أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - بشار مرشد - مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه














المزيد.....

مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 11:16
المحور: الصحافة والاعلام
    


المقدمة:

يتساءل الجميع اليوم عن مستقبل الصحافة في عالم تتسارع فيه المعلومات وتتشابك فيه الأجندات الإعلامية والسياسية. الصحافة، التي كانت دائمًا مهنة البحث عن الحقيقة، تواجه تحديًا جوهريًا: هل ستبقى ملتزمة بالحياد والمصداقية، أم ستستسلم للإيحاء الموجَّه لإرباك الضيف، وإثارة المشاهد، وإرضاء المؤسسة الإعلامية؟ المعضلة ليست مجرد تكتيك في صياغة السؤال، بل اختبار أخلاقي وفلسفي يضع الصحفي على مفترق طرق بين دوره كبـاحث عن الحقيقة ودوره كمحاور يستخدم الإيحاء كسلاح.


أنواع الأسئلة الصحفية:

أولًا: الأسئلة المهنية

1. الأسئلة المفتوحة: تسمح للضيف بالتفصيل والتوضيح.

2. الأسئلة الاستفهامية المباشرة: (من، ماذا، متى، أين، لماذا، كيف) للحصول على أساسيات الخبر.

3. الأسئلة التوضيحية والمتابعة: تعمّق في الإجابات الغامضة.

4. الأسئلة الاستدراجية المهنية: تكشف تفاصيل خفية دون اتهام.

5. الأسئلة الإنسانية: تعطي القصة بعدًا شخصيًا وبشريًا.


ثانيًا: الأسئلة الموجَّهة (الإيحائية):

هذا النوع يهدف إلى إحراج الضيف وتشكيل رأي الجمهور، ويمكن تفصيله كالتالي:

1. الأسئلة الإيحائية: تحمل الإجابة ضمنيًا وتضغط على الضيف للإقرار بموقف معين.

مثال عام: "أليس صحيحًا أن قراركم أدى بشكل واضح إلى تدهور الوضع الاقتصادي؟" (بدلاً من السؤال عن نتائج القرار بشكل محايد).


2. الأسئلة الاستنكارية: تضع الضيف أمام تناقضات أو انتقادات صريحة.

مثال عام: "كيف تبرر هذا الإجراء الذي وصفه النقاد بأنه خطوة للوراء، وتنتظر منا أن نصدق نواياكم؟" (يحتوي على حكم مسبق).


3. الأسئلة الافتراضية المحاصِرة: تصنع سيناريوهات تجبر الضيف على الدفاع.

مثال عام: "إذا ثبتت صحة الشائعات بأن الفريق الآخر كان يخطط لخطوة مضادة، فما هو الخيار الكارثي الذي ستلجأون إليه حينها؟" (يبني الحوار على فرضيات سلبية وغير مؤكدة).


4. الأسئلة المصمَّمة للإيقاع: تهدف إلى إظهار براعة الصحفي وإحداث لحظة مثيرة، لا كشف الحقيقة.

مثال عام: "بما أنك اعترفت في عام (كذا) بأنك غير قادر، فما الذي تغير اليوم لتجعلنا نثق بقدرتك على هذا التحدي؟" (تركيز على نقطة ضعف قديمة لإحداث دراما).


5. المقاطعة التعجيزية: تتم عبر طرح سؤال جديد وحاسم أثناء إجابة الضيف (دون استيفاء إجابته)، بهدف إرباكه وتعجيزه ومنع تقديم حجة مقنعة للمشاهد.



دوافع وأهداف كل نوع من الأسئلة:

الأسئلة المهنية تهدف أساسًا إلى البحث عن الحقيقة وخدمة الجمهور وتوضيح الواقع، كما تسعى لتوثيق الأحداث وتحمل المسؤولية الإعلامية، وتعزز مصداقية الصحفي والمؤسسة التي يمثلها.
في المقابل، الأسئلة الموجَّهة تسعى لإحراج وإرباك الضيف، وصناعة الإثارة لجذب الجمهور، وفي بعض الأحيان إبراز مهارة الصحفي أمام الكاميرا أو المؤسسة، وأيضًا خدمة أجندة المؤسسة أو أهداف سياسية محددة.


الخطورة الاجتماعية والفلسفية:

التحول من الأسئلة المهنية المحايدة إلى الأسئلة الموجَّهة له آثار عميقة. على الجمهور، يؤدي إلى تشويه الحقيقة وتشكيل وعي منحاز وفقدان الثقة بالمعلومات.
أما على المؤسسة الإعلامية، فيتسبب في تراجع المصداقية وتحولها إلى مصنع إثارة بدل منصة معرفة.
وعلى الصحفي نفسه، يؤدي الانزلاق إلى فقدان الضمير المهني وتدهور دوره الاجتماعي والفلسفي بوصفه ميسِّراً للوعي.

