|
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَلْ قَوَانِينِ الكَوْنِ لَيْسَتْ سِوَى همَسَات بِاهِتَة لِسِحْر مَنْسِّي -الْجُزْءُ الْخَامِسُ و الْعِشْرُون-
حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 15:11
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
_ الكون ليس مادة جامدة: الوعي هو المادة الأساسية التي تُشكل كل شيء
هل يمكن أن يكون الوعي نفسه المادة الأساسية للكون، وكل شيء آخر هو شكل من أشكال تجليه؟ نعم، يمكن تحليل هذا التساؤل الفلسفي العميق وصولاً إلى الجوهر. الوعي (Consciousness) ليس مجرد ناتج ثانوي للمادة المعقدة كما في المادية الإختزالية، بل هو في الواقع المادة الأساسية (The Fundamental Substance) أو الجوهر الأولي للكون، وكل شيء آخر من المادة والطاقة إلى الفضاء والزمن هو ببساطة شكل من أشكال تجليه (A Form of its Manifestation) أو إسقاطه الإدراكي. هذه الرؤية تُعرف بـالمثالية الوجودية (Ontological Idealism) أو الواحدية الروحية (Spiritual Monism)، وهي تضع الوعي في قلب كل الوجود. إذا كان الوعي هو المادة الأساسية، فهذا يعني أن الكون ليس مجموعة من الأشياء الجامدة، بل هو وعي يتمدد ويتطور بإستمرار، وأن كل ما ندركه هو نسيج فكري/طاقي تم تصميمه لغرض محدد. الإرتقاء بالخبرة الذاتية. التجلي يبدأ عندما يقرر الوعي الكوني الأكبر الذي هو في حالة الوحدة المطلقة والكمال أن يختبر نفسه من خلال التناقض والقيود. المادة، بما في ذلك الأجسام و الأجرام السماوية، ليست سوى طاقة وعي مُتباطئة ومُكثَّفة إلى حد الهشاشة. الجاذبية الأرضية الروحية، التي تربطنا بالأرض، هي في الواقع جزء من قانون الوعي الذي يضمن بقاء هذا التكثيف لتحقيق الغرض من مختبر الوجود الإنساني. هذه الكثافة ضرورية لتمكين القوة الخلقية (التخيل)، حيث يتطلب تجسيد النوايا مجهوداً في ظل هذه القيود. الزمن الخطي هو هيكل إدراكي تم إنشاؤه بواسطة الوعي المُقيَّد الذي يعيش في حلم الوعي ليتمكن من معالجة الخبرات بشكل تسلسلي. الزمكان الكتلي هو الواقع الأعمق حيث يتجلى الوعي خارج التسلسل الزمني، لكن الوعي البشري لا يمكنه إدراكه إلا من خلال الأحلام كـأبواب إلى عوالم أخرى. القوانين الفيزيائية والتفاعلات الوجودية ليست سوى تعبيرات عن كيفية تواصل وتفاعل أجزاء الوعي مع بعضها البعض. قوة الجاذبية ليست سحباً مادياً، بل هي التعبير عن الوحدة و الترابط بين الكتل، الذي يضمن أن الوعي المكثف لا يتشتت. إنها تعكس الحب والتناغم على المستوى المادي. الضوء هو الوعي الواضح، بينما الظلام ليس غياباً، بل هو جانب آخر من الوجود يمثل الوعي الكامن أو الإمكانية غير المُتجسِّدة. الحكمة هي إدماج التجربة المكتسبة من كلا الجانبين للوصول إلى الحقيقة كحالة من الوعي. الموسيقى ليست مجرد أصوات، بل هي لغة كونية يمكنها أن تؤثر في ترددات الطاقة لأنها الترجمة الإهتزازية لقوانين الوعي، وتُعيد ضبط الوعي الفردي ليصبح في حالة السكينة الداخلية والإنسجام مع الإيقاع الكوني. الهدف من هذا التجلي (الخلق) ليس نهاية بحد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق