|
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الحادية عشر: ضرورة معرفة تاريخ الإنسان وتطوره على الأرض
محمد بركات
الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 00:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يُجمِع المجتمع العلمي على أن كوكب الأرض كوكب عادي يدور حول نجم عادي تمامًا، نجم موجود ضمن ملياراتٍ عِدَّةٍ من النجوم داخل مجرَّة، وهذه المجرَّة موجودة ضمن ملياراتٍ عِدَّةٍ من المجرات داخل كون هائل الحجم آخِذٍ في التمدُّد، نشأ منذ أربعة عشر مليار عام. واستنتج العلماء أن العالَم القابل للسُّكْنَى يُشكِّل جزءًا ضئيلًا من كونٍ عظيم الحجم وطويل الأمد. ولكن عدم الوصول إلى المجرات الأخرى، والتأكد من حقيقة كونها مسكونة أو لا، لا يعني خلوها من الكائنات الحية بل والعاقلة. وبحسب علم البيولوجيا ونظرية التطور، فإن الكائنات متطورة بعضها من بعض وليست مخلوقة، وأنها جميعًا من حيٍّ وجماد وإنسان وحيوان من أصل واحد مشترك. ولا يعنيني – في هذا المبحث – معرفة تفاصيل نظرية تطور الكائنات بشكل عام، ولكن الذي يعنيني هو معرفة مراحل تطور الإنسان وتاريخه على الأرض، وإثبات عدم وجود ما سمي بآدم أبو البشر، فالعلم الحديث يقول أنه ليس للبشر أب محدد، لأنهم تطوروا من سلفهم قبل حوالي 2.5 مليون سنة، بينما وجود آدم الذي تحكيه الكتب المقدسة لا يتجاوز بضعة آلاف سنة. ولذلك يستحيل أن يكون هذا أباً للبشر، كما يستحيل – في ميزان العلم - الخلق من طين. والهدف من وراء معرفة تزوير قصة آدم هو: إزالة التابو الديني، وكسر حاجز الخوف من منظومة المقدس، المبنية على قصة الخلق المذكورة في التوراة والقرآن: (رب متجسد، يخلق آدم بيديه، ويطرده من الجنة وينزله إلى الأرض بسبب معصية واحدة، ثم إرسال الرسل وإنزال الكتب من هذه الزاوية: زاوية الهيمنة والسيطرة على الإنسان وعلى حياته، من خلال الدين والعبادة، ويتوعده بالحرمان من الجنة ودخول جهنم) وبالجملة: تغيير نظرتنا للعالم وللإنسان ولله في آن واحد. وإزالة عقدة الخطيئة الأصلية في المسيحية، والشعور بالذنب من مخالفة الشريعة في الإسلام، واجتثاث الفكرة المتخلفة: دونية المرأة وأنها فرع الرجل، من قصة خلقها من ضلع آدم، وأنها مصدر كل الشرور، لأنها هي التي حرضته على الأكل من الشجرة، والتحرر من الخوف من الأشباح المرتبطة بشخصية إبليس. إن محو قصة الخلق الخرافية، أمر محوري مفصلي، لابد منه، لأجل أن عيش حياة أكثر تحضراً وأماناً، كما يعيش بقية خلق الله منذ عصر النهضة في أوروبا، منذ أكثر من أربعة قرون.
تصحيح صورة داروين قبل أن نتطرق لنظرية تطور الإنسان، نريد أن نتعرض أولاً لتصحيح نظرة المتدينين السيئة حول داروين. داروين من أكثر الشخصيات التي تعرضت للهجوم والتشويه، لأن نظريته بينت خطأ نظرية الخلق وعارضت الأديان. وهو لم يكن يهوديا ولا ملحداً، كما يشيع عنه المتدينون في بلادنا ولكنه كان رجلا مسيحيا كما ترجم لنفسه في كتاب خاص في السيرة الذاتية. وذكر أنه ألتحق بجامعة كامبردج ودرس اللاهوت لكي يتخرج قساً، ولكنه كره الدراسة ولم يكملها. وليس صحيحاً أن نظرية التطور تجعل الإنسان مادياً ملحداً، بدليل أن هناك جماعة لا يُستهان بهم من التطوريين العظام يؤمنون بالله، مثل فرانشيسكو أيالا، كينيث ميلر، وهناك من رجال الدين الغربيين كثيرين يؤمنون يؤمنون بهذه النظرية، بل ومن رجال الدين المسلمين العرب، مثل الدكتور عدنان إبراهيم، وهو متحمس لها لأبعد الحدود، وينكر على المشايخ المسلمين تجاهلهم لها، ويقول أنهم "يضحكون علينا" ويضللوننا، وأصدر سلسلة طويلة عنها. وليس صحيحا كذلك أن نظرية التطور تجعل الإنسان مادياً قاسي القلب، بل كان داروين نفسه رجلاً رقيقاً طيب القلب لا تملك إلا أن تحبه حين تقرأ سيرته، وكان بارا بأبيه، يكثر من ذكره في كتابه، وكان رجلا فاضلا نبيلا لا يحتسي الخمور هو وأبيه، وكان أثناء عمله يتعامل مع الكائنات بلطف شديد، ويقول أنه تعلم هذا اللطف من أخواته البنات. ومن رقة قلبه أنه كان حين يجمع عينات البيض من أعشاش الطيور لا يأخذ من كل عش إلا بيضة واحدة حتى لا يفجع الأم. وكان يكره أن يخترق الدود بصنارة الصيد وهو حي لئلا يتألم، فكان يميته أولا في الماء المملح ثم يخترقه، مع أن هذا يؤثر بالسلب على عملية صيد الأسماك. وكان يقدر ويحترم الآخرين، فكان يرد على جميع الرسائل التي تأتيه، وكان ابنه يلومه على ذلك ويقول له أن فيها رسائل غبية فلماذا ترد عليها كلها؟ فيقول: لئلا يحزن من أرسلها، لو لم أرد عليها لأنبنى ضميري. وكان متواضعا يذكر كل عيب في نفسه منذ طفولته، مثل أنه لم يكن متفوقا في الدراسة، وكانت أسرته تتنبأ بأنه سيفشل في مستقبله، وذكر كذلك أنه كان ضعيفا في الرياضيات والميتافيزيقا، وأنه لم يكن سريع البديهة، كل هذا حكاه عن نفسه بلا مبالاة. وكان رجلا أخلاقيا يتسم بالأخلاق الفاضلة، ومما يدل على ذلك أنه انكر على توماس كارليل تأييده للرق والعبودية في ذلك الوقت.
