أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جيلاني الهمامي - مرة أخرى حول حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية في تونس















المزيد.....

مرة أخرى حول حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية في تونس


جيلاني الهمامي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 04:50
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


مرة أخرى حول حقيقة الأوضاع
الاقتصادية والمالية في تونس


أصدرت مؤسسة "دليوت" Deliotte المختصة في الاستشارات والشؤون المالية في شهر سبتمبر الماضي تقريرها السنوي حول الأوضاع الاقتصادية والمالية في العالم خصصت جزء منه لتحليل الأوضاع الاقتصادية والمالية الراهنة في تونس وتداعياتها المستقبلية. وقد تعرضت وسائل الاعلام التونسية المتخصصة في الأمور الاقتصادية (كابيتاليس Kapitalis والصحافة الناطقة بالفرنسية الخ...) لهذا التقرير بالتلخيص والتعليق.

تجدر الإشارة إلى أن هذه المؤسسة سبق لها أن أصدرت سلسلة من التقارير الاقتصادية والمالية حول الأوضاع في تونس آخرها ما أصدرته في علاقة بقانون الصرف في تونس وقوانين المالية لسنوات 2022 و2023 وغيرها. وقد صدرت هذه التقارير عن فرعها في تونس وهو فرع من جملة ما يقارب 200 فرع في العالم. وتعتبر واحدة من أربعBig Four أكبر مؤسسات الاستشارات والتحاليل والمراجعات المالية ومنح الشهادات في عدة تخصصات certification في العالم.

سمات الأوضاع الاقتصادية العالمية
يعتبر التقرير أن الاقتصاد العالمي يعيش وسيعيش لفترة أخرى تحت وقع عدة ضغوط، أبرزها تراجع قدرة الاقتصاد على خلق مواطن شغل جديدة بما في ذلك (وخاصة) في أكبر اقتصاد أي الاقتصاد الأمريكي. ومن جهة أخرى تمارس الرسوم القمرقية الامريكية ضغوطا على عدة اقتصاديات وخاصة الصين وعلى الحركية الاقتصادية العامة وعلى حركة التجارة في العالم.

فحسب التقرير لم يتمكن الاقتصاد الأمريكي طيلة الأشهر الأخيرة من توفير غير 107 ألاف موطن شغل جديد مسجلا بذلك تراجعا كبيرا مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية التي وفرت 868 ألف موطن شغل. وهو ما أثّر على الحركية الاقتصادية في العديد من القطاعات بما في ذلك قطاع الخدمات المالية التي شهدت ركودا كبيرا وسجلت أحيانا نسب نمو سلبية.

من جانب آخر مازالت نسب التضخم وازنة ومؤثرة بشكل محسوس في الأوضاع الاقتصادية والمالية لا فقط في أمريكا بل وكذلك في عموم الاتحاد الأوروبي دون الحديث عما يسمى باقتصاديات الجنوب. وقد تأكد مرة أخرى ان عمليات الحط من نسب الفائدة (خفضت الخزينة الامريكية منها بـ 25 نقطة بداية هذا العام) مازالت لم تؤت أُكْلَهَا كما كان متوقعا ومازالت هنالك حاجة ماسّة إلى مزيد الحط منها قبل نهاية العام إلى مستويات أقل من 3 % في الولايات المتحدة الامريكية مثلا.

أما في أوروبا فإن التقرير يرجح أن يُبْقِي البنك المركزي الأوروبي حتى مُوَفّى العام نسب الفائدة دون تغيير، علما وأن نسبة التضخم في فضاء الاتحاد مازالت في حدود 2.3 % وقد شهدت في فصل الصّيف ارتفاعا طفيفا رغم تباطؤ التضخم في قطاع الخدمات الأمر الذي اعتبره البنك المركزي الأوروبي إشارة إيجابية.

ومن الضغوط التي توقف عندها التّقرير هو انعكاسات الرّسوم القمرقية على البضائع الصينية والتي أصبحت تثقل كاهل المصدرين الصينيين والموردين الأمريكيين على حد السواء. ومن تبعات ذلك أن نشأ اضطراب في العلاقات التجارية الدولية حيث اتّجهت الصين إلى بناء تحالفات جديدة مع الهند وروسيا وإلى البحث عن أسواق جديدة في "بلدان الجنوب". ومن جانب آخر نتج عن هذه التدابير ان بدأ المستثمرون يهجرون ما يسمى بقطاعات "منتجات الدخل الثابت" إلى قطاع الأسهم والمضاربات المالية.

