|
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثالثة: الكهنوت العدو الأخطر
محمد بركات
الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 12:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لو قلت لك أنك مظهر الله، فماذا سيتبقى لرجل الدين؟ لن تكون له أي قيمة. وهذا هو سبب التعتيم على هذه المسألة التي ذكرناها في القاعدة الأولى، فلا تكاد تجد لها ذكر إلا في بطون كتب العارفين الأولين من أهل القرون الأولى مثل محيي الدين بن عربي والحلاج، وما قتلوا هذا الأخير إلا لأنه جهر بهذه الحقيقة، ولو ذكرتها لأي رجل دين فإنه سيقيم الدنيا ولن يقعدها، ليس غيرة لله، ولكن غيرة على سلطته الدينية المسلطة على رقاب الناس، سلطة طال أمدها منذ القدم، منذ أزمنة الكهنوت، واستمرت حتى اليوم، والناس لا يستطيعون منها فكاكاً ويحسبون أنها من الله، وليست من الله في شيء. ومع أن الناس يستفتونهم في كل خطوة وكل صغيرة وكبيرة في شكل غريب مريب، إلا أنك تجدهم طيلة الوقت يصرخون بالعودة إلى الدين، زيادة في ترسيخ سلطتهم على الناس. والناس في حاجة إلى العودة إلى الروحانية مع تنحية رجال الدين بين الناس وبين ربهم الذي خلقهم أحراراً وسخر لهم الحياة الدنيا ووهبهم صفاته، وهو براء من الشريعة البشرية التي صنعوها عبر القرون وأثقلوا بها كاهل الناس. يقول الأستاذ خالد محمد خالد في كتابه الرائع (من هنا نبدأ) : إن تصفية العلاقات بين المجتمع والدين، بداية الطريق المفضي إلى النماء والاستقرار. وليس ثمة ما ينفر الناس من دينهم، مثل إبرازه في صورة قوة عائقة، مناهضة لحقوقهم، مخذلة لطموحهم. والدين في المجتمع الإنساني بأسره يمثل «ضرورة اجتماعية » لا غنى للناس عنها. بيد أن الأمم تتفاوت في طرائق الانتفاع به، واستلهام مبادئه وتوجيهاته كما تختلف في حرصها على أن يظل كما أراد له ربه أن يكون، مصدر قوة وإخاء ومساواة.. لا ظهير أنانية وعدوان. وبقاء الدين متربعاً على عرشه المجيد، يتوقف على أمرين : أولهما: تفاعله المستمر مع حاجات الناس، حتى تستطيع البشرية أن تجد منه عوناً دائما يمكنها من مواجهة مشاكلها المستحدثة، وضروراتها الطارئة، ويبارك محاولتها المستمرة للتقدم والوثوب. ثانيهما: احتفاظه بخصائصه الذاتية الكبرى، وأهدافه التي من أجلها شرعه الله وأنزله... وهي إسعاد الناس سعادة واقعية في نطاق المساواة النبيلة التي جاء يعلنها ويحض عليها. وإنا اليوم لنسمع صراخا بوجوب العودة إلى الدين.. فإلى أي دين يدعو هؤلاء المتصايحون.. ؟! هناك شيء اسمه الكهانة، انحدرت إلينا من القرون الأولى... وهي تعاليم ومبادىء ضارة وقاتلة..! أرادت أن تستغل ولاء الناس للدين فلبست لبوسه، وتشبهت به، بل واستطاعت أن تتطفل عليه وتخالط بعض تعاليمه. ثم راحت تنفث سمومها المبيدة في دأب ومثابرة. مباركة الرجعيـــــــة الاقتصادية والرجعية الاجتماعية، مدافعة عن مزايا الفقر والجهل والمرض... !! ولم يبق أمام الحكومات والمجتمعات التي تحترم دينها، وتحرص عليه، إلا أن تبادر بكل وسيلة مستطاعة، إلى عزل هذه الكهانة وتنقية الدين من شوائبها، حتى يظل ولاء الناس له وإعجابهم به. نريد أن نميز بها بين الكهانة الكثيبة والدين الرشيد. وبذلك نتيح فرصة للذين صرفتهم الكهانة عن الدين، كي يجربوه مرة أخرى.. وسوف يجدون منه في صورته الصحيحة زميلا مؤنساً مسعداً في رحلة الحياة كلها. ولكن قبل ذلك.. ما هي الكهانة. حين ننصت إلى العلامة هـ. ج. ولز وهو يحدثنا في كتابه (معالم تاريخ الإنسانية) عن نشأة الكهانة، ويصور ملامحها، يأخذنا العجب لكثرة المشابهة القائمة بينها وبين الكهاناة المتفشية في بلادنا !! ونقف على تفسير صحيح للرجعية الممعنة في التقهقر التي تتميز بها الكهانة المعاصرة. فإلى أي شيء تدعو الكهانة.. ؟ نستطيع أن نعرف الجواب، من مناوأتها الحادة لرغبات المجتمع وطموحه... فعندما اشتد إحساس الشعب ببؤسه وخصاصته، وتضرم شوقه إلى عدالة اجتماعية يستجم فيها من وعثاء لغوبه الطويل، وبدا كأن الفرص تستجيب له. رأينا الكهانة العصرية تنتهج مذهباً عجباً.. إذ راحت تمطر الناس، وسال جشاؤها سيل العرم حاملا مبادئها الحزينة المدبرة داعية الناس إلى القناعة المقدسة. بيد أن الكهنة أنفسهم ألد أعداء القناعة! وأسبق العالمين إلى اقتناص المغانم، والبحث عن المال والجاه ! ولا أزال أذكر. يوم طالب الأزهريون ببعض حقوقهم المادية، كلمة لأحد أولئك، نشرها في صدر صحيفة يومية وقال فيها : إنه ليحزننا اهتمام الأزهريين بالأرزاق والدرجات. إن العلم والدنيا لا يجتمعان في قلب واحد.. فليختر الأزهريون لأنفسهم. إما العلم وإما الدنيا »مع أن ذلك السيد يملك عمارة فخمة، وموارد ثرة وتساقط عليه الأوقاف والعطايا.. فكيف اجتمع الدين والدنيا في قلب هذا العبقري الفذ ؟! ولقد قامت طائفة مثقفة من العلماء والكتاب بإطلاق مدفعيتهم الثقيلة على الدعاية الخبيثة الضارة التي تستغلها الكهانة لصرف الشعب عن حقوقه في الحياة، لذلك لا أجدني في حاجة إلى تكرار القول في هذا الموضع، وحسبنا أن نكتشف البواعث التي تحفزها إلى إحاطة المظالم الاجتماعية بأسوار شاهقة من الأكاذيب والخرافات ؛ ثم نكشف عن أهدافها وغايتها الخفية التي تعمل لها، ونقيم الدليل على أن تقويض المجتمع نتيجة لا بد منها إذا ظلت هذه الكهانة سادرة في طريقها تؤيدها الحكومة وتعزز سلطانها. والآن.. نتقدم بهذه الأسئلة : ماذا تريد الكهانة بدعوتها الناس إلى الفقر ؟ ولماذا تسخر نفسها للدفاع عن مصالح الكبار ؟ ولماذا تكافح كل محاولة لتحول اجتماعي يريده المجتمع ويتضرم شوقاً إليه... ؟ سندع العلامة ولز يجيب على هذه الأسئلة، مكتفين بأن نقول : إن الكهانة تتجه هذا الاتجاه بدوافع تقليدية مزمنة. امتداد الكهانة الأولى التي تميزت بخصائص تركزت في طبيعتها واستقرت في أعماقها، وأصبحت فيها كالغرائز تتوارثها سلالتها المتتابعة المتشابهة. يقول ولز : (كان الكهنة يلقنون الناس أن الأرض التي يزرعونها، ويدأبون فيها، ليست لهم وإنما هي للآلهة التي في المعابد.. وتهبها الآلة «الحكام» ويهبها «الحكام» من يشاءون من خدمهم وموظفيهم... واكتشف الرجل العادي شيئاً فشيئاً أن الرقعة التي كان يزرعها لم تكن له، إذ كان الرب مالكها.. وعليه أن يدفع جزء من محصولها للرب.. أو أن الإله قد وهبها «للحاكم» وللحاكم أن يفرض عليها ما يراه من الضرائب. أو أن ((الحاكم) منحها إلى موظف هو سيد للرجل العادي.. وكان للرب أو الحاكم أو للسيد في بعض الأحيان عمل يجب قضاؤه. وكان لزاماً على الرجل العادي عند ذلك أن يترك رقعته ويشتغل لمولاه. ولم يحدث قط أن تحدد في ذهنه ولا أن اتضح لديه تماما أمر رقعة الأرض التي كان يزرعها. وإلى أي حد كانت ملكيته لها.. ».. وفي مصر كانت المعابد. أو «فرعون الرب» أو من دون فرعون من النبلاء. هم الذين يتلقون الإيجار.. ولم يستطع الرجل العادي أن يحافظ على النسبة بينه وبينهم بدرجات غير محسوسة إلى حال تقليدية مزمنة من التبعيــــــة والخضوع.. وبلغ الأمر أن كبار الفاتحين