نظرة عامة على نظرية التطور الداروينية هي نظرية تشرح التطور البيولوجي طورها عالم الطبيعة الإنجليزي تشارلز داروين (1809-1882) ومعه علماء آخرون، تنصُّ على أنَّ جميع أنواع الكائنات الحية تنشأ وتتطور من خلال عملية الانتقاء الطبيعي للطفرات الموروثة التي تزيد من قدرة الفرد على المنافسة والبقاء على قيد الحياة والتكاثر. تسمى أيضًا النظرية الداروينية وقد تضمنت المفاهيم العامة لتغير الأنواع أو التطور واكتسبت قبولًا علميًا عامًا بعد نشر داروين كتابه أصل الأنواع في عام 1859، والقول بالتطور لم يظهر لأول مرة عن طريق داروين وفريقه، ولكن سبقهم بعض العلماء في عصرهم، بل تحدث تحدث عن التطور فلاسفة من اليونان، ومن العرب كابن سينا، وإخوان الصفا في رسائلهم والجاحظ وكذلك ابن خلدون في المقدمة وقالوا "آخر افق الحيوان أول افق الإنسان"، وكان هذا كلاماً نظرياً لم يثبت بالتجربة، ولكن العلماء أثبتوه تجريبياً، ووضعوا فيه نظرية متكاملة. كتب موبرتيوس عام 1751 عن تغيرات طبيعية تحدث خلال التكاثر وتتراكم عبر أجيال عديدة إلى أن تؤدي لإنتاج أنواع جديدة. واقترح بوفون أنَّ الأنواع قد تتحول إلى كائنات حية مختلفة، واقترح إراسموس داروين أنَّ كل الحيوانات ذات الدم الحار يمكن أن تكون قد تحدرت من كائن حي مجهري واحد أو «خيط». في عام 1809، قام جان باتيست لامارك بوضع نظريته «تحول الأنواع»، وهي أولى النظريات العلمية الكاملة للتطور، في آخر عام 1859، أدت الطريقة التي شُرح بها الاصطفاء الطبيعي في كتاب أصل الأنواع لداروين لقبول واسع آخذ بالازدياد للتطور الدارويني. وقام توماس هنري هكسلي بتطبيق أفكار داروين على البشر، وذلك بالاستناد إلى علم الأحياء القديمة والتشريح المقارن من أجل تقديم دليل قوي على أن البشر والقردة لديهم سلف مشترك. والبعض انزعج من هذه الفكرة لكونها تتضمن تلميحاً إلى أنه ليس للبشر مكانة مميزة في الكون. ولكن مع معرفة نظرية "وحدة الوجود" يتسنى فهم فلسفة التطور بشكل أفضل، مع تقدير المخلوقات، سواء القرود أو غيرها، لأن العالم وفق نظرية وحدة الوجود هو صورة إلهية. ولا زال العلماء - من بعد داروين - يقدمون أدلة جديدة على نظرية التطور، لم يعرفها داروين نفسه، حتى لم تعد نظرية فحسب، بل ثورة علمية، فالعالم قبل داروين ليس كالعالم بعد داروين. يقول نعوم تشومسكي: إن تقدم أي أمة من الأمم يقاس بفهمها لنظرية التطور. وتشارلز داروين يوضع مع العلماء القلائل الذين غيروا نظرتنا للعالم مثل جاليليو وكوبرنيكس وإسحاق نيوتن والبرت اينشتاين. ووفقاً لإحصاء تم عام 1995، إنًّ 99.85% من علماء الأرض والأحياء في الولايات المتحدة يدعمون نظرية التطور كإطار علمى لتفسير تنوع الحياة على الأرض، والأكاديميات العلمية الكبرى، مثل الأكاديمية الوطنية للعلوم فى الولايات المتحدة تؤكد دعمها لنظرية التطور، باعتبارها حجر الزاوية فى العلوم البيولوجية، وكذلك المنظمات العلمية فى مختلف البلدان (مثل الجمعية الملكية فى بريطانيا) تدعم النظرية باعتبارها مدعومة بأدلة قوية من مجالات متعدّدة. وهي على عكس نظرية الخلق "الخلقية" المشتركة بين جميع الديانات الإبراهيمية، وهو تصور ديني قديم بأن الإنسان والحياة والأرض والكون أيضا نشأ نتيجة تدخل وإبداع رباني إلهي من قبل الخالق، خلقا مباشرا من عدم. ويُعد التطور النظرية العلمية السائدة بين علماء الأحياء كتفسير لتنوع الكائنات الحية علي الأرض. وتعتبر نظرية التطور مهمة جدًا في علم الأحياء. فقال ثيودوسيوس دوبزانسك، عالم الأحياء التطوري المعروف: «لا شيء في علم الأحياء منطقي إلا في ضوء التطور». لم تؤثر اكتشافات العلماء فقط على تطور علم الأحياء، بل على العديد من المجالات العلمية والصناعية الأخرى، مثل علم النفس التطوري وعلم الإنسان، بما في ذلك الزراعة والطب وعلم الحاسوب. وفي المجتمع عامةً. وأما المكتبة العربية، فتكاد تخلو من الدراسات التطورية، ولم يكتب أحد من العرب حول التطور إلا أشخاص معدودين على الأصابع في القرن الماضي، مثل شبلي شميل وسلامة موسى وإسماعيل مظهر، قبل هجمة ما يسمى بالصحوة الإسلامية وبلطجتها على العلم والفكر. وأما الآن – في وقت التجريف الفكري وسيطرة العقلية السلفية والجهل المقدس – فلا توجد دراسات جادة باللغة العربية حول نظرية التطور، ولا حتى ترجمات إلا ما ندر، مع أن ترجمات الكتب التي لا تمثل عشر معشار نظرية التطور بالآلاف! وهذا شيء عجيب ينم عن مدى التخلف الذي نعيشه، وليس من الغريب أن يظل العربي يعيش في منظومة الخوف والخرافة حتى الآن. ولولا وجود الإنترنت لما سمع العرب عن نظرية التطور أصلاً. والغريب أن الجامعات العربية لا تدرس هذه النظرية، مع أنها محتوى أساسي في الجامعات الغربية، ولا أدري هل هذا ورع ديني خشية مخالفة القرآن في أروقة العلم، أم هو خوف من العرب أنفسهم.
