|
خطة ترامب وردّ (حماس) والدرس الذي تأخر إدراكه
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نهاد أبو غوش مرّت الساعات ثقيلة ومليئة بالمخاوف والقلق والتوجُّس، وحبس العالم أنفاسه خلال الفترة الفاصلة بين لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض يوم الاثنين 29/9/2025. وإعلان الأول عن خطته لإنهاء الحرب في غزة، وبين إعلان رد حركة (حماس) على الخطة مساء الجمعة 3/10/2025، في ضوء الشكوك التي أحاطت بالخطة. ولكون نتنياهو وضع "لمساته" عليها فحوّل مضمونها من خطة جرى التوافق عليها مع زعماء ثماني دول عربية وإسلامية إلى خطة إسرائيلية خالصة، علاوة على التهديد الذي بات مألوفا من ترامب بفتح أبواب الجحيم. أنظار الملايين، وبخاصة مواطني قطاع غزة، كانت تترقب ردّ حماس، التي بدت وكأنها تسير على خيط دقيق، فأي خلل بسيط، كفيل بجرّ عواقب وخيمة ليس على فصائل المقاومة وحسب، بل على كل الشعب الفلسطيني، بل على شعوب المنطقة وكياناتها السياسية في ضوء انكشاف أطماع إسرائيل في التوسّع والهيمنة، ورسم ملامح الشرق الأوسط الجديد بقوة الحديد والنار. الموافقة على الخطة على طريقة "خذها أو اتركها"، وكما أعلنها نتنياهو وترامب، تعني إقرار المقاومة الفلسطينية بخطة خنوع واستسلام، تلبي مطالب إسرائيل كافة، وتعطيها ما تريد مقدما. بينما تظل حقوق الفلسطينيين مجرد وعود مبهمة، أقرب إلى سراب في طيات المستقبل، فالمبادرة تقيّدهم بشروط ظالمة وصارمة، وتمنح إسرائيل والولايات المتحدة الحق الحصري في تفسيرها والحكم عليها، كما هو حال "إصلاحات السلطة" المطلوبة، التي تذكر المتابعين بمتاهة اتفاق أوسلو وملحقاته والاتفاقيات الجانبية التي لا تعد ولا تحصى، والتي جعلت الفلسطينيين في حالة ركض مستمر وراء إصلاحات وشروط لا يمكن بلوغها، فكلما فعلوا شيئا أو أدركوا هدفا، تخرج لهم إسرائيل والولايات المتحدة بشروط جديدة. كذلك هي الحال بالنسبة للهدف الغامض الوارد في الخطة بشأن جعل قطاع غزة خاليا من التطرف والإرهاب من دون تحديد المقصود بالتطرف، هل هي التنظيمات المسلحة؟ أم الفكر الذي يحمله الناس، أم كما تدعي إسرائيل الثقافة التي يربي الفلسطينيون أبناءهم عليها، أم أن التطرف هو الناس أنفسهم؟ بدل ان يكون حق تقرير المصير حقا اصيلا وغير مشروط للفلسطينيين لكونهم شعبا، كما دلّت على ذلك الاعترافات الآخذة بالاتساع بدولة فلسطين، يصبح هذا الحق من اختصاص دولة الاحتلال وحدها، وفوق كل ذلك يجري تنصيب مجلس دولي مسؤول عن قطاع غزة يرأسه توني بلير، تلك الشخصية التي تحيط بها الشبهات، والأدوار المريبة التي لا تليق برجل دولة لم يجد ترامب غيره لينصبه مسؤولا عن الفلسطينيين، وما الزج باسم ترامب في هذا السياق إلا لإحراج العرب. أما رفض الخطة فليس أكثر أمانا وسلامة لحركات المقاومة، والأهم: لمواطني قطاع غزة، في ضوء التهديدات العلنية من ترامب ونتنياهو بفتح أبواب الجحيم- المفتوحة على مصاريعها أصلا، ما يجعل الرفض أقرب إلى منح نتنياهو تصريحا لمواصلة حرب الإبادة، مدعوما هذه المرة بغطاء ودولي، وعجز عربي وإسلامي، لم يجد ما يكفي من الشجاعة للقول أن نتنياهو وترامب بدّلا الخطة التي عرضت على الزعماء العرب والمسلمين ونالت موافقتهم. خيار " نعم ولكن" لم يكن متاحا بسهولة، فثمة تجربة حاضرة بقوة وطازجة، حين قدمت الحركة ردا على مشروع ويتكوف المجدد في شهر آذار الماضي، والذي اعتبره نتنياهو في حينه رفضا للاتفاق، وتبنى كل من ويتكوف ورئيسه ترامب رأيه، فكان ما كان من تنفيذ وعيد ترامب، علما بأن نتنياهو امتنع عن تقديم رأيه في بعض الصيغ السابقة التي قدمها ويتكوف نفسه. هذه المرة، مساء الثالث من أوكتوبر، فاجأت (حماس ) العالم، وقدمت ردها الذي