أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - البشير عبيد - اليد التي لم تُرَ : الإختراق الصهيوني الهندي في قلب إيران















المزيد.....

اليد التي لم تُرَ : الإختراق الصهيوني الهندي في قلب إيران


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 15:13
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


اليد التي لم تُرَ: الاختراق الصهيوني الهندي في قلب إيران

البشير عبيد / تونس

لم تعد الصراعات الحديثة تدار فقط بالدبابات والصواريخ، بل بالشرائح الذكية، والأقمار الصناعية، وخيوط التجسس غير المرئية. وبينما تنشغل العناوين الكبرى في تحليل ما يبدو أنه "صراع مصالح" بين إيران وخصومها التقليديين، كانت هناك يد تعمل في صمت، تختبر مفاصل الدولة من الداخل، وتعيد رسم خارطة التحالفات من خلف الستار. الضربة الأخيرة التي استهدفت منشأة استراتيجية داخل إيران لم تكن سوى قمة جبل جليدي من اختراقات ممنهجة، تقف خلفها قوى مركّبة، يتقاطع فيها الطموح التكنولوجي الهندي مع الحضور الاستخباراتي الإسرائيلي، في معركة لا تُرى بالعين المجرّدة، لكنها تُسجّل فصولها في خريطة النفوذ الإقليمي.

جغرافيا الاختراق وتحوّلات التواطؤ

لقد مثّلت إيران، منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني، ساحةً مفتوحة لصراعات الظل بين القوى الكبرى وأذرعها الاستخبارية، غير أن التطوّر الأخطر لم يكن في عدد الهجمات أو طبيعتها، بل في خرائط التحالفات الخفيّة التي بدأت تتسرّب إلى عمق البنية الإيرانية. لم يعد الموساد يعمل وحده، بل بات يستند إلى شراكات أمنية وتقنية متعدّدة الأطراف، أبرزها مع الهند، التي انتقلت من الحياد المتحفّظ إلى التنسيق العملياتي مع الكيان الصهيوني.

الهند، التي احتفظت تاريخيًا بعلاقات مستقرة مع طهران، غيّرت بوصلتها بهدوء خلال السنوات الأخيرة. وقد لعبت صفقات التكنولوجيا والمراقبة، إلى جانب رهانات الطاقة والاستثمارات، دورًا مهمًا في تسريع هذا التحوّل. ما كان سرًّا بات واضحًا اليوم: هناك تواطؤ شبه معلن، تتحرّك بموجبه أجهزة هندية لتوفير منصات لوجستية ومعلوماتية للموساد، في مقابل مكاسب اقتصادية أو دعم في المحافل الدولية.

وبهذا الانعطاف، فقدت طهران شريكًا آسيويًا تاريخيًا، كان في وقت ما يوازن الثقل الصيني والروسي في معادلتها الخارجية. فالهند لم تعد تكتفي بدور الوسيط، بل أصبحت فاعلًا متواطئًا في استراتيجية تطويق إيران، أمنيًا وسياسيًا.

اغتيالات الظل والتطبيع الخفي

في السنوات الماضية، استهدفت عمليات الاغتيال داخل إيران شخصيات بارزة في مجال الدفاع والبرمجة والطاقة النووية. معظم تلك العمليات نُفّذت عبر أدوات "ذكية": طائرات دون طيّار، شرائح متصلة بشبكات مبرمجة، وحتى شبكات بشرية نائمة، خضعت لتدريب خارج الحدود. وقد كشفت تقارير متعددة أن عدداً من تلك الشبكات مرّت عبر محطات هندية، أو اعتمدت على منصات تكنولوجية تم تطويرها بشراكة بين شركات هندية وإسرائيلية.

لقد أصبح مسار التطبيع بين الهند والكيان الصهيوني أكثر عمقًا من مجرّد علاقات دبلوماسية أو زيارات رسمية. نحن أمام بناء استراتيجي بدأ يتسرّب إلى فضاءات الأمن والاستخبارات، ويتحوّل تدريجيًا إلى نوع من "التحالف الرمادي" الذي لا يُعلن عن نفسه، لكنه يفرض حضوره عبر النتائج على الأرض.

الهند، التي تسوّق لنفسها بوصفها قوة توازن في آسيا، تُمارس من خلف الستار دورًا مختلفًا تمامًا، يجعل منها أداة ضغط صامتة داخل المعادلة الإيرانية، ويمنح الكيان الصهيوني قدرةً أوسع على توسيع مسرح عملياته، دون أن يتحمّل الكلفة السياسية المباشرة.

وفي خضم هذا التداخل، نشهد بروز محور تقني-أمني جديد، يقوم على التعاون في الذكاء الاصطناعي والأنظمة الدفاعية وبرامج المراقبة الجماعية، وهو تعاون يتجاوز إيران ليطال ساحات أخرى في المنطقة، بما فيها لبنان وسوريا وربما العراق.

طهران في قلب الحصار الاستخباري

القلق داخل أروقة النظام الإيراني لم يعد مرتبطًا بإسرائيل وحدها. فالتقارير الصادرة مؤخرًا من مصادر أمنية موالية للنظام تشير إلى وجود موجات متتالية من الاختراقات القادمة من محيط إيران الإقليمي، وتحديدًا من بوابة التكنولوجيا المحمولة، والتطبيقات المشفّرة، وأنظمة المراقبة التي صُمّمت في مختبرات هندية-إسرائيلية مشتركة.

ما يجري لم يعد اختراقًا تقليديًا، بل هو حصار استخباري ناعم، يعتمد على "الاحتلال الرقمي" أكثر من الجواسيس الكلاسيكيين. وحدات السايبر الصهيونية، التي تطوّرت بشكل لافت خلال العقد الأخير، باتت قادرة على تعطيل نظم الدفاع، والوصول إلى معلومات دقيقة عن برامج التصنيع الإيراني، بل وحتى التحكم عن بُعد في بعض الأنظمة الحساسة.

