أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بلاد الثلج والقياصرة والفودكا















المزيد.....

بلاد الثلج والقياصرة والفودكا


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 15:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


192- أركيولوجيا العدم
العدمية الثورية
40 - روسيا، بلاد الثلج والقياصرة والفودكا

النظام الروسي في بداية القرن التاسع عشر، كان إمبراطورية قيصرية شديدة العنف، وكانت ترتعش من فكرة وصول الثورة الفرنسية إلى المجتمع الروسي أو مدرجات الجامعات والحلقات الفكرية المختلفة، مما أدى إلى عدم التهاون مع كل من يشتبه في ميله لهذا الفكر التقدمي والليبرالي. وكان النظام لا يحتمل أي نوع من الحريات الفكرية الأساسية، نظرا لخوفه من التغيير ونشوب الثورة في قصور الدولة والطبقة الحاكمة. السجن والتعذيب والنفي إلى سبيريا والإعدام، كان هو الرد الوحيد والمصير المتوقع لآلاف الشباب المتعطشين للحرية والتغيير والثورة أو حتى مجرد الإصلاح. في بداية القرن التاسع عشر، كانت روسيا ما تزال تعيش ظروف القرون الوسطى وظلمات الفكر الديني والسلطة المطلقة التي تمثل الله فوق الأرض. أغلبية الشعب من الفلاحين والعاطلين والمشردين والأقنان، يعيشون حياة الفقر والجهل والعبودية، أما بعض الثريين من الطبقة المستنيرة والمتعلمة من الأرستقراطية، فكانت بدورها عرضة للقهر والتعذيب والسجن أو النفي، مما أضطر الكثير منهم للهجرة أو الهروب من المنفى إلى أوروبا، والقليل منهم فضل الصمت والتعاون مع النظام القيصري الأعمى. في حقيقة الأمر هذا انظام لم يكن أعمى إلا بصورة مجازية، لأنه في الواقع كان له آلاف العيون والآذان في كل مكان من الإمبراطوية الشاسعة، حيث كان يملك نظاما بوليسيا يراقب ويسجل كل كبيرة وصغيرة تتعلق بالمشبوهين الذين يتآمرون على القيصر والدولة من أجل التغيير الجذري للمجتمع. وكان هناك أيضا نظام صارم للرقابة بخصوص المطبوعات والمنشورات التي كان يوزعها الكتاب والمثقفون، وكانت النصوص تغربل كلمة كلمة وسطرا بسطر. فالنظام القيصري نظام مطلق يتلقى شرعيته من الله مباشرة ولا يطيق ما يسمى بالمعارضة أو أي نوع من الحوار حول أي موضوع ..
ويرجع تأسيس النظام القيصري المطلق إلى منتصف القرن السادس عشر، حيث تولى إيفان الرابع (25 أغسطس 1530، 18 مارس 1584) المعروف باسم إيفان الرهيب أمير موسكو وقيصر عموم روسيا الأول، توج أميراً لموسكو عام 1533(لم يتجاوز بعد سن الثلاث سنوات) وتوج كأول قياصرة روسيا في العام 1547 وهو في السادسة عشرة من عمره، فحكم مدة 51 عاما، من سنة 1533 وحتى وفاته عام 1584. إيفان هذا كان رهيبا حقا وكان عدوا للنبلاء الذين شردوه وأساؤا معاملته عندما كان طفلا. وقد استطاع إيفان أن يجعل سلطة القيصر طاغية طغيانًا كاملاً على كل روسيا. كان إيفان قاسيًا كما كان كثير الشكوك وليس له ثقة في أي إنسان، وكان يصاب في بعض الأحيان بنوبات من الإرتباك والخلل النفسي قريبة من الجنون . وشكل قوة خاصة من الشرطة وبدأ عهد إرهاب أمر فيه بإلقاء القبض على مئات من الشخصيات الأرستقراطية وقتلها. وكان يعطي أراضي ضحاياه أجورًا لأولئك الذين يخدمونه من ملاك الأراضي في الجيش أو الحكومة. كذلك فإنه وضع قوانين تحدد عدد المقاتلين والجياد والأسلحة التي يجب أن يقدمها ملاك الأراضي لقواته المقاتلة. وقام إيفان بحرق الكثير من القرى والمدن، كما قتل بعض زعماء الكنيسة الذين عارضوه، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك فقد وصل به العنف لدرجة ضرب زوجة إبنه التي كانت حاملا وسبب في إجهاضها، ثم ضرب إبنه نفسه بهراوة على رأسه أودت بحياته.