نظرية التصميم الذكي في هذه الأثناء كان ويليام بيلي قد طوَّر أفكاراً عن التصميم الذكي فأصبحت ما عرف بعلم اللاهوت الطبيعي، والذي اقترح أنَّ التكيفات المعقدة دليلٌ على التصميم الإلهي، وقد أعجب تشارلز داروين بها. ونظرية التصميم الذكي نظرية فلسفية لا علمية، لأنها تخوض في الميتافيزيقا، والميتافيزيقا محلها الفلسفة لا العلم. والعلم التجريبي – بالمناسبة – على جلالة قدره، ليس هو سقف المعارف الإنسانية، ولا يصح أن يكون هو إله العصر الحديث، لأنه يقف عند حدود الحواس، والإنسان يستطيع أن يفهم من خلال العقل والفلسفة ما هو أبعد من الحس. فيستطيع أن يفهم أن وجود الله في الكون هو عين الكون ذاته، إذ الكون وما فيه من كائنات حية هي تجليات الحقيقة الغيبية الماورائية، وهذا ما توصل إليه سبينوزا وفلاسفة أوروبا من بعده تأثراً بنظريته في وحدة الوجود. تقول نظرية التصميم الذكي بأن بعض الميزات في تركيب الكائنات الحية لا يمكن تفسيره إلا بمسبب ذكي، بينما ينكر التطوريون وجود أي مسبب ذكي سوى الطبيعة نفسها. والحقيقة أن كلا الفريقين مخطيء، فالمؤمنين الإبراهيميين التقليديين بأديانهم الثلاثة، يظنون أن الله شخص خارج العالم، يتصرف فيه من الخارج، وهذا خطأ، لأنه وجود كلي، يشمل الكون بما فيه، ومن ثم فالتطور يتم من خلال الله والطبيعة معاً ولا تعارض. كما أن التطوريون حينما أنكروا وجود الله، خاضوا في مفازة صحراوية ليس لهم فيها مرشد يهديهم أين الطريق، فمسألة وجود الله من عدمه ليست من اختصاص العلم التجريبي، وإنما من اختصاص الفلسفة، ليست من اختصاص علم الآثار والأركيولوجيا، وإنما من اختصاص العقل والتفكير الفلسفي. وليس من الكمال عند العقلاء أن يلغي الإنسان عقله وتفكيره، ويقتصر على بصره ومعمله، فهذان طريقان مختلفان، لا تعارض بينهما، بل يسيران جنباً إلى جنب، هذا هو المفترض أن يكون. وأصحاب نظرية التصميم الذكي لا يعارضون التطور، ولكن يقولون بأن الله هو الذي يتدخل فيه ويقوم به، على عكس معارضي التطور الذين يؤمنون بخلق الإنسان من طين مباشرة. ولعل حل الخلاف بين التطوريين وبين أصحاب نظرية التصميم الذكي، يمكن من خلال نظرية "وحدة الوجود" التي تقول بأن الله = بالإضافة إلى وجوده الغيبي– له وجود ظاهر هو هذا العالم، فهو بحسب وحدة الوجود ليس فقط مفارقاً للعالم ولا أثر له فيه - كما تقرر الديانات الإبراهيمية - ولكنه مفارق وظاهر متجل تجلياً مادياً في الإنسان والكائنات الحية وكل شيء في العالم. وحينئذ لن يكون هناك خلاف: هل الله هو الذي يقوم بالتطور أو الإنتخاب الطبيعي؟ لأن الله – في تجليه وظهوره– هو الطبيعة بعينها وهو الإنسان بذاته، هو الكل. وهو تصور أشمل وأنضج من تصور إله الديانات الإبراهيمية.
تطور الإنسان يقول الدكتور "يوفال نوح هراري" في كتابه القيّم (العاقل، تاريخ مختصر للنوع البشري): قبل حوالي 13.5 مليار سنة خرجت المادة والطاقة والزمان والمكان إلى حيز الوجود فيما يعرف بالانفجار العظيم. تسمى قصة هذه الملامح الأساسية لكوننا الفيزياء. بعد ظهورهما بـ 300 ألف سنة، بدأت المادة والطاقة بالالتحام في بنى معقدة تدعى الذرات، ثم اتحدت لاحقاً مكونةً الجزيئات. تسمى قصة الذرات والجزيئات والتفاعلات فيما بينها الكيمياء. قبل 3.8 مليارات سنة اندمجت جزيئات معينة على كوكب يدعى الأرض لتشكل بني كبيرة ومعقدة تسمى المتعضيات تسمى قصة المتعضيات علم البيولوجيا. قبل حوالي 70,000 سنة بدأت متعضيات تنتمي إلى نوع الإنسان العاقل Homo sapiens في تشكيل بني أدق وأكثر تفصيلاً تسمى الثقافات. يسمى النمو اللاحق لهذه الثقافات البشرية التاريخ شكلت ثلاث ثورات مهمة مسار التاريخ: قدحت الثورة الذهنية زناد التاريخ قبل حوالي 70,000 سنة وسرعته الثورة الزراعية قبل حوالي 12,000 سنة، وقد تنهيه الثورة العلمية التي ظهرت قبل 500 سنة فقط لتبدأ شيئاً مختلفاً. وجد البشر قبل وجود التاريخ بفترة طويلة ؛ ظهرت الحيوانات الشبيهة بالبشر المعاصرين (أشباه البشر) لأول مرة قبل حوالي 2.5 مليون سنة، لكنها ولأجيال لا تحصى، لم تتميز عن المتعضيات الأخرى العديدة التي شاركتها مواطنها الطبيعية. لو كنتَ في نزهة في شرق أفريقيا قبل مليوني سنة فلربما قابلت جمعاً مألوفاً من الشخصيات البشرية: أمهاتٍ قلقات يحضن أطفالهن، وحفنة من الأطفال المبتهجين يلعبون في الطين وشباباً متقلبي المزاج مغتاظين مما يمليه عليهم المجتمع، وكهولاً منهكين لا يريدون سوى أن يُتركوا بسلام، ومفتولي عضلات مختالين يحاولون التأثير في جميلات الجمع، وعجائز حكيمات سبق أن شاهدن هذا كله. وقع هؤلاء البشر الغابرون في الحب ولعبوا وكونوا صداقات حميمة وتنافسوا من أجل المكانة والسلطة، ولكن هذا ما فعلته أيضاً حيوانات الشنابز والربّاح والفيلة لم يكن هناك ما يميز البشر؛ فلم يكن لدى أي أحد، بدءاً من البشر أنفسهم، أدنى تصور أن سلالتهم ستمشي يوماً ما على القمر، وتشطر الذرة، وتسبر أغوار الشفرة الجينية، وتحبّر كتب التاريخ. إن أهم ما يجب معرفته عن بشر ما قبل التاريخ هو أنهم كانوا حيوانات عديمة الأهمية؛ لا يتجاوز تأثيرها على بيئتها تأثير الغوريلات أو اليراعات أو قنادل البحر. يطلق علماء البيولوجيا على الكائنات الحية أسماء لاتينية تتكون من مقطعين: اسم الجنس متبوعاً باسم النوع. فالأسود على سبيل المثال تسمى بانثيرا ليو Panthera leo النوع ليو من جنس بانثيرا. ومن المفترض أن ينتمي كل قارئ لهذا الكتاب إلى الإنسان العاقل Homo sapiens النوع العاقل من جنس الإنسان. تجمع الأجناس بدورها في فصائل أو عوائل (families)، كفصيلة السنوريات (cats) التي تضم الأسود والفهود الصيادة وقطط المنزل، والكلبيات (dogs) التي تضم الذئاب والثعالب وبنات أوى والفيلة التي تضم الفيلة والماموثات والمستودونات.