أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - جيلاني الهمامي - يا صاحِبي أَضنَيتَ جِسمَكَ (1)















المزيد.....

يا صاحِبي أَضنَيتَ جِسمَكَ (1)


جيلاني الهمامي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 02:47
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


بكل حزن وأسى ودعنا الأسبوع الماضي رفيقنا الرّاحل جوزيف.
لم يكن ثمة من توقع هذا المصاب المفاجئ بمثل هذه السرعة؟ لا أحد.
داهمه الموت على حين غرة فيما لم يستعد لذلك لا رفيقة دربه راضية ولا وشاهين وخلود وسيرين.
صحيح أن صحته قد اعْتَلّتْ في السنوات الأخيرة وبات لزاما عليه أن يتقيد بنظام غذائي متشدد وقاسي. وصحيح أنه كان يتعاطى مع وضعه الصحي بكثير من الإهمال.
سبق وأن أنذره "عزرائيل" كم مرة. وفي كل مرة كان الأطبّاء يلحّون على ضرورة القطع مع التّدخين. فالشرايين قد تصلّبت بما بات ينذر بكل المخاطر. إيقاع الحياة ومشاغلها كفيلة لوحدها بتصليبها حتى لو كانت من المطاط المقوى.
كان لا بد من هجران ذلك القزم الخبيث الكريه "السيجارة" رغم لذتها صباحا مع القهوة وفي أي توقيت من النهار بعد الأكل أو عند تحبير مقال وف كل حالات التركيز ووقت السهر.
ومع ذلك كان لا بد من القطع معها ولكن جوزيف كان على درجة من الوفاء لعاداته ومؤثثات حياته فلم يقو على ذلك.
من منا كان يتوقع أن يتعجّل "عزرائيل" زيارته؟ ولم تكن المنيّة رحيمة ولو للحظة.
أه "يا صاحبي أضنيت جسمك" (1) فيا لوعتنا ولوعة كلّ أحبابك الذين ساروا وراءك إلى حيث مثواك وعادوا من دونك يتجرّعون الأسى والألم.
كلّ له أسبابه ودوافعه وتبريراته وذرائعه وأعذاره وتفسيره واعتباراته وحججه. وكل كان يتجرّع المرارة على طريقته وبمقدار ما كان يختلج داخله من مشاعر.
كان هناك، دون احتساب العائلية القريبة الضيقة، بعض من أتراب الصبا وممن اقتسم واياك أحلام الشباب وثورة الوعي أيام الجامعة وبعض من عايشوك مهنة المشاق وكثير ممن لم تتقاطع ثناياهم مع كل الدروب التي جئت منها ولكنهم شاطروك الأفكار والمبادئ والاحلام وساروا وإياك كتف بكتف للهتاف باسم الحرية والعدالة والمساواة والتقدم والاشتراكية والحب.
كانوا كلهم ههنا عند تشييعك. جاؤوا يحملون خزائن الذكريات التي انبعثت حية وملأت الأجواء بعطر الماضي.
دخل جوزيف مبكرا ساحة المعركة من بوابة الحركة التلمذية بمدينة تبرسق ثم بعموم الجهة وسرعان ما أبرز كاريزما قيادية جعلت من شعار "التصدي لتحية العلم" التي أقرها محمد الصياح في أواخر عهد بورقيبة عنوان معركة إن لم تنجح في إفشال هذا التقليد الجديد فإنها أفلحت في إفراز نواة جيل جديد من المناضلين سيكون لهم شأن في الحركة التلمذية والطلابية.
كان يوسف في مقدمة هذا الجيل حالما التحق بالجامعة. فنشط ضمن اتحاد الشباب الشيوعي التونسي ومن خلاله ساهم في إعادة بناء الاتحاد العام لطلبة تونس. تميز عن باقي رفاقه ورفيقاته بخصال بوأته بسرعة مكانة قيادية في "الهيكل المركزي للجامعة" باسمه المستعار والحقيقي في ذات الوقت جوزيف.
جوزيف وعادل وبسّام قلة من ثلة متفوقة نضاليا وكفاحيا صارعت على واجهات متعددة الإدارة والبوليس الجامعي (بقايا الفيجيل) من جهة وضد المجموعات الاخوانية من جهة ثانية وضد بقية تيارات اليسار من جهة ثالثة. كان مدار الصراع من يفوز بالريادة. وقد قاد هذا "الهيكل" اتحاد الشباب إلى ريادة النضال الطلابي نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي.
تميز جوزيف في هذه التجربة بالقدرة على الاستيعاب والمجادلة والاقناع. يمزج بين الحركية الميدانية والقيادة الفكرية والسياسية الامر الذي رشحه إلى ان يكون في القيادة الوطنية لاتحاد الشباب.
انتشر "اتحاد الشباب" واكتسح كل الأجزاء الجامعية تقريبا وكاد يتفرد بقيادة الاتحاد العام لطلبة تونس. وتولى جوزيف الاشراف المباشر على الفريق العامل في الهياكل القيادية للنقابة الطلابية. وإلى ذلك تعددت اهتمامات اتحاد الشباب وتنوعت وامتد تأثيره بقوة في المعاهد الثانوية وغي نوادي السينما وجمعيات أحباء المكتبة والكتاب. وأصبحت الدهماني وجبنيانة وقصر هلال وقعفور وقفصة وقابس وغيرها من المدن والقرى معاقل قوية لاتحاد الشباب الذي تمرست قيادته على إدارة "ماكينة" مترامية الأطراف وتدرب فيها جوزيف وأثبت جدارة قيادية جلبت له التقدير والمحبة وفتحت في وجهه أبواب المستقبل واسعة.
حينما التحق جوزيف بعالم الصحافة لم يجد صعوبة في التأقلم مع الفضاء الجديد ذلك أنه دأب لفترة دويلة على إصدار جريدة اتحاد الشباب "إلى الأمام" التي كانت تصدر كل 15 يوم وكان جوزيف من أبرز محرريها وأقلامها. كما لم يجد صعوبة في اقتحام أكبر المؤسسات الصحفية في تونس جريدة "الشروق" حتى أصبح من أبرز محرري "الوطنية". وقد تقلب على كل أركانها ونسج فيها علاقات وصداقات مع عدد واسع من الصحافيين مازالوا يحفظون له أعمق مشاعر المودة والاحترام.
وكانت له تجربة قصيرة كرئيس تحرير في جريدة "الراية" ثم "آخر خبر" قبل أن يحط الرحال في جريدة "الشعب" لسان حال اتحاد الشغل حيث ظل يرأس تحريرها حتى إحالته على التقاعد شهر ديسمبر من العام الماضي.
باشر جوزيف مهمته في الدفاع عن زملائه بإعلان التضامن مع كل مظلوم وبتدبير كل أعمال الضغط دفاعا عن مطالب مادية ومهنية لزميلات وزملاء تعرضوا للتعسف حتى أنتخب سنة 2014 عضوا بالمكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين. وقد خبره صحافيو وصحافيات تونس واكتشفوا في النقابي المبدئي والشجاع والعملي الذي لا يكتفي بالوعود والخطب و"يقضي الحوائج" بكل حكمة واقتدار. وتولى لاحقا رئاسة مؤتمر النقابة الوطنية للصحافيين.
لقد اكتشف التونسيات والتونسيون بعد الثورة ومن خلال البرامج التلفزية محاورا مطلعا وعارفا بشؤون البلاد نصيرا لقضايا الحق وللفقراء والكادحين وخطيبا مقتدرا وصاحب مبادئ مقنعا لا يلين في الدفاع عن أفكاره ومبادئه.
تلك هي صفات جوزيف الصحفي والنقابي والمناضل اليساري التقدمي التي تتغذى من صفات وخصال أخرى أخلاقية راقية تميز شخصيته. هو جوزيف الهادي "واسع البال" الكريم "ولد باب الله" البشوش الخلوق المتزن.
لا شك، وكما يقال، أنّ "الموت حق" علينا جميعا "فما هذه الدنيا بدار قرار" ولكن الفَقْدُ هو الفقدُ، والألم هو الألم.
فيا لوعة راضية وشاهين وخلود وسيرين ويا لوعة والدك ووالدتك ويا لوعة رفاقك وأحبابك وزميلاتك وزملائك وجيرانك (2) وكل معارفك.
لك منا جميعا ونحن نودعك أصدق مشاعر الحب وعبارات التقدير
لك المجد والخلود يا صاحبي.



