|
الصواريخ اليمنية: شوكة في خاصرة إسرائيل وتفوقها العسكري
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 20:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نهاد أبو غوش هدأت جبهات المساندة العسكرية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة واحدة تلو الأخرى، على أثر الضربات العسكرية أو التسويات والحسابات المعقدة التي أجراها كل طرف مما كان يعرف بجبهة الممانعة، وبقيت جبهة اليمن التي تقودها حركة أنصار الله المعروفة ب"جماعة الحوثي" وحدها في ميدان المواجهة على الرغم من الضربات الشديدة والأثمان الباهظة التي تكبدتها الجماعة والشعب اليمني بشكل عام. ظهرت هذه الجبهة البعيدة في بادئ الأمر كجبهة رمزية محدودة التاثير، حتى أن إسرائيل لم تكن مهتمة بالرد المباشر عليها وظلت تؤجل ردها، مكتفية بما تقوم به القوات الأميركية المنتشرة في المياه الدولية القريبة، إلى أن أسفرت إحدى الهجمات اليمنية في تموز 2024 عن مقتل إسرائيلي في تل أبيب جرّاء إصابة مباشرة بمُسيّرة يمنية. واضطرت الحكومة الإسرائيلية للرد، سعيا لاستعادة صورة الردع وتحت ضغط دعوات داخلية متعطشة للانتقام. قبل ذلك تعرض اليمن وعلى امتداد العام 2024، لسلسة لم تنقطع من الهجمات الأميركية والبريطانية التي طاولت أهدافا عديدة في كل من صنعاء والحديدة وذمار وصعدة، وشمل القصف مطارات وموانئ ومراكز حكومية ومستودعات ومنشآت مدنية وعسكرية متنوعة، لكن كل ذلك لم يفلح في ردع جماعة أنصار الله – الخارجة لتوها من ضربات لا حصر لها خلال حرب عاصفة الحزم بقيادة السعودية والتي امتدت من مارس 2015 حتى نيسان 2023. بل تحول اليمن بعد كل هذه الضربات المتعددة الجنسيات إلى ما يشبه الشوكة في الخاصرة الإسرائيلية، ولا سيما بعد اتفاق الهدنة مع الولايات المتحدة التي كثفت غاراتها وضرباتها في عهد إدارة دونالد ترامب حيث زاد عدد الضربات الأميركية لليمن خلال عهدي بايدن وترامب عن 1200 ضربة بمختلف أنواع الأسلحة. إسرائيل التي فوجئت بالاتفاق الذي أبرم من وراء ظهرها، والذي نصّ على تجنب الهجوم على الأهداف الأميركية وطرق الملاحة دون شمول الأهداف الإسرائيلية- وذلك ما أكدته الجماعة اليمنية عمليا- توعدت بالرد على "الحوثيين" ومن يقف من ورائهم اي إيران، وزادت إسرائيل من تهديداتها لتشمل ما اسمته "البنى التحتية" التي يستخدمها أنصار الله في هجماتهم وهو مصطلح يعني وفق التجربتين الفلسطينية واللبنانية كل المنشآت المدنية من طرق وجسور ومصانع وموانئ ومطارات وحتى المستشفيات والمدارس. ومع أن الهجمات اليمنية بعشرات الصواريخ البالستية والفرط صوتية، ومئات الطائرات المسيّرة، لم تسفر حتى الآن إلا عن قتيل إسرائيلي واحد، وإصابات محدودة معظمها ناجم عن التدافع والهلع، إلا أن آثارها المعنوية والسياسية والأمنية كبيرة جدا، فبعض الصواريخ التي يتم رصدها تضطر ملايين الإسرائيليين إلى التوجه للملاجئ، ومع السرعة الفائقة للصاروخ الذي يحلّق في طبقات الجو العليا بسرعة تصل إلى 16 ضعف سرعة الصوت، يكون من الصعب جدا توقع مكان سقوطه، وبالتالي تتسع مساحات الإنذار والتحذير لتشمل أكثر من نصف مساحة فلسطين في كل مرة. وهكذا تصاب كثير من مرافق الحياة والاقتصاد بالشلل التام، نتيجة ذلك ألغت نحو 30 شركة طيران دولية رحلاتها إلى اسرائيل ودول المنطقة على أثر سقوط الصاروخ اليمني قرب مطار بن غوريون في مدينة اللد. وعلى الرغم من امتلاك إسرائيل لخمس منظومات دفاع جوي هي القبة الحديدية ومقلاع داود وهما للإطلاقات القريبة والمتوسطة، وحيتس 2 وحيتس 3 والمنظومة الأميركية ثاد، إلا أن لكل واحدة من هذه المنظومات هامش خطأ ناجم عن أخطاء بشرية او خلل تكنولوجي، ويتراوح بين 