في العصور الأكثر تأخراً، كانوا حريصين على أن يضعوا أيديهم في أيدي كهنة الشعوب والمدائن التي يبتغون طاعتها، مظهرين بذلك ثقتهم بهم وإكبارهم إياهم. بسبب عظيم نفوذ هؤلاء الكهنة على عقول الناس. وكان سلطان الكهانة يقوم في نهاية الأمر على إقناع الناس بأن كل أضرب نشاطها تتسم بالعطف والرحمة. ! الكهانة والعقل : سنعود مرة أخرى إلى كتاب (معالم تاريخ الإنسانية) مقلبين الصفحات التي كتبها عن الكهانة في حذر !! خشية أن تباغتنا بعض أظفارها الجارحة، أو ألغامها المبثوثة . ولقد بلغنا غايتنا فلنقرأ هذه السطور: (ولم يكن أي إنسان ليستطيع أن يحصل قط على أية حياة عقلية ، كما لم يكن يستطيع الدخول إلى حظيرة الأدب أو ارتشاف العرفان إلا على أيدي الكهنة ... وكان كثير منهم أغبياء مستمسكين بالمبادىء النظرية ، وقد أعمى استمساكهم الجامد بالتقاليد بصائرهم) ! عن أي شيء تكشف هذه الكلمات ؟ إنها تكشف عن جانب آخر خطير في طبيعة الكهانة وتبين في صراحة وصدق أن مؤامراتها المحبوكة ضد الشعوب لا تهدف فقط إلى تجويع البطون وحرمانها ، بل وتجويع العقول أيضاً ! وإذا المجتمع جاع بطنه وعقله .. فقد صار مطية ذلولا لها ، ولكل مستكبر جبار. لقد منحت الكهانة نفسها سلطة واسعة النطاق ، ولما كان العقل قوة محركة يدفع إلى التغيير ويحفز على التطور . فقد وضعت يدها عليه من قديم الزمان كما سمعت ، ثم هي لا تزال متشبثة به ، وإن هذا الحجر العقلي الذي اتسمت به الكهانة طوال تاريخها الأسود ليرينا أي خصم أثيم ، ذلك الذي يعمل على تقويض المدنية كلها . إنها لتحتكر عقول الناس ، وتضرب حولها حصاراً قاسياً ونطاقاً من حديد ، ولئن كانت في ماضيها البعيد لم تكن لتأذن لأحد أن يفكر بغير عقلها، أو أن يتلقط المعرفة من غير أفواه سدنتها.. فإنها اليوم كما كانت بالأمس.. بل إنها اليوم شر من الأمس أنانية، وأكثر تحكما وعسفا ! إنها ترى في العقل الحر أعظم خطر يهدد وجودها لأنها لا تحتمل هجوما واحداً منه، فهي لذلك تبذل أقصى جهدها ليظل العقل الخاضع لها مكبلا بالأصفاد. وهنا يبدو لنا فارق جلي تناهى في الوضوح والجلاء بين الكهانة الكاذبة ، والدين الحق الصادق . فبينا لا تستطيع الكهانة أن تعيش إلا في الظلام .. إذا بالدين يدعو لإضاءة الأنوار . ويعلن سلطان العقل أيما إعلان ، ويدعوه إلى اقتحام كل مناطق الفكر دون أن يخاف ويخشى . ذلك أن الله العلي الكبير الذي شرع الدين لعباده يعلم أن الحياة بغير عقول طوافة حرة شجاعة لن تتفوق كثيراً على بيوت العنكبوت وستظل تتقاماً وتتقازم حتى تتلاشى معالمها. لطالما قرأنا وسمعنا عن الكهانة حديثاً عجباً . يرينا كيف أضرمت نار عداوة طويلة الأمد بين الدين والعلم ، وكيف كانت تقف بالمرصاد لكل عقل مبدع ، ولكل اختراع نافع ، ولكل حقيقة علمية باهرة ، وكيف ألبت الجماهير الغافلة على الذين كانوا ينفقون كل أعمارهم في سبيلها من العلماء ، والفلاسفة والمخترعين، يقول ولز: (إن الكهانة تتلذذ دائماً بانحطاط الغير عنها، وهي نفسها تقف في أول سلم الانحطاط من أدنى). لقد حاولت – من قبل – وهي الكهانة الغربية محاولتها الخاسرة ، وأبطرها الظفر الذي أحرزته أول الكفاح ، واستمرأت لحوم العباقرة ، حتى دفعت الثمن أخيراً ووجودها وسار موكب العقل في زحفه الميمون وسيظل يسير فماذا جنته تلك الكهانة بحماقتها ؟ هل ظلت الأرض مسطحة كما كانت تقول (وكما كان يقول عندنا الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن باز) ؟ هل بقيت السماء قبة من النحاس الأزرق كما كانت تريد أن يؤمن الناس؟ هل صار ( الميكروسكوب ) وغيره من المخترعات العظمى بدعا وفسوقا كما كانت ترى؟ هل بقي أثر واحد من آثار تلك الكهانة دون أن تدوسه الأجيال بأقدامها؟ لقد اتهمت جاليليو بالإلحاد كما اتهمت من قبل كوبرنيكس وحكمت عليه بالسجن حيث قضى فيه بقية حياته، فما زاده ذلك إلا إصراراً وإيمانا. وكان يقبض بكلتا يديه على القضبان الحديدية ويهزها في عنف صائحاً: إني أقسم بكل شيء مقدس.. أقسم بدقات قلبي التي أسمعها الآن، وبالهواء الذي تنشقه رئتاي أن الأرض تدور تدور.. » وكتب في سجنه أعظم كتاب له وهو (قوانين الحركة). وماتت الكهانة . وبقي جاليليو حياً خالداً في التاريخ ، وأصبح الأطفال في المدارس يعرفون نظريته كما يعرفون أنفسهم وأسماءهم. و لقد فزعت يوم اخترعت أول آلة للطباعة ، ورأت فيها مارداً عملاقا سيدمر كل بنائها ، فأخرجت مراسيم التحريم للقضاء عليها ، وأصدر البابا اسكندر السادس مرسوما عام ١٥٠١ م يقضي بإعدام كل من يطبع كتابا بغير إذنه! ولكن ذلك البابا ذهب مكفناً في كهانته ، وبقيت المطبعة أصدق حليف وأقوى نصير للعقل والعلم والمعرفة . وقامت الكهانة أيضاً بحرق العالم برونو وهو حي ، في مشهد تتقزز منه نفس الشيطان ذاته حين قام يقرر نظرية خلود المادة). وإذا كانت هذه هي الكهانة الغربية التي تغلب عليها الغربيون وحجموها، فإن كهنتنا يقولون أنه ليس في الإسلام رجال دين بل يوجد علماء دين، ثم يتسلطون على عقول الناس. يقولون أن الدين يتفق مع العلم وأن القرون الوسطى حالة خاصة، ثم نراهم يحرمون كل جديد.. فلننظر هل هم على حق؟ وهل يختلفون عن كهنة القرون الوسطى؟ يقول الأستاذ مصطفى راشد: (لقد حرموا مئات الأشياء بلا سند شرعي لجهلهم العلمي وافتقادهم للعقل والمنطق فنجدهم حرموا أشياء عجيبة مثل شرب القهوة، حيث إنها ظلت مُحرمة نحو 400 عام، بعد أن اكتشفها رجل صوفي من اليمن هو علي بن عمر بن إبراهيم الشاذلي في العام 828 للهجرة، وقطف قشرة البن وتناولها ليسهر ذاكرًا لله تعالى. وانتشرت القهوة بين مريدي الطريقة الشاذلية إحدى الطرق الصوفية تدريجيًا، وحالما وصلت «الشاذلية» إلى مكة المكرمة تم تحريمها حيث قيل بأنها «خمرة مًسكرة»، ما استدعى الأمر إلى جلد بائعها وطابخها وشاربها. وتعاطى بعض الناس القهوة في أقبية البيوت متخفين عن المحتسبين آنذاك. ايضا اصدارهم فتوى بتحريم الطباعة التي صدرت عام 1515م من قبل هيئة علماء في الدولة العثمانية. تبعاً لذلك، فرض سليم الأول حكم القصاص لأي من يستعمل ألات الطباعة. وكانت هذه الفتوى سبب تأخر المعرفة، والاختراع والابتكار في العالم الإسلامي عندما كانت أوروبا وسط عصر النهضة والطباعة والتنوير . حيث أصدر السلطان العثماني بايزيد الثاني فرماناً يحرم الطباعة على رعاياه المسلمين، إلا أنه سمح لليهود والمسيحيين إنشاء مطابعهم داخل الدولة العثمانية شريطة عدم استعمال الحروف العربية. وأصدر علماء الأزهر بعضهم فتوى بتحريم طباعة الكتب الشرعية، بدعوى كونها تحرف العلوم. وإلى ذلك ذهبت فتاوى فردية، ومنها فتوى الفقيه المغربي محمد بن إبراهيم السباعي، الذي خط وثيقة سماها “رسالة في الترغيب في المؤلفات الخطية، والتحذير من الكتب المطبوعة، وبيان أنها سبب في تقليل الهمم وهدم حفظ العلم ونسيانه> ثم ناتي لتحريمهم للصنبور (الحنفية) والقصة تعود إلي سنة 1884 حين عَمَمَّت سلطات الاحتلال الإنجليزي المنشور ( رقم 68 لسنة 1884) باستبدال أماكن الوضوء في