هوامش
1 – قصيدة كتبها الشاعر إيليا أبو ماضي في رثاء صديقه ميخائيل نعيمة طالعها:
يا نَفسُ قَدْ ذَهَب الرَفيقُ الأَلمَعِي
فَتَجَلَّدي لِفُراقِهِ أَوْ فَاِجزُعِي
2 – لمن لا يعرف أن جوزيف كان حارس مرمى فريق حمام الانف في كرة اليد.



#جيلاني_الهمامي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 25 جويلية: تاريخ نهاية البايات وتاريخ عودتهم
- الدولار مقابل اليورو - ترجمة
- كرة القدم: الفرجة والأفيون والارباح
- غزة: الجريمة التي لا تنتهي هل ينهيها ويتكوف؟
- الحرب على إيران: تمرين خاطف لقضاء مآرب عدة
- البنكور - ترجمة
- حرْبُ الكيان على إيران: تدشين عهد -الشرق الأوسط الجديد- في ن ...
- قانون الشيكات الجديد -جَا يُطُبَّهَا عْمَاهَا-
- الحرب التجارية الامريكية الأوروبية حلقة في نظام الفوضى العال ...
- كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ا ...
- نظريات الأزمات ودورات كوندراتييف Kondratiev، أي توازن 1974 – ...
- تعليق أولي على الهيئة الإدارية الأخيرة
- كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ا ...
- الاتحاد العام التونسي للشغل أزمة تخفى أزمة
- كيف جاء قيس سعيد وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ال ...
- غرة ماي: الاحتفال ثم بعد ؟؟
- كيف جاء قيس سعيد؟ وهل أفلح في صنع قاعدته الاجتماعية وحزامه ا ...
- عاد الفاتح من ماي... وضاعت مكاسبه
- دونالد ترامب - النص الكامل
- دونالد هتلر (الجزء الثالث والاخيرة)


المزيد.....




- م.م.ن.ص// لا نقبل التشتيت.. ولا تراجع عن مواجهة الهدم!
- المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي ينعي الرفيق أحم ...
- حزب العمال: العصابة الصّهيونية تعربد من جديد وتعتدي على سفين ...
- الرفيق عزوز الصنهاجي، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتر ...
- أحمد العبادي عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب ضيف بو ...
- تيسير خالد : تفوقوا على النازيين الهتلريين في - كرمهم الانسا ...
- تركيا تفرج عن أحد  مساعدي عبدالله أوجلان بعد 31 عاما في السج ...
- الولايات المتحدة تنتقد إفراج فرنسا عن المناضل جورج عبد الله ...
- الجبهة الشعبية تدين بأشد العبارات القرصنة الصهيونية على سفين ...
- الولايات المتحدة تنتقد إفراج فرنسا عن المناضل جورج عبد الله ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - جيلاني الهمامي - يا صاحِبي أَضنَيتَ جِسمَكَ (1)