أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - ركود الأغنية العربية: بين أسطورة الماضي وتحديات الحاضر















المزيد.....

ركود الأغنية العربية: بين أسطورة الماضي وتحديات الحاضر


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 20:22
المحور: الادب والفن
    


يشهد الغناء العربي المعاصر حالة من التراجع أو الركود الإبداعي، وهو أمر يُجمع عليه الكثيرون عند مقارنته بما يُعرف بـ "الزمن الجميل" الذي بلغ فيه الفن العربي قمة العطاء والإبداع. فقد ترك عمالقة تلك الفترة مثل أم كلثوم، محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، وعبد الحليم حافظ إرثًا فنيًا خالدًا يقوم على تنوع الألحان، قوة الكلمات، وروعة الأداء.
بات غياب الأعمال الموسيقية القادرة على البقاء في الذاكرة دليلاً واضحًا على أزمة الإبداع الحالية. إذ تُلاحَظ زيادة في ظاهرة إعادة تقديم الأغاني الكلاسيكية أو استلهام ألحانها، مما يعكس حنين الجمهور إلى الإرث الفني السابق وعجز بعض الفنانين الحاليين عن إبداع أعمال مبتكرة تحمل نفس العمق. أما على صعيد الكلمات، فتبرز معاناة واضحة من سطحيتها، حيث تسيطر اللغة العامية البسيطة والمواضيع العاطفية المتكررة والمستهلكة كالحب والفراق. هذا التقليص في التنوع والعمق يبرز افتقار الأعمال الجديدة إلى معالجة القضايا الاجتماعية أو الوجودية بطابع فني رفيع يثير الفكر والمشاعر معًا.
لا يكمن الجمود في التمسك بالتراث بحد ذاته، بل في التشبث الجامد بمفهوم الأصالة الذي تحول إلى قيد يقيد الإبداع ويعوق الحركة. ينبع هذا الركود من الخوف من النقد، سواء الجماهيري أو النخبوي، حيث تواجه أي محاولة جادة للتجديد باتهامات بتغريب الفن والانحراف عن الهوية. بات مفهوم الأصالة مقتصراً على تقليد الشكل الخارجي لأغاني الماضي، مع إهمال روح الإبداع والجرأة التي ميزت عظماء الفن الذين كانوا بدورهم رواداً للمستقبل، كما في حالة عبد الوهاب حينما أدخل الآلات والإيقاعات الغربية إلى أعماله.

في ظل تحديات العصر الرقمي وسرعة انتشار المنصات، تحول الفن من كونه رسالة إلى مجرد سلعة. أصبح الاهتمام مركزاً على الأغاني القصيرة والأعمال الفردية التي تحقق نجاحاً سريعاً وتناسب متطلبات البث السريع، بدلاً من المشاريع الفنية المتكاملة والأغاني الطويلة ذات العمق. هذا المزج بين التشبث الشكلي بالماضي وبين النزعة التجارية السائدة اليوم أدى إلى تراجع دور الفن كقوة ثقافية واجتماعية حقيقية ومؤثرة.
ضعف التكوين وغياب الرؤية

يواجه الأداء الصوتي اليوم تحديات جمة تتمثل في ضعف التكوين الأساسي وغياب الرؤية الواضحة، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في معايير الجودة التقنية. هذا التراجع جاء نتيجة انحسار الاهتمام بالتدريب المكثف والمتقن على تقنيات الأداء التقليدية التي تمثل الأساس المتين للصوت، مثل التحكم في التنفس والإلقاء السليم الذي يمنح كل كلمة وزنها وإيقاعها الخاص. ومع ذلك، فإن تسارع النهج التجاري في الصناعات الفنية أسهم في تهميش هذه الأسس الفريدة من نوعها. ظهر الاعتماد المتزايد على التقنيات الرقمية الحديثة لتصحيح الصوت، كأداة Auto-Tune، والتي أصبحت بديلاً سريعاً وغير مستحق لتحل محل المهارات الصوتية الحقيقية اللازمة لإبداع فن يتسم بالأصالة والعمق. وبذلك، تحوّلت العديد من الأعمال الغنائية إلى منتجات مُعلَّبة، تفتقر للروح والجاذبية العاطفية التي تُلهم المستمعين وتحرك وجدانهم.