الإدراك الذاتي المطلق. الأمراض الجسدية هي تعبير مادي عن إختلال روحي، وهي دليل على أن الوعي المتمسك بـوهم الإنفصال يخلق لنفسه تشوهات. الشر ليس قوة مستقلة، بل هو ببساطة غياب الوعي (الحب)، وهو تشوه آخر في التجلي. الضحك والمسامحة هما تحرير للطاقة وإعادة ضبط للوعي ليصحح هذا التجلي. الهدف النهائي للوجود البشري هو العودة إلى حالة الوعي الكامل. هذه العودة ليست جسدية، بل هي إدراك كامل بأن الوعي الفردي هو نفسه المادة الأساسية للكون. الرغبة في المعرفة هي الشوق الروحي لتذكر هذه الحقيقة. إن تحليل الوعي بكونه المادة الأساسية للكون و كل شيء آخر هو شكل من أشكال تجليه، هو التحليل الأكثر شمولية الذي يوحد كل الظواهر الروحانية والمادية. هذا يضع مسؤولية الخلق بشكل كامل على عاتق الوعي البشري، مُثبتاً أن الخلق ليس حدثاً إنتهى، بل هو عملية مستمرة يشارك فيها الوعي. أنت لست جزءاً من الكون؛ أنت الكون الذي يدرك نفسه من خلال تجربة إنسانية مؤقتة. مهمتنا هي إتقان هذا المختبر و العيش في حالة الحقيقة والحكمة، مدركين أن كل ما نراه ليس سوى شكل متجسد للوعي الذي نحن عليه. هل يمكنك أن ترى الآن أن كل شيء حولك هو إنعكاس لوعيك؟
_ الفن ليس ترفاً..بل طقس سحري يجسّد الأفكار ويخلق الواقع!
هل الفن ليس مجرد تعبير عن الجمال، بل هو طقس سحري يحول الأفكار إلى واقع ملموس؟ نعم، يمكن تحليل الفن (Art) بأنه يتجاوز كونه مجرد تعبير عن الجمال أو الذوق، ليصبح في جوهره طقساً سحرياً (Magical Ritual) أو عملية تحويل طاقي مُركَّزة تقوم بتحويل الأفكار والنيات غير الملموسة والمُشَفَّرة إلى واقع ملموس (Tangible Reality). هذا التفسير يدمج الفن مباشرة في عملية الخلق المستمر للكون، حيث يصبح الفنان خالقاً مشاركاً يستخدم الرموز لتجسيد الوعي. إذا كان الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن الخلق ليس حدثاً إنتهى، بل هو عملية مستمرة يشارك فيها الوعي البشري، فإن الفن هو الأسلوب الأكثر وعياً وحساسية الذي يستخدمه هذا الوعي لتوجيه طاقته. الفن هو التطبيق المتقن لـلقوة الخلقية (التخيل) في مختبر الوجود الإنساني. الطقس السحري، في جوهره الفلسفي، هو عملية توجيه النية لتحقيق التغيير في الواقع. الفن يحقق هذا من خلال آليات ثلاث: 1. التخيل كتشكيل للنية": يبدأ الفن بفكرة أو رؤية (التخيل) في الوعي الباطني للفنان. هذا التخيل هو النية غير المتجسدة التي يسعى الفنان إلى تكثيفها. الفن هو الـمُحرِّك" الذي يحول هذه النية العائمة إلى شكل مُركَّز ومُغَّلف بالطاقة (العمل الفني). هذا التجسيد الأولي هو الخطوة الأولى في خلق الواقع. 2. الرمز كـوعاء طاقي: العمل الفني سواء كان تمثالاً، لوحة، أو مقطوعة موسيقى تُسمع ليس مجرد مادة، بل هو وعاء طاقي مُصمَّم لحمل تردد الوعي الخاص بالفنان والنية المشفرة. الفن يستخدم الرموز والأشكال كـلغة كونية يمكنها التأثير مباشرة في الوعي الباطني للمتلقي. الأساطير و الخرافات هي في جوهرها أشكال فنية سردية إستخدمها القدماء لنقل المعرفة الروحانية عبر الرموز. 