أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية: اختلاف تكتيك أم خلاف استراتيجي؟















المزيد.....

العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية: اختلاف تكتيك أم خلاف استراتيجي؟


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 23:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد خافيًا، حتى على مستوى الخطاب الإعلامي المفتوح، أن الولايات المتحدة تبنّت خلال العقدين الأخيرين خيارًا واضحًا في التعامل مع التيارات الإسلامية السياسية. هذا الخيار لم يتجلَّ في التصريحات وحدها، بل انعكس بوضوح في السلوك الميداني والسياسات الفعلية الممتدة من أفغانستان والعراق إلى سوريا واليمن، وصولًا إلى العلاقة المعقدة مع إيران وحلفائها، بما في ذلك حزب الله، الحوثيون، وحركة حماس. ففي كل هذه الملفات، تظهر واشنطن وكأنها تتعاطى مع الإسلام السياسي لا بوصفه خصمًا مطلقًا، بل كأداة يمكن إدارتها وإعادة توظيفها بحسب الحاجة. هذا المنظور لا يرتبط بإدارة بعينها، بل يعكس توجهًا راسخًا داخل المؤسسة الأمريكية، سواء في البنتاغون أو وكالة الاستخبارات أو وزارة الخارجية، يقوم على قناعة بأن المواجهة المباشرة مع الإسلام السياسي ليست مجدية، وأن تفكيك الدول المركزية وإعادة تشكيل بيئاتها السياسية يمكن أن يتم عبر هذا التيار بدلًا من مواجهته عسكريًا.

الرهان الأمريكي في جوهره يقوم على معادلة دقيقة: الإسلام السياسي ليس مجرد ظاهرة دينية، بل قابل للتحول إلى وسيط سياسي واجتماعي يُستخدم لإعادة ترتيب المنطقة من الداخل. لذلك اعتمدت واشنطن، منذ غزو العراق على الأقل، سياسات مركّبة تجمع بين العمل السري، صناعة قيادات بديلة أو موازية داخل الحركات الإسلامية، وضبط البيئات السياسية والاقتصادية المحيطة بها بما يسمح بتوجيهها. هذا المنهج بدا واضحًا في طريقة التعامل مع الإخوان المسلمين بعد 2011، وفي الطريقة التي أُعيد بها إنتاج طالبان بنسختها الجديدة عبر مفاوضات الدوحة التي انتهت بانسحاب أمريكي محسوب، وكذلك في إدارة الصراع مع إيران عبر مزيج من العقوبات القاسية والامتناع عن المواجهة العسكرية المباشرة. وبالنسبة لواشنطن، فإن تصفية الإسلام السياسي تمامًا تخلق فراغًا استراتيجيًا لا يمكن ملؤه بسرعة، بينما إبقاؤه تحت السيطرة يفتح الباب أمام ترتيبات سياسية مرنة تخدم مصالحها طويلة المدى.

في المقابل، يتبلور الموقف الإسرائيلي — وتحديدًا موقف اليمين الإسرائيلي الحاكم — بوصفه نقطة التباين الجوهرية. المفارقة أن هذا اليمين نفسه كان، في مراحل سابقة، أحد أكبر المستفيدين من صعود الإسلام السياسي؛ إذ ساهمت الحروب الأهلية التي فجّرها هذا الصعود في تفكيك الدول المحيطة بإسرائيل وإضعاف جيوشها المركزية، كما حدث في سوريا والعراق وليبيا، مما منح تل أبيب فرصة تاريخية لترسيخ تفوقها العسكري والإقليمي من دون الدخول في حروب شاملة مكلفة. كان هذا الدعم الإسرائيلي غير المعلن للإسلام السياسي مرحليًا ووظيفيًا، يقوم على مبدأ "دع العدو يضعف نفسه"، لكنه لم يكن رؤية استراتيجية مستدامة.

اليوم، ومع انتقال إسرائيل إلى مرحلة تفوق إقليمي غير مسبوق، وتراجع التهديدات التقليدية المحيطة بها، تغيّر المنظور. اليمين الإسرائيلي، الذي يقود المشهد منذ أكثر من عقد، بات يرى أن استمرار وجود حركات الإسلام السياسي، بعد أن أدت دورها الوظيفي، أصبح عائقًا أمام تثبيت “الوضع الإقليمي الجديد” الذي تسعى إسرائيل لفرضه، خاصة مع مشاريع التطبيع الواسعة في الخليج وتحوّل بيئة الصراع العربي–الإسرائيلي إلى صراع أكثر تركيبًا مع أطراف غير عربية. من هنا، أصبح القضاء النهائي على الإسلام السياسي بالنسبة لنتنياهو وحلفائه مسألة استراتيجية، لا مجرد تفصيل أمني.

