أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كريم الوائلي - محنة خلق القرآن أم وأد العقل ، من حرية المعتزلة الى جبرية المتوكل




محنة خلق القرآن أم وأد العقل ، من حرية المعتزلة الى جبرية المتوكل


كريم الوائلي
كاتب وناقد ادبي وتربوي .

(Karim Alwaili)


الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 23:49
المحور: قضايا ثقافية
    


قراءة الذات، وقراءة الواقع، وجهان لعملة واحدة، ففي الوقت الذي تعمد فيه إلى قراءة النص إنما تستجلي في الوقت نفسه قراءة الواقع؛ إذ لا ريب أن هناك أسئلة ملحة يطرحها علينا الواقع، ولا نجد لها إجابات مقنعه، نتوجه بفزعنا إلى التراث المخزون الذهني والوجداني لعله يسعفنا في الإجابة عن مشكلات الحاضر واستشرافات المستقبل .
ولا ريب أننا حين ننطلق لتوجيه أسئلتنا للتراث، لا ننطلق ونحن صفحة بيضاء، بل نعبر عن مواقف فكرية محددة. وفي ضوء هذا لاوجود لموضوعية مطلقة أبدًا لقراءة التراث، وليست هنالك قراءة بريئة أو محايدة؛ إذ كل قراءة إنما هي منحازة على نحو من الأنحاء .
وأحسب من زاوية أخرى أن هنالك تقابلًا واضحًا بين النص والواقع، ونحن في حقيقة الأمر لسنا سوى تناصات مختلفة ومتعددة للنصوص المقروءة الحاضرة والماضية، وفي الوقت نفسه تناصات لأحداث في الواقع، صحيح أن هذه التناصات للواقع وللنصوص ليست متماهية معها تمامًا، بمعنى أن الذات القارئة لا تستقبل النصوص والواقع استقبالًا سلبيًا؛ بحيث تستسلم لهما دون فرز أو مناقشة رفض أو حوار قد تقبل وقد ترفض، وفي مجمل هذه العملية يتكون الإنسان.
ولذلك فالإنسان العربي يتم تشكيله بكيفية تختلف تمام الاختلاف عن الإنسان الياباني عن الأوروبي بسبب اختلاف النصوص واختلاف الواقع.
وفي الوقت الذي كنت أقرأ فيه المعتزلة لم أكن أقرؤها منفصلة عن سياقاتها التاريخية والاجتماعية، نعم إن للمعتزلة وجودًا حقيقيًّا هناك في التاريخ والواقع الاجتماعي العباسي، وأنا أحاول إحضارهم من ذلك الوجود لأتحاور معهم وأنا هنا في تاريخ آخر، وواقع اجتماعي مختلف، وأطرح عليهم أسئلة ملحة ومحرجة في الوقت نفسه.
وليس من المخاتلة أنك حين تقرأ المعتزلة لا تستدعي الوجود الفكري المصاحب مؤيدًا أو معارضًا الأمر الذي كان يستحضر معه الشيعة، والأشاعرة والفلاسفة .. إلخ، وتستحضر في الوقت نفسه مؤسسات دينية واجتماعية سياسية كثيرة .
وأستحضر المحن التي تعرض لها المفكرون؛ محنة خلق القرآن، وما عانى منها الناس، ومن ثم محنة التخلف التي أرساها المتوكل، والتي لا تزال تعصف حتى الآن بكل محاولات التطور والتقدم، مما يدفعني إلى القول بأن المتوكل لا يزال يحكم العالم الإسلامي وهو في قبره
ولقد كنت في حالة انفصال عن الذات واتصال؛ انفصال عنه كونه يبتعد عنى وجودًا " بالمعنى الاجتماعي والتاريخي" واتصال به كون النص له وجود مادي أتفاعل معه، ويحدث حوار ونقاش وجدل، وكنت أجد في التراث الاعتزالي قيمًا تجاوزت عصرنا من حيث العمق والأصالة والابتكار، بل إنني أستطيع القول أننا متأخرون قرونًا عن الفكر الاعتزالي على كافة المستويات المعرفية والفكرية والاجتماعية .
ولذلك كنت أؤكد أن القراءة مولدة للمعاني وكاشفة للصور التي يتضمنها العالم والنص، ومن ثم فإنها تعيد إنتاج المقروء فكأن المقروء -عالمًا أو نصًّا- موجودًا، ويصبح بعد القراءة موجودًا آخر؛ لأن القراءة ليست نقلا للمقروء، أو إحضارًا له، وإنما يضفي القارئ على المقروء رؤيته، وذاته، وخصوصيته، ويتولد من العلاقة بينهما مركب جديد، ليس هو المقروء تمامًا، وليس هو القارئ بما هو عليه، وإنما هو مركب منهما معا بكيفية خاصة، ولذلك تتفاوت القراءات لاختلاف القراء، وكأن المقروء ثابت قبل القراءة، وتتغير صورته ومعانيه ودلالاته بفعل عملية القراءة التي ترتبط بخصوصية القارئ ورؤيته .
ويمكن القول تجاوزًا إن النص قبل القراءة يعرف استقرارًا نسبيًّا في دلالته ومعانيه، ولكنه ـفي الحقيقة، استقرار متوهم؛ إذ لا وجود حقيقي للنص إلا في أثناء قراءته، نعم هناك وجود موضوعي فيزيفي للنص خارج الذات الإنسانية، متمثلا في الكتب التي أنتجته، أو تقرؤه، ولكنه وجود هامد، أما وجوده الفعلي فهو يتحقق عبر قراءته .
وليست هناك قراءة صحيحة وقراءة خاطئة، وإنما هناك قراءة ممكنة يحتمل النص دلالاتها ويعكس القارئ رؤيته ومواقفه من خلالها، وهناك قراءة غير ممكنة، لعدم احتمال النص دلالتها، وبخاصة القراءة الإسقاطية .