(mastodon). يعود نسب كل أعضاء فصيلة إلى أم مُؤسّسة أو أب مؤسّس، فجميع القطط مثلاً من أصغر قطة منزل إلى أكثر الأسود توحشاً تتشارك سلفاً سنورياً عاماً عاش قبل حوالي 25 مليون سنة. ينتمي الإنسان العاقل هو الآخر إلى فصيلة. كانت هذه الحقيقة البَدَهِيّة واحدة من أكثر أسرار التاريخ تعميةً، فلطالما فضّل الإنسان العاقل أن يعتبر نفسه منفصلاً عن الحيوانات يتيماً دون أسرة، عديم الأخوة والأخوات عديم الأقارب والأهم بلا أبوين. لكن هذا ليس صحيحاً، وسواءً أقبلنا أو رفضنا فنحن أعضاء فصيلة كبيرة تتميز بصخبها تدعى النسانون الكبار great apes). وتشكل الشنابز والغوريلات والأورانجوتانات orangutans أقرب أقاربنا الأحياء. وتعتبر الشنابز الأقرب إلينا، فقبل ستة ملايين سنة فقط كان لنسانة أنثى ابنتان؛ غدت إحداهما سلفاً لجميع الشنابز أما الأخرى فهي جدتنا. هياكل عظمية في الخزانة أخفى الإنسان العاقل سراً أكثر إزعاجاً لم يكن لدينا العديد من أبناء العمومة غير المتحضرين فحسب، بل وكان لدينا أيضاً في وقت مضى عدد غير قليل من الأخوة والأخوات. اعتدنا أن نحسب أنفسنا البشر الوحيدين لأنه خلال الـ 10,000 سنة الماضية كان نوعنا النوع البشري الوحيد الذي تبقى. مع ذلك فإن المعنى الحقيقي لكلمة إنسان هو حيوان ينتمي لجنس الإنسان"، ولطالما كانت هناك أنواع أخرى من هذا الجنس إلى جانب الإنسان العاقل. تطور البشر لأول مرة في شرق أفريقيا قبل حوالي 2.5 مليون سنة من جنس أقدم من النسان يسمى أسترالوبيس (Australopithecus)، والتي تعني النسان الجنوبي. قبل حوالي مليوني سنة، ترك بعض هؤلاء الرجال والنساء الغابرين موطنهم ورحلوا إلى المناطق الشاسعة في شمال أفريقيا وأوروبا وآسيا واستوطنوها. ولأن البقاء في الغابات الثلجية بشمال أوروبا تطلب سمات تختلف عن تلك المطلوبة للبقاء في أدغال إندونيسيا الحارة، فإن المجموعات البشرية تطورت في اتجاهات مختلفة. كانت النتيجة عدداً من الأنواع المختلفة وضع العلماء لكل منها اسماً لاتينياً رناناً. تطور البشر في أوروبا وغرب آسيا إلى نوع إنسان نياندرتال Homo neanderthalensis أو الإنسان من وادي نياندر، المعروف شعبياً بالنياندرتال، وهو نوع أضخم منا وله عضلات أكبر مما لدينا نحن العقلاء، وتكيف جيداً مع مناخ العصر الجليدي البارد في أوراسيا الغربية. أما أكثر المناطق في شرق آسيا فاستوطنها نوع بشري آخر اسمه الإنسان المنتصب (Homo erectus)، تمكن من البقاء هناك لمدة تقارب مليوني سنة، ما يجعله أكثر الأنواع البشرية تعميراً على الإطلاق. أما إنسان سولو Homer solensis أو الإنسان من وادي سولو، فقد عاش في جزيرة جاوا في إندونيسيا، وتكيف على الحياة في المناطق الاستوائية. وعلى جزيرة إندونيسية صغيرة تدعى فلورس (Flores) تعرض البشر الغابرون لعملية تقزّم. بلغ الطول الأقصى لهذا النوع الفريد المعروف عند العلماء بإنسان فلورس (Homo floresiensis) متراً واحداً فقط، ولم يتجاوز وزنه 25 كيلوغراماً. ورغم ذلك، كان باستطاعته إنتاج أدوات حجرية، وتمكن في بعض الأحيان من صيد بعض فيلة الجزيرة، ولو أنها كانت للإنصاف فيلة من النوع القزم هي الأخرى. في عام 2010، أنقذ قريب ضائع آخر من النسيان عندما اكتشف علماء في كهف دينيسوفا Denisova cave في سيبيريا أحفورة لعظمة إصبع. أثبت التحليل الجيني أن الإصبع تعود إلى نوع بشري مجهول سابقاً سُمي إنسان دينيسوفا Homo denisova. ومن يعلم عدد أقاربنا الضائعين الذين ينتظرون الاكتشاف في كهوف أخرى، وعلى جزر أخرى، وفي مناخات أخرى! وبينما كان هؤلاء البشر يتطورون في أوروبا وآسيا لم يتوقف التطور في شرق أفريقيا، استمر مهد البشرية في إنشاء أنواع جديدة كثيرة مثل إنسان رودولف (Homo rudolfensis) أو الإنسان من بحيرة رودولف، والإنسان العامل (Homo ergaster)، وأخيراً نوعنا الذي أسميناه دون تواضع الإنسان العاقل (Homo sapiens). هناك مغالطة شائعة لتصوير هذه الأنواع على أنها مُرتبة في خط نسب واحد؛ يكون فيه العامل سلفاً للمنتصب، والمنتصب سلفاً للنياندرتال، والنياندرتال متطوراً ليكوننا نحن. يعطي هذا النموذج الخطي الانطباع الخاطئ بأنه في لحظة ما عاش على الأرض صنف بشري واحد، وأن جميع الأنواع السابقة كانت مجرد طرز قديمة لنا. والحقيقة هي أنه منذ مليوني سنة حتى عشرة آلاف سنة خلت كان العالم موطناً لعدة أنواع بشرية في وقت واحد. كان البشر الذين عاشوا قبل مليوني سنة، بالرغم من أدمغتهم الكبيرة وأدواتهم الحجرية الحادة، مسكونين بخوف مستمر من الحيوانات المفترسة، ونادراً ما اصطادوا طرائد كبيرة، واقتاتوا بشكل رئيسي على جمع النباتات والتقاط الحشرات وملاحقة الحيوانات الصغيرة وأكل الجيف التي تركتها أكلات لحوم أقوى. كان موقع جنس الإنسان في السلسلة الغذائية إلى فترة قريبة ثابتاً في الوسط. صاد البشر لملايين السنين كائنات صغيرة وجمعوا ما استطاعوا جمعه، في حين اصطادتهم الحيوانات المفترسة الأكبر منهم. وقبل 400,000 سنة فقط بدأت عدة أنواع من البشر بصيد الطرائد الكبيرة بانتظام، وفي الـ 100,000 سنة الأخيرة وحسب، مع بزوغ نوع الإنسان العاقل قفز الإنسان إلى قمة السلسلة الغذائية. كانت إحدى الخطوات المهمة في الطريق إلى القمة ترويض النار، وقد تكون بعض الأنواع البشرية استخدمت النار عرضياً قبل 800,000 سنة. أما قبل 300,000 سنة فكان كل من الإنسان المنتصب والنياندرتال