هذا الاختلاف في الرؤية لم يبقَ في الكواليس. فقد بدأ يتبلور علنًا مع بداية عهد دونالد ترامب، رغم الصورة الشائعة التي تقدّمه كصديق حميم لنتنياهو وداعم غير مشروط لإسرائيل. الواقع كان أكثر تعقيدًا؛ ترامب دعم إسرائيل كدولة ومشروع، لكنه لم يكن أداة في يد اليمين الإسرائيلي. بل إن إدارته، على عكس الانطباع السائد، كانت أكثر الإدارات التي قالت "لا" للسياسات الإسرائيلية في ملفات حساسة. ترامب لم يتبنَّ نزعة المواجهة الشاملة التي أرادها اليمين الإسرائيلي مع حركات الإسلام السياسي. بل حاول سياسيًا استدراج تل أبيب إلى الخيار الأمريكي القائم على الاحتواء وإعادة التشكيل، لا على التصادم.

هذا التباين اتخذ شكلًا عمليًا واضحًا في محطات مفصلية. أولًا، التهاون الأمريكي مع الحوثيين، ثم التوصل إلى تفاهمات معهم بعيدًا عن إسرائيل، في تجاوز واضح لأولوياتها الأمنية. ثانيًا، الضغط الأمريكي المتكرر لوقف أي اندفاعة إسرائيلية نحو مواجهة مفتوحة مع حزب الله، كما حدث في أكثر من جولة على الحدود الشمالية، حيث كانت واشنطن حريصة على إبقاء الصراع مضبوطًا ضمن حدود يمكن إدارتها، خشية أن تؤدي الحرب الشاملة إلى تفكك ترتيباتها الإقليمية. ثالثًا، بناء علاقة مع النظام السوري الجديد الذي بدأ يتشكل بدعم روسي–تركي مع تسهيلات أمريكية غير مباشرة، في وقت كانت تل أبيب تفضّل استمرار عزله أو إسقاطه. رابعًا، منع إسرائيل مرارًا من تنفيذ عمليات تصفية واسعة للفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران، رغم أنها تشكّل تهديدًا مباشرًا لها. وخامسًا، مهادنة النظام الإيراني والإصرار على الحلول الدبلوماسية، سواء في عهد أوباما عبر الاتفاق النووي أو في مفاوضات ما بعده، وهو ما اعتبره اليمين الإسرائيلي تهديدًا مباشرًا لتفوقه النوعي. وأخيرًا، الضغط الأمريكي لوقف الحرب في غزة وإعادة حماس إلى موقع السلطة بحكم الأمر الواقع، وهي خطوة دراماتيكية وافق عليها ترامب شخصيًا لأنها تخدم استقرارًا مؤقتًا، لكنها مثّلت من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي انتكاسة استراتيجية.

ومع تصاعد وضوح هذا التباين الأمريكي–الإسرائيلي، برز عامل جديد لا يمكن تجاهله: الموقف الأوروبي. خلال السنوات الأخيرة، شهدت الساحة الأوروبية تحولات ملحوظة في التعاطي مع حكومة نتنياهو. فبعد أن كانت الانتقادات تتركز على سياسات الحكومة، تحوّلت إلى مسّ مباشر بمكانة الدولة العبرية نفسها، وهو ما تجلّى بوضوح في الموجة الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطين التي قادتها دول مركزية في الاتحاد الأوروبي. هذه الخطوة ليست فعلًا أخلاقيًا نابعًا من رفض الاحتلال كما يُروّج إعلاميًا؛ فلو أرادت أوروبا الاكتفاء بالتعبير الأخلاقي، لاكتفت بخطوات رمزية أو بيانات شديدة اللهجة. الاعتراف بدولة فلسطين خطوة سياسية ذات أبعاد استراتيجية، تشير إلى تحوّل في طريقة ممارسة الضغط على إسرائيل.

من الصعب تصور أن أوروبا اتخذت مثل هذه الخطوة الكبرى بمعزل عن التنسيق مع واشنطن. فالاتحاد الأوروبي، خاصة في الظرف الدولي الراهن الذي أعادت فيه الحرب الروسية–الأوكرانية رسم خرائط الاعتماد الأمني، يتحرك ضمن هوامش تضبطها واشنطن. الولايات المتحدة تمتلك أدوات واسعة لتحريك المواقف الأوروبية: من خلال مظلة الناتو، والاعتماد الطاقوي، والارتباط العميق في سياسات الدفاع والاستخبارات. في مثل هذا السياق، يُرجّح أن الموقف الأوروبي جاء امتدادًا لحزمة ضغط أمريكية ناعمة على حكومة نتنياهو، تهدف إلى عزل اليمين الإسرائيلي سياسيًا ودفعه إلى التراجع عن مواقفه المتصلبة من خلال إظهار أن سياساته تضع إسرائيل في مواجهة الغرب بأكمله، لا مع واشنطن فقط.