المساجد بصنابير متصلة بشبكة مياه الشرب النقية التي أقامتها. بناء على ما تقرر فى مجلس النظار عن مسألة المراحيض النقالى المقتضى إحداثها، وميض الجوامع اللازم استبدالها بحنفيات)، لاستخدام المياه النقية فى المساجد للوضوء بدلا من (الطاسة) تسهيلا على المصلين، ضمن شبكات عمومية لمياه الشرب والصرف الصحي بدأت الحكومة في تركيبها في المدن وأشرف عليها المهندسان(ويلكوكس) و(پرايس باي)، ولقي هذا التغيير في البداية معارضة عنيفة من مشايخ مذاهب الشافعية والمالكية والحنبلية لاستبدال الميض التي ينال المتوضئون فيها بركة الشيخ الذي يفتتح الوضوء من مائها، واعتبر المشايخ التغيير بدعة، لكن فقهاء المذهب الحنفي فضَّلوا الوضوء من الماء الجاري، لذا أطلق العامة إسم » الحنفية« على الصنبور. وانتشر اسم »الحنفية« بعد ذلك في بلدان عربية وإسلامية . ـ ويقال أن السقايين في أنحاء المحروسة مصر أصابهم ذعر واضطراب كبير من تلك الحنفيات، وكانت لهم نقابة كبيرة، وأعدادهم كثيرة، ولأن أرزاقهم باتت مهددة، فقد اجتمعوا وانتهوا إلي التصدي لذلك الخطر الداهم الذي يتهددهم، وتوصلوا إلى فكرة ذكية وخبيثة، فتوجهوا إلى أئمة المذاهب الأربعة لاستصدار فتوى بأن ماء مواسير المياه لايصلح للوضوء فصدقهم أئمة الشافعية والمالكية والحنابلة وأفتوا بأنه لايجوز الوضوء من ماء الصنابير. لكن أئمة المذهب الحنفى خذلوهم وأفتوا بأن الوضوء من ماء الصنبور مقبول بل ومستحب. ايضا تحريمهم لحصان إبليس الدراجة الهوائية (السيكل بسكليت) عندما ظهرت لأول مرة في بعض مدن وقرى نجد، عندما أطلقوا عليها أي السيكل «حصان إبليس» وكان يعتقد بعضهم انه تدفع بواسطة شياطين الجن الذين «يتحالفون» مع سائقهاحتى يثبتوه على ظهرها أثناء سيره مقابل تنازلات ومعاهدات عقائدية، وشروط تمليها تلك الشياطين قبل خدمته، بل انه هو شيطان مخلوق من عظام، الأمر الذي جعلهم يتعوذون بالله منها سبع مرات، ويأمرون نساءهم بتغطية وجوههن عنها، وإذا لامست شيئاً من أجسادهم أعادوا الوضوء إن كانوا على طهارة، ويقفزون إذا ما وجدوها أمامهم على الأرض بعد أن يبصقوا عليها، ودخلت عند بعضهم ضمن المحذورات التي لا تقبل شهادة مرتكبها أي راكبها او من يقتنيها !. وكذلك تحريمهم الشطرنج صرح هؤلاء الأئمة بتحريمها وهم مالك وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم وتنازعوا أيهما أشد فقال مالك وغيره الشطرنج اشر من النرد وقال أحمد وغيره الشطرنج أخف من النرد ولهذا توقف الشافعي في النرد إذ خلا عن المحرمات إذ سبب الشبهة في ذلك أن أكبر من يلعب فيها بعوض بخلاف الشطرنج فإنها تلعب بغير عوض غالبا وأيضا فظن بعضهم أن اللعب بالشطرنج يعين على القتال لما فيها من صف الطائفتين لقطع الشطرنج). ومن المشهور عن السلفيين أعداء الحياة أنهم كانوا يحرمون مشاهدة التلفاز إمعاناً في القطيعة مع المجتمع، وألف الشيخ السلفي محمد إسماعيل كتاباً سماه (الإجهاز على الفيديو والتلفاز) ثم مع دعم البترودولار صاروا لاحقاً هم كهنة وأحبار التلفاز وسيطروا على الناس وامتلأت الفضائيات باللحى وحرموا المشاهدين من بهجة الحياة من خلال فتاواهم وأفكارهم الغريبة التي ألبسوها لبوس الدين. كذلك حرموا المشاركة في المجالس النيابية، وكتب الشيخ السلفي سعيد عبد العظيم (الديمقراطية في الميزان) ولكن كان ذلك قبل ثورة 25 يناير عام 2011م فلما وقعت الثورة طمع المتطرفون في الحكم، ونسي السلفيون تحريم البرلمان وأسسوا حزب النور السلفي ودخلوا