جيلاني الهمامي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 21:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المكارثية الصهيونية تهجم على جامعة مدينة نيويورك
تأيف ليزا فيذرستون (*)
ترجمة جيلاني الهمامي
لا يكتفي الجمهوريون بالتنكيل بـ"رابطة إيفي" Ivy League، بل يسعون إلى السيطرة وبطريقة استبدادية على الجامعات العمومية للطبقة العاملة مثل الحي الجامعي بمدينة نيويورك CUNY. آخر ما أطلقوه: حملة حول اعتزامهم إقالة أربعة أساتذة نواب بسبب دعمهم فلسطين.
بدا أن هجوم الجمهوريين الأيديولوجي على التعليم العالي في البداية سيقتصر على مؤسسات النخبة في "رابطة إيفي" Ivy League، متخذا ولفترة وجيزة طابع حملة قمعية استبدادية ضد الأفكار اليسارية مثل التضامن مع فلسطين والمساواة العرقية بعنوان معاداة النخبوية. ولكن الأمر تغير الآن. فهم يستهدفون الجامعات العمومية في كامل أنحاء البلاد.
أعلنت وزارة التربية الأمريكية يوم الأربعاء، القيام بتحقيقات حول "الحقوق المدنية" في جامعة نبراسكا Nebraska في أوماها Omaha وجامعة ميشيغان Michigan وغيرها. وكانوا قد أجروا تحقيقا في جامعة جورج ميسون George Mason، وفي الشهر الماضي، وأجبروا رئيس جامعة فيرجينيا على الاستقالة. فعلى الأساتذة والطلاب ونقابات التعليم العالي والمجتمع المرتبطين بهذه المؤسسات أن يكونوا على استعداد لمواجهة تسونامي القمع القادم.
كانت جامعة مدينة نيويورك City University of New York (CUNY)، وهي واحدة من أكبر مؤسسات التعليم العالي للطبقة العاملة في الولايات المتحدة، واحدة من أحدث المؤسسات التي تم استهدافها، حيث واجهت مؤخرا مضايقات في جلسة استماع في الكونغرس حول "معاداة السامية" (وهو مصطلح أصبح نوعا من الشيفرة المغشوشة للدفاع عن الفلسطينيين، وهو شعب يعاني حاليا هو أطفاله من مجاعة بطيئة كجزء من حملة أوسع للإبادة الجماعية). ترد إدارة جامعة نيويورك على الهجوم بأسوأ طريقة ممكنة: وذلك بقمع النشاط المؤيد للفلسطينيين ومعاقبته.
تنص القوانين الأساسية لجامعة مدينة نيويورك CUNY التي تحمي، على الورق، الحريات الأكاديمية على أن الجامعة يجب أن تكون "منتدى للدفاع عن جميع الأفكار المحمية بموجب التعديل الأول" ، وتؤكد على الالتزام بـ "مبادئ الحرية الأكاديمية". ونجد خطابا مماثلا في عقد جامعة مدينة نيويورك مع نقابة أعضاء هيئة التدريس والموظفين، نقابة الأساتذة والموظفين Professional Staff Congress (PSC) ولكن سبق أن تم في تاريخ جامعة مدينة نيويورك تجاوز هذه القيم. ففي الخمسينيات من القرن الماضي، أغلق رئيس معهد بروكلين Brooklyn College المعادي الشرس للشيوعية صحيفة المدرسة وشجع على إجراء تحقيقات حكومية وفيدرالية حول الأساتذة اليساريين.
لقد عاد هذا المناخ المكارثي إلى جامعة مدينة نيويورك. ففي الشهر الماضي، أطردت جامعة مدينة نيويورك كورينا مولين وثلاثة أعضاء آخرين من هيئة التدريس اختاروا عدم الكشف عن هويتهم علنا. ووفقا للنقابة، فقد دافع جميعهم عن حقوق الفلسطينيين.
وقد جاءت عمليات العزل عن العمل وفق سيناريو أصبح متوقعا: سيناريو الجامعات التي تستسلم بسهولة لضغوط السياسيين اليمينيين المتطرفين والحشود الصاخبة عندما يتعلق الأمر بالحديث عن غزة.
تعود مسؤولية تعيين الأساتذة المساعدين وفصلهم في جامعة مدينة نيويورك إلى رؤساء الأقسام، وقد أعيد تعيين جميع المساعدين المفصولين من قبل أقسامهم. وكما أشار جيمس ديفيس James Davis، رئيس نقابة الأساتذة والموظفين PSC، في رسالة إلى جامعة مدينة نيويورك، لم يقع القدح بأي حال من الأحوال في الأداء المهني للأستاذ، ولم تكن هناك أي شكاوى من سوء السلوك ضد أي من الأربعة.
وقال جيرت دوندت Geert Dhondt، عميد كلية الاقتصاد في معهد جون جاي John Jay College - أحد الأقسام حيث درّست مولين - إن تقييماتها التدريسية كانت "من بين أعلى التقييمات في الكلية". ووصف قرار CUNY بتجاوز الإدارات بأنه "غير عادي للغاية، ولا يحدث إلا متى كان هنالك ضغط خارجي قوي".