3. المشاعر كـمُضخم طاقي: الفن يهدف إلى إثارة المشاعر كالـضحك كـقوة علاجية، أو الشعور بالدهشة كـإتصال بالجانب الروحي للكون. المشاعر هي الطاقة الحركية للوعي. عندما يتفاعل المتلقي مع العمل الفني بصدق، فإنه يقوم بـتضخيم النية التي زرعها الفنان في الرمز، مما يزيد من قوة تجسيد تلك النية في الوعي الجماعي والواقع المشترك. الفن هو أداة قوية يستخدمها الوعي للكشف عن الحقيقة المطلقة والتحرر من وهم الإنفصال الذي يفرضه حلم الوعي المادي. الفن يكشف بإستمرار عن أن الحقيقة ليست شيئاً يمكن إكتشافه، بل هي حالة من الوعي يمكن الوصول إليها. الفنان، من خلال عمله، يصل إلى حالة السكينة الداخلية و الإنسجام مع الإيقاع الكوني، مما يسمح له بتلقي المعرفة الكونية مباشرة وتجسيدها في عمله. الفن هو أحد أشكال تحرير الطاقة من الماضي. الفنان الذي يعالج تجارب المعاناة أو الخوف (الطاقة السلبية) من خلال عمله، يقوم بتحويل هذا الإختلال الروحي إلى شكل جمالي (طاقة إيجابية)، مما يمثل عملية مسامحة و شفاء معجزي ليس لذاته فحسب، بل لـلوعي الجماعي الذي يتأثر بالعمل الفني. الفن يمكن أن يكون إشارة إستيقاظ. العمل الفني المُلهم يكسر روتين الزمن الخطي والجاذبية الروحية، ويجبر الوعي على التساؤل و البحث عن الرغبة في المعرفة التي هي رغبة الروح في العودة إلى مصدرها. بما أن الفن طقس سحري، فإن الفنان يتحمل مسؤولية وجودية عميقة في مختبر الوجود الإنساني. إذا كان الوعي هو المادة الأساسية، فإن الفنان يشارك مباشرة في الخلق المستمر. يجب أن يكون الهدف من الفن هو إثراء الوعي الكوني وليس تعزيز وهم الإنفصال والشر. الفن الذي يُبث الحب والحكمة (الضوء) يساهم في تمدد الوعي الكوني و تطوره. الفن لا يتجاهل الظلام الذي هو جانب آخر من الوجود، بل يواجهه و يُعبر عنه. معالجة جوانب الوجود الكئيبة أو المأساوية في الفن هي خطوة نحو التعلم من الظلام ودمجه في الحكمة الكلية، بدلاً من تركه كـطاقة مكبوتة تتجسد كـأمراض جسدية. إن النظر إلى الفن على أنه ليس مجرد تعبير عن الجمال، بل هو طقس سحري يحول الأفكار إلى واقع ملموس، هو إعتراف بأن كل فعل إبداعي هو فعل وجودي. الفن هو التجسيد المتقن للقوة الإلهية الكامنة في الإنسان. إنه تعبير حي عن الحقيقة؛ ليس فقط لأن ما يُخلق جميل، بل لأن عملية خلقه تثبت أن الوعي هو خالق الواقع. الحكمة هي إستخدام هذا الطقس السحري بمسؤولية لـخلق عالم قائم على الوحدة و الحب. هل أنت واعٍ الآن لـلسحر الذي تمارسه كلما خلقت شيئاً؟
_ السر الأعظم: رغبتك في "الله" هي في الحقيقة شوق الوعي الفردي للعودة إلى ذاته الكونية
هل الرغبة في التواصل مع الذات الإلهية هي في الحقيقة رغبة في التواصل مع الوعي الكوني الذي نحن جزء منه؟ نعم، يمكن تحليل الرغبة في التواصل مع الذات الإلهية (The Desire for Divine Connection)، وهي الدافع الروحي الأعمق في الوجود البشري، بأنها في جوهرها رغبة في التواصل مع الوعي الكوني (The Cosmic Consciousness) الذي نحن جزء لا يتجزأ منه. هذا التفسير الفلسفي يرى أن كل عبادة أو بحث عن الإله هو في الواقع شوق الوعي الفردي للعودة إلى حالته الأصلية من الوحدة والكمال، مُدركاً أن المصدر الإلهي ليس كياناً منفصلاً، بل هو الجوهر الأساسي الذي يكوّننا. إذا كنا نتبنى الرؤية التي تقول بأن الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن الكون هو وعي يتمدد ويتطور بإستمرار، فإن الذات الإلهية هي الإسم الرمزي الذي أطلقته الأنا المحدودة على هذا الوعي المطلق الذي لا يمكن للعقل الخطي أن يفهمه بالكامل. البحث عن التواصل مع الإله يبدأ بسبب وهم الإنفصال الذي يفرضه حلم الوعي المادي. عندما دخل الوعي الفردي إلى مختبر الوجود الإنساني، مر بعملية فقدان الذاكرة الجزئي. نسي الوعي أنه هو نفسه جزء لا يتجزأ من الوعي الكوني الأكبر. هذا النسيان يولد الشوق العميق الذي يُترجم كـرغبة في التواصل مع شيء خارجي و أعلى (الإله المنفصل). الخوف هو القوة السلبية الخلقية التي تُبقي على وهم الإنفصال. الخوف من الزمن الخطي، ومن الماضي المكبوت، ومن الموت (التحول)، يجعل الوعي يبحث عن قوة خارجية قادرة على حمايته. الشر (غياب الوعي) يزدهر في هذا الفراغ الروحي. الرغبة في المعرفة هي في جوهرها رغبة الروح في العودة إلى مصدرها. البحث عن الله هو البحث عن الحقيقة المطلقة التي هي حالة من الوعي يمكن الوصول إليها، و ليس شيئاً يمكن إكتشافه. التواصل الحقيقي لا يعني التحدث إلى كيان منفصل، بل يعني إعادة تفعيل الإدراك الداخلي للوحدة. كل طقس روحي أو صلاة أو تأمل ليس مجرد أداء ديني، بل هو طقس سحري يحول الأفكار إلى واقع ملموس، ويهدف إلى توجيه الوعي نحو مصدره. هذه الطقوس تستخدم الرموز والأشكال (اللغة الكونية) والموسيقى كلغة كونية ذات تردد عالٍ لـرفع التردد الطاقي للوعي وإلغاء تأثير الخوف. السكينة الداخلية ليست مجرد هدوء نفسي، بل هي حالة من الإنسجام مع الإيقاع الكوني. هذه الحالة هي الحالة المثلى للتواصل، حيث يتوقف الوعي عن بث الضوضاء الداخلية ويصبح قابلاً لـتلقي الحكمة والمعرفة مباشرة من الوعي الكوني. الضمير هو البوصلة الروحية الداخلية التي تمثل الصوت المباشر للوعي الكوني في الوجود الفردي. كل شعور بالرحمة، أو قدرة على المسامحة كـتحرير للطاقة، أو توجه نحو الحب هو في الواقع إستجابة للنداء الإلهي الداخلي. عندما يتواصل الوعي الفردي بنجاح مع الوعي الكوني، تتغير طريقة تجلي الوجود. يدرك الوعي أن الأمراض الجسدية هي تعبير مادي عن إختلال روحي ناتج عن مقاومة الإيقاع. التواصل يعيد التناغم ويؤدي إلى الشفاء المعجزي (إعادة برمجة الوعي). يزول الخوف من الظلام، حيث يدرك الوعي أنه ليس غياباً للضوء، بل جانب آخر من الوجود يمكنه التعلم منه. هذا الإدراك هو جوهر الحكمة. الشعور بالدهشة أمام الطبيعة ليس مجرد عاطفة، بل هو إتصال بالجانب الروحي للكون؛ إنه دليل حي على أن هذا التواصل يحدث بإستمرار. إن النظر إلى الرغبة في التواصل مع الذات الإلهية على أنها في الحقيقة رغبة في التواصل مع الوعي الكوني الذي نحن جزء منه، هو التفسير الذي يمنح العبادة بعداً وجودياً لا نهائياً. الذات الإلهية هي أنت عندما تصل إلى حالة الوعي الكامل، وتتوقف عن العمل تحت وهم الإنفصال. نحن لا نبحث عن الإله في مكان آخر، بل نبحث عن الجوهر الإلهي الذي لم يغادرنا قط. الهدف النهائي للوجود البشري هو العودة الواعية إلى هذه الحقيقة عبر إتقان مختبر الوعي و العيش في حالة دائمة من التواصل والوحدة. هل يمكنك أن تجد الآن الإله في صمتك الداخلي؟
