أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - علم النفس السياسي: فهم العقل الإنساني في ديناميات السلطة والسلوك الجماعي















المزيد.....

علم النفس السياسي: فهم العقل الإنساني في ديناميات السلطة والسلوك الجماعي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 18:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


د.حمدي سيد محمد محمود
علم النفس السياسي هو حقل علمي مدوّن عند تقاطع علم النفس والعلوم السياسية، يسعى إلى فهم كيف تشكّل العمليات النفسية —مثل الإدراك، الذاكرة، العاطفة، الهوية، والدوافع— المواقف والسلوكيات السياسية، وكيف تؤثر المؤسّسات والسياسات والسياقات الاجتماعية في نفس الفرد والجماعات. هذا التداخل لا يقتصر على تفسير لماذا يصوّت الناس بطريقة معينة أو يناصرون مرشحًا؛ بل يمتد إلى كيفية تشكيل التفكير السياسي في مراحل الطفولة والمراهقة، وكيف تترسخ القناعات عبر الزمن، وكيف تتفاعل العواطف مع التفكير العقلاني في لحظات الأزمات والتهديدات. النظرية في النفس السياسية تجمع بين مناهج كمية —استبيانات، تجارب مختبرية، تحليل بيانات كبيرة— ومناهج نوعية —مقابلات متعمقة، تحليل خطابات، دراسات حالة تاريخية— ما يوفر فهماً متعدد الأبعاد للسلوك السياسي بدلاً من تفسير أحادي البعد.

عند النظر إلى مستوى الفرد، يظهر بوضوح أن عمليات المعالجة المعرفية لا تعمل في فراغ: التحيزات المعرفية مثل الانحياز التأكيدي، الانحياز نحو المعلومات السهلة الاستيعاب، ومحاولات التبرير المعرفي تلعب دوراً رئيسياً في كيفية استقبال الناس للأخبار السياسية وتفسيرها. الناس يميلون إلى تصفية المعلومات حسب ما يتسق مع منظومة قناعاتهم، وفي حالات التعارض يبحثون عن تبريرات أو يخفضون أهمية الأدلة المخالفة بدلاً من تعديل مواقفهم. وبالمقابل، العواطف —كالخوف، الغضب، الفخر— تؤثر بشكل مباشر في قابلية الفرد للاستجابة للدعوات السياسية والمخاطبات الخطابية؛ فالغضب قد يرفع احتمالية المشاركة الاحتجاجية أو التصويت لصيغ سياسية متشددة، بينما الخوف قد يدفع للاختيار عن دعم مرشحين أو سياسات تقدم وعوداً بالأمن والاستقرار. هذا التداخل بين العاطفة والمعرفة يجعل أي تحليل للسلوك السياسي يتطلب انتباهاً لنمط التعاطي العاطفي لدى الجماهير لا أقل من قياس المواقف العقلانية.

على صعيد الجماعات والهوية، تلعب الانتماءات الاجتماعية —العرق، الجنس، الطبقة، الدين، والانتماء الوطني— دور وسطي في توجيه السلوك السياسي. الهوية السياسية ليست مجرد نتيجة لسمات فردية؛ بل هي نتاج تفاعل تاريخي وثقافي مع رموز ومؤسسات وسياسات. داخل المجموعات، تتبلور مقاييس للانتماء تخلق معايير مقبولة للآراء والسلوك، ما يفسر قابلية الأفراد لتعديل مواقفهم لتتماشى مع سياقاتهم الاجتماعية. هذا يفسر كذلك كيف يتشكل استقطاب الرأي العام: عندما تتقاطع الهويات مع أنظمة إعلامية ومنصات تواصل اجتماعي تغذي السرديات الانقسامية، يتحول الاختلاف السياسي إلى اختلاف هوياتي يجعل الحوار العقلاني أكثر صعوبة ويزيد من مقاومة التغيير.