الضغوطات على الاقتصاد التونسي والتوقعات
يَعْتبر تقرير "دليوت" أنّ تونس مهدّدة بمرحلة "زوابع" مالية في المستقبل القريب وسيكون الاقتصاد التونسي غير قادر على مجابهتها بالنظر لـ"تظافر" ثلاثة عوامل مُرْهِقة هي ارتفاع نسبة التداين واستمرار معدل التضخم في مستويات عالية نسبيا وتفاقم عجز ميزان التجاري.

ولا يبدو من اليَسِير خروجُ البلاد من كمّاشة هذه العوامل الصّعبة بالنظر لحالة الانخرام التي عليها المالية العمومية وحاجتها أكثر فأكثر للّجوء إلى التمويل الخارجي في الوقت الذي باتت المديونية تمثل 80 % من الناتج الإجمالي المحلي (PIB) وتردّت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي إلى حالة من التعطل التام (تم طي صفحة القرض الممدد بـ 1.9 مليار دولار) الأمر الذي كان له انعكاسات سلبية على سمعة البلاد في السوق المالية العالمية.

تُعَاني تونس منذ سنوات من التضخّم ومازالت مرشّحة للمعاناة منه لسنوات أخرى للأسباب المعروفة والتي جرى الحديث فيها من قبل (تراجع الإنتاج، اختلال توازن السوق، العرض والطلب، تراجع قيمة العملة، استيراد التضخم الخ...). واستمرار التضخّم سيؤدّي أكثر فأكثر إلى تآكل القدرة الشرائية للأُسَر مقابل تقلّبات أسعار الأغذية والطاقة والأدوية وغيرها من مواد الاستهلاك الأساسية. ونتيجة ذلك على الصعيد الاجتماعي هي تفاقم الفقر والبؤس والبطالة وتراكم كل عوامل الغضب الشعبي الذي يخيم بكلّ ثقله على الوضع الاجتماعي. فتونس مرشّحة لأن تشهد انفجارات اجتماعية قادمة. ذلك ما خلص إليه التقرير.

ومن المخاوف التي توقّف عندها تقرير "دليوت" بالنّسبة إلى تونس تفاقم العجز التّجاري بالنّظر إلى الصّعوبات الكبيرة التي تلاقيها تونس في تنويع صادراتها (الفسفاط وبعض المواد الفلاحية مثل القوارص والتمور وزيت الزيتون) والاعتماد على السّوق الأوروبية بشكل يكاد يكون حصريا. وفي المقابل من ذلك فإن مداخيل السياحة مهما تحسّنت لن يكون بمقدورها (إلى جانب إيرادات عمالنا بالخارج) توفير حاجيات البلاد من العملة الصعبة بما يكفي لتغطية مصاريف التوريد.

وختم التقرير توقّعاته بأن تكون البلاد عُرْضَة لأزمة سُيُولة من شأنها أن تتسبّب في توّترات اجتماعية قوية. لذلك أوصى التقرير بضرورة أن تسارع السّلطة في تونس بالقيام بإصلاحات جدّية من أجْل إعادة بناء الثّقة لدى المستثمرين وتوفير شروط استقرار الأسس الكبرى للاقتصاد الكلي (les fondamentaux macroéconomiques).

الحل في مشروع وطني شعبي
ثبت تاريخيا أن نمط التّنمية الاستعماري الجديد الذي اتّبعه النظام الدستوري في عهدي بورقيبة وبن علي واتبعته حكومات ما بعد الثورة في عهدي النهضة وقيس سعيد قد استنفد طاقته وأن الاستمرار في التعويل عليه إنما يجرّ البلاد إلى الانهيار الاقتصادي والافلاس المالي والانفجار الاجتماعي والانخرام الأمني ويدفع بالمجتمع التونسي إلى التفكك وربما إلى الاحتراب الأهلي.

والأكيد أن هذا النمط الذي كان سببا رئيسيا في سقوط نظام بن علي وفي إزاحة منظومة النهضة/النداء فإنه وبلا شك سيكون سببا رئيسيا في سقوط المنظومة الشعبوية الحالية ذلك أن إعادة انتاج التخلّف الاقتصادي والمديونية والفقر والبطالة والبؤس سيكون القاعدة المادية لإعادة إنتاج الغضب الشعبي والنقمة والاحتجاج والانتفاضة من جديد.

إن خلاص تونس من كل هذه المآسي ووضعها على سكّة الازدهار الاقتصادي والتقدم الحضاري والاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني مرهون بطبيعة المشروع الذي ينبغي اعتماده والذي لا مفرّ من أن يكون مشروعا وطنيا يقطع مع الهيمنة الامبريالية وينبني على خطة تنمية تعول على إمكانيات البلاد وتنطلق من حاجياتها في تطوير البنى الاقتصادية والمادية، مشروع لا هدف له إلا مناعة البلاد ضد كل الضغوط الخارجية وخدمة مصالح أبنائها وتأمين مستقبل أجيالها القادمة.