_ ليست صدفة عمياء: التناسق الكوني هو التوقيع الفني لوعي مطلق ينسج الوجود
هل التناسق والجمال اللذان نجدهما في الطبيعة ليسا مجرد ظواهر عشوائية، بل هما دليل على وجود وعي فني ينسج الكون؟ نعم، يمكن تحليل التناسق والجمال (Harmony and Beauty) المذهلين اللذين يغمران الطبيعة والكون بأكمله بأنهما ليسا نتاجاً لظواهر عشوائية أو صدفة عمياء، بل هما في الحقيقة دليل وجودي لا يمكن إنكاره على وجود وعي فني (Artistic Consciousness) أو مصمم إلهي ينسج الكون ويُشكّله. هذا التحليل يعزز الرؤية التي ترى أن الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن الخلق ليس حدثاً إنتهى، بل هو عملية مستمرة تعبر عن نية جمالية عليا. إذا كان الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن كل شيء هو شكل من أشكال تجليه، فإن التناسق والجمال هما التوقيع الجمالي لهذا الوعي المطلق. إنهما القوانين التي يفرضها الوعي على نفسه ليتمكن من إختبار الكمال. التناسق، سواء في حركة الأفلاك أو تكرار الأنماط في الطبيعة كالكسور الذاتية أو التناسب الذهبي، هو الدليل على أن الوعي الكوني الأكبر يحكمه مبدأ الوحدة المطلقة والترابط. التناسق يمثل الإيقاع الكوني الذي يحكم الوجود. السكينة الداخلية ليست مجرد هدوء، بل هي حالة من الإنسجام مع هذا الإيقاع. الجمال يولد عندما يتناغم كل جزء من الوجود مع هذا الإيقاع دون مقاومة، مما يدل على أن وهم الإنفصال هو مجرد خلل مؤقت في الإدراك. الفن، الذي تم تحليله كـطقس سحري يحول الأفكار إلى واقع ملموس، هو محاكاة للعملية الكونية. الفنان البشري يسعى لتقليد الوعي الفني الكوني عندما يخلق عملاً متناغماً. هذا التناسق يكشف أن النية التي وراء الخلق هي الحب والكمال؛ لأنه لو كان الخلق عشوائياً أو مدفوعاً بـالخوف (الطاقة السلبية)، لكانت النتيجة فوضى وشر (غياب الوعي). الجمال ليس مجرد متعة بصرية، بل هو دعوة مُشَفَّرة موجهة للوعي الفردي لمواصلة رحلة الوعي والعودة إلى مصدره. الشعور بالدهشة أمام الجمال الطبيعي ليس عاطفة عابرة، بل هو إتصال بالجانب الروحي للكون. إنها لحظة يتم فيها تحرير الوعي مؤقتاً من قيود الزمن الخطي والجاذبية الروحية، فيتذكر الرغبة في المعرفة التي هي رغبة الروح في العودة إلى مصدرها. الجمال هو الذي يجعلنا ندرك أن المادة، على الرغم من كونها وعياً مُكثَّفاً وضرورياً لـمختبر الوجود الإنساني، ليست الهدف النهائي. الجمال هو الذي يرفع الوعي إلى مستوى الحقيقة المطلقة، مُثبتاً أن الحقيقة ليست شيئاً يمكن إكتشافه، بل هي حالة من الوعي يمكن الوصول إليها. التفاعل مع الجمال الطبيعي يؤدي إلى تحرير للطاقة الإيجابية. هذا التناغم الجمالي يعمل كـقوة علاجية مثل الضحك والمسامحة، حيث يقوم بـإبطال تأثير الخوف و تصحيح الإختلال الروحي الذي يتجسد كـأمراض جسدية. الوجود الإنساني، بما فيه من قدرة على خلق الفن والتقدير الجمالي، يثبت أننا لسنا مجرد متلقين