الإعلام والتواصل السياسي أضاف بُعداً معرفياً ونفسيًا جديداً: ليس فقط ما يُنشر مهمًا، بل كيفية عرضه والزمن الذي يُقدّم فيه. تصميم الرسائل، استخدام الصور والرموز، وتوقيت نشرها، كلها عوامل تؤثر على الفعالية الإقناعية. المنصات الرقمية، بخوارزمياتها، تعزز فقاعات تتغذى على التفضيلات السابقة، فتعيد إنتاج المعلومات الموجهة وتزيد من تعرض الناس لرسائل متجانسة، ما يقوي ثبات المواقف ويقلل من فرص التعرض لآراء سياقية متعددة. إضافة إلى ذلك، شكل "التقارب الاجتماعي" على الإنترنت يؤثر على المعايير الاجتماعية: ما يُعتبر مقبولاً سياسياً في الشبكات الصغيرة قد يختلف تمامًا عن المعيار العام، ما يولد ضغوطًا نفسية للحفاظ على التناسق مع المجموعة، أو للانكفاء عنها.

في جانب القادة والسياسات، نفس المبادئ النفسية تنطبق على كيفية صياغتهم للرسائل وبناء الثقة أو استغلال الرموز. القادة الفعالون يعرفون كيف يحفزون مشاعر مشتركة قوية، كيف يستفيدون من قصص تبني القيم، وكيف يجيدون إدارة انطباعات الجمهور عن خلال السلوك الرمزي. أما صناع السياسات؛ فمعرفتهم بالآثار النفسية للخطاب والسياسات يمكن أن تؤدي إلى تصميم تدخلات أكثر فعالية—مثلاً سياسات صحية تأخذ في الحسبان القواعد الاجتماعية لتحفيز التبني، أو برامج مواجهة التطرف التي تراعي الاحتياجات النفسية والهوياتية. لكن هنا يكمن بعد أخلاقي مهم: استخدام أدوات النفوذ النفسي قد يصل إلى مستوى التلاعب، وبالتالي يتطلب إطاراً أخلاقياً وتنظيمياً يوازن بين تحسين الفعالية السياسية واحترام حرية الاختيار والكرامة الإنسانية.

منهجية البحث في النفس السياسية تواجه تحديات معرفية ومنهجية: القياس الدقيق للمفاهيم المعقدة كالولاء أو الشعور بالعدالة، التمييز بين علاقة سببية وعلاقة ارتباط، ومخاطر التحيز في تصميم التجارب والمسوح. التجارب العشوائية الميدانية أصبحت أداة قوية لكشف السببية، بينما التحليلات الطولية تساعد على تتبّع استقرار المواقف عبر الزمن. ومع ازدياد توفر بيانات سلوكية رقمية، يفتح ذلك فرصًا لاختبار فرضيات معقدة لكن يطرح أيضاً أسئلة عن الخصوصية والتمثيل: بيانات المستخدمين على منصات معينة قد لا تمثل مجموعات أوسع، والتحليل الخوارزمي قد يغفل السياقات الثقافية الدقيقة.

النظريات الكبرى في النفس السياسية —من نظريات الهوية الاجتماعية إلى نماذج اتخاذ القرار المدفوع بالعاطفة— تلتقي لتقدّم صورة متكاملة، لكن الميدان لا يزال بحاجة إلى زيادة فهم التنوع الثقافي والزمني. التعميمات المبنية على دراسات في دول محددة قد لا تنطبق في بيئات أخرى ذات بنى اجتماعية وسياسية مختلفة. لذلك، توظيف مناهج مقارنة عابرة للثقافات وفي سياقات تاريخية متفاوتة ضروري لبناء نظريات أكثر مرونة وشمولاً. بالإضافة إلى ذلك، يبرز دور التربية السياسية والمواطنة في تشكيل أدوات التفكير النقدي والقدرة على التعامل مع المعلومات المضللة، ما يجعل الاستثمار في التعليم جزءاً مركزياً من أي استراتيجية لمعالجة الأزمات السياسية المتولدة عن الاستقطاب والتطرف.