كان هناك بالفعل ضغوط خارجية. فقد تم شحن الأجواء لإقالة مولين Mullin من قبل سياسيين محليين من اليمين المتطرف إذ دعت عضوة المجلس البلدي، الجمهورية إينا فيرنيكوف Inna Vernikov وزميلها الديمقراطي كالمان يجر Kalman Yeger منذ السنة الماضية إلى إقالة مولين Mullin، زاعمين أنها شاركت في احتجاج عنيف في أفريل في الحرم الجامعي. وقد وصفت مولين، عن طريق محاميها، الاحتجاج بأنه كان سلميا وأصرت على أنها لم تخالف القانون.
إن فيرنيكوف هذه التي تتحدث عن الاحتجاجات العنيفة في الحرم الجامعي، تم القبض عليها في أكتوبر 2023 حاملة مسدسا أثناء احتجاج حول فلسطين في كلية بروكلين، ومع ذلك تمكنت من الاحتفاظ بوظيفتها.
اعترفت إدارة جامعة مدينة نيويورك بأن الامر كان في الأساس عملية تطهير سياسي. خلال جلسة استماع في الكونجرس هذا الشهر حول "معاداة السامية" في الحرم الجامعي، سأل النائب الجمهوري عن فلوريدا راندي فاين Randy Fine عن اسم مولين Mullin، مستشهدا بشعارها "تسقط الحثالة الصهيونية". فأكد مستشار جامعة مدينة نيويورك فيليكس ف. ماتوس رودريغيز Félix V. Matos Rodríguez لعضو الكونجرس اليميني المتطرف أنها "ما عادت تعمل في الجامعة".
وإنه لأمر ذو دلالة أن يكون جميع الأساتذة المفصولين هم أساتذة مساعدون، وأساتذة بوقت جزئي ليس لديهم دوام أو حماية وظيفية أخرى كالتي يتمتع بها بعض الأساتذة العاملين بوقت كامل. وقد أكدت مولين Mullin في حوار مع جريدة جاكوبين Jacobin هذا الأسبوع، أن عمليات الطرد ليست غير بداية لحملة قمع أوسع نطاقا ضد المربين المناهضين للإمبريالية. وقالت إن عملية التصفية توضح بكل وحشية أمرا واحدا: الحرية الأكاديمية غير موجودة بشكل محسوس بالنسبة إلى أعضاء هيئة التدريس الوقتيين. ولكننا لسنا الاستثناء، نحن مجرد تحذير.
تنظم نقابة الأساتذة والموظفين (PSC) مظاهرة للمطالبة بإعادة إدماج الأساتذة الذين تم فصلهم من كلية بروكلين في 31 يوليو.
من الواضح أن فكرة الحرية الأكاديمية - وفكرة أن الجامعات هي مؤسسات مستقلة عن الحكومة، والتي يمكن أن تغذي البحث والجدال دون تدخل - تتعرض إلى تهديد أكبر مما كانت عليه في الولايات المتحدة في أي وقت مضى منذ عهد مكارثي McCarthy، بسبب إدارة ترامب الاستبدادية واليأس المضاعف جراء خنق أي نقاش حول الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
فأي إجراء من التدابير التي اتخذتها جامعة مدينة نيويورك لصالح هذا المشروع لن يعود بالنفع على نظام الجامعة. فالمشروع الأكاديمي بأكمله يعاني، كلما رفض الإداريون احترام مبدأ الحرية الأكاديمية. لكن مثل هذا التوافق لا يرضي الفاشيين أيضا -إنه يبين فقط حالة الضعف.
خلال جلسات الاستماع، دعت النائبة إليز ستيفانيك، هذه المعتوهة اليمينية المتطرفة، التي تمثل منطقة نورث كانتري في ولاية نيويورك، غير عابئة بتضحية عدد من الأساتذة المساعدين، إلى إقالة المستشار رودريغيز. وبالنظر لكونه، وفقا لرواية الـ PSC، مستعدا للانخراط في حملة ستيفانيك وأمثالها الماكرثية وطرد مساعديه ليس كافيا لحماية وظيفته.
(*) الماكرثية نسبة إلى السناتور الأمريكي ماكرثي McCarthy هي فترة في التاريخ الأمريكي (بداية خمسينات القرن الماضي) وتعرف كذلك باسم "الذعر الأحمر" ويعبٍّر عنها بالفرنسية أيضا "مطاردة الساحرات" la chasse aux sorcières.
تعود أصول المكارثية إلى المشاعر القوية بمعاداة الشيوعية في الولايات المتحدة الامريكية. وقد جرى تنظيم حملة طيلة سنوات (1950 – 1954) على كل ما يشتبه فيه الانتماء أو التعاطف مع الفكر الاشتراكي واخضع عدة ملايين من المواطنين الأمريكيين للتحقيقات القضائية والبوليسية.
#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