النظام القيصري الذي أسسه إيفان الرابع، يقوم على دعامتين: السلطة المطلقة، والعنف المطلق لهذه السلطة ممثلا في نظام بوليسي وعسكري شديد القسوة لا يرحم من يشتبه في عدم ولائه أو معارضته للسلطة. بالإضافة إلى ذلك تكون تدريجيا نظام إداري يشبه الشبكة العنكبوتية، يتحكم في حركة المواطنين في كل بقعة من روسيا الشاسعة ومهما كان بعدها عن المركز. ومرت روسيا بمراحل عديدة شديدة الإضطراب، وخاضت عدة حروب جتى وصول بطرس الأكبر، الذي كان قد أحكم قبضته الحديدية على الكنيسة الأرثودوكسية وجعلها تابعة للدولة يتحكم فيها كما يشاء، أستغلها في السيطرة على عقول المواطنين الفقراء من ناحية، ومن ناحية أخرى لفرض سيطرته على النبلاء وملاك الأراضي. غير أنه بعد وفاته في سنة 1725، لم يحكم أي قيصر عُرف بالطموح، أو بالرغبة في إصلاح البلاد، على العرش الروسي، ما يُقارب أربعون سنة من الإضطرابات السياسية والإقتصادية. وبعد هذه الفترة، ظهرت الإمبراطورة كاترين الثانية ، الألمانية الأصل، والتي تزوجت بالقيصر بطرس الثالث، لتغيّر هذا الواقع، فساهمت في إعادة إحياء طبقة النبلاء، التي كانت قد بدأت بالظهور مجدداً بشكل بطيء فور وفاة بطرس الأكبر، وقامت بإلغاء مبدأ خدمة الدولة المفروض على كل نبيل، فاكتسبت شعبية كبيرة في وسطهم، خصوصًا بعد أن أقدمت على إسناد معظم المهام والوظائف الحكومية في المحافظات إليهم. قامت أيضا بتوسيع التدخل الروسي في شؤون الكومنولث البولندي اللتواني بإجراءات عديدة ذات تكاليف بالغة، جرّاء تجهيز الحملات والجنود واستمالة البولنديين. كل هذه الإجراءات الباهظة التكاليف أفرغت خزينة الدولة، إلى جانب النظام القمعي الاجتماعي، الذي كان يفرض على الأقنان قضاء حياتهم في أراضي الملاك، دفع بالفلاحين الروس أن ينتفضوا ويثوروا على الإمبراطورة في سنة 1773، خصوصًا بعد أن أصدرت الأخيرة مرسومًا ينص على بيع العبيد منفصلين عن الأرض. هدد المتمردون بالاستيلاء على موسكو، مرددين صرخة «الموت لجميع الملاك!»، المستوحاة من الثائر القوزاقي إميليان بوغاتشيف، قبل أن يتم قمعهم بلا رحمة. وتمكنت كاترين من إخضاع بوغاشيف في نهاية المطاف، وتمّ حمله إلى الساحة الحمراء حيث قُطع رأسه في يوم 21 يناير سنة 1775، ولكن على الرغم من القضاء على سيد الثورة، إلا أن شبحها استمر يؤرق نوم كاترين وخلفاءها لسنين طويلة، وكان أيضا رمزا وقدوة للعديد من الثوار الروس حتى بداية القرن العشرين.
وفي الفترة التي قامت فيها الإمبراطورة بقمع ثورة الفلاحين الروس، كانت تخوض حربًا ضد الدولة العثمانية نجم عنها توسع روسيا في الحدود الجنوبية لمنطقة البحر الأسود. ثم أقدمت على التآمر مع حكام النمسا وبروسيا، للاستيلاء على أراضي الكومنولث البولندي اللتواني عندما كانت بولندا تُقسّم على يد الأمم الأوروبية، فدفعت بذلك الحدود الروسية غربًا إلى أوروبا الوسطى. كانت روسيا قد برزت وأصبحت قوة عظمى في أوروبا وقت وفاة كاترين الكبيرة عام 1796، واستمر الأمر على هذا المنوال في عهد القيصر ألكسندر الأول، الذي انتزع فنلندا من مملكة السويد الضعيفة في سنة 1809 وإقليم بيسارابيا من العثمانيين في عام 1812.
