أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - تونس بين جراح الماضي و استحقاقات التأسيس














المزيد.....

تونس بين جراح الماضي و استحقاقات التأسيس


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 16:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تونس بين جراح الماضي واستحقاقات التأسيس

من الفوضى إلى مشروع الدولة الديمقراطية

البشير عبيد / تونس

قلت منذ سنوات، وكتبت مرارًا، إنهم لن يكفّوا عن التباكي على ضياع الفريسة. من خبرهم جيدًا، وعرف كيف كانوا يتحركون ويخططون مستندين إلى سطوة السلطة القاهرة حين حكموا، يدرك أنهم لا يغادرون مشهد الانتهازية بسهولة.

فقد استُخدمت كل الأدوات المناقضة لمنظومة الأخلاق: من استغلال المؤسسات، إلى توظيف الدين، وصولاً إلى العنف الرمزي والمادي. هؤلاء، حين يُسحب من تحتهم البساط، لا يترددون لحظة في الانحدار إلى قانون الغاب.

هذا النمط السياسي الانتهازي يشبه سلوك الضباع: انتظار اللحظة، المراوغة، ثم الانقضاض. لا يتحقق هدفها إلا بمزيج من التكتيك والاستراتيجية، وهو نهج استلهمته بعض الأحزاب الفاشية من صراعات البقاء في الطبيعة.

لكن التاريخ لا يُخدع طويلًا. فلا تبريرات الماضي، ولا محاولات تجميل "العشرية السوداء"، تستطيع الصمود أمام ميزان الزمن الذي يفرز الغث من السمين.

---

أزمة فقدان البوصلة

لقد ضاعت البوصلة. تيه سياسي واضح لدى المعارضة، التي تنكر أخطاءها، وتتمسك بخطاب التبرير، في وقت تتعمّق فيه أزمات البلاد المركبة.

حركة النهضة ومعسكرها لم يعترفوا يومًا بثقل مسؤوليتهم في انهيار ثقة المواطن، وتآكل المؤسسات، والانقسام المجتمعي. عشر سنوات من الحكم لم تخلّف سوى الشك، وتراجع التنمية، وتضخم الوعود.

لكن الأزمة اليوم ليست فقط سياسية، بل حضارية. لا أحد يملك مشروعًا قادرًا على تقديم إجابات واقعية، ولا خطابًا يتجاوز الشعبوية. نحن أمام فراغ حقيقي في الرؤية، وتآكل في شرعية الجميع.

---

تشظي الأطراف وتناقض المشاريع

المشهد الراهن ليس مجرد نزاع بين الحكم والمعارضة، بل تجسيد لانهيار الثقة الوطنية الجامعة. لكل طرف مشروعه، ولكل فئة لغتها، ولا وجود لأي تقاطع بينها.

هذه التناقضات الفكرية والإيديولوجية عميقة، ولا تتيح الحد الأدنى من التفاهم. بل إن الصراع نفسه صار غاية لا وسيلة، فيما تُستبدل الحجة بالعنف الرمزي، والاختلاف بالتخوين، والمعارضة بالتحريض.

الأخطر أن هذا التمزق تجاوز النخبة السياسية، لينتقل إلى الشارع: شعبوية متصاعدة، رفض متبادل، واختناق فكري يجعل من إنتاج الحلول شبه مستحيل.

---

نحو عقد اجتماعي جديد

ما يحتاجه التونسيون الآن ليس مجرد تغيير في الوجوه، بل تأسيس جديد. عقد اجتماعي شامل يُعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويعيد الاعتبار للكرامة والحرية والمساواة.

هذا العقد لا يُبنى على محاصصات حزبية، ولا على إقصاء متبادل، بل على حوار وطني مفتوح حول مستقبل البلاد. حوار يعالج كل القضايا: من أزمة الاقتصاد إلى معضلة العدالة الاجتماعية، ومن غياب الثقة إلى وهم التوافقات السطحية.

