أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - تفكيك الخرافة














المزيد.....

تفكيك الخرافة


خيرالله قاسم المالكي

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 00:39
المحور: الادب والفن
    


محالٌ. كل ما يُروى عنك محضُ خرافاتٍ تتناسل في أفواهٍ لم تعرفك. أنت لستَ أسطورةً تُحكى، بل حقيقةٌ تتجلى في أبعادٍ تتجاوز المألوف. لقد رأيتُكَ، لا في حلمٍ عابر، بل في يقظةِ العُمرِ المُطلقة، مرةً واحدة كانت كافيةً لأدركَ عبثَ الكلماتِ في وصفك.

كنتَ هناك، تزرعُ في الماءِ الحُرِّ - هذا الامتداد الأزرق اللامتناهي الذي يبتلعُ كلَّ شكلٍ ويُذيبُ كلَّ هوية - بسمةَ بساتين. لم تكن زهوراً أو ثماراً، بل كانت بسمةً، مفهوماً مجرداً يتحدى قوانين المادة، ينبثقُ من العدمِ ليخلقَ وجوداً موازياً. كانت البساتينُ تنمو كفكرةٍ، كرمزٍ للخصوبةِ في قلبِ العقم، للحياةِ في رحمِ الفناء. كانت تلك البسمةُ تفكيكاً لفكرةِ الماءِ نفسهِ، من مجردِ سائلٍ إلى فضاءٍ قابلٍ للزراعةِ الروحية.

ورأيتُكَ مرةً أخرى، ترتدي ثوبَ النهرِ حُلّةً للسهر. لم يكن قماشاً، بل كان النهرُ ذاته، بجريانهِ وسرمديتهِ، يلتفُ حولكَ كمعطفٍ من ضوءٍ سائل. كنتَ تغزو بهِ الفجر، لا كجيشٍ يقتحمُ حصناً، بل كفكرةٍ جديدةٍ تمحو ما قبلها. كنتَ الشمسَ وقد أشرقتَ للتوِّ، لا في الأفقِ البعيد، بل في داخلي. صباحاً فريداً لا يحتضنُهُ سواي، لحظةَ إشراقٍ شخصيةٍ تُعيدُ تعريفَ الزمنِ والمكان. كان فجراً لا يُقاسُ بالساعات، بل بعمقِ التحولِ الذي أحدثهُ في كياني.

محالٌ، أكررها كتعويذةٍ أبدية، كلُّ ما أسمعُهُ عنكَ خرافات. فالوجودُ نفسهُ، هذا الذي أعيشه وأتنفسه، لم يعرفْ نفسهُ إلا من خلالكَ. وجودي ليس إلا التحاماً انسيابياً في وجودِكَ الأوسع. أنا وأنتَ لسنا ثنائيةً متقابلة، بل وحدةٌ متداخلة، نصٌ واحدٌ يُقرأ بمعاني متعددة. جَرِّدني مما أنا فيهِ، من هذا الـ”أنا” المحدودِ والمنفصل. فكِّكْني من اسمي، من تاريخي، من كلِّ ما يُعرّفني ككيانٍ مستقل. لأكونَ “أنتَ”، لا كتقليدٍ أو محاكاة، بل كتحققٍ كاملٍ للذاتِ في الآخر. لأكونَ أنتَ، كما أنني الآن، في هذه اللحظةِ الأزليةِ التي لا بدايةَ لها ولا نه. في هذا الفضاءِ اللانهائيِّ من التماهي، تتلاشى الحدودُ بين الذاتِ والموضوع، بين الرائي والمرئي. أنتَ لستَ مجردَ كيانٍ يُدرَك، بل أنتَ عمليةُ الإدراكِ ذاتها، الوعيُ الذي يشكلُ الواقعَ ويُعيدُ بناءَهُ في كلِّ لحظة. هذا التفكيكُ للثنائياتِ التقليديةِ هو جوهرُ الحداثةِ وما بعدَها، حيثُ لا مركزَ ثابتَ، ولا معنىً وحيداً، بل شبكةٌ من الدلالاتِ المتغيرةِ التي تتراقصُ في فضاءٍ ثلاثيِّ الأبعاد. كلُّ كلمةٍ هنا ليستْ مجردَ حرفٍ، بل هي رمزٌ يتشعبُ، يفتحُ أبواباً لتأويلاتٍ لا نهائية، يُعيدُ تشكيلَ مفهومِ الوجودِ ذاته.

