أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - تونس في مواجهة العتمة ..الدولة ضد التحالفات الخفية















المزيد.....

تونس في مواجهة العتمة ..الدولة ضد التحالفات الخفية


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تونس في مواجهة العتمة: معركة الدولة ضد التحالفات الخفية

البشير عبيد / تونس

في لحظة فارقة من تاريخها، تجد تونس نفسها في معركة شاقة مع تراكمات عقود من الفساد السياسي والمالي والبيروقراطي، وسط أزمة اقتصادية خانقة ومناخ إقليمي مأزوم. ليس الصراع اليوم بين سلطة وشعب، كما يحلو للبعض تصويره، بل بين دولة تحاول استعادة عافيتها وبسط سيادتها، وبين منظومة متشابكة من المصالح التي ترى في الإصلاح تهديدًا لمكاسبها. هكذا تُطرح الأسئلة الكبرى: من يعرقل التغيير؟ ومن يراهن على الفشل؟ وكيف يُمكن إنقاذ ما تبقّى من الممكن الوطني؟

تفكيك منظومة الفساد: معركة بلا هوادة

منذ قرارات الخامس والعشرين من يوليو، دخلت الدولة التونسية في مرحلة جديدة من المواجهة، ليست مع أطراف سياسية فقط، بل مع بنية فساد مترسخة كانت تدير دواليب الحكم والاقتصاد في الخفاء. لقد اتضح أن ما كان يُنظر إليه كدولة انتقالية لم يكن في الواقع سوى واجهة هشّة لمنظومة نفوذ اقتصادي وسياسي مترابط، يمتلك من الأدوات ما يجعله قادراً على التخريب والتعطيل متى شعر بخطر يهدد مصالحه.

وقد بدأت محاولات التفكيك الفعلي لمنظومة الفساد برفع الغطاء عن العديد من الشبكات التي تتوزع داخل الإدارة، وتتحكم في دوائر المال والأعمال، وتمتد إلى قطاعات القضاء والإعلام والمجتمع المدني نفسه. هذه الشبكات لم تكن تعمل بشكل معزول، بل بنت تحالفاتها العابرة للمؤسسات، واستطاعت خلال سنوات ما بعد الثورة أن تعيد إنتاج حضورها داخل الدولة، وأن تتكيّف مع مناخ الحريات لتكرّس واقعًا من الفوضى الممنهجة والتغوّل الصامت.

المواجهة التي تخوضها الدولة اليوم لا تشبه صراعًا سياسياً تقليديًا بين سلطة ومعارضة، بل هي مواجهة مع ما يمكن تسميته بـ"الدولة الموازية" التي تأسست على أنقاض الدولة الوطنية، والتي تعتبر أي مسار إصلاحي خطرًا وجوديًا عليها. ولهذا لا غرابة في أن يكون الهجوم على الدولة متعدّد الجبهات: من الداخل عبر العصيان الإداري، ومن الخارج عبر الحملات الدعائية المنظمة التي تصوّر تونس كأنها على شفا الاستبداد والانهيار.

الدولة الوطنية في اختبار الصبر والشرعية

ليس من السهل إعادة بناء الشرعية في مناخ مثقل بالأزمات والشكوك. غير أن ما تقوم به الدولة حاليًا هو محاولة لاستعادة الوظيفة الأساسية للسلطة: أن تكون ضامنة للسيادة، وللتوازن الاجتماعي، وللمصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. وهذا لا يعني إلغاء التعدد أو تحجيم الحريات، بل توجيهها لتكون في خدمة مشروع وطني لا في خدمة فئات تريد تأبيد الامتيازات.

إن الذين ينادون اليوم بعودة "الديمقراطية الشكلية" التي كانت تخفي الاستباحة العامة للدولة، يتجاهلون حقيقة أن الديمقراطية ليست فقط صناديق اقتراع، بل هي أيضًا منظومة مسؤوليات متبادلة بين الحاكم والمحكوم. والمشكل لم يكن في الدولة، بل في من عطّل وظائفها وأفرغها من جوهرها.

ولذلك فإن استعادة الدولة لشرعيتها تمرّ عبر قدرتها على تحمّل الضغط الشعبي، وشرح السياسات التي تتبعها، وعدم الاستهانة بالحراك الاجتماعي، دون أن تسقط في فخّ الابتزاز أو الشعبوية. فالدولة القوية ليست تلك التي ترضي الجميع، بل التي تتحمل مسؤولية الخيارات، وتفسرها بشجاعة، وتلتزم بآجال واضحة لتنفيذها، وتحاسب ذاتها بنفسها قبل أن تُحاسب من الخارج.

الاقتصاد بين دوامة التآكل وضغط الشارع

الاقتصاد هو قلب الأزمة التونسية بامتياز، فهو الحقل الذي تراكمت فيه التناقضات البنيوية على مدى عقود، وتحولت فيه الدولة من فاعل منتج إلى ضامن عاجز، ثم إلى ضحية دائمة لدوائر المضاربة والاحتكار. لا يمكن اليوم بناء أي أفق ديمقراطي أو اجتماعي دون إصلاح اقتصادي عميق، يحرر الدولة من تبعيتها للمؤسسات الدولية، ويمنح المجتمع أدوات الإنتاج والاستقرار.

لكن هذا الإصلاح لا يمكن أن يتحقق في ظل هيمنة الاقتصاد الموازي، الذي يلتهم ما يقارب نصف الدورة الاقتصادية، ويمنع الدولة من بسط سيادتها الجبائية والتنظيمية. كما أن شبكات الاحتكار والتهريب تغلق الأبواب أمام أي سياسة اقتصادية عادلة، وتبقي المواطن تحت رحمة الأسعار والسوق السوداء.

