أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البشير عبيد - الحبكة المقدسة : الدين في السينما الغربية















المزيد.....

الحبكة المقدسة : الدين في السينما الغربية


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 00:50
المحور: الادب والفن
    


الحبكة المقدسة: جدلية المقدّس والفني في السينما الغربية



البشير عبيد



منذ اللحظة التي قررت فيها الكاميرا أن تنظر إلى السماء، وُلدت في الغرب علاقة ملتبسة بين الفن والمقدّس، بين الصورة التي تُحاكي الخلق، والفكرة التي تستبطن الإيمان. لم يكن الدين غائبًا عن السينما، بل كان دائم الحضور، سواء كموضوع أو كظلّ يتسلل إلى السرد البصري ليختبر الإنسان في أعمق أسئلته. من هنا، يتعامل المخرج الغربي مع المقدّس بوصفه فضاءً مفتوحًا للتأمل، لا للتقليد، وللسؤال لا للإجماع. فالصورة السينمائية، في رؤيتها الأكثر نضجًا، لا تكرّر النص الديني بل تحاوره، ولا تقدّس الفكرة بل تجرّبها، لتضع المشاهد في مواجهة ذاته والكون والميتافيزيقيا التي تسكن الوعي الجمعي.

هذا الوعي البصري بالمقدّس هو ما جعل الباحث المصري أسعد سليم يرى في كتابه الحبكة المقدسة أن الدين في السينما الغربية لم يعد مجرد موضوع سردي، بل منظومة رمزية متحركة تعبّر عن تحوّل العلاقة بين الإنسان والسماء، وعن قدرة الصورة على إعادة إنتاج المقدّس بوصفه سؤالًا فلسفيًا وجماليًا يتجاوز العقيدة إلى التجربة الوجودية ذاتها.

السينما الغربية لم تكن يومًا مجرد مرآة بصرية، بل فضاء جدليًا يختبر العلاقة بين المقدّس والفني، بين النص الديني والتمثيل الإبداعي. في كتابه الحبكة المقدسة، يقدم أسعد سليم رؤية فريدة، مؤطرًا الدين كحقل رمزي قادر على فتح أسئلة وجودية وأخلاقية، وعلى تقديم نقد فني واجتماعي في آن واحد. يرى سليم أن السينما ليست مجرد سرد بصري، بل فضاء للتأمل في السلطة الدينية، في الرموز، وفي دور الإيمان في تشكيل الفرد والمجتمع، ليقدّم بذلك إضافة نوعية تفتقدها الدراسات التقليدية التي غالبًا ما تنظر إلى الدين على أنه موضوع جامد أو مجرد أداة درامية.



الدين والرمز: الصراع بين السلطة والإنسانية

من خلال قراءة سليم النقدية، يتضح أن الدين في السينما الغربية غالبًا ما يُستعمل كرمزية تتجاوز حدود الطقوس، ليصبح أداة لفهم الصراعات الداخلية للشخصيات، ولتسليط الضوء على التوتر بين الحرية الفردية والسلطة التقليدية. الأفلام الكلاسيكية مثل الوصايا العشر والآلام المسيح لم تكتف برسم صورة الدين كقوة منظمة وموحدة للمجتمع، بل أظهرت قدرة السينما على نقد السلطة الدينية، وطرح تساؤلات حول العدالة الإلهية والإنسانية، ومنح الشخصيات مساحة للتأمل في قيمها ومصائرها.

يتوسع سليم ليشرح كيف أن السينما الكلاسيكية تقدم الدين كأداة للربط بين الفرد والمجتمع، لكنها تكشف أيضًا عن ثغرات السلطة الدينية، وعن التوترات بين الحرية الفردية والمقدس الاجتماعي. من خلال تحليل رمزية الصليب، الطقوس، الأناشيد، والرموز البصرية الأخرى، يتبين أن هذه الأعمال تقدم نوعًا من «التعليم السينمائي» الذي يسمح للمشاهد بفهم الدين ليس فقط كإيمان، بل كقوة اجتماعية وفلسفية، تعكس طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع، وتكشف عن أبعاد السلطة والالتزام.

في المقابل، هناك أفلام مثل الختم السابع للمخرج السويدي إنجمار بيرجمان تُظهر تحوّل الدين إلى لغة رمزية تسمح للمتلقي بفهم الصراعات النفسية والاجتماعية بعمق.

كذلك فيلم اختراع الكذب عام ٢٠٠٩، حيث تتجلى الرمزية الدينية في صراع الهوية والتفكك النفسي للشخصية الرئيسية، وتتقاطع الطقوس الرمزية مع البحث عن الذات، مما يفتح فضاءً للتأمل في العلاقة بين الدين والحرية، وبين الرموز الدينية والبحث عن الذات.