أخيرًا، النفس السياسية مجال تطبيقي وحيوي يتداخل مع قضايا مركزية في العصر الراهن: الصحة العامة، تغيير المناخ، حقوق الإنسان، والأمن الوطني. فهم الأبعاد النفسية لتقبل السياسات أو مقاومتها، لتبنّي السلوكيات المستدامة أو للانخراط السياسي، يمكن أن يجعل السياسات أكثر استجابة للواقع النفسي للمجتمعات. لكن التطور المسؤول لهذا الحقل يتطلّب موازنة بين السعي للتأثير الإيجابي والالتزام بأخلاقيات البحث والتدخل، والاعتراف بمحدودية التنبؤ بالسلوك الإنساني. فحيثما التقى العلم بالفعل السياسي، يظل الوعي بالتعقيد والاحترام للآخرين الطريق الأضمن لبناء جماعات سياسية أكثر مرونة، وإنصافًا واستدامة.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدالة خلف حجاب الجهل: قراءة فلسفية في مشروع جون رولز السيا ...
- العلمانية العربية : فكر بلا وطن ولا وجدان
- صناعة المعنى في زمن التناقضات: رحلة الوعي بين الحرية والروح
- الحرب النفسية ضد الإسلام: معركة العقول والقلوب في زمن الهيمن ...
- الفلسفة والدين: من العقل إلى الوجود، انعكاسات الفكر الأوروبي ...
- بيتر هيجز: العقل الذي كشف سر الكتلة وأعاد صياغة فهم الكون
- العقل بين التأسيس والنقد: تحولات المفهوم في الفلسفة الأوروبي ...
- الذكاء الفائق كحاكم خفي: إعادة تشكيل منظومات الحوكمة الاسترا ...
- الهيمنة الرقمية: الإنسان بين التقدم وفقدان المعنى
- من كوبرنيكوس إلى عصر الحداثة: الثورات المعرفية التي غيّرت وج ...
- كوبرنيكوس: حين تحدّى الإنسان مركزية الكون فاهتزت عروش اليقين
- المستعربون العرب: جسرٌ مُزيّف يعيد إنتاج السردية الإسرائيلية ...
- العدالة الاقتصادية في عصر الذكاء الفائق: نحو عقد اجتماعي جدي ...
- النفوذ الرقمي: إعادة تشكيل خرائط القوة في القرن الحادي والعش ...
- الوجودية: من قلق الفرد إلى عبء الحرية وصناعة المعنى
- إسرائيل كذراع استراتيجية للولايات المتحدة: بين المصالح العمي ...
- القيادة التحويلية في زمن الأزمات: من احتواء التحديات إلى صنا ...
- هندسة الجاذبية: إدارة القوة الناعمة كرافعة للنفوذ الدولي
- الجغرافيا الجديدة للنفوذ: أمن الطاقة وإعادة تشكيل التوازنات ...
- المؤثرون: بين بناء الثقة وتحديات الشهرة


المزيد.....




- ما مدى صعوبة نزع سلاح -حماس- في خطة ترامب لغزة؟ جيك سوليفان ...
- فيديو متداول لـ-تحية موكب مقاتلي حماس في شوارع غزة-.. ما حقي ...
- نتنياهو: -أبناؤنا سيعودون لوطنهم الاثنين.. والحملة العسكرية ...
- شرم الشيخ.. من مؤتمر -صانعي السلام- 1996 إلى -قمة غزة- 2025: ...
- سويسرا ـ إصابات وخسائر بملايين الفرنكات في مظاهرة مؤيدة للفل ...
- ضياء رشوان :- قمة شرم الشيخ ليست لإطفاء الحريق وإنما لإرساء ...
- دول الاتحاد الأوروبي تشرع في تطبيق نظام مراقبة آلي جديد لمرا ...
- إجراءات جديدة لدخول منطقة -شنغن- و4 دول أوروبية أخرى
- حماس تكشف للوسطاء تعذر الوصول لجثث بعض الرهائن
- غزة بعد وقف إطلاق النار.. حماس تشتبك مع مسلحين وعشائر وتلاحق ...


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حمدي سيد محمد محمود - علم النفس السياسي: فهم العقل الإنساني في ديناميات السلطة والسلوك الجماعي