جيلاني الهمامي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 02:49
المحور:
الادارة و الاقتصاد
وهل نحن على مشارف أزمة اقتصادية مالية جديدة؟
هذا ما يخشاه الاقتصاديون في العالم. وبدأت التنبؤات باقتراب ساعة هذا الانفجار بالانتشار لا فقط في أوساط علماء الاقتصاد وإنما أيضا في أوساط أخرى مثل الصحافيين والمحررين المختصين في علوم الاقتصاد والمالية. ولا يأتي التخوف من فراغ وهو أبعد ما يكون مجرد مبالغات فالمعطيات والمؤشرات كثيرة ومتعددة.
لكن وككل ظاهرة اقتصادية-اجتماعية عامة ما تتعدد القراءات والمقاربات في تفسيرها، مازالت "فقاعة الذكاء الاصطناعي" الناشئة موضوع جدل وصراعات نظرية فكرية. وفي خضم هذا الجدل والصراع بدأت تتبلور وجهات نظر متقاربة بخصوص أسبابها الاقتصادية ومآلاتها واقتراب ساعة انفجارها. من ذلك مثلا عالمة الاقتصاد البريطانية كارلوطا بيريز Carlotta Perezصاحبة كتاب " الثورات التكنولوجية ورأس المال المالي ديناميك الفقاعات والعصور الذهبية" صرحت مؤخرا فقالت "أتوقع حدوث انهيار krash".
يكاد يتفق الجميع على أننا بصدد نسخة قريبة من فقاعة الانترنت سنة 2000. هذا التقدير الذي عبّر عنه الرئيس المدير العام لشركة OpenAI حيث قال "إذا أخذنا في الاعتبار معظم الفقاعات في التاريخ، مثل فقاعة الإنترنت، نرى أن هناك حقيقة: كانت الإنترنت هي الظاهرة الكبرى، وكان الناس متحمسين للغاية. فهل نحن الان في مرحلة المستثمرون متحمسون للغاية للذكاء الاصطناعي؟ نعم أعتقد ذلك. وهل أن الذكاء الاصطناعي هو الظاهرة الأهم منذ فترة طويلة؟ نعم أعتقد ذلك".
يؤيده في ذلك دانيال نيومان، الرئيس التنفيذي لمجموعة فوتوروم، إذ صرّح "الاضطراب حقيقي، كنا نعتقد أنه سيحدث خلال خمس سنوات، لكنه يبدو وكأنه سيحدث خلال عامين. الشركات الخدمية ذات الكثافة العمالية المرتفعة ستكون معرضة للخطر، حتى لو كانت لديها نماذج أعمال قوية من الحقبة التقنية السابقة".
ترستون صلوك Torsten Slok كبير اقتصاديي الصندوق المالي "أبولو" ذهب إلى أكثر من ذلك بالقول في منتصف شهر جويلية الماضي أن "فقاعة الذكاء الاصطناعي اليوم أكبر بكثير من فقاعة تكنولوجيا الاتصال لسنوات 1990".
حمى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي
مرّ الاقتصاد الرأسمالي بخمسة أجيال من الثورة الصناعية كان من نتائجها انفجار الاستثمارات والمضاربات المالية التي جعلت رأس المال المالي الجديد (الأسهم والسندات وكل الاشكال الافتراضية) منقطعا بدرجة كبيرة عن الواقع وعن النشاط الاقتصادي المادي (والمنتج خاصة). فعلى غرار الثورات الصناعية السابقة عرفت ثورة الذكاء الاصطناعي "هيجانا" منقطع النظير للاستثمارات في هذه التكنولوجيا الجديدة.
في شهر فيفري الماضي انعقدت في فرنسا قمة التكنولوجيا التي حضرها عمالقة التكنولوجيا الحديثة. ولم تكن القمة "تكنولوجية" صرفة بل شهدت حضور القادة السياسيين للبلدان الرأسمالية الكبرى مثل نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس ورئيس الحكومة الكندية آنذاك ترودو والوزير الأول الصيني ورئيس الحكومة الهندية ورئيسة المفوضية الأوروبية فاندير لاين وغيرهم. وكشفت هذه القمة عن السباق المحموم نحو السيطرة على ميدان أصبح المجال المفضل للاقتتال الدموي بين عمالقة التكنولوجيا وكبريات الاحتكارات والدول العظمى، أَعْلَنَتْ عن حجم الاستثمارات التي سيتخصص لهذا القطاع حتى سنة 2029. من ذلك برنامج "باب النجوم" Stargate الذي أعلنه ترامب (500 مليار دولار) والبرنامج الفرنسي (109 مليار) والكندي (20 مليار دولار) وغيرهم.
وتتوقع مؤسسة ستانلي مورغن المالية العملاقة Stanley Morgan أن تبلغ المصاريف العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي حوالي 3000 مليار دولار من الآن حتى سنة 2029. ويتوقع أن يصرف العمالقة الأربعة الكبار (مايكروسوفت Microsoft، وأمازون Amazon، وميطا Meta المالكة لفايسبوك، وألفابي Alphabet المالكة لقوقل الخ...) لوحدهم سنة 2026 أكثر من 400 مليار دولار أي ثلاثة أضعاف ما كان سنة 2022 تاريخ الإعلان على تطوير تقنية ChatGPT باكورة تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
ما أشبه اليوم بالأمس
في حالة شبيهة بما يحصل اليوم انتهت حمى الإقدام على شراء أسهم شركات "الانترنت" أواخر سنوات التسعينات من القرن الماضي، وخاصة أسهم شركة Netscape التي ارتفع سهمها في يوم واحد من حوالي 30 إلى 74 دولار وارتفعت قيمة رسملتها في أول يوم من إدراجها في البورصة إلى ملياري دولار. وكان الأمر كذلك بالنسبة إلى شركات أخرى (مثل نزداك NASDAQ) مما عجّل بانفجار فقاعة الاستثمارات في تكنولوجيا الانترنت.
