أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الحزب الشيوعي العراقي بين المشاركة العقيمة والمقاطعة المثمرة: قيادة تراهن على الخسارة وقاعدة تحمل الأمل















المزيد.....

الحزب الشيوعي العراقي بين المشاركة العقيمة والمقاطعة المثمرة: قيادة تراهن على الخسارة وقاعدة تحمل الأمل


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 01:52
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


من بين أكثر المفارقات السياسية دلالة في المشهد العراقي الراهن، استمرار الحزب الشيوعي العراقي في تبنّي نهجٍ انتخابي مهادن، رغم إدراكه العميق لطبيعة النظام السياسي القائم وآليات اشتغاله. فعلى مدى الدورات الانتخابية المتعاقبة، أصرّ الحزب على المشاركة في انتخاباتٍ يدرك سلفًا أن بنيتها القانونية والسياسية، وكذلك منظومتها الزبائنية الطائفية، تحول دون تحقيق أي اختراق جوهري أو مكاسب تمثيلية مؤثرة. وفي أفضل الأحوال، لا يتعدى ما يمكن أن يحققه الحزب بضع مقاعد برلمانية معزولة، لا تتيح له التأثير في مجريات السلطة أو تغيير موازين القوى.

هذا الخيار الاستراتيجي لا يعكس عجزًا في فهم الواقع، بقدر ما يكشف عن مهادنة سياسية متكررة للنظام القائم وعن رهانٍ خاسر على إمكانية التغيير من داخل بنية مشوهة صُممت لضمان إعادة إنتاج القوى الحاكمة ذاتها. في المقابل، يملك الحزب — نظريًا وموضوعيًا — إمكانية التحول إلى قوة سياسية مؤثرة، لو أنه اختار مسارًا مغايرًا يقوم على مقاطعة الانتخابات والاندماج الواعي بالحركات الاحتجاجية والاجتماعية، وتنظيمها وتسييسها. مثل هذا الخيار من شأنه أن ينقل وضعه السياسي والقاعدي إلى مستوى قياسي غير مسبوق، خصوصًا في ظل تآكل شرعية الطبقة الحاكمة وتصاعد المزاج الشعبي الرافض لمنظومة الحكم الحالية.

ومع ذلك، يكرر الحزب المرة تلو الأخرى ذات الرهان الانتخابي العقيم، متجاهلًا ما توفره اللحظات السياسية المفصلية من إمكانيات حقيقية لتثوير الواقع وبناء قاعدة جماهيرية صلبة. وهنا يُطرح السؤال الجوهري: لماذا يصر الحزب الشيوعي العراقي على هذا الرهان الخاسر؟
هل هو تمسّك بعقلية سياسية تقليدية فقدت قدرتها على قراءة التحولات؟
أم أنه انعكاس لخلل داخلي في بنية الحزب التنظيمية والفكرية جعله عاجزًا عن تبني خيارات أكثر جذرية؟

إن إصرار الحزب الشيوعي العراقي على النهج الانتخابي لا يمكن تفسيره تفسيرا سطحيا أو اختزاله في سوء تقدير سياسي عابر، بل هو نتيجة تضافر جملة من العوامل البنيوية والفكرية والتنظيمية التي تراكمت عبر عقود من العمل السياسي في بيئات متغيرة، دون أن يقابلها الحزب بمرونة إستراتيجية أو مراجعة نقدية جذرية.

أول هذه العوامل هو الجمود التنظيمي الذي أصاب بنية الحزب بعد 2003. فالحزب الذي كان تاريخياً يتمتع بقدرة عالية على التكيّف مع المتغيرات السياسية والاجتماعية، تحوّل تدريجياً إلى جهاز بيروقراطي مفرغ من الحيوية الثورية. هذا الجمود جعل آليات اتخاذ القرار داخله شديدة المركزية، بطيئة الاستجابة، ومحصورة ضمن دائرة ضيقة من القيادات التقليدية التي تميل إلى إعادة إنتاج ذات الخيارات السياسية مهما تغيّرت الشروط الموضوعية. وبدلاً من أن يدفع انفتاح المجال السياسي بعد سقوط النظام السابق باتجاه بناء إستراتيجيات جديدة، انكفأ الحزب إلى التمسك بخطاب «الشرعية الانتخابية» كغطاء شبه وحيد لنشاطه السياسي.

ثانيًا، هناك نزعة فكرية محافظة داخل الحزب تميل إلى تجنّب المواجهة الجذرية مع النظام القائم، انطلاقًا من قناعة متأصلة بأن التغيير يجب أن يكون «سلمياً – مؤسسياً» من داخل بنى الدولة. هذه القناعة، التي ربما كانت مفهومة في سياقات سابقة، أصبحت اليوم عبئاً استراتيجياً يمنع الحزب من استثمار الطاقات الاجتماعية المتفجرة التي ينتجها الواقع العراقي المأزوم. فالنظام الحالي، بطبيعته التوافقية الزبائنية، لا يتيح لأي قوة معارضة — مهما حسنت نواياها — أن تغيّر قواعد اللعبة من الداخل، وهو ما أثبتته التجربة الانتخابية تلو الأخرى.

ثالثًا، يمكن ملاحظة حسابات سياسية خاطئة ترتبط بالخوف من العزلة أو فقدان الاعتراف الرسمي. فالقيادة الحزبية تبدو وكأنها تخشى أن يؤدي الانسحاب من العملية الانتخابية إلى تهميش الحزب أو تقليص حضوره الرمزي، متناسية أن هذا «الحضور» الشكلي لا يترجم إلى نفوذ فعلي أو تأثير جماهيري حقيقي. والنتيجة أن الحزب يختار البقاء داخل لعبة سياسية مغلقة، لا مكان فيها لقوى معارضة جذرية، بدلاً من خوض مغامرة واعية قد تفتح أمامه أفقًا تاريخيًا جديدًا.

