أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - رحلة النشيد والارتعاش














المزيد.....

رحلة النشيد والارتعاش


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8479 - 2025 / 9 / 28 - 04:55
المحور: الادب والفن
    


وقفت أمام بحيرة صافية، سطحها كمرآة أبدية تتنفس تحت قدميّ، تعكس داخلي قبل الخارج. انعكاس القمر على الماء كان كنافذة إلى ذاتي، كل موجة صغيرة ترتجف كأنها تهمس: انظر إلى عمقك، كل ارتعاشة قلبك مرآة للروح. شعرت بالهواء يملأ صدري برائحة التراب الرطب وندى الصباح، كأن النسيم يحمل رسائل من عالم أعمق. ارتعشت وقلت لنفسي: هل أبحث عن نفسي هنا، أم عن شيء أكبر مني؟
سرتُ في صحراء بلا نهاية، حيث الرمال حارة تحت قدميّ، والظل يلعب على وجهي كرسائل مخفية. الريح صفع وجهي، حاملة أصوات الغياب والفقد، وهمسات المخاوف القديمة: هل ستستسلم؟ أم ستواصل الرحلة؟ شعرت بأن كل خطوة اختبار، كل عطش صلاة، كل انتظار فراغ مقدس، يعلمني الصبر على الفقد والحب في آن واحد. الشمس تحرق وجهي بحرارتها، لكنني شعرت بدفء داخلي، كأن النار نفسها تذيب كل شكوك. تذكرت حواراتي مع نفسي في الليالي الماضية: لماذا نخاف من الفناء؟ هل هو موت أم عبور؟
دخلت الغابة، الأشجار كأعمدة السماء، ظلالها تمتد على وجهي وروحي، والرياح تصفر بين الأغصان كأنها عزف قديم. همست لنفسي: أين الطريق؟ هل هو بين الذئاب أم بين الإوزّات الطائرة؟ الأصوات حولي حية: صرير الريح، رنين جدول صغير، همسات الطيور… كل شيء يعلمني أن المواجهة ليست خارجًا، بل داخل داخلي. ارتعشت وقلت بصوت داخلي: كل ظلالي، كل خوفي، كل نفسي… أقبلها وأستسلم لها…
بين الأشجار، وقفت أمام جدول صغير. المياه كانت شفافة، تحمل انعكاس السماء وتلتمع بألوان الفجر. أمسكت بالماء، شعرت بالبرودة تلامس يدي، وقلت لنفسي: كل قطرات هذا الجدول تحمل الحياة والفناء معًا… كل شيء هو أنا وأنا هو كل شيء… شعرت بالهدوء يملأ صدري، وكأن كل ما فاتني في الحياة، كل الألم، كل الحب، كل الخوف… أصبح حاضرًا في لحظة واحدة.
وصلت إلى الجبل الأخير، حيث تنهار الأسماء وتُخلع الهويات. الريح تصفر كأنها لحن السماء، والثلوج تعكس نقاء الروح. شعرت ببرودة الثلج على وجهي، وحرارة الشمس على ظهري، وكل شيء كان يقودني إلى الانصهار. ارتعاشة قلبي كانت صلاة، وكل دمعة ماء يغسل الروح، وكل حرارة الشمس أو برودة الثلج تعلمني الانصهار. قلت لنفسي: الآن فقط، دعني أذوب… دعني أكون النهر والسماء والموجة…
في النهر الأزلي، لم يعد هناك أنا، ولا قلب، ولا نشيد، بل حالة واحدة من الذوبان الكامل، حضور أزلي بلا بداية ولا نهاية. عصافير النبض صارت سيمفونية واحدة، كل صمت صار كلامًا، وكل فراغ أصبح ملء. المياه الخضراء العميقة تحملني بعيدًا عن أي حدود، بعيدًا عن أي انتظار. كل شيء صار واحدًا: ذوبان لا يزول، فرح لا يفنى، حضور لا ينتهي. الأسماء تتلاشى، الأرواح تندمج مع كل ما هو أبدي، والعشق أصبح وضعية وجودية صافية، امتزاج الروح بالقلب، والوجود بالمطلق.
السماء صارت محرابًا، الريح لحنًا، والنشيد ارتعاشًا أبديًا. النجوم ترقص في فضاء بلا نهاية، والليل يهمس بالأسرار، والنهر يروي كل ما لم يُروَ بعد. كل شيء واحد، كل شيء حاضر، كل شيء ذائب، وصرت حالة خالصة من الانفتاح. كل حاسة كانت جزءًا من الانصهار: رائحة التراب، نسيم الصحراء، أصوات الطيور، همسات المياه، حرارة الشمس على جلدي… كل شيء يتحد في لحظة واحدة من الصفاء المطلق، حيث امتزج قلبي بروحي، وروحي بالكون، والكون بالمطلق.
وبصوت خافت، همست لنفسي: هنا فقط… هنا فقط الحب بلا حدود… والفناء هو البقاء المطلق…
كل لحظة ارتعاشة، كل انعكاس في الماء، كل همسة الريح، كل حرارة الشمس أو برودة الثلج… كلها أصبحت جزءًا من كوني الجديد، حيث صرت واحدًا مع كل شيء، والكل صار جزءًا مني.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -قبور تمشي بيننا-
- -أشرعة الروح في ليل المنفى-
- درسٌ في الحساب: بين الأعداد واللّا-نهاية
- سنرو الأدعياء: هجاء قصير في زمن الأدب الزائف
- مفهوم السعادة والشقاء
- مِنْ حِكَمِ الأَجْدَادِ إِلَى الفِكْرِ الفَلْسَفِيِّ الحَدِي ...
- الملل المدرسي بين العوامل النفسية والبيداغوجية: قراءة في الأ ...
- حين يتجلى الجمال في مرآة الأخلاق: بين نيتشه والفكر المعاصر
- السلبيات والحلول الممكنة لمشكلة الملل والتسرب المدرسي
- -المرأة العصبية: بين الحقائق العلمية والافتراضات الاجتماعية-
- من سباحة الأجرام إلى تعاقب الليل والنهار: حوار العقل والقلب ...
- الملل والتسرب المدرسي: قراءة في الأسباب النفسية والاجتماعية ...
- الذئب الذي يقطف الإوزة
- الملل المدرسي بين العوامل المؤثرة والاستراتيجيات العلاجية: م ...
- بين الفهم والوهم
- فنون التعليم الحديثة: بين تعزيز المشاركة وبناء العاطفة وتنمي ...
- أشياء لا يفعلها الرجل إلا للمرأة التي يحبها حقًا
- -اخضرار الياسمين-،
- -الانطفاء الأخير-
- المقامة الفاسدة


المزيد.....




- صناعة النفاق الثقافي في فكر ماركس وروسو
- بين شبرا والمطار
- العجيلي... الكاتب الذي جعل من الحياة كتاباً
- في مهرجان سياسي لنجم سينمائي.. تدافع في الهند يخلف عشرات الض ...
- ماكي صال يُحيّي ذكرى بن عيسى -رجل الدولة- و-خادم الثقافة بل ...
- الأمير بندر بن سلطان عن بن عيسى: كان خير العضيد ونعم الرفيق ...
- -للقصة بقية- يحقق أول ترشّح لقناة الجزيرة الإخبارية في جوائز ...
- الكاتبة السورية الكردية مها حسن تعيد -آن فرانك- إلى الحياة
- إصفهان، رائعة الفن والثقافة الزاخرة
- سينمائيون إسبان يوقعون بيانًا لدعم فلسطين ويتظاهرون تنديدا ب ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بسام العمري - رحلة النشيد والارتعاش