أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ليليث في أساطير اليونان والرومان ووادي الرافدين والديانات التوحيدية اليهودية والمسيحية والإسلام















المزيد.....

ليليث في أساطير اليونان والرومان ووادي الرافدين والديانات التوحيدية اليهودية والمسيحية والإسلام


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 12:02
المحور: قضايا ثقافية
    


‏ليليث في أساطير اليونان والرومان ووادي الرافدين والديانات التوحيدية اليهودية والمسيحية والإسلام

‏ملخّص البحث

‏يهدف هذا المقال إلى تتبّع صورة "ليليث" عبر الحضارات القديمة والديانات اللاحقة، من جذورها الرافدية الأولى حتى تجلياتها في الفكر اليهودي والمسيحي والإسلامي. تمثّل ليليث نموذجًا أسطوريًا متحوّلًا، تتراوح دلالاته بين الأنثى المتمرّدة، والروح الشريرة، والإلهة الساقطة، والرمز النسوي للتحرّر. يعرض البحث تطور الأسطورة وتحولاتها الرمزية في ضوء السياقات الدينية والاجتماعية المختلفة.


‏---

‏مقدمة

‏تُعدّ "ليليث" واحدة من أكثر الشخصيات الأسطورية إثارة للجدل في تاريخ الميثولوجيا القديمة. فقد ظهرت أول مرة في أساطير وادي الرافدين، ثم تسللت إلى الموروث العبري، وتحوّلت لاحقًا إلى رمز معقد في الفكر المسيحي والإسلامي. كما نجد ما يشبهها من صورٍ وأدوار في أساطير اليونان والرومان، ما يشي بوجود أصل مشترك لمفهوم "الأنثى المتمردة" على النظام الأبوي أو الإلهي.


‏---

‏أولاً: ليليث في أساطير وادي الرافدين

‏يُعتقد أن أقدم ظهور لاسم "ليليث" يعود إلى النصوص السومرية والأكدية، لا سيما في ملحمة جلجامش ولوحات السحر البابلي.

‏في النصوص السومرية تُعرف باسم “ليليتو” أو “ليلّو”، وهي روح هواء أو ريح ليلية ترتبط بالمرض والموت والعقم.

‏في الألواح البابلية تُذكر "ليليث" كـ أنثى شيطانية تسكن الخرائب وتهاجم الأطفال والنساء الحوامل.

‏إلا أن بعض الباحثين (مثل صموئيل كريمر) يرون أن أصلها لم يكن شيطانياً بالضرورة، بل تجسيداً لقوة أنثوية من قوى الطبيعة، تمّ شيطنتها لاحقاً مع تحوّل المعتقدات الدينية نحو التوحيد الذكوري.



‏---

‏ثانياً: ليليث في أساطير اليونان والرومان

‏رغم أن اسم "ليليث" لا يظهر صراحة في الأساطير الإغريقية والرومانية، إلا أن صوراً مشابهة تتكرر في شخصيات مثل:

‏لاميـا (Lamia): امرأة جميلة عاقبها الإله زيوس، فتحوّلت إلى كائن ليليّ يختطف الأطفال ويمتص دماءهم.

‏إمبوسا (Empusa) ومورو (Mormo): مخلوقات نسوية شيطانية تغوي الرجال ليلاً وتتغذّى على دمائهم.
‏تُظهر هذه النماذج وحدة في الرؤية الأسطورية بين الشرق الأدنى والبحر المتوسط، إذ تمثل المرأة الخارجة عن النظام الإلهي أو الذكوري رمزاً للفوضى والخطر، وغالباً ما تُربط بالليل، والعقم، والجنون.



‏---

‏ثالثاً: ليليث في الديانة اليهودية

‏في النص العبري، لا يرد اسم ليليث إلا مرة واحدة في سفر إشعياء (34:14):

‏> “تستقر هناك ليليث وتجد لنفسها مكان راحة.”
‏وقد فسّرها المفسرون اليهود على أنها روح ليلية أو شيطانة.
‏لكن الصورة الكاملة تتبلور في الأدب التلمودي والمدراش، حيث تُقدّم ليليث على أنها الزوجة الأولى لآدم التي خُلقت مثله من التراب، فرفضت الخضوع له، وغادرت الجنة بإرادتها.
‏هذا التمرد جعلها تُلعن وتتحول إلى شيطانة تقتل الأطفال وتغوي الرجال في أحلامهم.
‏في الفكر الكابالي (التصوف اليهودي)، صارت رمزًا للأنوثة المظلمة المقابلة لـ"حواء النورانية"، مما يعكس ازدواجية النظرة إلى المرأة بين الطهارة والإغواء.




‏---

‏رابعاً: ليليث في الفكر المسيحي

‏لم تتبنَّ المسيحية المبكرة أسطورة ليليث صراحة، لكنها ورثت رموزها ضمن مفهوم “المرأة الخاطئة” أو “حواء الثانية”.

‏في التفاسير الآبائية، تظهر ليليث بوصفها رمزاً للشيطان المتجسّد في الإغواء الأنثوي.

‏وفي الفن القوطي والنهضوي، كثيراً ما صُوِّرت على شكل امرأة فاتنة يلتف حولها الأفعى، في استعارة تجمع بين حواء والأفعى وليليث في كيان واحد.
‏وبهذا أصبحت ليليث في الفكر المسيحي رمزاً لـ الخطيئة الأولى ورفض الطاعة الإلهية.



