أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جيلاني الهمامي - قانون الشيكات الجديد -جَا يُطُبَّهَا عْمَاهَا-















المزيد.....

قانون الشيكات الجديد -جَا يُطُبَّهَا عْمَاهَا-


جيلاني الهمامي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 17:24
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


قانون الشيكات الجديد
"جَا يُطُبَّهَا عْمَاهَا"


دخل منذ يوم 2 فيفري الماضي حيز التنفيذ القانون عدد 41 لسنة 2024 المؤرخ في 2 أوت 2024 المتعلق بتنقيح وإتمام بعض أحكام المجلة التجارية. والآن وبعد ما يقارب نصف عام من اعتماد هذا القانون نحاول أن نرصد النتائج التي نتجت عن تطبيقه ومقارنتها مع ما قيل عنه "يهدف الى تعزيز سلامة ومصداقية المبادلات وتحسين الممارسات البنكية وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتسوية وضعية الافراد المحكوم عليهم او الجاري في حقهم تتبعات عدلية بسبب إصدار شيكات من دون رصيد."

ماذا تغير؟
قدمت نشرية البنك المركزي حول الدفوعات للثلاثي الأول للسنة الجارية 2025 جملة من المعطيات ترسم بالأرقام التغيرات التي طرأت على ساحة المعاملات المالية في تونس منذ دخول القانون الجديد المشار إليه. من أهم هذه المتغيرات تراجع استعمال الشيكات بنسبة 62 % مقارنة بنفس الفترة (الثلاثي الأول) من العام السابق مقابل ارتفاع نسبة استعمال الكمبيالات بـ 104.7 % لنفس الفترة. ما يدلل بوضوح على انكماش المعاملات بواسطة الشيك وبمعنى ادق ما يعني ضعف الاقبال على الصيغة الجديدة من الشيك (chèque à code QR) من قبل غالبية المتعاملين في عالم التجارة. وإلى جانب ذلك فإن المعطيات المتعلقة بطرق الدفع الأخرى باستخدام البطاقات البنكية أو عبر الهاتف الجوال أو بالاقتطاع أو بالتحويل رغم ما شهدته من تطور لم تغيّر في منظومة الدفع شيئا كبيرا ذلك أن تقاليد الدفع نقدا (paiement cash) لا تزال مسيطرة في سوق المعاملات بل نلاحظ عودة قوية لهذا الأسلوب من المعاملات الذي لم تقدم بشأنه نشرية البنك المركزي تفاصيل واضحة.

وإذا كان لهذا الأمر من معنى فهو المستوى المتواضع في رقمنة الخدمات البنكية والمعاملات المالية والخدمات الإدارية بشكل عام. ومن نتائج ذلك ضعف توثيق العمليات المالية وأثارها ((la traçabilité des opérations التي تساهم في كثير من المساوئ التنظيمية والعملية في انسيابية العمليات المالية وبما يمكن أن يشجع على كل أشكال سوء التصرف والفساد.

أثار عكسية لعملية "الإصلاح الاعتباطي"
كما سبق ذكره زعمت عملية إصلاح منظومة الدفع بشكل عام ومعالجة مسألة "الشيكات بدون رصيد" تعزير سلامة المعاملات ومصداقيتها وخاصة القضاء على أثار الانحراف بالشيك من وسيلة دفع إلى أداة ضمان بالخلاص، غير أن النتائج المسجلة حتى أعطت أثارا عكسية فيما يتعلق بهدف "تحقيق تنمية اقتصادية والعدالة الاجتماعية". فإلى جانب تصفية أثار الماضي (معالجة العدد الضخم من القضايا والاحكام الصادرة فيها وتسوية حقوق اعدادا كبيرة جدا من المتضررين من حالات عدم الخلاص) تعيّن على البنوك اعتماد طرق جديدة جاءت بها الاحكام الجديدة المدخلة على فصول المجلة التجارية وهي طرق تتطلب دراسة معمقة على مقاس كل طالب دفتر صكوك إذ يتعين عليها (أي البنوك) تمكينه من ذلك في حدود قدرته المالية على الا تتجاوز الثلاثين ألف دينار. وهو عمل أثقل كاهل البنوك بإجراءات إدارية إضافية تستوجب تحسينات في منظوماتها الرقمية بكل ما تستوجبه من كلفة.

الأهم من كل ذلك هو أنه على افتراض أن فكرة إصلاح منظومة الشيكات كانت مدفوعة بـ"نوايا حسنة" وغايتها التخلص من كم الأحكام القضائية الرهيب التي بموجبها يقبع الكثير في السجون فيما يتحصن عشرات الآلاف بالفرار إلى ليبيا وغيرها، فإن هذه "النوايا" حكمت على الكثير من المستهلكين والمزودين الذين بحرمانهم من التسهيلات التي تمنحهم إياها عمليات البيع والشراء بالتقسيط باستخدام الشيكات وهو عبارة عن قرض استهلاك من لدن المزود (un simulacre de crédit fournisseur). وقد تبين من خلال دراسة قام بها المعهد العربي لأصحاب المؤسسات بضعة أشهر من تطبيق القانون الجديد أن حوالي ثلث المستهلكين (30 %) أحجموا أو أجلوا، إلى أجل غير مسمى، القيام بمشتريات جديدة. وتتعلق هذه الشراءات الجديدة عامة بتجهيزات كهرو-منزلية وبالتأثيث وبتذاكر سفر وحتى بأصناف أخرى من مواد معيشية.