يمكن إدراجه تحت خانة "نعم ولكن"، فكانت المفاجاة الكبرى التي صدمت نتنياهو، بحسب المصادر الإسرائيلية، هي ترحيب ترامب بالرد، والمسارعة إلى نشره على صفحته في "تروث سوشيال" واعتباره دليلا على رغبة الحركة في السلام، وأنها كافية للتقدم نحو إنهاء الحرب. يمكن اعتبار خطة ترامب الأصيلة مزيجا بين أهداف الحرب كما رددها نتنياهو على امتداد العامين الماضيين، وبين قرارات اجتماع نيويورك / المبادرة السعودية الفرنسية، وهنا يجدر التمييز بين الأهداف المعلنة للحرب وأبرزها استعادة الأسرى الإسرائيليين، وإنهاء سلطة حماس وتجريد الحركة من السلاح، والقضاء على اي تهديد يمكن ان تمثله غزة. أما الأهداف المضمرة والتي تطورت خلال الحرب وأهمها تهجير الفلسطينيين وإعادة احتلال قطاع غزة والاستيطان فيه، فقد اصطدمت بجدار من المعارضة العربية وخصوصا المصرية والأردنية التي رأت في هذا الخيار تهديدا مباشرا لأمنها وسيادتها بل وحتى لكرامتها الوطنية، وهو موقف سرعان ما تم تبنيه على المستويين العربي والإسلامي من خلال قمتي القاهرة وجدة، لذلك كله كان من الطبيعي أن تنص مبادرة ترامب على استبعاد خيار إعادة احتلال قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين. وتبين أن رؤية الرئيس ترامب بشأن التهجير فعلت فعلها كورقة ضغط، ودفعت إلى قبول كل ما هو دون ذلك. واللافت أن قرارات اجتماع نيويورك والمبادرة الفرنسية السعودية والتي تضمنت 42 بندا مستقلا، تضمنت هي الأخرى المطالب الرئيسية لإسرائيل باستعادة الأسرى ونزع سلاح حماس وعدم تمثيلها في أي تركيب مستقبلي للسلطة، وإصلاح السلطة الفلسطينية كشرط للاعتراف بالدولة، يضاف إلى ذلك البند الذي وضعته المملكة السعودية ذات يوم كشرط للتطبيع وهو إيجاد مسار يفضي إلى تنفيذ حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية، وهذه المبادئ دون غيرها هي التي ضمّنها ترامب لمبادرته. كثير من المراقبين والمحللين، وبينهم إسرائيليون وأميركيون، وصفوا رد (حماس) بأنه حكيم وذكي. ولا شك أن مكمن الذكاء والحكمة ليس في براعة الصياغة والحذق في رسم الموقف، ولا حتى في مداعبة "الأنا" المتضخمة عند الرئيس الأميركي الطامح بجائزة نوبل للسلام، والذي لا يتوقف عن الإشادة بنفسه ودوره في كل مناسبة، فالحكمة تتمثل أولا في القدرة على قراءة المشهد بكل عناصره ومكوناته، الظاهرة والكامنة، وإجادة توظيف نقاط القوة مهما بدت ضئيلة أو خافتة. ولدى تقييم الموقف لا بد من الإشارة بالطبع إلى أنه جاء حصيلة تشاور مع الفصائل الفلسطينية المشاركة في المقاومة، كما مع الدول االوثيقة الصلة بالحركة ومسارات الوساطة وبخاصة مصر وقطر وتركيا، وقد صدرت عن هذه الدول إشارة يفهمها المعنيون بالأمر، تفيد بأن الخطة التي وافق عليها نتنياهو ليست هي الخطة عينها التي عرضت على قادة وممثلي الدول الثمانية ونالت دعمهم، لكن هذه الدول ولأسباب مجتمعة ومنفردة تخص علاقاتها بالولايات المتحدة، لا ترغب في فتح مجابهة مباشرة مع الرئيس ترامب، ومع ذلك لا يضيرها أن يصدر موقف بهذا المضمون عن حماس، وأن تدعمه من دون الدخول في صدام مباشر مع ترامب. عادة ما تعكس الاتفاقيات السياسية ومعاهدات الصلح أو الاستسلام موازين القوى بين الأطراف المتحاربة، وفي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتجاوز الأمور الموازين العسكرية المباشرة، وتتخطاها إلى كل عناصر القوة المادية والمعنوية على امتداد العالم، ولذلك فإن اي قراءة لموازين القوى يجب أن تأخذ العناصر التالية بعين الاعتبار: - فشل إسرائيل في الاستفراد بغزة والمقاومة، بعد أن تحولت غزة إلى رمز عالمي لقيم العدالة والضمير الإنساني والحرية، كما تشهد بذلك المظاهرات المليونية التي