أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البشير عبيد - هاني بعل الكنعاني لصبحي فحماوي بين التاريخ و الأسطورة و الهوية















المزيد.....

هاني بعل الكنعاني لصبحي فحماوي بين التاريخ و الأسطورة و الهوية


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8484 - 2025 / 10 / 3 - 16:14
المحور: الادب والفن
    


هاني بعل الكنعاني لصبحي  فحماوي بين التاريخ والأسطورة والهوية

البشير عبيد / تونس

ليست رواية هاني بعل الكنعاني للروائي الأردني صبحي فحماوي مجرد نص أدبي يستعيد سيرة قائد عسكري خلّد اسمه التاريخ، بل هي محاولة واعية لإعادة إحياء ذاكرة حضارية طُمست طويلًا في المتون الغربية، وتُركت عرضة للتأويلات الاستشراقية التي أفرغت الشخصية من بعدها الكنعاني العميق. هنا، يتقدّم هاني بعل لا بوصفه مجرد محارب عبقري استطاع أن يربك الإمبراطورية الرومانية لسنوات، وإنما بوصفه ابنًا لحضارة كانت تنظر إلى البحر المتوسط باعتباره "بحيرة كنعانية"، لا مجرد فضاء مفتوح أمام الغزاة والهيمنة. إن الرواية إذ تستدعي تلك الأزمنة البعيدة، فإنها لا تفعل ذلك من باب النوستالجيا التاريخية، ولا من باب الغرق في الماضي، وإنما من باب مساءلة الحاضر بعيون التاريخ، ومن باب البحث عن جذر أصيل للهوية العربية في لحظة يتنازعها التفكك والاغتراب.
يكتب صبحي فحماوي روايته بلغة سلسة تتقاطع فيها السردية التاريخية مع نفَس الحكاية الشعبية، فيخلق توازنًا بين توثيق الوقائع وبين إعادة تخييلها على نحو يمنح القارئ فرصة استعادة التاريخ كخبرة إنسانية لا كصفحات جامدة. فالرواية تتغذى من التاريخ، لكنها لا تستسلم له، بل تعيد إنتاجه داخل بناء روائي متعدد الطبقات، حيث يطل القائد الكنعاني كرمز للبطولة الإنسانية، وفي الوقت نفسه كصوت يذكّر القارئ المعاصر بأن معارك الحرية لا تنتهي، وأن صراع الشعوب مع قوى الطغيان والهيمنة هو قدرٌ يتجدد عبر العصور. بهذا المعنى، تتحول الرواية إلى جسر يربط بين الذاكرة الجمعية والراهن، بين القيم الكنعانية الأولى وتجلياتها الممكنة في زمننا العربي المثقل بالهزائم والبحث عن مخارج.
ومنذ اللحظة الأولى، تضعنا الرواية أمام سؤال مركزي: لماذا نعود إلى هاني بعل اليوم؟ أهو مجرد احتفاء ببطل من الماضي، أم هو استدعاء لرمزية تتجاوز سياقها التاريخي لتصبح مرآة نرى فيها ضعفنا الراهن وإمكانات نهضتنا المؤجلة؟ إن الإجابة، كما يوحي النص، ليست في استحضار البطولات العسكرية بقدر ما هي في قراءة معانيها الأخلاقية والإنسانية: الشجاعة، الوفاء، الإصرار، والقدرة على تحويل الهزائم إلى فرص لصناعة مجد جديد. وهكذا، فإن رواية هاني بعل الكنعاني ليست مجرد عمل روائي ضمن مشروع "الروايات الكنعانية" الذي أنجزه فحماوي، وإنما هي نص تأسيسي في إعادة الاعتبار لذاكرة حضارية، ومحاولة فكرية جمالية للقول إن الكنعانيين لم يغيبوا، بل يسكنون في وعينا الجمعي، ويطلّون علينا كلما اشتدت الحاجة إلى استعادة المعنى.