إضافة إلى ذلك، يوضح سليم العلاقة بين الجنس والسلطة الدينية، موضحًا كيف تُوظف الرموز المقدسة لتأطير الأدوار الاجتماعية والتحكم في الهوية الفردية، وهو تحليل يكشف عن تداخل الدين مع الحياة اليومية والسلطة الرمزية، وكيف يمكن للفن السينمائي أن يكشف هذه التفاعلات المعقدة، ليصبح بذلك أداة لفهم أعمق للتجربة الإنسانية. كما يربط بين هذه الرموز والديناميات النفسية للشخصيات، مسلطًا الضوء على الصراع الداخلي بين التزام الفرد الديني وحريته الفكرية، ما يمنح الحبكة المقدسة أبعادًا إنسانية واجتماعية متعددة، ويبرز دور السينما في التعبير عن التوترات الداخلية والوجودية للشخصية المعاصرة.



النقد الفلسفي: العقل يراقب المقدّس

الجانب الفلسفي في قراءة سليم يضيف عمقًا آخر، حيث يرى أن الدين يجب أن يخضع للعقل البشري، وأن السينما تمثل فرصة لعرض هذا التوتر بين العقيدة والوعي النقدي. في أعمال مثل الآلام المسيح، يظهر الدين كأداة للسلطة والاضطهاد، بينما تتناول أفلام أخرى قضايا وجودية تتعلق بالعدالة، الحرية، والمساءلة الأخلاقية، لتضع المشاهد أمام اختبار شخصي لفهم المقدس.

يسلط سليم الضوء على دور الرمزية السينمائية في تحويل الدين من مجرد موضوع سردي إلى تجربة فكرية، حيث يصبح المشاهد شريكًا في خلق المعنى، ويُستدعى العقل النقدي لمواجهة الرموز وفهم دلالاتها. من خلال هذا المنظور، تتحول الحبكة المقدسة إلى جدلية فلسفية مستمرة بين العقل والإيمان، بين السلطة والحرية، وبين الرمزية والفعل الإنساني، مع إبراز المسؤولية الفردية في فهم المقدس وتأويله، وإعادة النظر في معنى الإيمان داخل فضاء الحرية الشخصية.

كما يضيف سليم أبعادًا نفسية واجتماعية، موضحًا كيف تعكس الحبكة المقدسة صراعات الهوية، والبحث عن الذات، والتوتر بين الفرد والمجتمع، لتصبح السينما مساحة لمراجعة العلاقة بين الإنسان والرمز الديني، بين التقليد والوعي النقدي، وتقدم قراءة شاملة تربط بين الفن والفلسفة والدين. ويشير إلى أن العقل النقدي في مواجهة المقدس ليس تحديًا للإيمان، بل وسيلة لتعميق التجربة الإنسانية وإعادة اكتشاف العلاقة بين الإنسان والرمز.



السينما والمقدّس في المستقبل: جدلية التحوّل والإبداع



مع صعود التقنيات الرقمية والسينما التفاعلية، تتغير طبيعة العلاقة بين الدين والفن بشكل أسرع من أي وقت مضى. السينما لم تعد مجرد شاشة لعرض قصة، بل أصبحت فضاءً تفاعليًا يتيح للجمهور المشاركة في إعادة صياغة الرموز المقدسة، واستكشاف المعنى الديني في سياقات جديدة، بما في ذلك الواقع الافتراضي، والسينما التفاعلية، والمنصات الرقمية، حيث تتحول التجربة السينمائية إلى تجربة شخصية وجماعية في آن واحد.

يربط أسعد سليم بين هذه التحولات والجدلية التاريخية، مشيرًا إلى أن الدين في السينما الغربية يتفاعل مع العولمة، التعددية الدينية، والوسائط الرقمية الحديثة، ليصبح الفن مرآة للتغيرات الثقافية والفكرية. ومع تقنيات الواقع الافتراضي والسينما التفاعلية، أصبح الجمهور شريكًا في إعادة بناء الرموز المقدسة وتجربة المعنى الديني بأسلوب شخصي، مع إدراك العلاقة الجدلية بين التقليد والحداثة، وبين الإيمان والفكر، وبين الثابت والمتغير في الثقافة السينمائية.

تستمر الحبكة المقدسة، وفق سليم، في التطور لتصبح جدلية متجددة مستمرة، تتغير مع الزمن والثقافات، وتبقى مرآة حية للتفاعل بين الإنسان والرمز الديني، مع توفير مساحة للتجريب والابتكار الفني والمعرفي، ما يجعل السينما الغربية فضاءً لإعادة قراءة الدين والفن، ولخلق تجربة سينمائية وفكرية متجددة لكل جيل، مع إعادة النظر في العلاقة بين السلطة والحرية، وبين النص والرمز، وبين الفرد والمجتمع، لتظل تجربة الحبكة المقدسة مرآة حيّة للمجتمع والفكر والفن معًا.