في الوقت ذاته، لا يمكن للطبقات الفقيرة والمتوسطة أن تنتظر طويلاً دون أفق. ولهذا بات من الضروري أن تقدّم الدولة خريطة طريق واضحة في المجال الاقتصادي، تشمل إصلاح الدعم دون التفريط في العدالة الاجتماعية، وتطوير الإنتاج الوطني، وتشجيع الاستثمار الداخلي، وخلق توازن جبائي حقيقي يحدّ من تهرّب الكبار ويعيد توزيع الثروة على أسس عادلة.

أكثر من ذلك، تحتاج الدولة إلى أدوات مالية جديدة، وإلى تصوّر بديل لمنوال التنمية، قائم على الجهات المهمّشة، وعلى اقتصاد اجتماعي تضامني يخلق فرص العمل خارج منطق الربح السريع والاستثمار الاستهلاكي. فالاقتصاد الذي لا يُشرك المجتمع في حلوله، يتحوّل إلى عبء على الناس بدل أن يكون رافعة لمستقبلهم.

المجتمع المدني والإعلام: بين الدعم والنقد المسؤول

ما من دولة قوية بدون مجتمع مدني يقظ وفاعل، لكن هذا المجتمع لا يجب أن يتحول إلى طرف سياسي بديل، ولا إلى منصة لاستهداف الدولة كلما حاولت إصلاح ما أفسدته العقود السابقة. على العكس، فإن المجتمع المدني مدعو إلى أن يكون شريكًا يقظًا، ناقدًا، ولكن ضمن منطق وطني جامع، لا يخضع لأجندات تمويلية أو لخطابات نخب مقطوعة عن نبض الناس.

تونس دفعت ثمنًا باهظًا لانحراف بعض منظمات المجتمع المدني نحو التسييس المفرط، ومحاولة لعب دور "الحَكم الأخلاقي" في كل شيء، دون مساءلة ذاتية أو مسؤولية في الطرح. وهذه التجربة يجب أن تُراجع بعين ناقدة، حتى لا تتكرر.

أما الإعلام، فقد تحوّل في جزء منه إلى ساحة تصفية حسابات، وترويج لخطابات الهلع والانهيار، في حين أن تونس اليوم بحاجة إلى إعلام تنويري، مهني، نقدي ولكن عقلاني، يضع الواقع في سياقه، ويستمع للشارع دون الوقوع في فخّ الإثارة أو التوظيف السياسي.

الإعلام ليس عدوًا للدولة، لكنه أيضًا ليس محايدًا حين يتورط في تحريف المعطيات، أو في ترويج الأصوات التي تراهن على الفشل. الإعلام الحقيقي هو من يُضيء الطريق لا من يصفق للتيه، وهو من يُسائل الدولة لا من يجلدها، وهو من يُعبّر عن الناس لا من يُناور بأوجاعهم.

- كاتب صحفي مهتمً بقضايا التنمية و المواطنة و النزاعات و الصراعات الإقليمية و الدولية و تجليات المشهد الثقافي العربي.



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكيان الصهيوني الغاصب و إيران: المواجهة التى تأخرت
- نور الدين الرياحي..حين يتماهى اللون مع الذاكرة التونسية
- الكتابة و الإبداع...منعطفات و مسارات
- تونس بين جراح الماضي و استحقاقات التأسيس
- المعرض الفني ابراخيليا بسيدي بوزيد..تحليق بالفنً إلى الأقا ...
- تونس الآن بين غيوم المشهد و التغيير الشامل
- الكتابة و الهذيان
- الهاربون من الإنكسار
- الفكر الإستراتيجي و معظلة غياب الإرادة!
- الشاعر السوري بديع صقور يكتب عن نصوص الشاعر التونسي البشير ع ...
- التخييل و المجاز في نصوص الشاعر التونسي البشير عبيد
- رواق الفنون ببن عروس التونسية تحتفي بالفنان التشكيلي الهادي ...
- الناقد العراقي ثامر جاسم يكتب عن نصوصي الشعرية
- الناقد العراقي داود السلمان يكتب عن قصيدة وحدهم يعبرون الجسر
- كلية الآداب بالقيروان تحتفي بالمفكر الفلسفي د. محمد محجوب
- الرحيل المفاجىء لشاعر تونس الكبير د. محمد الغزي
- الناقد العراقي ثامر جاسم يكتب عن قصيدة الرحيل إلى بهاء المكا ...
- خصوم الإنسان و المعركة المصيرية
- افق التغيبر المتجذر في التاريخ
- مازن جميل مناف يكتب عن قصيدة وحدهم يعبرون الجسر


المزيد.....




- -أمريكا ستنقذه-.. ترامب مدافعًا عن نتنياهو وسط محاكمته بتهمة ...
- مقتل عدة أشخاص خلال هجمات للمستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغ ...
- خبراء: عملية خان يونس أكبر مقتلة للإسرائيليين هذا العام وأقس ...
- إنفوغراف: قتلى وجرحى الاحتلال الذين سقطوا في غزة خلال يونيو ...
- وزراء إسرائيليون يقرون بالفشل في غزة ومسؤولون بالائتلاف يدعو ...
- ترامب: أميركا أنقذت إسرائيل والآن ستنقذ نتنياهو من المحاكمة ...
- ترامب يعترف بتقييم الاستخبارات حول وضع مواقع إيران النووية ب ...
- بعد وقف إطلاق النار.. وزير دفاع إيران يصل الصين في زيارة تست ...
- موجة حر غير مسبوقة تجتاح شرق روسيا: حرارة قياسية وحرائق تهدد ...
- عاجل | حماس: جرائم الاحتلال ومستوطنيه وآخرها في كفر مالك تست ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - تونس في مواجهة العتمة ..الدولة ضد التحالفات الخفية