5-10 في المئة بالنسبة لمنظومات حيتس (السهم) وثاد، لكن هامشا كهذا كفيل بحصول كوارث في حال الفشل. النتائج المعنوية لا تقل أهمية عن المادية، وأبرزها كسر الاستفراد الإسرائيلي بفلسطين وغزة، وهو مجال يتسع ويضيق بحسب تطورات الأحداث، مع ملاحظة أن الجانب العسكري بات يقتصر على جماعة الحوثيين، ثم إظهار مدى اتساع الرفض الشعبي العربي للسياسات الإسرائيلية والتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو مجال باتت فعالياته محدودة بسبب القيود الأمنية والبوليسية، وعجز القوى الشعبية العربية ومحدودية تاثيرها، كما أن استمرار هجمات الحوثيين والفشل في منعها يثبت أنه مهما بلغت قدرات إسرائيل وتفوقها العسكري، فإن هذه القدرات لا تخلو من الثغرات التي يستطيع العقل البشري اختراقها. أطلقت إسرائيل على أول عملياتها ضد اليمن في يوليو 2024 اسم "الذراع الطويلة"، ما صار لاحقا تعبيرا عن استراتيجية شاملة تعتمدها إسرائيل لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بحسب تصريحات بنيامين نتنياهو، الذي لم يتوقف عن التباهي بالقوة العسكرية الإسرائيلية القادرة على الوصول لأي هدف في هذه المنطقة الواسعة، مع الحديث عن أن إسرائيل تخوض حربا على سبع جبهات في وقت واحد. وقد بالغت في تقدير قوة خصومها لتدعم روايتها التي تحاول تسويقها بأنها تقود معركة أحرار العالم ضد محور الشر الذي يشبه أخطبوطا رأسه في إيران وتمتد أذرعه في دول المنطقة. وهكذا تتجاهل الدعاية الإسرائيلية وجود قضية للشعب الفلسطيني، كما تنكر كون الاحتلال سببا للصراع المتواصل منذ أكثر من قرن، وهي تصور أعداءها جميعا بما في ذلك الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني وفصائلها بأنهم وكلاء لإيران التي تحركهم خدمة لمصالحها الإقليمية. ومع أن أطرافا دولية وإقليمية ومنها أطراف عربية كثيرة هذا التصنيف التعسفي بشموله فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله وحركة أنصار الله، فالقوى التي توصف بأنها أدوات لإيران هي مكونات رئيسية في نسيج مجتمعاتها وأوطانها، ويمكنها إيصال مندوبيها إلى برلمانات بلادها حين تجري انتخابات، وبالنسبة لجماعة أنصار الله بالتحديد فهي تمثل على الأرض حكومة أمر واقع وتسيطر على العاصمة ومعظم المدن الرئيسية والمنشآت الحيوية، هي إذن تشكيل سياسي اجتماعي تنظيمي دون الدولة ولكنها تسيطر على مقدرات الدولة، وفوق لا يمكن اتهام داعمي القضية الفلسطينية بأنهم يفعلون ذلك بناء على تعليمات إيرانية، فالقضية الفلسطينية كانت وما زالت تحتل مكانة مهمة في وجدان الشعوب العربية، ولدى حركاتها السياسية على اختلاف مشاربها الفكرية، ويمكن القول أن التضامن مع فلسطين وإسناد شعبها هو أحد وسائل اكتساب الشعبية والشرعية. في بداية انخراط الحوثيين في معركة الإسناد، تجاهلت إسرائيل الرد لأسباب شتى كالاعتماد على القوات الأميركية في هذه المهمة، وعدم تشتيت إمكانياتها في ظل اشتعال الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، واحتمالات اتساع المواجهة مع إيران، ثم أن الهجمات اليمنية ظلت محدودة الأثر باستثناء نجاحها في شل فعالية ميناء إيلات اثر أغلاق مضيق باب المندب وطرق الملاحة. ولكن بعد حادثة المُسيّرة، وجدت إسرائيل نفسها ملزمة بالرد على طريقتها المعروفة ب"جباية الثمن" القائمة على مبدأ الردع من خلال رد الصاع بعشرات الأضعاف، وتكبيد العدو وبيئته الاجتماعية أقصى قدر من الخسائر البشرية والاقتصادية، فشنت بعد أقل من اسبوع هجوما هو الأطول في تاريخ عمليات سلاح الجو الإسرائيلي شاركت فيه نحو ثلاثين طائرة على ميناء الحُديْدة، وحرصت الدعاية الإسرائيلية على تصوير هذه العملية وكأنها نموذج