هزت العالم. - عجز التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق عن حسم المعركة ضد قوى مقاومة تخوض حرب عصابات ولا تعرف للاستسلام طريقا. - تراجع مكانة إسرائيل الدولية وما يفتحه ذلك من أبواب واسعة لحملات المقاطعة والنبذ والعقوبات. - تفكك الإجماع الإسرائيلي حول الحرب وأهدافها، وما تركته الحرب من آثار وشروخ وتصدعات وتكاليف اقتصادية باهظة في المجتمع الإسرائيلي، وانكشاف الأهداف الشخصية والفئوية (الائتلافية) لقيادة نتنياهو. - التحولات في الراي العام الأميركي، وتراجع مكانة إسرائيل لدى الأميركيين وخاصة لدى قواعد الحزب الديمقراطي، ومجتمع الشباب، وقطاعات واسعة من يهود أميركا، والخشية من تحول إسرائيل إلى عبء على الولايات المتحدة والغرب بدل أن تكون ذخرا وأداة ضاربة لصالح الغرب. ولا شك أن مجمل هذه العوامل كانت حاضرة في معادلة الحرب والمفاوضات حول غزة، لكن ذلك ينبغي الا يبعث الاطمئنان لدى الفلسطينيين، فالحلقات القادمة من خطة ترامب بالغة الدقة والتعقيد والخطورة، وهي تتجاوز قدرات حماس وباقي الفصائل سواء في المقاومة أو التفاوض. ولأن القضايا مدار البحث تطال المصير الفلسطيني برمته، وتشمل أمن واستقرار الدول العربية كذلك، فلا بد إذن من دخول فلسطيني كثيف وثقيل من قبل القيادة الرسمية لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة، والتي كان دورها محدودا على امتداد الأزمة وفي المفاوضات، ولعل درسا بليغا يتضح الآن ويفرض نفسه على الجميع حتى لو تأخر إدراكه وهو أنه في ظل الانقسام الفلسطيني لا المقاومة وحدها تأتي بالنتائج المرجوة، ولا الواقعية السياسية، أو المرونة الشديدة، واعتماد المفاوضات سبيلا وحيدا لعملها تجدي نفعا أمام توحش الاحتلال.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إصلاحات السلطة بين مطالب الشعب والضغوط الخارجية
-
قطاع غزة : مشروع استثماري أم وطن
-
تهديدات كاتس لسكان غزة
-
إسرائيل تدق طبول حرب جديدة على ايران
-
انقِلاب الصّورَة: كَيفَ تَحَوَّلَت فِلِسطين إلى رَمزٍ قِيَمي
...
-
تصريحات عباس زكي الرافض لخطة ترامب والرد عليها
-
دلالات الإضراب العالمي عن الطعام في أكثر من 100 مدينة
-
عن اغلاق الجسر وسياسات العقاب الجماعي
-
إسرائيل ومشاريع تفتيت سوريا
-
عن إغلاق الجزيرة وتحطيم صورة شيرين
-
مخططات تغيير الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى
-
عنف المستوطنين مكوّن رئيسي لعنف دولة الاحتلال
-
مستقبل غزة
-
خطاب نتنياهو: رقم قياسي في الأكاذيب
-
السيطرة على معبر مدخل إسرائيل للتحكم في مستقبل غزة
-
شهادات إسرائيلية ضد الحرب وفظائعها
-
حوار الفصائل الفلسطينية في بكين وربع الكأس الملان
-
نتنياهو بضع العصي في دواليب الصفقة
-
غموض اقتراح نتنياهو للصفقة وموقفه الفعلي منها
-
قرارات العدل الدولية بشأن فلسطين
المزيد.....
-
حماس تحدد مطالبها الرئيسية بمباحثات وقف إطلاق النار في غزة..
...
-
هل ينسحب الجيش الإسرائيلي من غزة؟ شاهد كيف علق وزير إسرائيلي
...
-
رحيل الدكتور أحمد عمر هاشم.. عالم الأزهر وصوت الوسطية الذي ج
...
-
خلال لقاء الشرع.. مظلوم عبدي يرفع سقف المطالب الكردية ويدعو
...
-
نتنياهو يخطئ في عدد الرهائن الإسرائيليين بغزة مرتين.. و-منتد
...
-
منظمات دولية ترحب بالحكم التاريخي ضد -علي كوشيب- وتدعو لتوسي
...
-
طعن عمدة ألمانية قرب منزلها وميرتس يصف الحادث بـ-العمل الشائ
...
-
غزة:ورشات تُعيد للأطفال ابتسامتهم التي سرقتها الحرب
-
هل تشعر بالتشتت طوال الوقت؟ إليك 3 خطوات لإتقان فن الانتباه
...
-
كم زاد الإنفاق في قطر على العطلات الصيفية؟
المزيد.....
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|