هذا كله يشير إلى أن الأمر يتجاوز "تباين وجهات نظر" ظرفي. نحن أمام اختلاف جوهري في ترتيب الأولويات: واشنطن ترى أن الإسلام السياسي ما زال ورقة يمكن التحكم بها، وأن تصفيته الشاملة ستخلق فراغًا استراتيجيًا غير مضمون العواقب، بينما ترى تل أبيب، خصوصًا اليمين، أن هذه الورقة استنفدت وظيفتها وأصبحت عبئًا يهدد تثبيت التفوق الإسرائيلي الإقليمي. هذه الفجوة لا تعني بالضرورة صدامًا وشيكًا بين الحليفين، لكنها تعني نهاية مرحلة الانسجام التام التي طبعت العلاقة لعقود، وبداية مرحلة إعادة صياغة هادئة لعلاقة باتت مصالح الطرفين فيها أكثر تعقيدًا وتشابكًا من أي وقت مضى.

السؤال إذن: هل نحن أمام خلاف عابر يمكن احتواؤه بتنسيق تكتيكي، أم أمام انزياح استراتيجي يعيد تعريف العلاقة بين الحليفين التاريخيين؟ الإجابة ليست محسومة بعد، لكن المؤكد أن العلاقة لم تعد تتحرك بالآليات القديمة، وأن التحولات الإقليمية والدولية الجارية تدفع الطرفين إلى إعادة تموضع محسوب يراعي مصالحهما الخاصة قبل أي شيء آخر.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -غزة: دورة المأساة بين الهيمنة الدولية والسلطة المحلية والأي ...
- سلامٌ ؟ في يوم ذكرى تأسيس البحريه الأمريكيه… وفي الخلفية حما ...
- البلوب والنتؤ الرأسمالي: قراءة مكملة في الذكاء البنيوي لمجتم ...
- آلية التفكير الطبقي: من الذكاء بلا عقل إلى البلوب الأمريكي
- لعبة الاستغفال ...لماذا يطالب حزب الله بالاستسلام ..وتلهث دو ...
- ثورة من خلف الشاشات: جيل Z المغربي بين المطلبية والغموض القي ...
- الناخب كفاعل مضاد للمصلحة العامة: قراءة في تشوّه الوعي الانت ...
- كوبا: اشتراكية الصمود وتناقضات الواقع الاجتماعي
- في معنى اتخاذ 3 تشرين ..اليوم الوطني للعراق
- تشرين: منتفضون بلا انتفاضة
- هل انتهت فترة إسكات النيران بين إيران وإسرائيل وأمريكا؟
- غزة بين حماس الوظيفية وترامب الوسيط الجلاد
- العدالة بين الليبرالية والماركسية: في التجريد النهائي للمفهو ...
- الازدهار بلا فرص للعمل: ماذا يُحتم؟
- مقاطعة الانتخابات: جهد طبقي ضد الانتهازية
- الحاضر.. الحقيقة المراوغة والطبقية كمعيار
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوطنية البرجوازية: بين اللاهوت الرمزي والبنية المادية، والم ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...
- الوعي الطبقي بين المقاومة والطقس: قراءة في الفخ الايماني...ج ...


المزيد.....




- تيار هابط شديد يضرب منطقة أمريكية.. ما هي هذه الظاهرة؟
- بعد فيضانات مدمرة.. انهيارات أرضية تهدد حياة السكان في المكس ...
- السعودية.. فيديو لسيدتين ترتديان -جرابين لحمل الأسلحة- والأم ...
- الشرع يلتقي بوتين في موسكو: نحاول أن نعرف بسوريا الجديدة في ...
- المحاكمات عن بعد في أنظمة العدالة
- المحاكمات عن بُعد: قلب العلاقة بين القاعدة والاستثناء
- حماس تنفذ إعدامات علنية في غزة والسلطة الفلسطينية تصفها بـ-ا ...
- الأمطار الغزيرة تدمر المكسيك: 64 قتيلاً وعشرات المفقودين
- إسرائيل تفتح معبر رفح للسماح بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة ...
- الشرع يلتقي بوتين في أول زيارة له إلى موسكو وتسليم الأسد يتص ...


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية: اختلاف تكتيك أم خلاف استراتيجي؟