لم تكن في أصلها إلا أفرادًا من هذا النوع، استمرت قُواهم فاعلة في محيط الجماعة بعد مماتهم، ثم قامت الأجيال اللاحقة بتأليههم وتقديم فروض العبادة لهم. وبتأثير سبنسر قام رائد الأنتروبولوجيا النظرية البريطاني إ. ب. تيلور بصياغة نظريته في أصل الدين والمعروفة بالأرواحية Animism (وهي مختلفة عن مذهب آلان كاردك الأرواحية Spiritism)، والتي أثَّرت على أجيالٍ عديدة من الباحثين قبل أن يضعف تأثيرها مع بدايات القرن العشرين. وقد وصف تيلور نظريته بأنها نظرية الحد الأدنى في تعريف الدين، وشرحها في كتابه الشهير «المجتمع البدائي» الصادر في لندن عام ١٨٧١م. يفترض تيلور أن أقدم شكل للدين يقوم على الاعتقاد بوجود الروح؛ فلقد رفض الإنسان النظر إلى الموت باعتباره نهاية للحياة الفردية، وقاده هذا إلى الإيمان بأن حياة الفرد سوف تستمر بعد الممات عن طريق استمرار روحه في مستوًى آخر للوجود. وقد تكوَّنت لديه فكرة انقسام الكائن إلى جسدٍ مادي وروح أثيرية من خلال مراقبته لظاهرة الأحلام، التي فسَّرها بانفصال التوءم الأثيري للجسد وتجواله بحُرية ليزور مناطق نائية، أو يتصل بأشخاصٍ ماتوا منذ زمنٍ بعيد. وهذه الخصائص الحركية للروح ناتجة عن طبيعتها اللطيفة وطاقتها القوية؛ فهي تبقى على صلة بعالم البشر، تقدِّم لهم العون أو تسبِّب الأذى، وإليها يعزو البدائي كلَّ خير وشر؛ ولذلك فقد وجد أن من الحكمة العمل على استرضائها وتهدئة خواطرها من خلال تقديم الذبائح والقرابين، وهذا ما قاد إلى ظهور أولى أشكال الممارسات التي ندعوها اليوم ﺑ «الدينية». وبما أن أرواح الأسلاف المتميزين من زعماء وقادة وسَحرة هي أقوى الأرواح وأكثرها تأثيرًا؛ فإن الطقوس قد تركزت على هذه الأرواح أكثر من غيرها، وبذلك صاغ الإنسان لنفسه مفهوم عبادة الآلهة. (فراس السواح، عبادة الأحجار عند الساميين، وأصل الحجر الأسود) إذن الإنسان هو الذي خلق فكرة العبادة ونفذها بنفسه، وأتت الأديان وانساقت معه وأقرته على ذلك، ثم جاء أتباع الأديان وطوروا نظماً للعبادة بشكل موسع لم يكن له وجود من قبل، تمثلت في الشرائع، التي انتهت بالشريعة الإسلامية التي جعلت العبادة تعم الحياة كلها.. وهذا هوس لم يخطر على بال الإنسان الأول، فنحن أكثر بدائية منه، وأكثر إيغالاً في فكرة العبادة. لكن لحسن الحظ، ظهرت بوارق نور وعلامات هادية، لقد أتتنا رسائل إلهية – عبر الوسطاء الروحيين – تقول أن الله لا تعنيه العبادة، وهو ليس مسئولاً عن لغة الترهيب والتخويف التي استعملها رجال الدين، وتشرح طبيعة العلاقة بين الله والإنسان بشكل راق جداً، لم نعهده في الأديان. لقد حدث تواصل للإنسان مع الله بشكل مباشر، عبر الوساطة الروحية، لا سيما مع مذهب الأرواحية لمؤسسه الفرنسي آلان كاردك، أو تيار الروحانية الذي تنامى في أوروبا والولايات المتحدة. ومنهم نيل دونالد والش، الذي ألف سلسلة كتب (محادثات مع الله) التي تصدرت الكتب الأكثر مبيعاً. يقول الله له في الجزء الأول: "كل ما يعلمك معلموك عن الله يخبرك أن الله سيء. يخبرك قلبك أن الله يجب أن يُحب دون خوف. يخبرك معلموك أن الله يجب أن يخاف، لأنه إله منتقم. ويقولون: عليك أن تعيش في خوف من غضب الله. عليك أن ترتعش في حضوره. حياتك كلها من خلالك تخاف دينونة الرب. لقد قيل لك أن الرب "عادل". والله يعلم أنك سوف تكون في ورطة عندما تواجه عدل الرب الرهيب. لذلك، عليك أن تكون "مطيعاً" لأوامر الله. قبل كل شيء، لا ينبغي عليك أن تطرح أسئلة منطقية مثل: "إذا كان الله يريد الطاعة الصارمة لشرائعه، فلماذا خلق إمكانية انتهاك تلك الشرائع؟" آه، يخبرك معلموك – لأن الله أراد لك أن يكون لديك “حرية الاختيار”. ومع ذلك، ما هو نوع الاختيار الذي يكون حرًا عندما يؤدي اختيار شيء واحد -على الآخر- إلى الإدانة؟ كيف تكون "الإرادة الحرة" حرة عندما لا تكون إرادتك، بل إرادة شخص آخر، هي التي يجب القيام بها؟ ومن يعلمكم هذا يكون منافقاً لله. يُقال لك أن الله هو المغفرة والرحمة، ولكن إذا لم تطلب هذا المغفرة "بالطريقة الصحيحة"، وإذا لم "تأتي إلى الله" بشكل صحيح، فلن يُسمع توسلك، ولن يتم الالتفات إلى صراخك. وحتى هذا لن يكون سيئًا للغاية إذا كانت هناك طريقة واحدة صحيحة فقط، ولكن هناك العديد من "الطرق الصحيحة" التي يتم تدريسها بعدد المعلمين لتعليمها. لذلك يقضي معظمكم الجزء الأكبر من حياتهم في البحث عن الطريقة "الصحيحة" للعبادة والطاعة وخدمة الله. والمفارقة في كل هذا أنني لا أريد عبادتك، ولا أحتاج إلى طاعتك، وليس من الضروري أن تخدمني. هذه السلوكيات هي السلوكيات التي يطلبها الملوك تاريخيًا من رعاياهم - وعادةً ما يكونون ملوكًا مهووسين بالأنا Ego، وغير آمنين، ومستبدين. إنها ليست مطالب إلهية بأي حال من الأحوال – ويبدو من اللافت للنظر أن العالم لم يستنتج حتى الآن أن هذه المطالب مزيفة، ولا علاقة لها باحتياجات الإله أو رغباته. الإله ليس له احتياجات. إن الكل يعني تماماً أنه هو الكل. ولذلك فالله لا يريد أو يفتقر إلى أي شيء – بحكم التعريف. إذا اخترتم أن تؤمنوا بإله يحتاج إلى شيء ما بطريقة ما - ولديه مشاعر مؤلمة إذا لم يحصل على هذا الشيء، لدرجة أنه يعاقب أولئك الذين يتوقع أن يحصل منهم على ذلك، فإنك تختار أن تؤمن بإله أصغر مني بكثير. أنتم حقًا أولاد إله أصغر. لا يا أولادي، أرجوكم دعوني أؤكد لكم مرة أخرى، من خلال هذه الكتابة، أنني بلا احتياجات. لا أحتاج إلى شيء. هذا لا يعني أنني بلا رغبات. الرغبات والاحتياجات ليست هي نفس الشيء (على الرغم من أن الكثير منكم جعلها كذلك في حياتكم الحالية). الرغبة هي بداية كل الخليقة. هي الفكر الأول. إنه شعور عظيم داخل الروح. إنه الله، الذي يختار ما سيخلقه بعد ذلك. وما هي رغبة الله؟ أرغب أولاً في أن أعرف نفسي وأدركها وأختبرها، بكل مجدي، وأن أعرف من أنا. وقبل أن أخلقكم – وكل عوالم الكون – كان من المستحيل بالنسبة لي أن أفعل ذلك. ثانيًا، أرغب في أن تعرف وتختبر من أنت حقًا، من خلال القوة التي منحتها لك لتخلق وتختبر نفسك بأي طريقة تختارها. ثالثًا، أرغب في أن تكون عملية الحياة بأكملها تجربة من الفرح المستمر، والإبداع المستمر، والتوسع الذي لا ينتهي، والإنجاز الكامل في كل لحظة من الآن. اهـ. من هذا النص النفيس والكلام الراقي، نعلم أن الله له مقاصد أخرى من الخلق غير مقصد العبادة المحدود - المغرق في المحدودية حقيقة – الذي اختلقته الإنسانية منذ فجر التاريخ.
#محمد_بركات (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثانية عشر: ضرورة معرفة تط
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الحادية عشر: ضرورة معرفة تا
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة العاشرة: ضرورة التخلص من سل
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة التاسعة: ضرورة فهم معنى الف
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثامنة: ضرورة معرفة معنى ا
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة السابعة: خطورة الإعجاز العل
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة السادسة: ضرورة معرفة تاريخ
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الخامسة: العلاقة بالآخر ومش
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الرابعة: تاريخية النص الدين
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثالثة: الكهنوت العدو الأخ
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثانية: لا يوجد دين رسمي ع
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الأولى: الله ظاهر في خلقه
-
المختار من الفتوحات المكية (23) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (22) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (21) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (20)
-
المختار من الفتوحات المكية (19) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (18) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (17) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (16) محيي الدين بن عربي
المزيد.....
-
القدس تستنجد!..المسجد الأقصى مهدد بالانهيار
-
محافظة القدس تحذر من احتمال انهيار أجزاء من المسجد الأقصى
-
شخصيات يهودية تدعو لفرض عقوبات على الاحتلال بسبب -جرائم الإب
...
-
قوات الاحتلال تشرع بهدم منزل في بروقين غرب سلفيت
-
محافظة القدس تحذر من احتمال انهيار أجزاء من المسجد الأقصى
-
سوريا.. تصاعد أعمال العنف والقتل وخاصة في مدينة حمص ضد أبناء
...
-
فيديو.. عشرات المستوطنين يقتحمون ويدنسون المسجد الأقصى
-
محافظة القدس تحذر من انهيار أجزاء من المسجد الأقصى جراء حفر
...
-
حميدتي يتعهد بـ-تخليص- الشعب السوداني من الإخوان
-
مصر.. احتفالات بذكرى -قدوم رأس الإمام الحسين- بمشاركة 80 طري
...
المزيد.....
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
المزيد.....
|