أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - صدام غازي الشاعر الذي يسكب القصيدة في كأس الخمر والخراب














المزيد.....

صدام غازي الشاعر الذي يسكب القصيدة في كأس الخمر والخراب


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 16:11
المحور: سيرة ذاتية
    


في ضواحي بابل، حيث الريف يتهجّى الحزن كقصيدة، وتمرّ الحياة على مهل فوق سُهوب من الضوء والتراب، ولد الشاعر صدام غازي محسن عام 1975 في قرية الجمجمة. ومنذ ذلك الحين، بدا وكأن القدر أشار إليه بإصبع الشعر، ليكون شاهدًا لغويًا على تحوّلات الذات العراقية وتصدّعاتها، لا بوصفه راويًا فحسب، بل كمَن يخوض الكتابة سعيًا للخلاص، ويكتب ليُنقذ ما تبقّى من المعنى في عالم تتآكله البكتيريا السياسية والروحية.
من معهد إعداد المعلمين الذي تخرّج فيه سنة 1998، خرج صدام حاملاً معطف اللغة ومعول الحفر في المعاني، لكنه لم يختر النبرة الخطابية، بل مضى إلى بناء عالمه الشعري بلغة كثيفة، رمزية، وموغلة في التشظي، حتى غدت قصيدته تنزف كأنها جسدٌ آخر.
انضمامه لاتحاد الأدباء والكتاب في بابل سنة 2022، لم يكن حدثًا شكليًا بقدر ما كان اعترافًا بتجربته المائزة، التي أخذت تنضج عبر دواوينه المتعاقبة، بدءًا من ديوانه الأول "أنا هنا منذ عام 1975"، وكأنه يعلن ميلادًا مزدوجًا: ميلاده الشخصي وميلاد صوته الشعري في آنٍ واحد، إلى دواوينه الأخرى التي واصل فيها طرح أسئلته الحارقة عن الهوية والموت والمرأة والسياسة والخراب، مثل "مدن البكتيريا"، و"أسكبكِ في الخمر وكل هذا الخراب"، وأقراطك التي لا تشبهكِ"، وصولًا إلى أحدث دواوينه "كله خمر أبيض وسياسة".
في دواوينه تتجوّل المفردات كما لو أنها تبحث عن ملجأ، واللغة عنده ليست أداة وصف، بل مادة متفجّرة، مشبعة بالمفارقات، يتقاطع فيها العاطفي بالساخر، والفلسفي باليومي، والسياسي بالشهواني، في مشهد لغوي لا يهدأ. فقصيدته ـ وإن بدت أحيانًا على هيئة نثر ـ مشبعة بإيقاع داخلي خفي، ينبثق من بنية الصورة لا من الوزن، ومن التوتر لا من النغمة.
لقد انحاز صدام غازي إلى ما يسميه بعض النقاد "الشعر الآخر"، ذاك الشعر الذي يتخفّف من البلاغة التقليدية ليحفر في الجُملة شعريةً غير مألوفة، وغالبًا ما تبدو كأنها آتية من مرآة محطّمة. وهو في ذلك يُشبه من يكتب وهو واقف على حافة، يراقب العالم من مكان يائس، لا يملك سوى اللغة ليحمي ما تبقّى من وجدانه.
يرى النقّاد فيه شاعرًا لا يسعى للبهجة ولا يتاجر بالمجاز، بل يُقيم حفرياته داخل الألم، ويؤثّث نصّه بمفردات من الهامش، من اليومي، من القاع، وكأنّ شعره احتجاجٌ دائم على الأنظمة: أنظمة الشعر، وأنظمة السلطة، وأنظمة الأخلاق. وقد وصفه أحد النقاد المحليين بأنه "الشاعر الذي يتعامل مع اللغة كما يتعامل السكير مع الكأس: لا يشرب ليستمتع، بل ليصل إلى التماهي الكامل مع الغياب".
أما حضور صدام غازي في المهرجانات الشعرية والأمسيات الأدبية، فقد شكّل حالة مميزة، لا لأنه يقرأ شعره بصوتٍ رخيم فحسب، بل لأنه يحوّل القراءة إلى طقسٍ خاص، يتماهى فيه الأداء مع النص، فيخرج المستمع وهو مشوّش، مثقل، كأن القصيدة طرقت رأسه بمطرقة من وهم ووعي في آنٍ واحد. وتزداد هذه التجربة كثافة في حضوره الصوتي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث بات يُعرف بين متابعيه بـ"الشاعر الذي يقرأ ليُنقذنا من عطب اللغة".