أما على صعيد الابتكار الموسيقي، فإن المحاولات التي ظهرت خلال العقود الأخيرة لتجديد المشهد الفني بدت خجولة وغير قادرة على تقديم عصر ذهبي جديد يضاهي ما عرفته الأجيال السابقة من عصور الازدهار. حيث وجهت العديد من هذه الموجات الحديثة تركيزها على عناصر الإثارة واللفتة السريعة أو الانغماس في الاستعراض السطحي بدلاً من البحث عن العمق. كما أن التشبّه غير المدروس بثقافات وأنماط غربية اتسمت بالبساطة والاستهلاك كالبوب والديسكو السريع، أضر بجودة الأعمال الفنية وتسبب بانتشار إبداعات عابرة تفتقر إلى الأبعاد الثقافية والفنية الحقيقية. النتيجة كانت ظهور إنتاج فني أشبه بالبضائع المؤقتة "سريعة التلف"، محكوم عليها بالاختفاء السريع دون أن تترك أثراً مستداماً أو قيمة تتناقلها الأجيال.
تُسهم مسابقات الغناء التلفزيونية بشكل ملموس في تفاقم الأزمة الثقافية المرتبطة بالإبداع الموسيقي، وذلك بسبب اعتمادها على منهجيات قديمة ومحدودة تهدف إلى تقييم القدرات الصوتية للمشاركين من خلال محاكاة الأغاني الكلاسيكية وتركيزها المفرط على استعراض التقنية الصوتية. بدلاً من التركيز على استكشاف مهارات الفنانين في الإبداع الخلاق، والتأليف الموسيقي المبتكر، وتطوير هويات صوتية جديدة تعكس طبيعة وجوهر جيلهم، تُكرّس هذه البرامج مفهوماً عقيماً يؤدي في أغلب الأحيان إلى إنتاج "مؤدين ببراعة فائقة" للأعمال الفنية القديمة. ومع ذلك، فإنها نادراً ما تنجح في تقديم مواهب فنية تحمل بصمات جديدة وأصواتاً مبتكرة قادرة على أن تبني ملامح المستقبل الفني وتُسهم في انطلاق موجة موسيقية تعيد تشكيل الواقع الثقافي.

على صعيدٍ آخر، شهد الفن في العصر الراهن تحولاً جذرياً جعله أشبه بسلعة تجارية تخضع لمعايير السوق أكثر من ارتباطها بالقيم الجمالية والإبداعية. يتجلى هذا الأمر بوضوح في أجواء المهرجانات الكبرى والفعاليات الفنية العالمية، حيث أصبحت النجاحات المالية، مثل تحقيق أعلى مبيعات للتذاكر أو جذب أكبر قاعدة جماهيرية ممكنة، المعيار الأساس لقياس نجاح أي حدث ثقافي. هذا التركيز المُبالغ فيه على البُعد التجاري يدفع منظمي هذه الفعاليات إلى تبني خيارات "آمنة" ومضمونة النجاح، تتجلى في الاعتماد المتكرر على إعادة إحياء عصر الموسيقى الذهبي وتقديم الأعمال الكلاسيكية. إذ تُتيح هذه الإستراتيجية لهم جذب اهتمام الجماهير التي تجد في هذه المواد الفنية ارتباطاً عاطفياً كبيراً مستمداً من شعور الحنين إلى الماضي، ما يضمن بدوره خلق تجربة ترفيهية تحقق رضى المشاهدين وتعود بفوائد اقتصادية ملموسة على الجهات المنظمة. ومع ذلك، يظل التساؤل قائماً حول مدى تأثير هذا النهج على نمو الفن وابتكار تيارات موسيقية جديدة تعبّر عن روح العصر الحالي.
ما يميز الفن في العصر الذهبي، الممتد من الأربعينيات إلى السبعينيات، هو ارتباطه الوثيق بالمشروع الوطني والقضايا الاجتماعية التي عكست تطلعات المجتمع ورؤاه بصدق وعمق. في حين أن مهرجانات اليوم تغلب عليها الصبغة الترفيهية والتجارية البحتة، مما يجعلها تتماشى مع استراتيجيات التسويق وتخلق أجواء من البهجة والتفاعل السريع.