الرواية بين التاريخ والتخييل

من أولى الملامح التي تستوقف القارئ في هاني بعل الكنعاني أن الروائي صبحي فحماوي لا يتعامل مع التاريخ بوصفه نصًا مكتملًا ونهائيًا، بل باعتباره خامة قابلة لإعادة التشكل داخل العمل الأدبي. فالتاريخ عنده ليس سردًا خطيًا للأحداث، بل فضاء خصب لإعادة النظر في الوقائع، والبحث في ما وراء السطور عن الدلالات التي لم يلتقطها المؤرخون. وهذا المنظور هو ما يجعل الرواية قادرة على تخطي حدود التوثيق البارد لتصبح عملًا إبداعيًا مفتوحًا على تعدد القراءات.
فحماوي إذ يكتب عن هاني بعل، لا يسعى إلى إعادة كتابة السيرة العسكرية للقائد الذي أقلق روما في حروب البونيقيين فحسب، وإنما ينحت شخصية روائية تخرج من صرامة التاريخ إلى مرونة التخييل. هو يُبرز البعد الإنساني والأخلاقي في شخصية هاني بعل، ويضعه في موقع الرمز الذي يتجاوز ظرفه الزمني. بهذا يلتقي التاريخ مع الحاضر، ويتحول القائد الكنعاني من مجرد شخصية تاريخية إلى رمز حضاري يُسائل الراهن العربي ويعيد فتح ملفاته المؤجلة.
اللافت أن فحماوي لا يكتفي بإعادة تركيب الأحداث الكبرى المعروفة – عبور الألب بالفيلة، الانتصارات والهزائم، المفاوضات والحصارات – بل يغوص في التفاصيل التي تكشف عن الوجه الآخر للقائد: إنسانيته، وفاءه، قلقه، وحلمه بعالم أكثر عدلًا. ومن خلال هذا الغوص، يضع القارئ أمام شخصية مركبة لا تختزلها البطولات العسكرية وحدها، بل تُضيء جوانبها الإنسانية التي طالما غيّبها السرد التاريخي الرسمي.
إن التخييل عند فحماوي ليس زينة لغوية تضاف إلى التاريخ، بل هو وسيلة لكسر أحادية السرد التاريخي، وإعادة تشكيله بحيث يصبح أكثر التصاقًا بالحياة. ومن هنا تتخذ الرواية مسارًا مزدوجًا: فهي من ناحية تستند إلى وقائع حقيقية وملامح موثقة من حياة هاني بعل، ومن ناحية أخرى تمنح هذه الوقائع روحًا جديدة تجعلها قابلة للعيش في وجدان القارئ المعاصر. وكأن الروائي يقول إن التاريخ لا يكتمل إلا حين يدخل إلى الحاضر عبر الخيال، وإن البطولات لا تستعيد قوتها إلا حين تُروى بوصفها جزءًا من الحكاية الإنسانية الكبرى.
في هذا السياق، تتبدى براعة فحماوي في المزاوجة بين التوثيق والتخييل: فهو لا يتنكر للمرجعيات التاريخية، لكنه أيضًا لا يسمح لها أن تُكبّل النص. بل يترك للمخيلة أن تملأ الفراغات وتعيد تشكيل السياق بما يتلاءم مع الرؤية الفنية للرواية. وبهذا تخرج هاني بعل الكنعاني من دائرة الرواية التاريخية الكلاسيكية التي تنقل الماضي كما هو، لتصبح رواية معاصرة في جوهرها، تبحث عن معنى الوجود الإنساني، وتعيد طرح أسئلة العدل والحرية والهوية في لغة روائية تتسع للتأملات الفكرية كما تتسع لمتعة السرد.