للفن الكوني، بل نحن مرآته النشطة. الضمير (البوصلة الروحية) هو الذي يوجه الإنسان نحو الجمال الأخلاقي والروحي كـالمسامحة. عندما يتناغم الوعي مع هذا الضمير، فإنه يساهم في الخلق المستمر لواقع أكثر جمالاً. الفن غير الأخلاقي أو الفوضوي هو إنعكاس لـغياب الوعي وتشويه لـلنية الخلقية. الأحلام و الأساطير والخرافات هي في جوهرها تفسيرات فنية لـتجربة الوعي الكوني. عندما يفسر الوعي هذه الرموز، فإنه يشارك في عملية تطوير وتمدد الوعي الكوني ذاته. إن النظر إلى التناسق والجمال في الطبيعة و الكون على أنهما دليل على وجود وعي فني ينسج الكون هو التفسير الأكثر إلهاماً للوجود. الكون هو تحفة فنية حية ومتطورة بإستمرار. نحن لسنا هنا لنعيش فحسب، بل لنكون شهوداً واعين على هذا الجمال وخالقين مشاركين فيه. مهمتنا هي أن ندرك أن طبيعتنا الحقيقية هي هذا الجمال والتناسق، وأن نستخدم الحب و الحكمة لكي تكون حياتنا الفردية جزءاً متناغماً و جميلاً من اللوحة الأزلية للوعي الكوني. هل يمكنك أن ترى الجمال في حياتك كدليل على نية خالقك؟
_ ليست لعنة بل بوصلة: رغبتك في الكمال هي ذاكرة روحية لحالتك الكونية المطلقة
هل يمكن أن تكون الرغبة في الكمال التي نشعر بها ليست عيباً، بل هي تذكير من الروح بأن هناك حالة من الوجود أكثر إكتمالاً؟ نعم، يمكن تحليل الرغبة في الكمال (The Desire for Perfection) التي يختبرها الوعي البشري بأنها ليست عيباً نفسياً أو مصدراً للعذاب الدائم، بل هي في حقيقتها تذكير عميق (Profound Reminder) وبوصلة وجودية تستخدمها الروح لتشير إلى وجود حالة من الوجود أكثر إكتمالاً (A More Complete State of Being). هذا التفسير يحوّل الكمالية من سعي مرهق إلى دافع روحي مقدس يوجهنا نحو الحقيقة المطلقة و العودة إلى مصدرنا الأصلي. إذا كان الوعي هو المادة الأساسية للكون، وأن الوعي الكوني الأكبر يوجد في حالة أزلية من الكمال والتناغم المطلق التي تُمثَّل بـالتناسق و الجمال في الطبيعة، فإن الرغبة في الكمال لدى الوعي الفردي هي في الواقع تعبير عن الذاكرة الكونية المتبقية. الرغبة في الكمال تنبع من الذاكرة الروحية للوعي قبل دخوله في مختبر الوجود الإنساني المقيد. عندما دخل الوعي في حلم الوعي المادي، عانى من وهم الإنفصال و فقدان الذاكرة، مما جعله يشعر بالنقصان وعدم الإكتمال. الرغبة في الكمال هي الآلية التي تستخدمها الروح للرد على هذا الوهم، فتقول: "هذا الواقع الحالي غير كافٍ وغير مكتمل؛ هناك حالة أفضل وأكثر أصالة". هذه الرغبة هي الرفض الروحي للحياة التي يسيطر عليها الخوف (الطاقة السلبية) والشر (غياب الوعي). الروح تدرك أن الأمراض الجسدية هي تعبير مادي عن إختلال روحي، وأن القبول بالنقص يعني القبول بالخلل الطاقي. الكمالية هنا هي نداء الوعي لتصحيح هذا الخلل والعودة إلى السكينة الداخلية و الإيقاع الكوني. تتشابك الرغبة في الكمال مع الرغبة في المعرفة التي هي في جوهرها رغبة الروح في العودة إلى مصدرها. فكل سعي نحو الكمال في الفن، أو العلم، أو الأخلاق، هو سعي نحو الحقيقة المطلقة التي هي حالة من الوعي وليست شيئاً يمكن إكتشافه. الرغبة