وأجداد الإنسان العاقل يستخدمون النار بشكل يومي. امتلك الإنسان بهذا مصدراً يعتمد عليه من الضوء والدفء، وسلاحاً قاتلاً ضد الأسود المتربصة، لكن الطبخ كان أفضل ما قامت به النار. كان البشر قبل 150,000 سنة ما يزالون كائنات هامشية. كان باستطاعتهم حينها إخافة الأسود، وتدفئة أنفسهم في الليالي الباردة، وحرق الغابات المتفرقة كلياً لكن إن أحصينا جميع أنواع البشر مجتمعة، فإن تعدادهم لم يكن يتجاوز مليون نسمة يعيشون بين أرخبيل إندونيسيا وشبه جزيرة أيبيريا. ويتفق معظم العلماء على أنه قبل 150,000 سنة، كان شرق أفريقيا مستوطناً من قبل العقلاء الذي بدوا مثلنا تماماً. وبفضل النار، كان لديهم أسناناً وفكاً أصغر من أسلافهم، في حين كان لديهم أدمغة تساوي حجم أدمغتنا. يتفق العلماء أيضاً أنه قبل 70,000 سنة تقريباً انتشر العقلاء من شرق أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية ومن هناك اجتاحوا سريعاً القارية الأوراسية. فإن أنساب جميع البشر المعاصرين يمكن إرجاعها حصرياً إلى شرق إفريقيا قبل 70.000 سنة. قبل 50,000 سنة، كان كل من العقلاء والنياندرتال والدينيسوفا على تلك النقطة الحدودية، كانوا تقريباً وليس تماماً أنواعاً منفصلة كلياً، كان العقلاء بالفعل مختلفين جداً عن النياندرتال والدينيسوفا، ليس بالشفرة الجينية والصفات الجسمية فحسب، بل وأيضاً في القدرات الذهنية والاجتماعية ومع ذلك يبدو أنه كان ممكناً في فرص نادرة أن ينتج العقلاء والنياندرتال ذرية خصبة. إذاً لم تندمج المجموعتان، لكن قليلاً من جينات النياندرتال المحظوظة وجدت توصيلة مجانية في الطريق السريع للعقلاء. إنه لأمر مقلق، وربما مثير أن نفكر في أننا نحن الإنسان العاقل عاشرنا مرة حيواناً من نوع مختلف وأنجبنا أطفالاً معاً. لكن إن لم يندمج النياندرتال والدينيسوفا وبقية الأنواع البشرية مع العقلاء، فلِمَ اختفوا؟ يدور أحد الاحتمالات حول أن الإنسان العاقل دفعهم إلى الانقراض. تصور مجموعة من العقلاء تصل إلى وادي في البلقان حيث عاش النياندرتال لمئات آلاف السنين. بدأ القادمون الجدد بصيد الظباء وجمعوا الثمار والتوت التي كانت الغذاء الاعتيادي للنياندرتال. ولأن العقلاء كانوا أكثر مهارة في الصيد والجمع بفضل التقنية الأفضل والمهارات الاجتماعية المتفوقة، فإن أعدادهم تضاعفت وانتشرت. وهكذا واجه النياندرتال وهم ا الأقل، صعوبات متزايدة في إطعام أنفسهم. ثم تضاءل عددهم، وببطء أصابهم الفناء. ويدور احتمال آخر حول أن منافسة على الموارد اشتعلت وأدت إلى عنف ومذابح جماعية. والتسامح ليس سمة من سمات العقلاء. فإن اختلافاً صغيراً في لون الجلد أو اللهجة أو الدين كان كافياً في العصور الحديثة لدفع مجموعة من العقلاء للشروع في إبادة مجموعة أخرى. فهل كان العقلاء الغابرون أكثر تسامحاً تجاه نوع مختلف كلياً من الأنواع البشرية ؟ لعل لقاء العقلاء بالنياندرتال أنتج أول وأهم حملة تطهير عرقي في التاريخ. كيفما جرت الأحداث، يطرح النياندرتال وغيره من الأنواع البشرية أحد أهم الاسئلة التاريخية من نوع "ماذا لو؟". تصور كيف ستؤول إليه الأمور لو بقي النياندرتال أو الدينيسوفا جنباً إلى جنب مع الإنسان العاقل. أي نوع من الثقافات والمجتمعات قد تنبثق في عالم يحوي عدة أنواع بشرية مختلفة تعايشت معاً؟ كيف ستتجلى العقائد الدينية على سبيل المثال؟ هل سيعلن سفر التكوين أن النياندرتال انحدروا من آدم وحواء؟ هل سيموت يسوع من أجل خطايا الدينيسوفا؟ وهل سيحجز القرآن مقاعد في الجنة لجميع صالحي البشر مهما كان نوعهم؟ عاش الإنسان العاقل خلال العشرة آلاف سنة الماضية وهو يألف كثيراً أنه النوع البشري الوحيد لدرجة أنه من الصعب علينا تصور احتمال آخر. سهل عدم وجود أخوة وأخوات لنا علينا تصور أننا صفوة الخلق، وأن هناك هوة تفصلنا عن بقية مملكة الحيوان. وعندما أشار تشارلز دارون إلى أن الإنسان العاقل مجرد نوع آخر من الحيوانات ثار الناس غضباً، وحتى يومنا هذا هناك من يرفض قبول الأمر. لو كان لنوع النياندرتال أن ينجو فهل كنا سنبقى على أنفسنا خلقاً متفرداً؟ ربما كان هذا السبب تحديداً هو ما جعل أسلافنا يمحون النياندرتال من على وجه الأرض. تعود البقايا الأخيرة لإنسان سولو إلى 50,000 سنة تقريباً، واختفى إنسان دينيسوفا بعد ذلك بفترة وجيزة. وانقرض النياندرتال قبل 30,000 سنة تقريباً. أما الإنسان شبيه الأقزام فقد اختفى من جزيرة فلورس قبل 12,000 سنة تقريباً. ترك الجميع وراءهم بعض العظام، وأدوات حجرية، وقليلاً من الجينات في جينومنا وكثيراً من الأسئلة دون إجابة. وتركونا وراءهم أيضاً، نحن الإنسان العاقل، آخر الأنواع البشرية. وأما سجل الإنجاز الضعيف للعقلاء، فقد قاد العلماء إلى تخمين أن البنية الداخلية لأدمغة هؤلاء العقلاء كانت على الأرجح مختلفة عما هي لدينا الآن. كانوا يشبهوننا لكن قدراتهم الذهنية. التعلم والتذكر والتواصل - كانت محدودة جداً. فتعليم فرد من هؤلاء العقلاء الغابرين الإنجليزية أو إقناعه بصدق العقيدة المسيحية أو إفهامه نظرية التطور ستكون على الأرجح مهمات مستحيلة. لكن قبل 45000 سنة عبر العقلاء بطريقة ما عرض البحر واستقروا في أستراليا، التي كانت حتى ذلك الحين قارة لم تطأها قدم بشر. وشهدت الفترة من حوالي 70,000 سنة خلت إلى حوالي 30,000 سنة خلت اختراع القوارب والمشاعل الزيتية والأقواس والسهام وإبر الخياطة الضرورية لخياطة الملابس الدافئة. ويعود المجسّم الأول (الرجل الأسد من شتال) الذي يمكن أن يُسمَّى فنَّاً على نحو موثوق إلى هذه الحقبة، كما يعود إلى هذه الحقبة أيضا