ووسط هذا المشهد المعقّد، تبدو الهند كأنها الممر الهادئ للرياح القاتلة. فهي توفر الغطاء التكنولوجي، وتُخفي التعاون الأمني في عباءة التنمية والبحث العلمي، وتراهن على ضعف الحضور الإعلامي الإيراني في فضح هذا التورّط.

ما هو أخطر من ذلك، أن هذه الاختراقات تُربك توازن الردع داخل إيران نفسها، وتزرع الشك في بنية الدولة العميقة، وتُضعف ثقة الحلفاء الإقليميين في قدرتها على حماية نفوذها.

سيناريوهات ما بعد الضربة

الأسئلة الكبرى التي تواجه طهران اليوم لا تتعلّق بكيفية الرد العسكري على الضربات، بل بكيفية إعادة بناء منظومة أمن داخلي تم اختراقها بأدوات رقمية وشبكات ناعمة. الردّ الصاروخي لا يكفي حين تكون الهجمات ذات طابع إلكتروني-تكنولوجي، يدمّر من الداخل دون ضجيج.

في المقابل، يدرك الإسرائيليون أن الغاية ليست فقط إضعاف إيران عسكريًا، بل إنهاكها استراتيجيًا، ودفعها إلى المزيد من التراجع في ملفات إقليمية حيوية مثل العراق وسوريا واليمن. الهند، من ناحيتها، تراهن على كسب دور "الوسيط القوي" في النظام العالمي الجديد، مستفيدة من علاقتها بالولايات المتحدة و"إسرائيل"، لتثبيت نفوذها الآسيوي، حتى لو كان ذلك على حساب الشريك الإيراني التقليدي.

لكن التحدّي الحقيقي أمام إيران اليوم ليس فقط في وقف سيل الاختراقات، بل في إعادة طرح الأسئلة المؤجلة: من يسيطر على البنية الرقمية للبلاد؟ من يملك قرار الحماية؟ وما الثمن السياسي الذي ستدفعه إذا واصلت إنكار ما يجري؟

إن صمت طهران عن الاختراق الهندي، مقابل التركيز الإعلامي على العدو الصهيوني، لن يكون مجديًا بعد الآن. فقد أصبح العدو متعدد الأوجه، متعدّد المسارات، ينخر الداخل عبر شبكة عنكبوتية معولمة، لا يُرى فيها إلا الضحية، بينما الجلاد يختبئ خلف الأقنعة الدبلوماسية والتجارية.

لقد آن لإيران أن تدرك أن حروب الجيل الخامس لا تُواجه بالشعارات، بل بمنظومة سيادية ذكية، قادرة على فك شيفرات التحالفات الرمادية، قبل أن تستيقظ ذات يوم وقد تم تفريغها من داخلها، بلا طلقة واحدة.



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس في مواجهة العتمة ..الدولة ضد التحالفات الخفية
- الكيان الصهيوني الغاصب و إيران: المواجهة التى تأخرت
- نور الدين الرياحي..حين يتماهى اللون مع الذاكرة التونسية
- الكتابة و الإبداع...منعطفات و مسارات
- تونس بين جراح الماضي و استحقاقات التأسيس
- المعرض الفني ابراخيليا بسيدي بوزيد..تحليق بالفنً إلى الأقا ...
- تونس الآن بين غيوم المشهد و التغيير الشامل
- الكتابة و الهذيان
- الهاربون من الإنكسار
- الفكر الإستراتيجي و معظلة غياب الإرادة!
- الشاعر السوري بديع صقور يكتب عن نصوص الشاعر التونسي البشير ع ...
- التخييل و المجاز في نصوص الشاعر التونسي البشير عبيد
- رواق الفنون ببن عروس التونسية تحتفي بالفنان التشكيلي الهادي ...
- الناقد العراقي ثامر جاسم يكتب عن نصوصي الشعرية
- الناقد العراقي داود السلمان يكتب عن قصيدة وحدهم يعبرون الجسر
- كلية الآداب بالقيروان تحتفي بالمفكر الفلسفي د. محمد محجوب
- الرحيل المفاجىء لشاعر تونس الكبير د. محمد الغزي
- الناقد العراقي ثامر جاسم يكتب عن قصيدة الرحيل إلى بهاء المكا ...
- خصوم الإنسان و المعركة المصيرية
- افق التغيبر المتجذر في التاريخ


المزيد.....




- براد بيت يتحدث بصراحة عن تجربة تعافيه من الإدمان على الكحول ...
- جاي زي يفاجئ الجمهور في إحدى محطات جولة بيونسيه الباريسية
- من الدهنية إلى الحساسة..أسس اختيار المكياج المناسب لنوع البش ...
- رئيس وزراء قطر يكشف دور الدوحة بوقف إطلاق النار بين إيران وإ ...
- ترامب يصب غضبه على إسرائيل ويُبدي عدم رضاه عن إيران بعد خرق ...
- -حرب نووية أُوقفت في ساعات بينما حربنا ما زالت مستمرة-: غزيو ...
- ما بعد وقف إطلاق النار: أي دروس تستخلصها إيران من المواجهة م ...
- هدنة هشة تحت النار.. تل أبيب تحذر وطهران تنفي إطلاق الصواريخ ...
- ترامب يطالب إسرائيل بعدم إلقاء المزيد من القنابل على إيران
- احذر من تأثير -تشات جي بي تي- على دماغك وقدراتك الذهنية!


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - البشير عبيد - اليد التي لم تُرَ : الإختراق الصهيوني الهندي في قلب إيران