نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 02:57
المحور:
القضية الفلسطينية
وضعت خطة الرئيس ترامب حدا لحرب الإبادة والتهجير والتطهير العرقي، ولكنها لم تعاج جذور المشكلة، وهي أبعد ما تكون عن اسمها البراق الذي اطلقه الرئيس الأميركي (خطة سلام) لأنها تجاهلت عنصرا رئيسيا في المعادلة وهو الشعب الفلسطيني الذي يناضل من اجل حريته واستقلاله منذ أكثر من قرن، وفشلت كل المحاولات لتجاوزه وتجاوز حقوقه على الرغم من الدعم المطلق الذي وفرته الإدارات الأميركية المتعاقبة والت يتشمل 14 رئيسا منذ هاري ترومان وحتى دونالد ترامب على مدى 23 فترة رئيسية .
والحديث عن مستقبل القضية الفلسطينية بعد عامين من الحرب الوحشية، ليس منوطا بالتكهنات والتنبؤات، سواء العاطفية والأيديولوجية، ولا حتى بالمخططات التآمرية، بل هي محصلة صراع، ونتيجة لتفاعل مجموعة كبيرة من عناصر القوة والضعف لكل طرف، إسرائيل حاولت خلال السنوات التي سبقت الحرب على غزة سعت الى الاستفراد بالفلسطينيين، وإدامة انقسامهم، وتأجيل الحل السياسي للقضية مع تطبيع العلاقات مع الدول العربية والاسلامية، وبالتالي التعامل مع الشأن الفلسطيني باعتباره شأنا اسرائيليا داخليا تقرره اسرائيل وفق مصالحها، لكن ذلك فشل وبدأ الفشل بحالة نهوض المقاومة طوال عامين كاملين في الضفة، ثم اتخذ الفشل ابعادا جديدة مع الحرب على غزة التي كلما طال أمدها كلما زاد التعاطف مع الحقوق الفلسطينية وها نحن نرى الآن أنه رغم التفوق الهائل للاسرائيليين على الفلسطينيين إلا أن مجموعة عوامل بدأت تفرض نفسها على معادلة الصراع ومنها:
- استحالة حسم الصراع عسكريا مهما بلغ التفوق الاسرائيلي، والادراك المتزايد عالميا ، وخاصة اميركيا بالحاجة الى مسار سياسي لحل الصراع
- موجات غير مسبوقة في التعاطف مع فلسطين وحقوق شعبها أبرزها ثورة الجامعات في الولايات المتحدة والغرب
- سلسلة الاعترافات بالدولة الفلسطينية بما في ذلك الدول القرب إلى إسرائيل تاريخيا كبريطانيا صاحبة وعد بلفور وفرنسا وكندا واستراليا وبلجيكا والبرتغال، وسبقتهم اسبانيا والنرويج وسلوفينيا وارمينيا
- اسرائيل باتت تحت طائلة المراقبة والمحاسبة وحتى الملاحقة القضائية بسبب جرائم الحرب
- فعالية محور المقاومة وخاصة في لبنان واليمن على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها دول المحور، والتسليم بأن قضية غزة وتداعياتها قد تشعل الاقليم بأسره وبخاصة مع النزعات العدوانية المنفلتة لإسرائيل التي طالت سبع دول في الإقليم.
- خسائر غير مسبوقة عسكرية واقتصادية ومعنوية وأزمات داخلية محتدمة لإسرائيل إزاء عجزها عن تحقيق أهداف الحرب
رغم كل هذه العوامل التي هي في صالح القضية الفلسطينية ثمة عوامل سلبية مهمة تعيق استثمار هذه العوامل يمكن إجمالها بما يلي:
- الانقسام الفلسطيني وغياب السياسة والاستراتيجيات الموحدة على الرغم من مرور تسعة شهور
- الموقف العربي السلبي وهو ما ينطبق على الدول والقوى الشعبية بشكل عام
- النتائج الكارثية للحرب التي ستضع غزة والفلسطينيين عموما تحت رحمة الشروط الدولية والاقليمية لإعادة الإعمار
- الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل الذي يغطي كل جوانب عجزها وإخفاقها ويحميها من العزلة والملاحقات .