الحبكة المقدسة كمرآة للوجود

الحبكة المقدسة، كما يوضح أسعد سليم، ليست مجرد سرد سينمائي يكرر المقدّس أو يحاكيه، بل هي جدلية مستمرة تضع الإنسان أمام تساؤلاته الكبرى: عن الإيمان، الحرية، السلطة، والهوية. السينما الغربية بهذا المعنى لم تعد مجرد حكاية على الشاشة، بل أصبحت تجربة فلسفية وفكرية، تُعيد تشكيل العلاقة بين الفرد والمقدس، وتكشف عن التوترات الداخلية للمجتمع البشري.

إنها مساحة تسمح بالتأمل، النقد، والمساءلة، حيث يتحول المشاهد من مستهلك سلبي إلى شريك في خلق المعنى، ويصبح الدين والفن متداخلين في عملية مستمرة لإعادة اكتشاف الوجود. الحبكة المقدسة هنا ليست مجرد قصة، بل فعل إبداعي وفلسفي يمتد إلى التأمل في معنى الحياة، العدالة، الحرية، والوعي الذاتي، ليكون الفن والرمز والمعنى رحلة مستمرة لإعادة التفكير في العلاقات الإنسانية والدينية والاجتماعية.

في هذا السياق، تظل الحبكة المقدسة مرآة حية لكل التغيرات الفكرية والاجتماعية، وفعلًا إبداعيًا يعكس قدرة الإنسان على إعادة قراءة المقدس عبر العدسة السينمائية، ليكون الفن والرمز والمعنى رحلة لا تنتهي، ورؤية مستمرة للوجود الإنساني في أعمق أبعاده، مؤكدًا أن السينما الغربية قد نجحت في تحويل الدين من مجرد نص إلى تجربة وجودية، تجعل الإنسان أكثر وعيًا بذاته وبالعالم المحيط.





كتاب (الحبكة المقدسة: الدين في السينما الغربية) للكاتب والباحث أسعد سليم صادر بمصر عن منشورات إبييدى عام 2025



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسة و اللحظة الحاسمة : بين الإدراك التاريخي و القرار الج ...
- انيسة عبود ..بين النعنع البرًي و صدى الروح الأدبية
- الذكرى الثانية لطوفان الأقصى : سقوط الأسطورة الصهيونية و صعو ...
- هاني بعل الكنعاني لصبحي فحماوي بين التاريخ و الأسطورة و الهو ...
- الجمهورية الممكنة..من الرعوية إلى المواطنة
- من يقاوم الهزيمة لا يخشى النهايات
- غزة في زمن الإبادة : شهادة على العجز الدولي و صمود الإنسان
- رشاد أبو شاور ..روائي المقاومة و ذاكرة فلسطين
- رفح.. العملية النوعية التي كسرت وهم المنطقة الآمنة
- عبد الجبار العش.. الكلمة الحرًة و الموقف المبدئي
- زياد جيوسي...مسيرة فكربة و نقدية لافتة
- محمد داني: بين السرد و النقد.. رحلة الوعي و الإبداع
- حنظلة لا يموت : ناجي العلي و الثقافة المقاومة
- نصر الدين العسالي : حين تتجلًى اللوحة في مواجهة قسوة الواقع
- علوية القانون و سيادة القرار : رهانات الدولة الحديثة
- صنع الله ابراهيم : الروائي الذي كتب الحرية بمداد الحقيقة
- حين تنطق الأرض : غزة تردً بالعقل و الدهاء
- ثورة 23 يوليو..الحلم القومي في مفترق التاريخ
- تونس الراهنة : اختبار الوعي السياسي و إرادة التغيير
- في حضرة الغائب الحاضر : غسان كنفاني و ذاكرة الجمر


المزيد.....




- -أعتذر عن إزعاجكم-.. إبراهيم عيسى يثير قضية منع عرض فيلم -ال ...
- مخرجا فيلم -لا أرض أخرى- يتحدثان لـCNN عن واقع الحياة تحت ال ...
- قبل اللوفر… سرقات ضخمة طالت متاحف عالمية بالعقود الأخيرة
- إطلاق الإعلان الترويجي الأوّل لفيلم -أسد- من بطولة محمد رمضا ...
- محسن الوكيلي: -الرواية لعبة خطرة تعيد ترتيب الأشياء-
- من الأحلام إلى اللاوعي: كيف صوّرت السينما ما يدور داخل عقل ا ...
- موهبتان من الشتات تمثلان فلسطين بالفنون القتالية المختلطة في ...
- الممثل الخاص لبوتين يلتقي علي لاريجاني في طهران
- تركيا.. 3 أفلام تتناول المأساة الفلسطينية حاضرة بمهرجان أنطا ...
- تركيا.. 3 أفلام تتناول المأساة الفلسطينية حاضرة بمهرجان أنطا ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البشير عبيد - الحبكة المقدسة : الدين في السينما الغربية