هاني بعل: صورة القائد بين الأسطورة والرمز

في قلب الرواية يقف هاني بعل، ليس فقط كبطل تاريخي، بل كرمز حضاري يحمل في شخصه أبعادًا متعددة تتجاوز حدود الزمان والمكان. فهاني بعل عند فحماوي لا يمثل القائد العسكري فحسب، بل هو صورة مركبة تجمع بين البطولة الإنسانية، وحسّ المسؤولية، والوفاء بالعهود، والقدرة على مقاومة الظلم. من هذا المنطلق، تتحول شخصيته إلى أسطورة حية داخل النص، أسطورة لا تقيم حدودها الوقائع التاريخية، بل تستند إليها لإضاءة أفق أخلاقي وإنساني يتماهى مع وعي القارئ المعاصر.
الروائي يعمد إلى إعادة تشكيل البطل بأسلوب يحافظ على المصداقية التاريخية، لكنه يغوص في تفاصيل إنسانية دقيقة تجعل الشخصية أكثر قربًا ودفئًا. المشاهد التي تصور هاني بعل وهو يتأمل مصائر شعبه، أو يتردد بين خيارات الحرب والسلام، تكشف عن أبعاد نفسية وأخلاقية عميقة، تجعل من القائد شخصية متماسكة، تجمع بين صرامة القائد وحساسية الإنسان. وهنا ينجح فحماوي في خلق توازن فني بين الصلابة العسكرية والرحابة الأخلاقية، بحيث يصبح القائد رمزًا للهوية والقيم الحضارية، لا مجرد اسم على صفحات التاريخ.
تحت هذا البعد الرمزي، تتضح وظيفة الرواية كمشروع حضاري؛ فهاني بعل ليس مجرد فرد، بل هو تجسيد للكيان الكنعاني بكل أبعاده: الشجاعة، الالتزام بالقيم، الصمود في مواجهة القوى المهيمنة، والقدرة على الحلم بمستقبل أفضل. الرواية تستثمر هذا البعد الرمزي لتقديم خطاب حضاري معاصر يربط بين الماضي والحاضر، حيث يصبح القائد عبر نص فحماوي مرجعًا للوعي الجمعي العربي، ومرآة تتجلى فيها تحديات الهوية والكرامة والحرية.
كما يضيف البعد الأسطوري إلى الرواية طبقة ثانية من المعنى، تجعل من هاني بعل شخصية تتجاوز الحدود الواقعية لتصبح رمزًا للبطولة في كل زمان ومكان. الأسطورة هنا لا تتنافى مع التاريخ، بل تكمل دوره: فهي تمنح القارئ فرصة الانخراط في تجربة بشرية أعمق، تجربة تعكس قيم الصمود والوفاء والإيمان بالحق والعدل، وتعيد طرح أسئلة أخلاقية تتصل بالراهن العربي.
باختصار، ينجح فحماوي في تحويل هاني بعل إلى شخصية متعدّدة الأبعاد، ذات بعد إنساني، أخلاقي، ورمزي، بحيث تصبح الرواية دراسة عن القيادة، والصمود، والمقاومة، وليس مجرد حكاية عن انتصارات عسكرية. وهنا تتلاقى الرؤية النقدية مع التجربة الروائية: فالشخصية التاريخية تصبح مادة للتخييل، والتخييل يتحوّل بدوره إلى أداة نقدية تعكس صراع الإنسان مع ذاته ومع المجتمع ومع التاريخ.

البحر المتوسط: من البحيرة الكنعانية إلى فضاء الصراع الحضاري

واحدة من أعمق الرموز التي تتخذها الرواية هي البحر المتوسط، الذي يتحول في نص فحماوي من مجرد مسطح مائي إلى فضاء حضاري وسياسي وثقافي متكامل. فالمؤلف يستدعي مفهوم "البحيرة الكنعانية" ليعيد للقارئ فكرة أن هذا البحر لم يكن مجرد حدود جغرافية، بل كان محورًا للحياة الاقتصادية، والتبادل الثقافي، ولشبكات القوى التي شكلت تاريخ المنطقة. ومن خلال هذا الفضاء، يتم رسم صراع حضاري مستمر بين الكنعانيين والرومان، بين المقاومة والاستسلام، بين الخصوبة الثقافية والانقسام السياسي، ليصبح البحر شهادة حية على التفاعلات المعقدة بين الشعوب والممالك.
الروائي لا يكتفي بالبعد الجغرافي، بل يجعل البحر مسرحًا رمزيًا يعكس التحولات التاريخية والروحية لشخصياته. فهاني بعل، بصفته قائدًا، يتحرك على هذا البحر ليس فقط لاستراتيجية الحرب، وإنما أيضًا لفهم علاقات السلطة والمجتمع، والبحث عن نقاط التوازن بين القوة والحكمة. ومن هنا، يصبح البحر المتوسط عنصرًا روائيًا يربط بين الأحداث التاريخية الكبرى والتفاصيل الإنسانية اليومية، بين القتال على الأرض وقرارات العقل والقلب، وبين الأسطورة والواقع.
ويتمثل البعد الرمزي أيضًا في الصراع بين الحضارات: فالبحر يمثل حدودًا طبيعية لقرطاج والكيان الكنعاني، وفي الوقت نفسه ميدانًا مفتوحًا للهيمنة الرومانية، ما يجعل الرواية دراسة في الجغرافيا السياسية قبل أن تكون مجرد سرد للحروب. وعبر هذا الرمز، تتحدث الرواية عن الاستعمار، عن الصراع بين القوى الكبرى والصغرى، وعن إمكانات المقاومة التي يملكها القائد والشعب معًا. كما يستحضر النص فكرة الانتماء للفضاء، حيث يصبح البحر رابطًا حضاريًا ووطنيًا، يعكس الهوية الكنعانية الأصيلة التي تُقاوم محاولات الطمس والاستلاب.
من الناحية الفنية، يستخدم فحماوي البحر كعنصر سردي ديناميكي، فهو ليس ثابتًا كخلفية جغرافية، بل يتنفس مع الأحداث، يعكس التوتر، يضيف بعدًا جماليًا للصراع، ويخلق إيقاعًا سرديًا متجددًا. الأمواج والعواصف لا تعكس طبيعة البحر فحسب، بل تمثل تقلبات المصير، وتحمل دلالات رمزية للصراعات الداخلية والخارجية، وللتحديات التي تواجه الشخصيات. هكذا، يتحول البحر إلى شخصية إضافية في الرواية، ذات صوت وتأثير، تتداخل مع القرارات السياسية والإنسانية للشخصيات، وتصبح جزءًا من الوعي الجمعي الذي يحمله القارئ إلى النص.
في النهاية، البحر المتوسط في رواية هاني بعل الكنعاني ليس مجرد مسرح للأحداث، بل هو أداة فكرية تسمح بفهم التفاعلات الحضارية، واستعادة الانتماء إلى هوية تاريخية، وإعادة قراءة الصراع بين الحضارات من منظور نقدي وإنساني.