تجريبي (بروفا) لضربات مستقبلية متوقعة لإيران، وبالتالي كانت الرسالة الرئيسية لضربة الحُديْدة الأولى موجهة لإيران ومفادها أن الطائرات الإسرائيلية تستطيع التحليق لمسافة ألفي كيلومتر ذهابا ومثلها إيابا، وبالتالي وصول أي هدف في الأراضي الإيرانية، وهو ادعاء يصعب إثبات صحته من دون إقحام الولايات المتحدة في الهجوم. تهاجم إسرائيل أهدافا في سوريا ولبنان وحتى في العراق وإيران، من دون أن تضطر طائراتها لدخول أجواء هذه الدول، مع امتلاك سلاح الجو لصواريخ جوّ جوّ يصل مداها إلى نحو 250 كم. ويمكنها استخدام صواريخ أرض أرض بدرجة عالية من الدقة مثلما ادعت حين استهدفت عددا من الأهداف الإيرانية الحساسة. أما استهداف اليمن وردع جماعة أنصار الله، فدونها جملة من التعقيدات التي تجعل المهمة بالغة الصعوبة، فالهجوم يتطلب تحريك اسطول طائرات يتراوح بين 20 إلى 30 طائرة، ويشمل طائرات قاذفة، وأخرى مقاتلة للحماية، وقاذفات تزويد بالوقود، وطائرات رادار وتشويش، فعمليات كهذه تتطلب تحضيرا وحذرا ولا يمكن القيام بها متى شاءت الحكومة وقيادة الجيش. وتكمن الصعوبة الفعلية في ما يسميه المحللون الإسرائيليون "العمى الاستخباري" وغياب خريطة للأهداف التي ينبغي استهدافها، وهكذا تعود الضربات الإسرائيلية لتستهدف المرة تلو الأخرى موانئ الحُديْدة ورأس عيسى والصليف، وهي عينها الأهداف التي ضربتها الهدمات الأميركية، يضاف لها بعض المنشآت المدنية كالمصانع والمشاغل، أما المهمة الأكثر صعوبة من كل ما سبق فهي ردع اليمن وأنصار الله الذين لم تردعهم ألف ومئتا غارة أميركية وثماني سنوات من الحرب، ولكن إسرائيل تبدو عاجزة تماما عن التفكير في حلول واقعية وسياسية خارج نطاق القصف والاغتيال والنار والدمار .
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خطة ترامب وردّ (حماس) والدرس الذي تأخر إدراكه
-
إصلاحات السلطة بين مطالب الشعب والضغوط الخارجية
-
قطاع غزة : مشروع استثماري أم وطن
-
تهديدات كاتس لسكان غزة
-
إسرائيل تدق طبول حرب جديدة على ايران
-
انقِلاب الصّورَة: كَيفَ تَحَوَّلَت فِلِسطين إلى رَمزٍ قِيَمي
...
-
تصريحات عباس زكي الرافض لخطة ترامب والرد عليها
-
دلالات الإضراب العالمي عن الطعام في أكثر من 100 مدينة
-
عن اغلاق الجسر وسياسات العقاب الجماعي
-
إسرائيل ومشاريع تفتيت سوريا
-
عن إغلاق الجزيرة وتحطيم صورة شيرين
-
مخططات تغيير الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى
-
عنف المستوطنين مكوّن رئيسي لعنف دولة الاحتلال
-
مستقبل غزة
-
خطاب نتنياهو: رقم قياسي في الأكاذيب
-
السيطرة على معبر مدخل إسرائيل للتحكم في مستقبل غزة
-
شهادات إسرائيلية ضد الحرب وفظائعها
-
حوار الفصائل الفلسطينية في بكين وربع الكأس الملان
-
نتنياهو بضع العصي في دواليب الصفقة
-
غموض اقتراح نتنياهو للصفقة وموقفه الفعلي منها
المزيد.....
-
من بينهم بطلة مسلسل -بهار-.. عملية لمكافحة المخدرات تستهدف م
...
-
عمر ياغي يُحقق جائزة نوبل في الكيمياء.. والملك عبدالله يُعلق
...
-
بن غفير يقتحم الأقصى وسط مفاوضات شرم الشيخ: -أصلي للنصر وتدم
...
-
إسرائيل تحبط تهريب أسلحة إيرانية متطورة إلى الضفة الغربية..
...
-
رئيس الموساد السابق: نحتاج قيادة مختلفة.. وكلما كان التغيير
...
-
مفاوضات غزة .. تفاؤل حذر في شرم الشيخ واجتماع مرتقب في باريس
...
-
-من داخل غزة-: عدسات تروي الحقيقة وسط الموت والدمار
-
5 ممارسات تدمر هاتفك الذكي
-
-قضايا الدرونز والصواريخ- في الأردن.. أحكام أمن الدولة بين ا
...
-
غضب يجتاح المنصات إثر هجوم إسرائيل على أسطول الحرية
المزيد.....
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|