وتخفي هذه النسبة في تراجع الاستهلاك حجم الضرر الذي تكبده ثلث المستهلكين جراء تطبيق القانون الجديد. ففي غياب حلول بديلة سد العجز الذي تعاني منه المقدرة الشرائية لجزء كبير من المستهلكين كان الشراء بالتقسيط (وهو بمثابة قرض استهلاك) يوفر لهم هامشا لتدبّر حاجاتهم الاستهلاكية الضرورية.

نفس الأمر يمكن قوله بالنسبة إلى المؤسسات الصغرى والمتوسطة (التي تشكل أساس النسيج الصناعي والاقتصادي التونسي) التي افتقدت ثلث مبيعاتها نتيجة ما سبق قوله بخصوص تأجيل أو التخلي عن نوايا الشراءات لدى المستهلكين. والحقيقة ان الضرر على المستوى الاقتصاد الكلي يتعلق بانعكاس تراجع نسبة الاستهلاك بحوالي الثلث من حجمه الكلي على الدورة الاقتصادية ونسبة النمو السنوية الضعيفة التي لا تتجاوز في أحسن حالاتها نسبة 1 % والتي يتأتى جزء هام فيها من مساهمة ما يسمى بـ"الخدمات غير مسوقة" (services non marchands) أي بعبار أخرى من الاستهلاك. فانخفاض الاستهلاك بحوالي 30 % من شأنه أن ينعكس بشكل خطير على نسبة النمو التي تعاني من ضعف مساهمة المحركات الأساسية الأخرى، وخاصة الاستثمار والإنتاج، المعطّبة والسائرة باتجاه مزيد التراجع والتفكك.

الأثرياء لم يتضرروا
لم يقع الاستماع إلى كل الأطراف المعنية بهذا القانون، النقابات ومنظمات الدفاع عن المستهلك ومنظمات الأعراف الخ... عند نقاشه في لجان البرلمان وتمت المصادقة عليه رغم كل الجدل الذي أثاره. وحتى بعد صدوره رُفِضَتْ كل الدعوات إلى تأجيل تطبيقه ريثما يقع اتخاذ كل الترتيبات العملية والتنظيمية وإعداد الأطراف المعنية (حرفاء ومزودون وعموم المتعاملين بالشيك) وانطلق العمل به منذ بداية فيفري الماضي. وأقامت سلطات النظام الشعبوي الدليل على أنها لا تستمع إلا إلى نفسها ولا تحترم حتى الجوانب الشكلية الأساسية في وضع قوانينها.

ولم يمض وقت طويل على العمل به حتى انقلبت "تقاليد الدفع" رأسا على عقب وأصبحت الكمبيالات والتحويل البنكي هي الوسيلة الأولى في الدفع (16 %) بعدما كانت قبل تطبيق القانون في مؤخرة قائمة وسائل الدفع المعتمدة. وفي هذا الانقلاب دلالات طبقية مهمة ذلك أن الأثرياء من المتعاملين في السوق المالية والتجارية لم يحلقم من تطبيق هذا القانون أذى يذكر. فمن عادات كبار الرأسماليين والشركات الكبرى التعامل عبر التحويل البنكي. بينما وخلافا لكل الادعاءات فإن الفئات التي قيل وأن حمايتها هي سبب وضع القانون اتضح وأنها أكثر من تضرر منه. والمقصود هنا المؤسسات الصغرى والمتوسطة وأصحاب الحرف وتجار التفصيل من جهة والموظفين والأجراء وعموم المستهلكين من جهة ثانية.



#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب التجارية الامريكية الأوروبية حلقة في نظام الفوضى العال ...
- كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ا ...
- نظريات الأزمات ودورات كوندراتييف Kondratiev، أي توازن 1974 – ...
- تعليق أولي على الهيئة الإدارية الأخيرة
- كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ا ...
- الاتحاد العام التونسي للشغل أزمة تخفى أزمة
- كيف جاء قيس سعيد وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ال ...
- غرة ماي: الاحتفال ثم بعد ؟؟
- كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ا ...
- عاد الفاتح من ماي... وضاعت مكاسبه
- دونالد ترامب - النص الكامل
- دونالد هتلر (الجزء الثالث والاخيرة)
- دونالد هتلر - الجزء الثاني
- دونالد هتلر (الجزء الأول)
- حوار مع جريدة النهج الديمقراطي العمالي بالمغرب الشقيق
- العمال يدفعون فاتورة أزمة الاتحاد في ظل استشراس أعداء العمال
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ...
- حوار مع موقف -أفريكا براس- AFRICA press
- حتى تعود الأمور إلى نصابها (مقدمة كتاب الاتحاد العام التونسي ...
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحول (الجزء الثا ...


المزيد.....




- صندوق أوبك يعلن تمويلات جديدة وشراكات استراتيجية
- تعاون بين -مبادلة- و-أبوظبي للمشاريع والبنية التحتية-
- التخطيط: الاعتماد على النفط نموذج هش ويهدد استدامة الاقتصاد ...
- مالي تبدأ في بناء مصفاة جديدة للذهب بالتعاون مع روسيا
- مواجهة إسرائيل وإيران تعرقل الطيران في دول عربية
- بخلاف البنكرياس.. عضو آخر في الجسم قادر على إنتاج الإنسولين! ...
- تصنيف إسرائيل الائتماني مهدد بخفض ثالث بسبب الحرب مع إيران
- كالكاليست: إسرائيل تتجه إلى عجز مالي وتضخم في الدين العام
- مواجهة إسرائيل وإيران ترفع أسعار الغاز في أوروبا
- الخطوط القطرية أفضل شركة طيران بالعالم للعام 2025


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جيلاني الهمامي - قانون الشيكات الجديد -جَا يُطُبَّهَا عْمَاهَا-