إن تخليص تونس ممّا يتهدّدها ليس تحويلها إلى جنّة للنهب الرّأسمالي الأجنبي والمحلّي كما جاء في تقرير "دليوت" (ثقة المستثمرين) وإنما يكمن في خطة لتنمية صناعية مدروسة مندمجة مع قطاعات الفلاحة والخدمات تستثمر في مهارات التونسيات والتونسيين وتعمل وفق مناهج التسيير العقلاني والعلمي المنظّم. وفي هذا الإطار لا بدّ من القضاء على مظاهر الاستغلال الامبريالي لمقدرات بلادنا وذلك بتأميم القطاعات والمؤسسات الإنتاجية والخدماتية والمقدرات المادية الاستراتيجية ووضعها تحت تسيير أجهزة نظام حكم وطني يمارس فيه الشعب سلطته الحقيقية.

صحيح أن عولمة كلّ شيء تقريبا من شأنها أن تضع العراقيل في وجه المشروع الوطني وأن تشوّش عليه وألّا تتوانى عن التدخّل بكلّ الأشكال بما في ذلك الأشكال العنيفة السّافرة ولكن ذلك لا يمكن أن يتغلّب على إرادة الشّعب التونسي الذي أثبت في أكثر من مناسبة تشبثه القوي بحقوقه بما في ذلك استقلالية قراره الوطني.

إن المناخ الدولي الراهن رغم كل مظاهر الهيمنة والغطرسة والتدخل في شؤون الشعوب فإنه يقدم لنا العديد من تجارب الصمود والامثلة الدالة على رغبة الشعوب في فينيزويلا وكولمبيا وفي فلسطين وغزة وغيرها في التحرر والتقدم. ورغم ما تنطوي عليه الصراعات بين الاقطاب العظمى، الولايات المتحدة الامريكية والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، من مخاطر وتهديدات فإنها، ما انفكت تقدم للشعوب، بمعنى من المعاني، فرصة التمرد على هذه الأقطاب الاستعمارية الضخمة ومنظومة الرأسمالية العالمية التي تحولت إلى منظومة معادية للبشرية وللحياة والأمل.



#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النمو الوهمي - الجزء الثاني
- ردّا على الدعاية الرّسميّة: النموّ الوهميّ - الجزء الأول
- في أزمة العلاقة بين قيس سعيد واتحاد الشغل الأسباب والمرامي و ...
- هل تنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعي؟
- في أزمة العلاقة بين قيس سعيد واتحاد الشغل الأسباب والمرامي و ...
- الديمقراطية الشعبية والطريق إلى إنقاذ تونس
- المكارثية الصهيونية تهجم على جامعة مدينة نيويورك - ترجمة
- زرت الجزائر
- التجمع الفاشي في مدينة كنساس Kansas City قوبل بصمت السلطات و ...
- يا صاحِبي أَضنَيتَ جِسمَكَ (1)
- 25 جويلية: تاريخ نهاية البايات وتاريخ عودتهم
- الدولار مقابل اليورو - ترجمة
- كرة القدم: الفرجة والأفيون والارباح
- غزة: الجريمة التي لا تنتهي هل ينهيها ويتكوف؟
- الحرب على إيران: تمرين خاطف لقضاء مآرب عدة
- البنكور - ترجمة
- حرْبُ الكيان على إيران: تدشين عهد -الشرق الأوسط الجديد- في ن ...
- قانون الشيكات الجديد -جَا يُطُبَّهَا عْمَاهَا-
- الحرب التجارية الامريكية الأوروبية حلقة في نظام الفوضى العال ...
- كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ا ...


المزيد.....




- إيران - صادرات نفطية مربحة في الخفاء رغم العقوبات الدولية
- النمو الاقتصادي كماً ونوعاً... العلاقة بالأسعار والمواطن
- بروج.. نموذج للاستقرار المالي والجاذبية الاستثمارية
- الين يتجه إلى أسوأ أداء أسبوعي في عام.. واليورو يعاني
- الفضة تسجل أعلى سعر منذ أكثر من 4 عقود
- الذهب يتجه للارتفاع الأسبوعي الثامن على التوالي
- الصين تشدد قبضتها على المعادن النادرة
- هل يصل ترامب والاتحاد الأوروبي إلى -طريق مسدود-؟
- حركة جيل زد بالمغرب تطلق حملة لمقاطعة شركات أخنوش
- أفندي: الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل اقتصاد كردستان العراق


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جيلاني الهمامي - مرة أخرى حول حقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية في تونس