أبعاد الحاضر في نص تاريخي

رواية هاني بعل الكنعاني تتجاوز حدود السرد التاريخي لتصبح مساحة للتأمل في الراهن العربي، فيطرح فحماوي من خلال نصه أسئلة حيوية حول الهوية، والمقاومة، والانتماء الحضاري، والصراع مع قوى الهيمنة. إن العودة إلى هاني بعل ليست مجرد رحلة إلى الماضي، بل وسيلة لإعادة قراءة الحاضر، وفهم التحديات الراهنة التي تواجه المجتمعات العربية في سياقها الثقافي والسياسي. من خلال هذه الرواية، يُستدعى القارئ لإدراك أن التاريخ ليس حدثًا منقرضًا، بل شبكة متصلة من المعاني والقيم التي يمكن أن تُستثمر في صياغة الحاضر وصناعة المستقبل.
الارتباط بين الماضي والحاضر يظهر في قدرة الرواية على تقديم رموز حضارية تحمل رسائل أخلاقية واجتماعية صالحة لكل زمان. هاني بعل، بصفته شخصية تاريخية، يمثل في الوقت نفسه الإنسان المعاصر الذي يسعى للحفاظ على كرامته وهويته أمام التحديات الكبرى. الرواية بذلك تحوّل التاريخ إلى مرآة، والقراءة النقدية تصبح وسيلة لاستكشاف الذات الجمعية والوعي الحضاري، وربط مفردات الماضي بالقيم الراهنة التي يحتاجها القارئ العربي.
كما تعكس الرواية من خلال الرمزية التاريخية والخيال الفني الصراع المستمر بين القوى المهيمنة والمجتمعات الصامدة، بين الهيمنة الثقافية والسياسية وبين مقاومة الهوية والكرامة. وهذا البعد يجعل النص ليس مجرد استذكار [email protected] قديمة، بل تأملًا في قدرة الإنسان العربي على مواجهة تحدياته، على استعادة ذاته، وعلى التفاعل مع القيم الإنسانية الكبرى التي يمكن أن تعيد صياغة الحاضر والمستقبل. الرواية، في هذا الإطار، تتخذ من التاريخ منصة لتقديم نقد ضمني للواقع المعاصر، من خلال إعادة طرح مفاهيم مثل الحرية، العدالة، الصمود، والشجاعة، في سياق يجعل القارئ يعيد التفكير في دوره ومكانه.
الأبعاد الحاضرة للرواية تتضح أيضًا في الطريقة التي يُقدم بها فحماوي الشخصيات والفضاءات. فالنص يدمج بين الأسطورة والرمزية والتاريخ الواقعي، مما يسمح للقراءة النقدية بأن تكشف عن طبقات متعددة من المعنى. فالقارئ المعاصر يجد نفسه أمام شخصية هاني بعل ليس كبطل تاريخي فقط، بل كبوصلة أخلاقية وثقافية، تشير إلى القيم التي يمكن أن تشكّل وعيه، وتمنحه أدوات لفهم العالم المعاصر.
وبهذا تصبح هاني بعل الكنعاني نصًا نقديًا بذاته، يمكن من خلاله استقراء القيم الإنسانية، وفهم الترابط بين الماضي والحاضر، وربط تجربة الشعوب القديمة بتجارب الراهن العربي. الرواية تفتح أمام القارئ نافذة على التاريخ، ليس لتقليده أو إعادة إنتاجه كما هو، بل لاستلهام الدروس والقيم، وطرح التساؤلات الكبرى حول الهوية، المقاومة، الحرية، ودور الإنسان في مواجهة التحديات المستمرة التي تتكرر عبر الزمان والمكان.