‏---

‏خامساً: ليليث في الفكر الإسلامي

‏لا يظهر اسم "ليليث" في النصوص الإسلامية (القرآن والحديث)، لكن بعض المرويات الإسرائيلية التي تسربت إلى التراث التفسيري والقصصي الإسلامي تتحدث عن امرأة أولى لآدم تركته قبل خلق حواء.
‏إلا أن الفكر الإسلامي ينكر هذه الرواية، مؤكدًا أن حواء هي الزوجة الأولى والوحيدة لآدم.
‏ومع ذلك، يمكن ملاحظة أن مفهوم الجنّيات والنساء الشيطانيات في الأدب الشعبي الإسلامي (مثل “الغيلان” و“السعلوات”) يشترك مع صورة ليليث في خصائصه: الجمال المظلم، والغواية الليلية، والخطر على الرجال والأطفال.
‏لكن الإسلام، بخلاف الموروثات السابقة، لا يمنح هذه الكائنات سلطة رمزية، بل يدرجها في نطاق عالم الجنّ الخاضع لإرادة الله وحده.


‏---

‏سادساً: ليليث في الفكر الحديث والرمزية النسوية

‏في العصر الحديث، أعيد إحياء شخصية ليليث بوصفها رمزاً للتحرّر الأنثوي ومقاومة البنية الذكورية في الأديان والمجتمعات.
‏فقد تبنتها الحركات النسوية الغربية كشخصية رمزية تمثل الأنثى التي رفضت الخضوع للرجل وللسلطة الإلهية الأبوية.
‏تظهر في الأدب الحديث، والفن التشكيلي، والشعر، بوصفها صوت المرأة المقموع والمتمرد على التقاليد الأبوية.


‏---

‏خاتمة

‏إن تتبّع أسطورة ليليث عبر التاريخ يكشف عن تطور نظرة الإنسان إلى المرأة والأنوثة والحرية.
‏من روح الطبيعة القديمة في وادي الرافدين إلى الشيطانة في التلمود، ومن الإغواء في المسيحية إلى الغياب شبه التام في الإسلام، ظلّت ليليث مرآةً تعكس توتر العلاقة بين الأنوثة والسلطة في الوعي الجمعي الإنساني.
‏وهكذا، فإن ليليث ليست مجرد أسطورة، بل رمز دائم التحوّل، يعبّر عن خوف الحضارات من الأنثى حين ترفض الطاعة وتختار طريقها الخاص.


‏---

‏المراجع

‏1. كريمر، صموئيل نوح. الأسطورة في بلاد الرافدين القديمة. ترجمة د. فاضل عبد الواحد، بغداد: دار الحرية، 1985.


‏2. فريدمان، يارون. الموروث اليهودي في الديانات الإبراهيمية. جامعة تل أبيب، 2010.


‏3. Graves, Robert & Patai, Raphael. Hebrew Myths: The Book of Genesis. London: Penguin, 1983.


‏4. Patai, Raphael. The Hebrew Goddess. Detroit: Wayne State University Press, 1990.


‏5. Fontenrose, Joseph. The Greek Myth of Lamia. University of California Press, 1959.


‏6. Scholem, Gershom. Kabbalah. New York: Dorset Press, 1987.


‏7. عبد الرحمن بدوي. موسوعة الأسطورة في الفكر الإنساني. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993.




#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين خيبات الحياة ونور القلب
- قضايا تسلا الحرجة
- ‏مستقبل المعلمين في عصر الذكاء الصناعي: بين الأتمتة والأنسنة ...
- ‏تغيير الصورة النمطية عن العلويين: مقاربة اجتماعية وثقافية
- ‏السريالية في السياسة الحديثة ‏
- الأدب ومذاهبه في العصر الحديث
- التطرف في الأديان التوحيدية
- الوعي واللاوعي في العصر الحديث
- الوحدة العربية: حلم أم واقع ممكن؟
- الفزعة عند العرب
- ‏العصيان المدني ، تعريفه ، أسبابه، أشكاله، مظاهره،  تطوره،مع ...
- ‏التحريض ضد الطوائف: تعريفه، أسبابه، أشكاله، مبرراته، مخاطره ...
- الخداع في الشرق الأوسط
- الخطأ كقيمة إنسانية: من السقوط إلى الارتقاء
- عندما ينحدر الحكام
- التعفيش ممارسات نَهب ممنهج ومخاطر على الدولة والمجتمع
- الجنرال ماك آرثر، صانع يابان ما بعد الحرب
- يا قاتلي
- مالا ينطق به الليان تنطق به العين
- ‏الأمم المتحدة: خطاباتٌ عظيمة… وأزماتٌ تستمر بلا حل


المزيد.....




- ترامب: سيتم إطلاق سراح الرهائن من غزة الاثنين أو الثلاثاء
- الفلسطينيون يحتفلون في غزة بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حي ...
- على غرار تجربة مولدوفا.. نائب لبناني يدعو إلى تحويل أنفاق - ...
- -هذه الشهادات الاستثنائية ثمرة جهودهم-.. البابا ليو الرابع ع ...
- الولايات المتحدة تفرض حزمة عقوبات جديدة تستهدف قطاع النفط ال ...
- غـزة: هـل تـنـتـهـي الـحـرب بـمـوجـب خـطـة تـرامـب؟
- شهداء وعشرات المفقودين في مجزرة إسرائيلية بغزة
- قراءة إسرائيلية في اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
- خليل الحية: نعلن التوصل لاتفاق لـ-إنهاء الحرب- في غزة.. وتلق ...
- غزة: هل يحقق اتفاق المرحلة الأولى آمال الغزيين وأهالي الرهائ ...


المزيد.....

- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ليليث في أساطير اليونان والرومان ووادي الرافدين والديانات التوحيدية اليهودية والمسيحية والإسلام