المجلس النواب وأتحفونا بالجهر بالأذان تحت قبة البرلمان. وفتاوى مشايخ الوهابية الممعنة في التخلف كثيرة حدث عن البحر ولا حرج، والكلام عنها يطول ويحتاج إلى مجلدات، وبالفعل تم وضع كتاب حولها بعنوان (الوهابية تشوه الإسلام) وهو متوفر على شبكة الإنترنت، أحيل القاريء الكريم عليه. وأتم الشيخ الأزهري أحمد كريمة مسيرة التخلف بفتواه حول الذكاء الإصطناعي إذ قال بالحرف الواحد: (استخدام الذكاء الصناعي بديلاً عن الله عزوجل إلحاااد!! عايزين تنشروا الإلحاد) ؟!!! ولا ننسى فتوى الشيخ الشعراوي بتحريم التبرع بأعضاء المتوفين أو نقلها، معتبراً أن الإنسان لا يملك أعضاءه وأن الله هو مالكها! ومما يندى له الجبين أن هذا الشيخ الذي يقدسه المصريون سجد لله شكراً عند هزيمة الجيش المصري في نكبة 1967م بزعم أن الجيش المصري شيوعي!! إن الكهنوت ورجال الدين هم العدو الأخطر على العلم والحضارة واستقلال العقل والإبداع ومسيرة التقدم، ولو نظرنا في سجل التحريمات بين رجال الدين في العصور الوسطى ورجال الدين في عصرنا، سنجد نفس العقلية، إن لم يكن كهنتنا أشد تخلفاً.. وإذا تخلص الغربيون من سلطان هؤلاء على العقل، فنحن الآن نعيش نفس الصراع الذي عاشوه في القرون الوسطى، ولا ندري متى سننتصر عليهم ونمسي أحراراً كما خلقنا الله.
#محمد_بركات (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الثانية: لا يوجد دين رسمي ع
...
-
قواعد التنوير الأربعون | القاعدة الأولى: الله ظاهر في خلقه
-
المختار من الفتوحات المكية (23) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (22) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (21) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (20)
-
المختار من الفتوحات المكية (19) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (18) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (17) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (16) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (15) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (14) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (13) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (12) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (11) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (10) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (9) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (8) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (7) محيي الدين بن عربي
-
المختار من الفتوحات المكية (6) محيي الدين بن عربي
المزيد.....
-
إرنست ديفيد بيرغمان يهودي ألماني أسس البرنامج النووي الإسرائ
...
-
ترامب: تحقيق السلام في أوكرانيا قد يفتح لي أبواب الجنة!
-
ترامب: أريد أن أحاول -دخول الجنة- إن أمكن
-
مصر.. ساويرس يوضح سبب ترحمه على عصام العريان القيادي الراحل
...
-
ترامب يريد -دخول الجنة- بعد طموحه بنوبل للسلام
-
سوريا.. الكشف عن سبب وفاة شاب في الجامع الأموي
-
قمة كابل الثلاثية تضع تعهدات حركة طالبان على المحك
-
المغاربة والمسجد الأقصى.. صلات أصيلة وعطاء ممتد
-
نفق وأعمال حفر إسرائيلية جديدة داخل ساحة البراق غرب المسجد ا
...
-
قوات الاحتلال تقتحم كفل حارس شمال سلفيت لتأمين الحماية للمست
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|