خاتمة

تتجلى عظمة رواية هاني بعل الكنعاني في قدرتها على الجمع بين التاريخ والخيال، بين الأسطورة والرمز، بين الواقع والبعد المعاصر. فصاغها صبحي فحماوي ليس فقط كاستعادة لسيرة قائد كنعاني عظيمة، بل كنص يعيد طرح الأسئلة الكبرى حول الهوية والكرامة والمقاومة في وجدان القارئ العربي. الرواية بذلك تتجاوز حدود السرد التاريخي لتصبح فضاءً نقديًا وفكريًا، حيث يجد القارئ نفسه أمام تجربة إنسانية متكاملة، تجمع بين عمق الشخصية التاريخية وسحر التخييل الروائي، وبين المتعة الأدبية والتحليل النقدي العميق.
هاني بعل في نص فحماوي ليس مجرد بطل يواجه الرومان، بل رمز للقيم التي تصنع التاريخ: الشجاعة، الوفاء، الصمود، والقدرة على تحويل الهزيمة إلى تجربة للدرس والإلهام. من خلاله، يدرك القارئ أن البطولة الحقيقية ليست في الانتصار العسكري فحسب، بل في القدرة على حماية القيم، وإعادة تشكيل الوعي الجمعي، وإحياء الهوية في زمن الصعوبات. كما أن البحر المتوسط، بصورته التاريخية والرمزية، يضفي على الرواية بعدًا حضاريًا يجعل من الصراع على الأرض والمياه متجذرًا في فهم أعمق لتاريخ الإنسان وثقافته، ليصبح فضاءً للتأمل في التحديات المستمرة التي تواجه الشعوب.
وفي نهاية المطاف، تقدم الرواية درسًا مزدوجًا: درس في التاريخ والتخيل، ودرس في الحاضر والهوية. إنها تذكرنا بأن قراءة الماضي لا تكون مكتملة إلا إذا تمت صياغتها داخل وعينا الجمعي، وأن استحضار القيم الإنسانية  هو بالضرورة تحصين للذات الحضارية للشعوب الطامحة للنهوض و التحرر الوطني / القومي و الذود عن قيم المواطنة و التقدم و التنوير و العدالة الإجتماعية.



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجمهورية الممكنة..من الرعوية إلى المواطنة
- من يقاوم الهزيمة لا يخشى النهايات
- غزة في زمن الإبادة : شهادة على العجز الدولي و صمود الإنسان
- رشاد أبو شاور ..روائي المقاومة و ذاكرة فلسطين
- رفح.. العملية النوعية التي كسرت وهم المنطقة الآمنة
- عبد الجبار العش.. الكلمة الحرًة و الموقف المبدئي
- زياد جيوسي...مسيرة فكربة و نقدية لافتة
- محمد داني: بين السرد و النقد.. رحلة الوعي و الإبداع
- حنظلة لا يموت : ناجي العلي و الثقافة المقاومة
- نصر الدين العسالي : حين تتجلًى اللوحة في مواجهة قسوة الواقع
- علوية القانون و سيادة القرار : رهانات الدولة الحديثة
- صنع الله ابراهيم : الروائي الذي كتب الحرية بمداد الحقيقة
- حين تنطق الأرض : غزة تردً بالعقل و الدهاء
- ثورة 23 يوليو..الحلم القومي في مفترق التاريخ
- تونس الراهنة : اختبار الوعي السياسي و إرادة التغيير
- في حضرة الغائب الحاضر : غسان كنفاني و ذاكرة الجمر
- حذاء نورو للروائي التونسي محمد دمّق..حين يتحوًل الجسد إلى شظ ...
- اوهام الشرق الأوسط الجديد :بين الهيمنة الصهيونية و استعصاء ا ...
- الناقدة اللبنانية زينب الحسيني تكتب عن قصيدتي ورقات النسيان
- اليد التي لم تُرَ : الإختراق الصهيوني الهندي في قلب إيران


المزيد.....




- مئات المتاحف والمؤسسات الثقافية بهولندا وبلجيكا تعلن مقاطعة ...
- ساحة الاحتفالات تحتضن حفلاً فنياً وطنياً بمشاركة نجوم الغناء ...
- تهنئة بمناسبة صدور العدد الجديد من مجلة صوت الصعاليك
- انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
- انطلاق معرض الرياض الدولي للكتاب 2025
- لا أسكن هذا العالم
- مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
- بيان إطلاق مجلة سورياز الأدبية الثقافية
- سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم ...
- عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - البشير عبيد - هاني بعل الكنعاني لصبحي فحماوي بين التاريخ و الأسطورة و الهوية