في دواوينه، تسكن المرأة ككائن رمزي، والمدينة كمكانٍ متعب، والسياسة كوباء، والخراب كظلّ دائم. وحين يكتب عن الخمر، فإنها ليست مجازًا رومانسيًا، بل موقفًا وجوديًا من هذا العالم الكاذب، حيث كل شيء مسموم، حتى الحب.
إن تجربة صدام غازي، بقدر ما هي شخصية، تحمل بين سطورها ملامح جيل بأكمله، جيلٍ خرج من الحروب والخيبات ليكتب بشظايا الذاكرة وبفتات الحلم. وشعره، وإن بدا مشبعًا بالمرارة، إلّا أنه يحمل في عمقه نداء خفيًا للنجاة، كما لو أن القصيدة هي القارب الأخير وسط هذا الطوفان الوجودي. فصدام غازي ليس شاعر الخمر فقط، ولا الخراب، ولا المدن الموبوءة، بل هو شاعر الوعي القلق، والمفارقة التي تسير على قدمين. شاعر يكتب من الجرح وبالجرح، ولا يخاف من أن يُسكب شعره في كأس العالم، ولو كانت الكأس متصدّعة.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبع الذهب حين تحترق القصيدة بنار الحب.. علي الشباني ومرآة ال ...
- شاكر نصيف الشاعر الشهيد الذي اشتعل بالشعر وانطفأ برصاص الطغا ...
- سعد الشريفي شاعر الغربة والجمرات
- جبر داكي شاعر غنّى للحياة حتى رحيله
- جابر القاري صوت السدة الذي ذاب في الحسين
- كريم النور... شاعر الطين والنخوة والكرامة العالية
- رياض أبو شبع شاعر الغربة والتمرد النبيل
- صباح العسكري: الشاعر الذي أضحك القمر وبكى العراق
- راسم الخطاط شاعر الومضة ومهندس القصيدة
- الراحل كاظم الرويعي بين الأغنية الملتزمة والاغتراب الموجع
- شاكر ميم.. شاعر الغفوة والابتسامة العابرة
- عبد الستار شعابث شجرة الشعر التي نبتت على ضفاف الحلة
- الناقد والقاص سلام حربة صوتٌ نقدي وقلمٌ سردي في المشهد الثقا ...
- حامد كعيد الجبوري شاعرٌ خرج من رحم الحلة ومضى ليكتب للوطن وا ...
- علي السباك الكاتب الذي جعل من الحلة سطرًا أول في دفتر الحكاي ...
- عماد الطالباني طبيب الحرف وروح الباحث
- الباحث محمد هادي رحلة في آفاق البحث والتأليف
- الشاعر إبراهيم الشيخ حسون صائغُ الحرف الشعبي ومغني الروح الح ...
- عبد الأمير خليل مراد شاعر يُمسك بجمر القصيدة ويشعل بها خيمة ...
- مهدي المعموري ضفاف الحرف ومرافئ الذاكرة


المزيد.....




- فيديو يُظهر حجم الدمار الذي خلفه زلزال الفلبين
- قطر ترحب بأمر ترامب التنفيذي الذي يُلزم أمريكا بالدفاع عن أم ...
- مُنظمون: الجيش الإسرائيلي بدأ اعتراض -أسطول الصمود- المتجه إ ...
- عاجل: هيئة البث الإٍسرائيلية تقول إن قوات بحرية بدأت بالفعل ...
- واشنطن تتعهد بحماية أمن قطر عقب الضربة الإسرائيلية.. والدوحة ...
- صراصير التجسس.. هكذا تقود ثورة الذكاء الاصطناعي حروب المستقب ...
- تعليق عمل الصليب الأحمر في مدينة غزة يشلّ المستشفيات والفرق ...
- صحافة أوروبية: غواصة روسية تواجه صعوبات بالمحيط الأطلسي
- عقوبات أميركية جديدة تستهدف البرنامج الصاروخي الإيراني
- قمة أوروبية تبحث حماية القارة من المسيّرات -الغامضة-


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - صدام غازي الشاعر الذي يسكب القصيدة في كأس الخمر والخراب