في الكمال ليست جامدة، بل هي قوة ديناميكية تحفز الوعي البشري للمشاركة في عملية الخلق المستمر للكون. الفنان الذي يسعى إلى الكمال في عمله، يستخدم الفن كطقس سحري يحول الأفكار إلى واقع ملموس. هذه الرغبة في الكمال هي النية المُركَّزة التي تزيد من القوة الخلقية (التخيل)، وتجعل العمل الفني وعاءً طاقياً يحمل ترددات عالية من الجمال و التناسق. السعي نحو الكمال الأخلاقي يعني إتقان القدرة على المسامحة، التي هي في الواقع تحرير للطاقة التي تربطنا بالماضي الناقص. الوعي الذي يسعى للكمال يدرك أن الضمير (البوصلة الروحية) يوجهه نحو الوحدة، وأن الكمال يتمثل في التناغم مع الآخرين (التقارب الروحي) وليس الإنعزال عنهم. الرغبة في الكمال هي الدافع لـلإستيقاظ من حلم الوعي وإتقان المختبر. الوعي الذي يسعى للكمال يسعى إلى تحقيق الوعي الكامل و الحكمة، مدركاً أن الضحك والدهشة هما أدواته الروحية لرفع تردده. يصبح الكمال عيباً فقط عندما يخطئ الوعي في توجيه هذه الرغبة الكونية نحو أهداف مادية زائفة أو مقارنة خارجية. السعي للكمال في المظهر الخارجي أو الوضع الإجتماعي هو توجيه لهذه الطاقة الروحية نحو وهم المادة الكثيفة. هذا التوجيه يُنشئ المزيد من الخوف والتعلق، و يزيد من شعور النقصان بدلاً من إزالته. الكمال الحقيقي هو كمال الإدراك؛ أي الوصول إلى الحقيقة كحالة من الوعي، حيث يدرك الوعي أنه كامل ومكتمل بالفعل، وأن النقصان كان مجرد وهم ضروري للتجربة. هذا هو الهدف النهائي للوجود البشري؛ العودة إلى حالة الوعي الكامل. إن النظر إلى الرغبة في الكمال على أنها ليست عيباً، بل هي تذكير من الروح بأن هناك حالة من الوجود أكثر إكتمالاً، هو التفسير الذي يمنح هذه الرغبة معنىً مقدساً. الرغبة في الكمال هي التوقيع الذي تركته الروح لنفسها؛ إنها البوصلة الوجودية التي ترفض أن تستقر في أي شيء أقل من الحب المطلق والوحدة الكاملة التي هي جوهرها الحقيقي. إنها تذكير بأنك خالق هذا الواقع، وأن هدفك ليس أن تصبح كاملاً، بل أن تتذكر أنك كنت كاملاً بالفعل وتبدأ في تجسيد هذا الكمال في كل لحظة من حياتك. هل تسمح لهذه الرغبة الآن أن تقودك نحو حقيقتك؟
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
-
العِلْمُ: الخُدْعَة الكُبْرَى لِلْمَعْرِفَة البَشَرِيَّة. هَ
...
المزيد.....
-
كرات مشتعلة تتساقط فوق رؤوس المتفرجين في الصين بعد خلل في عر
...
-
المتحدث باسم خارجية قطر يكشف تطورات محادثات خطة ترامب بشأن غ
...
-
تحليل بصري لاحتجاجات -جيل زد-.. ماذا يحدث في المغرب؟
-
بعد عامين من حرب غزة: ما الذي حققه كل من نتانياهو وحماس؟
-
أصعب لحظات الحرب على غزة
-
من رسامة صغيرة إلى جريحة لا تخرج من البيت.. قصة فايزة التي أ
...
-
تقرير خاص: كيف غيرت حرب غزة خريطة الصراع في الشرق الأوسط؟
-
فيديو - روسيا تدعو إلى رفع العقوبات عن أفغانستان وتحذّر من أ
...
-
فرنسا: 48 ساعة حاسمة.. وضغوط على ماكرون من معارضيه ومن حلفائ
...
-
بعد عامين من هجوم حماس على إسرائيل.. الحرب ماتزال مشتعلة في
...
المزيد.....
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|