وعلى صعيد أوسع، يهدد هذا التوجه وظيفة الصحافة كـ السلطة الرابعة، وقد يتحول الإعلام إلى أداة لـ الاحتلال الفكري واستعمار الرأي، حيث يُوجَّه الجمهور لتصديق الحقائق كما يريد الصحفي أو المؤسسة، لا كما هي.
إن المعضلة ليست مجرد تكتيك في صياغة السؤال، بل مسألة أخلاقية وفلسفية تؤثر على المجتمع بأسره.


الحلول والمعايير الأخلاقية:

لمواجهة هذا الانزلاق، يجب تفعيل أدوات الضبط الأخلاقي والمهني. يبرز هنا دور النقابات المهنية في صياغة مواثيق شرف ملزمة أدبيًا، والتأكيد على ضرورة التزام المؤسسات الإعلامية بالمعايير الأخلاقية الدولية.
يمكن تعزيز هذا الالتزام أيضًا عبر معاهدات واتفاقيات دولية تكفل الاستقلالية التحريرية للصحفي، وتوفر حماية من الضغوط والأجندات السياسية أو الاقتصادية.
تفعيل هذه المعايير يشكل خط الدفاع الأول لضمان بقاء الصحافة مهنة تبحث عن الحقيقة، لا أداة لتوجيه الرأي العام.


الخاتمة:

في النهاية، سيبقى مستقبل الصحافة مرتبطًا بالقدرة على الحفاظ على الحياد والمصداقية، رغم الإغراءات المتزايدة للإيحاء الموجَّه.
الصحفي الذي يلتزم بالمهنية يظل باحثًا عن الحقيقة، جسرًا بين الوقائع والجمهور، وراعيًا للثقة التي وضعها المجتمع في يده.
أما من يتحوّل إلى محاور يستخدم الإيحاء كأسلوب لإرباك الضيف أو لإرضاء المؤسسة، فإنه لا يضرّ نفسه فحسب، بل يهدد وظيفة الصحافة كالسلطة الرابعة، ويخاطر بتحويل الإعلام إلى أداة لاحتلال فكري واستعمار معرفي.

المسألة تتجاوز المصلحة المادية أو الأجندات السياسية؛ إنها مسألة مصداقية ووعي اجتماعي واستقلال فكر.
الصحفي الذي يفقد حياده لا يُفرِّط بالحقائق فحسب، بل بثقة المجتمع أيضًا، ويترك القارئ مع سؤال صريح: هل سيبقى الإعلام وسيلة تمكين للوعي، أم يتحوّل إلى آلة لتشكيل الواقع حسب رغبة القوي؟

في عالم تتسارع فيه الأخبار وتتضخم فيه المعلومات المضللة، سيبقى البحث عن الحقيقة واجبًا مقدسًا، ومسؤولية الصحفي أكثر من أي وقت مضى أن يحافظ على هذا التوازن، بين الإحاطة بالوقائع وبين حماية عقلية وحرية الجمهور.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ادعاء الحكمة بلا تجربة… كالجعجعة بلا طحن
- الدولة الحاكمة وحاكم الدولة… من يواجه العواصف؟
- رواية الحق والتاريخ... الأمواج تهدم قصور الرمل
- التحيّز المعرفي... قصة خيالية هادفة
- رب ضارة نافعة...الغطرسة بداية التهاوي
- دول الاقليم بين التبعية... واستراتيجية التحالف
- الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة ...
- الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير
- الوعي غربال... بين المجاملة واللباقة والتملق
- حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء الثامن
- النظرة السطحية للسياسة... سراب لبعض الكتاب والمحللين
- ريشة ابن خلدون الثاقبة… تكشف زيف أقلام التلوين
- الصبر بين الفضيلة والانتظار القسري...مأساة الإنسان أمام الظل ...
- الانتهازية والغطرسة والنفاق... قراءة عبر العصور
- التواصل الاجتماعي كأداة استخباراتية… والوعي المفقود
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء السابع
- قبول المذلّة… إقرار بالمزيد
- ندم شاهين ...وتهكّم الممعوط
- حين تتوحد الأعراق... ويتشرذم الأعراب


المزيد.....




- انفصال نيكول كيدمان وكيث أوربان بعد زواج دام قرابة 20 عامًا ...
- -صورة العمر الجديد-.. أنغام تتألق في -رويال ألبرت هول-.. الأ ...
- تحذيرات للسكان وإقفال المدارس.. تفعيل الإنذار الأحمر في مناط ...
- لأول مرة منذ نحو 6 سنوات.. واشنطن على أبواب إغلاق حكومي وترا ...
- إيطاليا تنسحب من مرافقة -أسطول الصمود- المتجه إلى غزة
- ولية عهد هولندا ووريثة العرش الأميرة أماليا تبدأ الخدمة العس ...
- الحكومة المغربية تعرب عن تفهمها للمطالب الاجتماعية وتؤكد است ...
- أمريكا: هل يتوجه ترامب نحو عسكرة السياسة؟
- إيران: عودة العقوبات بعد عشر سنوات؟
- توقيف ابنة الرئيس السابق زين العابدين بن علي في فرنسا بطلب م ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - بشار مرشد - مستقبل الصحافة... بين الحياد والإيحاء الموجَّه