أول دليل واضح على الدين والتجارة والطبقية الاجتماعية. يعتقد معظم الباحثين أن هذه الإنجازات غير المسبوقة كانت نتيجة لثورة في قدرات العقلاء الذهنية. ويتفقون على أن الأشخاص الذين دفعوا النياندرتال إلى الانقراض واستوطنوا أستراليا ونحتوا الرجل الأسد من شتال، كانوا يمتلكون ذكاءً وإبداعاً وحساسية تضاهي ما لدينا. ولو كان قُدَّرَ لنا أن نلتقي بفناني كهف شتال لاستطعنا تعلم لغتهم ولاستطاعوا تعلم لغتنا كنا سنستطيع أن نشرح لهم كل شيء نعرفه، بدءاً بأليس في بلاد العجائب وانتهاءً بمعضلات الفيزياء الكمية، ولكان باستطاعتهم بدورهم أن يعلمونا كيف يرون العالم. ظهرت الأساطير والخرافات والآلهة والأديان لأول مرة مع الثورة الذهنية. كان باستطاعة العديد من الحيوانات والأنواع البشرية سابقاً القول: "احذر! هناك أسد"، لكن بفضل الثورة الذهنية اكتسب الإنسان العاقل القدرة على قول:" الأسد هو الروح الحارسة لقبيلتنا. إن القدرة على الحديث عن الخيال الميزة المتفردة للغة العقلاء هي من السهل نسبياً أن نتفق على أن الإنسان العاقل وحده الذي يستطيع أن يتكلم عن الأشياء التي لا تُوجد حقاً. الخيال لم يُمكّننا من تخيل الأشياء فقط بل وأن نفعل ذلك جماعياً. يمكننا نسج أساطير شائعة مثل قصة الخلق التوراتية، وأساطير وقت الأحلام عند الأستراليين الأصليين. كان التنوع الثقافي والعرقي ضمن الصيادين الجامعين مثيراً للإعجاب وكان الخمسة إلى الثمانية ملايين جامعاً الذين سكنوا العالم عشية الثورة الزراعية منقسمين إلى آلاف القبائل المنفصلة ولديهم آلاف اللغات والثقافات المختلفة. كان هذا بعد كل شيء إرثاً رئيسياً للثورة الذهنية. وبفضل ظهور الخيال أمكن حتى للأشخاص الذين لديهم نفس التركيب الجيني والذين عاشوا تحت ظروف بيئية متشابهة، خلق وقائع متخيلة مختلفة جداً، تبدّت على شكل قيم ومعايير سلوك مختلفة. على سبيل المثال، هناك أسباب كثيرة تدعو للاعتقاد بأن جماعة جامعين عاشت قبل 30000 سنة في البقعة التي تقوم عليها جامعة أكسفورد الآن كانت ستتكلم لغة مختلفة عن جماعة أخرى عاشت حيث تقع جامعة كامبريج الآن، وربما كانت إحدى الجماعتين عدوانية والأخرى مسالمة، وربما كانت جماعة كامبريدج شيوعية بينما قامت التي في أوكسفورد على أسر نووية، وربما قضى الكامبريجيون ساعات طويلة في نحت تماثيل خشبية لأرواحهم الحارسة فيما تعبد الأكسفورديون بالرقص. وفي بعض الأحيان كانت العلاقات مع الجماعات المجاورة قوية كفاية لتشكيل قبيلة واحدة تتشارك لغة وأساطير وقواعد سلوك وقيم واحدة. مع ذلك يجب ألا نغالي في تقدير أهمية مثل هذه العلاقات الخارجية، فحتى وإن التفت الجماعات حول بعضها في أوقات الشدة، وحتى إن اجتمعت معاً بين حين وآخر للصيد أو الاحتفال، فقد قضوا الأغلبية العظمى من وقتهم في عزلة واستقلالية تامتين واقتصرت المقايضة في أغلبها على أغراض اعتبارية مثل الأصداف والكهرمان والخضاب، وليس هناك دليل على أن الناس تقايضوا بضائع أساسية كالفواكه واللحوم، أو أن بقاء إحدى الجماعات اعتمد على استيراد بضائع من جماعة أخرى ونَحَتْ العلاقات الاجتماعية السياسية لأن تكون متقطعة؛ فلم تكن القبيلة بمثابة نظام سياسي دائم، وحتى إن كان لها أماكن لقاءات موسمية فلم تكن هناك مدن أو مؤسسات دائمة. وعاش الشخص العادي عدة أشهر دون أن يرى أو يسمع بشراً من خارج قبيلته، ولم يقابل طيلة حياته أكثر من عدة مئات من البشر؛ انتشر السكان العقلاء بكثافة ضئيلة على مساحات شاسعة، وقبل الثورة الزراعية، كان بشر الكوكب بأسره أقل من عدد سكان القاهرة اليوم. ثورة الزراعة غذى البشر أنفسهم على مدى 2.5 مليون سنة بجمع النباتات وصيد الحيوانات التي عاشت وتكاثرت بدون تدخل منهم؛ قطف الإنسان المنتصب والإنسان العامل وإنسان النياندرتال التين البري وصادوا الخراف البرية دون أن يحددوا أين ستنمو أشجار التين أو في أي مرج يجب أن يرعى قطيع الخراف، أو أي تيس يجب أن يُلقح أي نعجة. تغير كل هذا قبل حوالي 10,000 سنة، عندما بدأ العقلاء في تكريس كل وقتهم وجهدهم تقريباً للتحكم بحياة بعض أنواع الحيوانات والنباتات، فقاموا من شروق الشمس إلى غروبها بنثر البذور، وسقي النباتات، وانتزاع الحشائش من الأرض، وقادوا الخراف إلى المراعي،الجيدة، وتوقعوا بأن هذا العمل سيقدم لهم مزيداً من الثمار والحبوب واللحوم. كانت ثورة في أسلوب حياة البشر: الثورة الزراعية. نظام مُتَخَيَّل مكنت فوائض الطعام التي أنتجها الفلاحون إلى جانب تقنية النقل الجديدة في نهاية المطاف المزيد والمزيد من الناس من الاكتظاظ في قرى كبيرة أولاً، ثم في بلدان، وأخيراً في مدن، وتوحدوا جميعهم بواسطة ممالك وشبكات تجارية جديدة. و اتضح أن الأساطير أقوى مما كان يتصوره أي شخص. فعندما أتاحت الثورة الزراعية فرصاً لإنشاء مدن مكتظة وإمبراطوريات قوية اخترع الناس قصصاً عن آلهة عظيمة، وأوطان، وشركات مساهمة، لتوفير الروابط الاجتماعية الضرورية. وفي حين كان التطور البشري يزحف بوتيرته المعتادة، كان الخيال البشري يبني شبكات مذهلة من التعاون الجماعي كما لم يحدث من قبل على وجه الأرض. كانت أكبر المستوطنات في العالم حوالي سنة 8500 ق. م، عبارة عن قرى مثل أريحا التي احتوت على بضع مئات من الأفراد. وبحلول سنة 7000 ق.