رابعًا، هناك فقدان للمبادرة الثورية، تجلى بوضوح في تعامل الحزب مع اللحظات المفصلية، مثل انتفاضة تشرين أو موجات المقاطعة الشعبية للانتخابات. ففي حين كان من الممكن أن يتصدر الحزب عملية تأطير هذه الطاقات، وتنظيمها، وتقديم نفسه بوصفه البديل السياسي الوطني، فضّل أن يبقى في موقع المراقب أو الشريك الصغير في تحالفات انتخابية غير مجدية، الأمر الذي أفقده القدرة على التأثير في المزاج الشعبي وصاغ صورة باهتة له أمام الأجيال الجديدة.

وأخيرًا، لا يمكن إغفال الخلل القيادي البنيوي المتمثل في انغلاق الحزب على نواة قيادية محدودة أعادت إنتاج نفسها منذ سنوات طويلة، دون تجديد أو تداول حقيقي للقيادة أو فتح المجال أمام قوى شبابية فاعلة داخل الحزب. هذا الانغلاق جعل القيادة أسيرة رؤيتها التقليدية ومصالحها الضيقة، عاجزة عن تقديم مبادرات جذرية أو تحمل مسؤوليات تاريخية في لحظات مفصلية.

كل هذه العوامل مجتمعة تفسر إصرار الحزب على الرهان الانتخابي الخاسر وتجاهله للإمكانيات الموضوعية الهائلة لتثوير الواقع السياسي والاجتماعي، والتي كان يمكن أن تمكّنه من استعادة موقعه التاريخي كقوة فاعلة في الصراع الطبقي والسياسي في العراق. ولكن المسؤولية هنا تقع بالدرجة الأساس على القيادة الحزبية التي تمسكت بخياراتها المحافظة وأهدرت الفرص، وليس على القاعدة الحزبية أو الأنصار، الذين أظهروا — في كثير من المحطات — استعداداً للمشاركة الفاعلة والانخراط في الحراك الجماهيري. إن تبرئة القاعدة لا تعني تهميشها، بل تأكيد أن مشكلة الحزب ليست في جماهيره، بل في قيادته التي أخفقت في الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية.

النقد الذي نوجهه للحزب الشيوعي العراقي يجب أن نؤكد على أنه نقد حريص، يهدف إلى تطوير الأداء والارتقاء به، انطلاقًا من الإقرار العميق بأن هذا الحزب، وبالتحديد قاعدته الجماهيرية، هي آخر نبضة أمل تستقر في جسد هذا الوطن المتهالك.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاحتجاجات العراقية ودور الحزب الشيوعي العراقي: نقد الأداء و ...
- النتوء الرأسمالي – الاقتصاد الرقمي داخل جسد الرأسمالية وعلاق ...
- العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية: اختلاف تكتيك أم خلاف استرات ...
- -غزة: دورة المأساة بين الهيمنة الدولية والسلطة المحلية والأي ...
- سلامٌ ؟ في يوم ذكرى تأسيس البحريه الأمريكيه… وفي الخلفية حما ...
- البلوب والنتؤ الرأسمالي: قراءة مكملة في الذكاء البنيوي لمجتم ...
- آلية التفكير الطبقي: من الذكاء بلا عقل إلى البلوب الأمريكي
- لعبة الاستغفال ...لماذا يطالب حزب الله بالاستسلام ..وتلهث دو ...
- ثورة من خلف الشاشات: جيل Z المغربي بين المطلبية والغموض القي ...
- الناخب كفاعل مضاد للمصلحة العامة: قراءة في تشوّه الوعي الانت ...
- كوبا: اشتراكية الصمود وتناقضات الواقع الاجتماعي
- في معنى اتخاذ 3 تشرين ..اليوم الوطني للعراق
- تشرين: منتفضون بلا انتفاضة
- هل انتهت فترة إسكات النيران بين إيران وإسرائيل وأمريكا؟
- غزة بين حماس الوظيفية وترامب الوسيط الجلاد
- العدالة بين الليبرالية والماركسية: في التجريد النهائي للمفهو ...
- الازدهار بلا فرص للعمل: ماذا يُحتم؟
- مقاطعة الانتخابات: جهد طبقي ضد الانتهازية
- الحاضر.. الحقيقة المراوغة والطبقية كمعيار
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...


المزيد.....




- بوليفيا تنتخب رودريغو باز رئيسا وتنهي حكم اليسار الاشتراكي
- بوليفيا: السيناتور الوسطي رودريغو باز يفوز بالانتخابات الرئا ...
- الشهيد عبد الله موناصير: نموذج المناضل العمالي الاشتراكي الث ...
- الأزمة النيبالية بالغة الحدة وسياقها الإقليمي
- لاتزال الأممية الأولى ذات راهنية اليوم
- اعتقال محامٍ يهودي في لندن بتهمة -استفزاز- متظاهرين مؤيدين ل ...
- الديمقراطية تدعو للتسريع في حوار وطني شامل، ووفد تفاوضي موحد ...
- ترامب يرد على احتجاجات -لا للملوك- بمقطع من صنع الذكاء الاصط ...
- -ترامب الملك- يلقي القاذورات على المتظاهرين!
- شرطة نيويورك: عدد ضخم جدا من المتظاهرين شاركوا في الاحتجاجات ...


المزيد.....

- كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - الحزب الشيوعي العراقي بين المشاركة العقيمة والمقاطعة المثمرة: قيادة تراهن على الخسارة وقاعدة تحمل الأمل