ملامح الوضع الراهن تبعث على التخوف من أن يحصل نفس الشيء في عالم الذكاء الاجتماعي. فما دام عمالقة التكنولوجيا يستمرون في ضخ المليارات على بعث مراكز معطيات متخصصة في الذكاء الاصطناعي حتى وإن كانوا غير واثقين من تحقيق الأرباح التي رسموها في مخططاتهم الاستثمارية فإن احتمال انفجار الفقاعة يخيم على المنظومة الرأسمالية تحت سيطرة الاحتكارات. والدليل أنه بمجرد أن أعلن سام ألتمان Sam Altman أب "التشات ج ب ت" الرئيس المدير العام لشركة OpenAI بمناسبة الإعلان عن المنتوج الجديد ChatGPT 5 عن مخاوفه من أن المستثمرين يتهافتون على الاستثمار في الميدان دون أن يكونوا متيقنين من تحقيق أرباحهم، بمجرد الإعلان عن ذلك دبّت حالة من الذّعر وعادت إلى الاذهان ذكرى أزمة سنة 2000 أو ما يسمى بفقاعة دوط كوم (الانترنت). ومما زاد في هلع كبار المستثمرين ما جاءت به عدة تقارير وخاصة تقرير صدر يوم 18 أوت الماضي بعنوان "أوضاع الذكاء الاصطناعي في عالم الاعمال لسنة 2025" (1) من أن 95 % من الشركات المستثمرة لا تحقق أرباحا (zero retour d’investissement) وأن 5% فقط سجلت أرباحا.
ونتيجة لهذا الهلع فقدت شركة Nvidia المُصَنِّعة للرّقائق الالكترونية المستعملة في الأجهزة ونظم الاستغلال التكنولوجي في بحر أربعة أيام 3.6 % أي ما قيمته حوالي 340 مليار دولار من قيمتها في البورصة. وشهدت أسهم العملاق التكنولوجي الأمريكي "بالنتير" Palantir Technology موفى شهر أوت الماضي انخفاضا فاق 14 % أي حوالي 73 مليار دولار. وخسرت مايكروسوفت 3 % من قيمة سهمها في البورصة الخ... ما يدل على اضطراب السوق المالية اليوم وربما لفترة أخرى.
ماذا حدث بالضبط إذن؟
تزداد قيمة أسهم الشركات من قطاع الذكاء الاصطناعي في البورصة بما لا يعكس بالضبط عائداتها أو أرباحها الحقيقية. لذلك نجد مثلا شركة ميتا المالكة لفايسبوك التي ضاعفت من استثماراتها هذه السنة 2025 وشركة أمازون التي بنت مركبات كبيرة لخدمات AWS وشركة مايكروسوفت التي بنت سلسلة من مراكز البيانات الجديدة استهلكت مليارات الدولارات في البنية التحتية ووجدت نفسها أمام تناقض بين ازدياد الأرباح مقابل انهيار تدفق السيولة النقدية الذي انخفض بنسبة 30 % منذ سنة 2023.
لا يبدو بحسب تحاليل الخبراء في الميدان أن يقع تلافي الانهيار طالما أن عمالقة التكنولوجيا مستمرون في استراتيجيتهم، كل من جانبه، للسيطرة على الميدان و"ابتلاع" المنافسين المحتملين حال ظهورهم على الساحة. هذه الاستراتيجية تتجه إلى ظهور "اوليغارشيا" Oligopole بيدهم وحدهم رسم معالم المستقبل.
غير أنه لا يمكن الجزم بقدرتهم على التحكم في مجريات التطورات المالية الراهنة ما يعني أن انفجار الفقاعة بات واردا. وفي حالة وقوعه فإن الشركات المالية المخاطرة الامريكية les sociétés de capital-risque de la Silicon Valley قد تندثر. وبحسب واحد من خبراء الميدان، روبن لي Robin Li الرئيس المدير العام لشركة "بايدو" Baidu، فإن 99 % من الشركات مهدد بالفناء. ونتيجة لذلك سيكون مجمل الاقتصاد مهددا بالانهيار لا فقط في الولايات المتحدة الامريكية وإنما في العالم قاطبة.
وحتى إن أمكن تلافي الانهيار الكامل فإن المزاحمة الكبرى مع التكنولوجيا الصينية DeepSeek تشكل تهديدا وجوديا للتكنولوجيا الامريكية ونموذجها OpenAI الذي يعاني من مصاعب جمة في تلافي خسائره التي ستصل بحسب التقارير المالية المنشورة 11 مليار دولار مع مفتتح السنة القادمة 2026.
في كل الحالات تبدو تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعي التي لم يمضِ على ابتداعها سوى ثلاث سنوات قد تحوّلت بسرعة إلى مجلبة للتهديد بالفوضى الاقتصادية والانخرام المالي علاوة على كل المخاطر الأخرى التي تتهدد الذات البشرية ومقومات الحياة الطبيعية.
الهوامش
1 – أنظر الرابط التالي
v0.1_State_of_AI_in_Business_2025_Report.pdf
#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