م وصلت أعداد الأفراد في بلدة جاتل هويوك في الأناضول إلى ما بين 5,000 و10,000، وربما كان ذلك وقتها أكبر استيطان في العالم. وخلال الألفية الخامسة والرابعة قبل الميلاد، ظهرت في الهلال الخصيب مدن تحوي عشرات الآلاف من السكان وكانت هذه المدن تسيطر على العديد من القرى المجاورة. وفي سنة 3100 ق. م، توحد وادي النيل الأدنى بأكمله تحت راية أول مملكة مصرية؛ حكم فراعنتها مئات الآلاف من الناس، وشملت سلطتهم آلاف الكيلومترات المربعة. وحوالي سنة 2250 ق. م، أنشأ سرجون الأكبر أول إمبراطورية الأكادية التي تباهت بإخضاع أكثر من مليون شخص، وبجيش دائم مكون من 5,400 جندي. وبين سنتي 1000 و 500 ق.م، ظهرت أولى الإمبراطوريات الضخمة في الشرق الأوسط: الإمبراطورية الآشورية المتأخرة، والإمبراطورية البابلية، والإمبراطورية الفارسية حكمت هذه الإمبراطوريات عدة ملايين من البشر وقادت عشرات الآلاف من الجنود. في سنة 221 ق. م توحدت أسرة تشين في الصين ذلك وبعد بوقت قصير وحدت روما حوض البحر الأبيض المتوسط. دفعت الضرائب المفروضة على 40 مليون فرد من رعايا أسرة تشين رواتب جيش دائم مكون من مئات الآلاف من الجنود، وبيروقراطية معقدة استخدمت أكثر من 100,000 موظف. وجمعت الإمبراطورية الرومانية في ذروتها ضرائب من 100 مليون شخص خاضع لها. موّلت هذه الإيرادات جيشاً دائماً يتكون من 250 ألف إلى 500 ألف جندي، وشبكة طرق كانت ما تزال قيد الاستخدام بعدها بـ 1,500 سنة، ومسارح ومدرجات تستضيف الجماهير حتى يومنا هذا. إنه أمر مثير للإعجاب دون شك، لكن يجب أن لا ننخدع بأوهام وردية حول "شبكات" تعاون "جماعية" تعمل في مصر الفرعونية أو الإمبراطورية الرومانية، فكلمة "تعاون" تعطي انطباعاً بالإيثار، لكن الحقيقة هي أنه لم يكن دائماً تعاوناً طوعياً، ونادراً ما حقق المساواة فمعظم شبكات التعاون البشري كانت قائمة على الظلم والاستغلال دفع الفلاحون لشبكات التعاون المزدهرة من فوائض طعامهم الثمينة، وكانوا يصابون باليأس حين يستولى جامع الضرائب على سنة كاملة من جهودهم الشاقة بجرة واحدة من قلمه الإمبريالي. لم تكن الأنظمة المتخيلة التي تدعم هذه الشبكات محايدة ولا عادلة؛ قامت بتقسيم الناس إلى مجموعات صورية موضوعة في تراتبية. تمتع الذين في الطبقات الأعلى بالامتيازات والسلطة، بينما عانى الذين في الطبقات الأدنى من التمييز والقمع. فعلى سبيل المثال، أقامت شريعة حمورابي تراتبية مزعجة من السادة والعامة والعبيد حصل السادة على كل الاشياء الجيدة في الحياة وحصلت العامة على المتبقي، وتعرّض العبيد للضرب إن اشتكوا. لذا أيَّد النظام الأمريكي تراتبية الثروة، التي اعتقد البعض أنها استحقاق من قبل الله، ونظر إليها بعض آخر على أنها تمثيل لقوانين الطبيعة الأبدية؛ ادعي أن الطبيعة تكافئ المستحق بالثراء بينما تعاقب المتبلد. تتجذر جميع الفروق بين الأحرار والعبيد، بين البيض والسود بين الأغنياء والفقراء - في القصص المتخيلة، فهي قاعدة صلبة في التاريخ أن تتنصل كل تراتبية متخيلة من أصولها المتخيلة وتدّعي أنها طبيعية ومحتومة. على سبيل المثال، جادل العديد من الأشخاص الذين رأوا في التراتبية بين الأحرار والعبيد أمراً طبيعياً وصائباً أن العبودية ليست اختراعاً بشرياً. نظر حمورابي إليها على أنها قضاء من عند الآلهة وجادل أرسطو بأن للعبيد "طبيعة عبدية" بينما للناس الأحرار "طبيعة حرة"، لذا فإن وضع العبيد في المجتمع هو مجرد انعكاس لطبيعتهم الفطرية. اسأل عنصريين بيض عن التراتبية العنصرية وستجد نفسك في محاضرة علمية زائفة عن الاختلافات البيولوجية بين الأعراق من المحتمل أن يقال لك أن هناك شيئاً ما في دم الرجل الأبيض أو جيناته تجعل البيض بالطبيعة أذكى وأكثر أخلاقية ومثابرة في العمل. وعلى عكس ما يقول أرسطو، لا يوجد فرق بيولوجي معروف بين العبيد والأحرار؛ حولت قوانين البشر ومعاييرهم بعض الناس إلى عبيد وآخرين إلى سادة هناك اختلافات بيولوجية موضوعية بين السود والبيض، مثل لون البشرة ونوع الشعر، لكن لا دليل على أن هذه الفروق تمتد لتشمل الذكاء أو الأخلاق. استورد الأوروبيون الفاتحون منذ القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر ملايين العبيد الأفارقة للعمل في المناجم والمزارع في أمريكا. اختاروا استيراد العبيد من أفريقيا بدلاً من أوروبا أو شرق آسيا لثلاثة عوامل ظرفية. أولاً، كانت أفريقيا أقرب، ولذا كان استيراد العبيد من السنغال أرخص من استيرادهم من فيتنام ثانياً، كانت توجد في أفريقيا مسبقاً تجارة رقيق متطورة تصدير العبيد إلى الشرق الأوسط بشكل أساسي، في حين كانت العبودية في أوروبا نادرة جداً. كان من الواضح أن شراء العبيد من سوق موجودة أسهل بكثير من إنشاء سوق جديدة من الصفر. معدومي عامل. ثالثاً والأهم، كانت المزارع الأمريكية في أماكن من قبيل فرجينيا وهايتي والبرازيل تعاني من الملاريا والحمى الصفراء، التي يعود أصلها إلى أفريقيا. اكتسب الأفارقة عبر الأجيال مناعة جينية جزئية ضد هذه الأمراض، في حين كان الأوروبيون الحيلة تماماً وماتوا بأعداد كبيرة، لذا كان من الحكمة أن يستثمر صاحب مزرعة أمواله في عبد أفريقي بدلاً من أوروبي. لم يرغب الأوروبيون البيض في الأمريكيتين أن ينظر اليهم على أنهم ناجحون اقتصادياً فحسب، بل وعلى أنهم كذلك ورعون وعادلون وموضوعيون، لذا سُخّرت الأساطير الدينية والعلمية لتبرير هذا التقسيم. جادل اللاهوتيون بأن الأفارقة انحدروا من حام ابن نوح، الذي لعنه أبوه بأن تكون ذريته من العبيد، وجادل علماء البيولوجيا بأن السود أقل ذكاء من البيض وأن حسهم الأخلاقي أقل تطوراً، وزعم الأطباء أن السود يعيشون في القذارة وينشرون الأمراض، وبكلمات أخرى مصدر نجاسة. ضربت هذه الأساطير وتراً حساساً في الثقافة الأمريكية، والغربية عموماً. واستمرت في ممارسة نفوذها لفترة طويلة بعد اختفاء الظروف التي خلقت العبودية. وفي