وكنت أتبنى القراءة الفاعلة التي تؤكد أهمية تاريخية المقروء، بمعنى أنها تنفي المعايير والأحكام المسبقة القائمة على أساس ديني، أو مذهبي، ومحاولة تأمل أي ظاهرة في إطار سياقها التاريخي والاجتماعي، أي قراءة النص بوصفه موجودًا هناك في الماضي، وأن وجوده محكوم بسياقات معرفية وتاريخية واجتماعية، وأن اجتزاءه عن سياقه تعني قراءة ناقصة ومشوهة له.
إن التراث جزء من بناء معرفي أشمل، وجزء من منظومة، وينبغي فهمه في إطار منظومته، وإن إخراجه عن منظومته يعني فهما مخلا لطبيعته وماهيته .
وإن فهم التراث بوصفه موجودا هناك في إطار سياقه التاريخي لا يعني بالضرورة أنه منفصل عن القارئ؛ إذ يمكن تأمله وفهمه وإدراك دلالاته .
ففي القراءة الانطباعية الانفعالية التي تصدر أحكاما مسبقة على الأشياء وتقيم قراءة تتأسس على عقلانية منهجية تؤكد أهمية النظر، وتعلي من شأن التحليل والتعليل .
وليست هناك أسئلة تلح علي فحسب وإنما كانت هناك طموحات ورؤى وأماني كنت أتمنى حدوثها أو تحقيقها. لعل أبرزها كيف يمكن أن تستثمر هذا التراث العقلاني في حياتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية على المستوى الأمثل.
وكيف ننتقل من الأحكام المسبقة القائمة على نفي الآخر ذهنيًّا وجسديًّا، إلى أحكام عقلية منهجية تقبل الآخر وتتحاور معه تمامًا كما كانت في الماضي؛ حيث يتعايش ويتحاور أصحاب الملل والأفكار، حتى الملاحدة كان لهم حضور في المشهد الثقافي، ولذلك ألف ابن الخياط المعتزلي كتابًا في الرد على ابن الراوندي الملحد !
ولعل مفهوم الصرفة الذي أرساه إبراهيم بن سيار النظام المعتزلي هو واحد من أكثر الأفكار جرأة وجسارة في كيفية النظر لإعجاز القرآن! سواء اتفقنا معه أم اختلفنا وإياه، فهو يرى ان الانسان قادر على ان يجيء بمثل ما في القرآن ، ولكن الله صرفه عن ذلك
وأخيرًا كيف يمكن استبدال المعايير الانطباعية التي تحكم الحركة النقدية الى أحكام منضبطة يمكن الاتفاق عليها.
صحيح إن هذا يمثل حلمًا، لا يمكن له أن يتحقق أبدًا، حتى لدى الأسلوبية الاحصائية، كون الخصائص الفردية تؤثر في تحديد المعايير وكيفية توظيفها فضلا ًعن الاختلاف الحضاري حتى ولو أصبح العالم قرية، وهو كذلك الآن .



#كريم_الوائلي (هاشتاغ)       Karim_Alwaili#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الى الصديق العزيز غالب الشابندر ، المثقف والسياسي ...ديمومة ...
- من سجون الغربة إلى فناء الذات ، تمثلات الحلاج عند جودت القزو ...
- مأساة الحلاج وصوت المثقف صلاح عبد الصبور وتمثلات القمع السيا ...
- التنوير في مواجهة البطش، المثقف العراقي وتجربة المناهج التعل ...
- البنية العميقة لقصيدة المدح عند البحتري : الفرار من الطلل إل ...
- هل للمتصوفة اليوم مكان في هذا العالم؟
- الحداثة واللاحداثة بين التبعية والقطيعة
- من الطاعة إلى الحرية: مساءلة العقل التابع
- البلاغة الفارغة من التهويم الخطابي الى التغير الاجتماعي
- كراهية الآخر الغربي
- اللفظ والمعنى في صحيفة بشر بن المعتمر
- قراءة في تحديث المناهج التعليمية في العراق
- الملامح التدميرية في معلقة امريء القيس
- الدراسات النقدية الحديثة في مجلة المجمع العلمي العراقي
- توظيف الشخصية التراثية عند مظفر النواب
- فناء في سجون الغربة قراءة نقدية في قصيدة للشاعر جودت القزوين ...
- إعداد المعلم بين تحديث المناهج وقصور التدريب
- بيان الثقافة العراقية
- مآزق هيكلية الاشراف التربوي الاشراف التربوي في العراق في الع ...
- الاشراف التربوي في العهد الملكي على ضوء لجنة العشر سنوات


المزيد.....




- عاجل| مصدر رسمي: التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حيي ال ...
- ترامب: تقدم هائل نحو اتفاق غزة وسلام يشمل المنطقة بأسرها
- محافظ حلب: -انتهاكات قسد- دفعت القوات الحكومية للتحرك
- رئيس دولة الإمارات وملك الأردن يبحثان التطورات الإقليمية
- ملك الأردن يبحث مع الرئيس الأميركي خطة إنهاء حرب غزة
- فيديو.. استمرار الاشتباكات في حلب وسط خسائر بين المدنيين
- مصر.. استمرار المباحثات بشأن غزة وسط أجواء -إيجابية-
- وقف إطلاق النار بعد ليلة دامية.. تفاصيل ما جرى في حلب
- حريق وتماثيل مدمرة.. ماذا جرى في مبنى الكابيتول؟
- ما موقف الرأي العام الأمريكي من إسرائيل بعد عامين من حرب غزة ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - كريم الوائلي - محنة خلق القرآن أم وأد العقل ، من حرية المعتزلة الى جبرية المتوكل