قبل الحرب على غزة سعت حكومة ائتلاف اليمين واليمين المتطرف الاسرائيلي إلى اعتماد سياسة "حسم الصراع" مع الفلسطينيين، بديلا لمحاولات إدارته كما فعلت معظم الحكومات السابقة، أو محاولات تقليصه كما حاولت حكومة بنيت لابيد ولم يتح لها الوقت لتنفيذ ذلك، وبالطبع بمعزل عن محاولة حله عن طريق المفاوضات والتسوية والاتفاقيات. جوهر الفكرة هي وجود قناعة اسرائيلية أن اسرائيل تملك القدرة العسكرية لفرض الحل النهائي بقوة الحديد والنار والجرافات والدبابات والقمع والاغتيالات، والحسم الذي تريده اسرائيل هو باتجاه: اختزال الحقوق الوطنية الفلسطينية الى مجرد حقوق معيشية وخدماتية، مع تهويد القدس وضم المناطق المصنفة (ج) ، واجتثاث اي مظهر من مظاهر المقاومة، واختزال دور السلطة الفلسطينية إلى وظائف خدمية وأمنية محدودة. هذه الرؤية اصطدمت بواقع عنيد وفجرت موجات جديدة من المقاومة وطوفان الأقصىى لكن هذه الرؤية المحكومة برؤية عنصرية واستعلائية، لم تتراجع بعد، وهي تحاول فرض مثل هذا الحل بوسائل سياسية والضغط على السلطة وابتزازها وادامة الانقسام بين الضفة وغزة، واستثمار الدعم الاميركي المطلق وسلبية الموقف العربي الذي دخل في علاقات تطبيعية وأمنية من دون حل القضية الفلس
أما أدوات الاحتلال لفرض رؤيته وحلوله فتشمل
- الضغط العسكري المتواصل
- الابتزاز الاقتصادي والمالي من خلال التحكم بأموال الضرائب الفلسطينية، فضلا عن التحكم في كل تفاصيل حياة الفلسطينيين : ماء، كهرباء، وقود، واردات وصادرات ، حركة ،
- استثمار الانقسام وتأجيج الخلافات الداخلية
- العمل المتواصل لإضعاف السلطة وتحويلها إلى أداة طيعة بدل أن تكون نواة لدولة فلسطينية.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل غزة
الخطة التي طرحها الرئيس ترامب وحظيت بدعم دولي وإقليمي، تمكنت من وقف الحرب لكنها لم تنه الصراع بل لم تتطرق لأسبابه وجذوره وأهمها إنهاء الاحتلال والاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني التي تعترف بها معظم دول العالم، وهكذا فقد يعمد نتنياهو إلى الاستجابة الاضطرارية للخطة آملا بأن ينقلب عليها بمجرد نهاية المرحلة الأولى منها. الشيء الرئيسي المعلن بالنسبة لمستقبل غزة من قبل إسرائيل هو التصميم على تقويض سلطة حماس ورفض عودة السلطة، وكما قال نتنياهو (لا حماستان ولا فتحستان) ، وحتى الآن يرفض نتنياهو مناقشة اليوم التالي للحرب لعدة اسباب منها الحرص على تماسك ائتلافه الحكومي، وعدم الافصاح عن اهداف قد تستفز الولايات المتحدة التي ترفض اعادة احتلال قطاع غزة، وتتحدث عن عودة السلطة الفلسطينية "المتجددة". رئيس الوزراء الاسرائيلي يسرب بين وقت وآخر جوانب من خطته لسيطرة طويلة الأمد على قطاع غزة تشمل نزع سلاح المقاومة، والتحكم في تفاصيل الحياة التعليمية والاجتماعية وشكل الإدارة المقبلة، ومن المؤسف أن اسرائيل تخطط والولايات المتحدة تخطط والعالم يخطط، وحدهم الفلسطينيون لا يتفقون على رؤية موحدة لمستقبل غزة، مع أن أولويات الطوارئ وإعادة الإعمار ولملمة جراح الناس تفرض نفسها كاجندة ذات أولوية قصوى ولا تحتمل التأجيل، لا تحتمل التأجيل. المنطق الوطني والطبيعي (والاتفاقيات الدولية كذلك) تفترض أن غزة والضفة وحدة سياسية وجغرافية واحدة، وبالتالي فإن مستقبل غزة يحسمه الشعب الفلسطيني ولا أحد غيره من خلال آلية وطنية متفق عليها وهي الانتخابات، لكن مهمات اعادة الاعمار تفرض نفسها وهذا يتطلب مرحلة انتقالية من عامين أو أكثر تتولى فيها حكومة توافق وطني هذه المهمات إلى حين تهيئة الظروف لانتخابات عامة.
الثابت هو فشل المخططات الإسرائيلية للتطهير العرقي في غزة أو في الحد الأدنى فصلها نهائيا عن الضفة، وتفتيت الكيانية الفلسطينية الموحدة إلى مجموعات سكانية متناثرة، ويبقى الثابت الأهم هو صمود الشعب الفلسطيني على أرضه وتمسكه بحقوقه الوطنية مهما بلغت التضحيات.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