وقت مبكر من القرن التاسع عشر، حظرت بريطانيا الإمبريالية العبودية وأوقفت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وفي العقود التي تلت حظرت العبودية تدريجياً في جميع أ أنحاء القارة الأمريكية. والجدير بالذكر أن هذه كانت المرة الأولى والوحيدة في التاريخ التي تقوم فيها مجتمعات قائمة على الاسترقاق بإلغاء العبودية طواعيةً، لكن وعلى الرغم من إطلاق سراح العبيد استمرت الأساطير العنصرية التي بررت العبودية احتفظ بتقسيم الأعراق عن طريق التشريعات العنصرية والعرف الاجتماعي. (العاقل، ص 10-172) باختصار. هذه نظرة عامة على تاريخ الإنسان وتطوره على الأرض، وهي كما نرى قصة تطور طبيعية، لا علاقة لها بتهويلات الكتب المقدسة ومنظومتها الدينية التي خلقت واقعاً مختلفاً تماماً، فلا الله خلق كل نوع على حدة، ولا هو خلق آدم في الجنة وعصى وأهبطه إلى الأرض، ولا وجود لما سمي بإبليس وجهنم وعذاب القبر الخ. كل هذا كان من نتاج مُخيّلة الأنبياء ومن مخيلة أتباعهم الذين أكملوا مسيرة خلق الواقع المختلف، ووضعوا نصوصاً اقتبسوها من الحضارات التي عاصروها ونسبوها لأنبيائهم، بغرض تطوير دياناتهم وتنظيم مجتمعاتهم، فالتوراة على سبيل المثال، ذلك الكتاب الضخم، ذكر سبينوزا وعلماء الأديان أن موسى لم يكتب منه سوى الوصايا العشر على ألواح، ذكرها القرآن (وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه) وأما شريعة اللاويين، فمن وضع الأحبار والكهنة، لا سيما عزرا الكاتب، اقتبسوها من الحضارة البابلية وشريعة حمورابي، وانتقلت إلى القرآن. والقرآن نقل عن "أهل الكتاب" بلا شك، وقد ذكر القرآن أن العرب عرفوا هذه الحقيقة ووصفوا القرآن بأنه "أساطير الأولين". ونريد أن نخفف من رهبة المسلم من سطوة لغة القرآن وما يتبعها من اعتقاده أن هذا هو كلام الله بالضرورة، ونقول له: أن هذه هي طبيعة لغة العرب! وهذا هو الشيء الوحيد الذي تميزوا به، وهو فصاحة اللسان وروعة البيان، ولو قرأت "نهج البلاغة" المنسوب للإمام علي، لوجدت من سطوة الكلام ما يفوق القرآن. وأما تحدث القرآن عن الله بضمير المتكلم، فهذا إله النبي محمد الشخصي، لإصلاح مجتمعه، وليس هو الله المطلق. والحقيقة أن مصطلح "الله" أمسى مصطلحاً مخيفاً سيء السمعة، لأنه مرتبط بإله الأديان الإبراهيمية الجبروتي المخيف، وكهنته القائمين على إرهاب الناس من عذابه، ولذلك لا يستخدمه بعض أعلام تيار الروحانية في الغرب، مثل "إيكارت تولي" نادراً ما يقول God ولكن يقول الوعي Councious ومثل "إستر هيكس" لا تقول God مطلقاً ولكن تقول: المصدر The source. وهذان المصطلحان أوفق في التعبير عن حقيقة وحدة الوجود بين الله وبيننا، فهو الوعي المشترك بيننا جميعاً، وهو المصدر، الذي فضنا عنه كما يفيض نور الشمس عنها. وهذا أقرب لله وعظمته من حيث أنه الكل، وليس إله الديانات الإبراهيمية الذي تشعر أنه صورة مختزلة في شكل شخص يتحدث ويتوعد، بينما الله المطلق ليس شخصاً (ليس كمثله شيء) بالفعل، لأنه هو روح الكون كله بما فيه، وصوته وألحانه وإيقاعه وجماله.
#محمد_بركات (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة العاشرة: ضرورة التخلص من سل
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة التاسعة: ضرورة فهم معنى الف
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثامنة: ضرورة معرفة معنى ا
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة السابعة: خطورة الإعجاز العل
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة السادسة: ضرورة معرفة تاريخ
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الخامسة: العلاقة بالآخر ومش
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الرابعة: تاريخية النص الدين
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثالثة: الكهنوت العدو الأخ
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثانية: لا يوجد دين رسمي ع
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الأولى: الله ظاهر في خلقه
-
المختار من الفتوحات المكية (23) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (22) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (21) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (20)
-
المختار من الفتوحات المكية (19) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (18) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (17) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (16) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (15) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (14) محيي الدين بن عربي
المزيد.....
-
الشرطة البريطانية تُعلن عن هوية المشتبه به في هجوم الكنيس ال
...
-
بابا الفاتيكان يُشير إلى أن سياسات الهجرة الأمريكية ليست -مؤ
...
-
لحظة محاصرة المشتبه به بهجوم خارج كنيس يهودي في مانشستر.. وت
...
-
ستارمر: على بريطانيا هزم -الكراهية المتزايدة- لليهود
-
3 قتلى وجريحان بحادثة طعن خارج كنيس يهودي في بريطانيا
-
الأردن يدين اقتحامات مستوطنين المسجد الأقصى بحماية الشرطة ال
...
-
تفاصيل جديدة حول هجوم استهدف كنيسا يهوديا في بريطانيا
-
وصفته بـ-الآثم-.. الإمارات تدين الهجوم على كنيس يهودي في مان
...
-
بريطانيا: حادثة طعن ودهس قرب كنيس يهودي في مانشستر
-
هجوم دهس وطعن أمام كنيس يهودي في مانشستر يوقع قتيلين وعددًا
...
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|