في الرمزية الثقافية، يُحيل المخاض إلى الألم، لكنه أيضًا يبشّر بولادة جديدة. وتونس، في هذا المعنى، تعيش مخاضًا بين اليأس والأمل، بين الانهيار والرغبة في النهوض.

---

المشروع الجامع: لا مكان لأعداء الحرية

لم تعد البلاد تملك ترف التأجيل. تونس بحاجة إلى مشروع ديمقراطي اجتماعي، مدني، تنويري. مشروع لا يكتفي بالشعارات، بل يُترجم إلى سياسات تُنتج الثقة، والأمل، والكرامة.

هذا المشروع يجب أن يلتف حوله الجميع: قوى مدنية، نخب فكرية، مؤسسات وطنية. ويجب أن يُقصي من داخله كل من يعادي الحرية، أو يبرر الاستبداد، أو يسعى لإعادة إنتاج الشمولية باسم الدين أو الحداثة الزائفة.

تونس رغم كل الجراح، قادرة على النهوض. لكن لا نهوض دون الاعتراف بالأخطاء، ودون مشروع جامع يعيد للمواطن ثقته، وللدولة هيبتها، وللمجتمع توازنه.

- كاتب صحفي مهتمً بقضايا التنمية و المواطنة و النزاعات الإقليمية و الدولية و تجليات المشهد الثقافي العربي.



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعرض الفني ابراخيليا بسيدي بوزيد..تحليق بالفنً إلى الأقا ...
- تونس الآن بين غيوم المشهد و التغيير الشامل
- الكتابة و الهذيان
- الهاربون من الإنكسار
- الفكر الإستراتيجي و معظلة غياب الإرادة!
- الشاعر السوري بديع صقور يكتب عن نصوص الشاعر التونسي البشير ع ...
- التخييل و المجاز في نصوص الشاعر التونسي البشير عبيد
- رواق الفنون ببن عروس التونسية تحتفي بالفنان التشكيلي الهادي ...
- الناقد العراقي ثامر جاسم يكتب عن نصوصي الشعرية
- الناقد العراقي داود السلمان يكتب عن قصيدة وحدهم يعبرون الجسر
- كلية الآداب بالقيروان تحتفي بالمفكر الفلسفي د. محمد محجوب
- الرحيل المفاجىء لشاعر تونس الكبير د. محمد الغزي
- الناقد العراقي ثامر جاسم يكتب عن قصيدة الرحيل إلى بهاء المكا ...
- خصوم الإنسان و المعركة المصيرية
- افق التغيبر المتجذر في التاريخ
- مازن جميل مناف يكتب عن قصيدة وحدهم يعبرون الجسر
- التغيبر الراديكالي و البوصلة الغائبة
- ناجي العلي و حنظلة البشير عبيد غريبا
- ابراهيم نصر الله...رجل المهمات الشعرية الصعبة
- الرحيل الأبدي للفنان التشكيلي التونسي نصر الدين العسالي


المزيد.....




- -مشهد مهيب-.. فيديو يظهر الحجاج المتعجلين يؤدون طواف الوداع ...
- ناسا تواجه تخفيضات حادة في ميزانيتها، وخلاف ترامب وماسك يزيد ...
- وزير الدفاع الأميركي يهاجم حاكم كاليفورنيا ويُهدّد بتعبئة مش ...
- وسائل إعلام إسرائيلية: الولايات المتحدة وإسرائيل قررتا إنهاء ...
- للمرة الأولى .. روسيا تعلن شنّ هجوم في منطقة بوسط أوكرانيا
- الجيش الروسي يحرر بلدة جديدة في دونيتسك
- تشييع جندي إسرائيلي قتل في انفجار أثناء تفتيش القوات لمجمع ف ...
- أوربان: العقوبات الأوروبية ضد روسيا تدمر هنغاريا وأوروبا بأك ...
- والد ماسك يكشف ما حدث لابنه بسبب ترامب
- مشهد وكأنه من فيلم.. صاعقة تضرب منزلا على بعد أمتار من أم وط ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - تونس بين جراح الماضي و استحقاقات التأسيس