في يونيو عام 1812م قاد نابليون جيشه الفرنسي الضخم نحو الأراضي الروسية، وكان يريد أن يمنع روسيا من التجارة مع بريطانيا التي كانت عدو فرنسا الأكبر، كما كان يريد أن يوقف توسع روسيا في منطقة البلقان بأخذ الأراضي من الدولة العثمانية والوصول إلى البحار الدافئة. ووصل نابليون بجيشه الضخم إلى موسكو في سبتمبر ،1812 إلا أن الروس أعتمدوا استراتيجية الأرض المحروقة حيث وجد أن معظم السكان قد غادروا موسكو وهجروها فدخلها وجيشه بكل سهولة. غير أنه سرعان ما التهمت النيران معظم أنحاء موسكو ودمرتها، الأمر الذي منع الغزاة من غنم البلاد وضمها إلى إمبراطوريتهم، وبعد البقاء في المدينة 35 يومًا ترك الفرنسيون العاصمة خوفًا من قدوم الشتاء الروسي القاتل الذي كان يقترب رويدًا رويدًا. وبدأوا في تقهقر كان وبالاً عليهم إذ كان تموينهم قد تضاءل، كما كانوا عرضة لهجمات من المقاومة الروسية وحروب العصابات والفلاحين الثائرين التي قتلت وأسرت آلاف الجنود الفرنسيين، وحين تراجعت قوات نابليون طاردتها القوات الروسية وصولاً إلى وسط فغرب أوروبا وإلى أبواب باريس نفسها. وبعد هزيمة نابليون على أيدي روسيا وحلفائها أصبح القيصر الروسي يعرف باسم ألكسندر «منقذ أوروبا»، وترأس جلسة إعادة رسم خريطة أوروبا في مؤتمر فيينا سنة 1815، الأمر الذي جعل منه عاهل الهيئة التشريعية البولندية. منذ ذلك الوقت أضحت روسيا قوة رئيسية في الحملة التي نظمتها الدول الأوروبية التي هزمت نابليون. بالرغم من أن ألكسندر قد بدأ بعض الإصلاحات إلا أن الحكم العنيف ظل سائدًا في روسيا.
في بداية القرن التاسع عشر، كانت روسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، فقد امتدَّت حدودها من المحيط المتجمد الشمالي شمالاً إلى البحر الأسود جنوبًا، ومن بحر البلطيق غربًا إلى المحيط الهادئ شرقًا. ففي سنة 1866، كانت الإمبراطورية تمتدُّ من أوروبا الشرقية عبر آسيا، وصولاً إلى أمريكا الشمالية على مساحة 22.8 مليون كم مربع، لتشمل حوالي 15.3% من المساحة الإجمالية للكرة الأرضية. كان 176.4 مليون من مواطني الإمبراطورية متناثرين ومنتشرين في هذه الأرض الشاسعة، وكانوا يُشكلون ثالث أكبر تجمع بشري في العالم في ذلك الوقت بعد الصين والإمبراطورية البريطانية. كانت الحكومة، وعلى رأسها الإمبراطور، واحدة من الملكيات المطلقة الأخيرة في أوروبا. وأصبحت روسيا واحدة من القوى العظمى في القارة الأوروبية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى في أغسطس عام 1914.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معرض -تكوين- التشكيلي
- أفول العقل المطلق
- فويرباخ والإستلاب
- نهاية هيجل
- الصيرورة في الكينونة والعدم
- هيجل وعلم المنطق
- السلب والإيجاب عند هيجل
- هيجل
- الجسد معبد اللغة
- تفتت الأنا
- ميلاد الموتى
- دهاليز الروح
- سبينوزا ونهاية المغامرة
- سبينوزا وفكرة السلب
- حرية الحجر
- الجسد المثقوب
- الرصاصة والثقب
- المعطف المثقوب
- اليهودي الملعون
- فيخته بين العقل والأخلاق


المزيد.....




- عزيز أنصاري يدافع عن مشاركته بمهرجان -الرياض الكوميديا-
- داخلية غزة: شهداء في اشتباكات مع مليشيا مسلحة بمدينة غزة
- اتهام نائب ألماني سابق بالاحتيال
- عن ماذا تحدث توني بلير مع كبرى الشركات التقنية في عشائهم الم ...
- تايمز: إعادة إعمار غزة تحتاج 10 سنوات بتكلفة 50 مليار دولار ...
- العراق بعد الوجود الأميركي.. من سيملأ الفراغ؟
- نائب ترامب يستبعد إرسال قوات برية إلى غزة أو إسرائيل
- فرنسا: مأزق الجمهورية الخامسة
- طوفان الأقصى.. انتصار غزّة واستفاقة الضمير العالمي وسقوط الأ ...
- بلا نتنياهو.. لافتات تدعو إلى -السلام- بشوارع تل أبيب والقدس ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - بلاد الثلج والقياصرة والفودكا