الإبداع في حقبة العصر الذهبي كان ثمرة مدارس فنية طموحة ركزت على تطوير أعمال تجمع بين الأصالة والابتكار. ومع ذلك، الفعاليات الفنية الحديثة باتت تعكس في كثيرٍ منها سياسة شركات الإنتاج التي تبحث عن أرباح مالية وسعيها المستمر لتلبية الاتجاهات العصرية، ما جعل الفن يظهر بشكل متأثر بموجة "التريند" أكثر من كونه تعبيراً عن قضايا عميقة.
أما المفارقة الأبرز فتتمثل في استمرارية مكانة الفن القديم التي لم تزعزعها أية محاولات معاصرة تنافسها، مقابل العجز الملحوظ عن إنتاج أعمال جديدة تصل إلى ذات المستوى الرفيع. الحل يقبع في استلهام روح الابتكار والتحدي التي تحلى بها فنانو الماضي، بدلاً من الوقوع في فخ تقليدهم بطريقة سطحية. الأهم هو العمل على بناء جسر يربط بين التراث الغني ومتطلبات العصر، بالجمع بين تأصيل الهوية الفنية المحلية وصياغتها بشكل يواكب التحولات العالمية.
الفن في العصر الذهبي كان قوة دافعة نحو التغيير وصناعة هوية مجتمعية حقيقية. أما اليوم، فأصبح الفن الغنائي أشبه بمنتج يخدم أغراض السياحة والاقتصاد، يُستهلك عابراً بما يواكب الموضة السائدة فقط.

مالمو
2025-10-17



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة اليسار في العالم العربي: تحديات الهيمنة القومية والليبر ...
- ضرورة تحريم التقية: بين رخصة الضرورة وخطرها على المجتمع
- اختلاف الآراء في اشتراكية الاتحاد السوفييتي السابق
- ثلاثة قرون من الجمود: كيف دفع العرب والمسلمون ثمن حظر آل عثم ...
- تآكل الليبرالية
- اعتراف دون إيقاف حرب الإبادة
- بيت ليس للتحديث
- حول موت التراجيديا في الفن المعاصر
- لتخلّد نار بروميثيوس
- هل الصين بلد اشتراكي؟
- قصيدة الشرق الأوسط
- تحولات النظام العالمي ومستقبل الغرب
- سيرة صلاح نيازي الذاتية: امتاع ومؤانسة
- صراع العقل والوحي: نظرة عميقة إلى الشرق والغرب
- أغنية الفلاح الأخيرة
- مقارنة فاشلة بين ترامب وروزفلت
- السياسة الجيوسياسية للرجل العظيم
- رعب العيش
- الشيوعي والشيعي
- في زاوية العالم المائلة


المزيد.....




- -أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق ...
- إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس ...
- بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب ...
- حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاع ...
- الأنثى البريئة
- هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخاً بديلاً عن الإنسان؟
- حلم مؤجل
- المثقف بين الصراع والعزلة.. قراءة نفسية اجتماعية في -متنزه ا ...
- أفلام قد ترفع معدل الذكاء.. كيف تدربك السينما على التفكير بع ...
- باسم خندقجي: كيف نكتب نصا أدبيا كونيا ضد الإستعمار الإسرائيل ...


المزيد.....

- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- پیپی أم الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - ركود الأغنية العربية: بين أسطورة الماضي وتحديات الحاضر