إنَّ هذا الاندماجَ ليسَ فقداناً للذات، بل هو اكتشافٌ لـ”أنا” أعمق، “أنا” تتجاوزُ القشرةَ السطحيةَ للتعريفاتِ المسبقة. إنهُ ارتقاءٌ من الوجودِ الفرديِّ المحدودِ إلى وجودٍ كونيٍّ متصل، حيثُ يصبحُ كلُّ جزءٍ انعكاساً للكلِّ، وكلُّ لحظةٍ امتداداً للأبدية. في هذا السياقِ، تصبحُ الخرافاتُ التي تُنسجُ حولكَ مجردَ محاولاتٍ بائسةٍ لعقلٍ بشريٍّ محدودٍ لتأطيرِ ما لا يُؤطَّر، لتسميةِ ما لا يُسمى. هي محاولاتٌ لتبسيطِ التعقيدِ، لتسطيحِ العمقِ، لتحديدِ اللامحدود. لكنكَ تتجاوزُ كلَّ هذهِ الأطر، تكسرُ كلَّ القوالب، وتُعيدُ تعريفَ المعنى في كلِّ مرةٍ تتجلى فيها.

أنتَ الفجرُ الذي لا يغرب، النهرُ الذي لا يجف، البسمةُ التي لا تذبل. أنتَ الرمزُ الأبديُّ للتحولِ والتجدد، للقوةِ الكامنةِ في كلِّ شيءٍ حيٍّ وميت. في كلِّ ذرةٍ من هذا الكونِ، أرى بصماتِكَ، أسمعُ صدى وجودِكَ. أنتَ اللحظةُ التي تسبقُ الخلقَ، واللحظةُ التي تعقبُ الفناء. أنتَ الحقيقةُ المطلقةُ التي تتجلى في كلِّ تناقضٍ، في كلِّ مفارقة. أنتَ اللغزُ الذي لا يُحلُّ، والحلُّ الذي لا يُدرَك. أنتَ كلُّ شيءٍ، ولا شيءَ في آنٍ واحد. أنتَ أنا، وأنا أنتَ، في رقصةٍ كونيةٍ أزليةٍ لا تتوقف، تتجاوزُ حدودَ الزمانِ والمكان، وتُعيدُ تعريفَ الوجودِ في كلِّ نبضةٍ من نبضاتِ هذا الكونِ المتجدد.



#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مداد البحر المر
- الطوفان الخبز
- عُرْزَالُ مَنْفَى
- (وطنٌ يَرْفُضُ الاكْتِمَال)
- (المسرح / منصة الصمت)
- ضياع آخر
- أنا مَنْ أَنَا
- الوجه الآخر للنجوم
- خفافيش النهار
- مناجاة في السواد
- أسطورة الصوت المقطوع
- ذات مساء – مدينة الطائر
- موسم الذباب
- يا زُهْدي
- صيحات ومآسي الأرض
- عزف منفرد
- ما وراء الوجود
- مسطبة البقاء
- وردة وربابة بيضاء
- حزين


المزيد.....




- الأمير مولاي رشيد: مهرجان الفيلم بمراكش منصة للحوار وإبراز ا ...
- كهوف الحرب وذاكرة الظلمات اليابانية الغارقة -تحت الأرض- في ق ...
- وفاة الممثلة الجزائرية بيونة عن 73 عاما
- إيران تحظر دخول غابات مدرجة على قائمة التراث العالمي بعد أن ...
- اكتشافات بجنوب شرق تركيا تشرح حياة البشر في العصر الحجري الح ...
- عمليات جراحية على نغمات الموسيقى: اكتشاف علمي يغير قواعد الت ...
- متاحف قطر تحصد جوائز مرموقة في النسخة الثالثة من جوائز قطر ل ...
- الألكسو تكرم ستيفاني دوجول عن ترجمة -حكاية جدار- وتختار -كتا ...
- تشييع الممثلة الراحلة -بيونة- إلى مثواها الأخير في مقبرة الع ...
- نساء غانا المنفيات إلى -مخيمات الساحرات-


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - تفكيك الخرافة