أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد بسام العمري - -أشرعة الروح في ليل المنفى-














المزيد.....

-أشرعة الروح في ليل المنفى-


محمد بسام العمري

الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 04:52
المحور: المجتمع المدني
    


في ليلٍ منسيّ، حيث يختلط الصمت بآهات الجائعين، ينساب نور القمر كأغنية حزينة، يتسلل كخيطٍ رفيع من الأمل، ينسج عباءاتٍ من الضوء لأولئك الذين أضناهم الجوع، أهلكهم الخوف، وأضاعهم العذاب في متاهات الفناء. هم أبناء الأرض المنسية، أيتام الشوارع والأزقة، مشردون بلا مأوى، ينامون فوق التراب البارد، يحتضنون الفراغ، ويُغطيهم ظلامٌ كثيف، كأنّما تآمرت عليهم السماء والأرض.
ليلُ المنفى يئنُّ،
صدى الصمتِ يُواسيه،
في حضنِ القمرِ.
أشرعةُ الروحِ تبكي،
تنسجُ نورًا للجياع.
الجوع في صدورهم ليس مجرد ألم، بل هو نداءٌ خافتٌ للوجود، استجداءٌ للأمل في كلّ قضمة هواء، تراه يشعل صدورهم بنارٍ تحرق الأحشاء، تُذكّرهم بإنسانيتهم التي تكاد تنطفئ. وكلما نمت تلك النار فيهم، تساءلوا بصمت، كأنّهم يتحدثون إلى قمرٍ بعيد: "لماذا صرنا هكذا؟ أين ذاك الحضن الدافئ؟ أين موطننا الذي نتغنى باسمه؟ أين المآوي التي وعدونا بها في الحكايات؟"
أما الخوف، فيعصف بقلوبهم، يلاحقهم كظلٍّ لا يرحم، يُحيط بهم كحزام من الظلام، يكاد يلتهم أنفاسهم، ويطوي أيامهم ببطءٍ كئيب. الخوف يجعلهم يمشون ببطء، كأنهم يسيرون على أرضٍ من زجاج، يخشون السقوط في هاوية لا قاع لها. يحلمون بالطمأنينة لكنهم لا يعرفون إن كانت موجودة في واقعهم، أم أنها مجرد سراب يُخفيه الليل. هم لا يخافون الظلام وحده، بل يخافون غيابهم عن أنفسهم، ضياعهم في عتمةٍ لا تُشعلها حتى الشموع.
الجوعُ نداءٌ
يحرقُ القلبَ بصمتٍ،
ليلٌ كئيبٌ.
خوفُ الظلامِ سرابٌ،
موطنُ الروحِ غيابُ.
في كل لحظة تمر، يحسّون بالعذاب ينساب في عروقهم، كألمٍ يتسلل إلى كل خلية، يُشعرهم بعبء الوجود.
العذاب ليس فقط قسوة الواقع، بل هو الشعور بأنهم ذائبون، منحلون في هذه الحياة بلا أثر. كأنّهم أوراقٌ تتناثر مع الرياح، بلا صوت، بلا وجع، بلا أحد يسمع صرخاتهم المكتومة في صدورهم. يشعرون بأنهم يذوبون في الفناء، كأنّما هم قناديل انطفأت، لا أحد ينتبه لانطفائها، وكأنّ حضورهم كان كالغبار، لا أثر له حين يندثر.
لكنهم، وفي لحظة صفاء نادرة، ينظرون إلى القمر، يرون فيه عزاءً صامتًا، يرون فيه أمًّا تحتضن أوجاعهم بنورٍ باردٍ ولكنه حنون. القمر يُهدهدهم، ينسج لهم عباءاتٍ من خيوطه، تدغدغ جوعهم، تغمر خوفهم ببعض من السكينة، وتمنحهم شعورًا بأنهم جزءٌ من لحنٍ أبدي، سيمفونية لا تنتهي، سيمفونية من جوع وخوف وضياع وعذاب وفناء، لكنها أيضًا مليئة بتلك الشذرات الصغيرة من النور، تلك التي تُعطيهم سببًا للانتظار، سببًا للبقاء.
القمرُ أمٌّ،
يُهدهدُ وجعَ الروحِ،
نورٌ حنونٌ.
في سيمفونيا الفناءِ،
شذراتُ ضوءٍ تُغني.
تحت السماء الممتدة بلا حدود، يعيش أولئك الذين قست عليهم الأيام، مستسلمين لجوعٍ يمزق أجسادهم وخوفٍ يفتك بأرواحهم. ولكن في خضم هذا العذاب، ينسجون أحلامًا سرية، يكتمونها عن الرياح التي تبدو وكأنها تتآمر مع صمت الكون ضدهم. يحلمون بيومٍ يتحول فيه الجوع إلى شبع، ليس فقط شبع البطون، بل شبع القلوب التي تاقت للدفء والاحتواء. يحلمون بأن الخوف الذي يطاردهم كظلٍّ ثقيل سيتحول إلى أمان، أمان يشبه حضن أمٍّ غابت منذ زمن.
هؤلاء المشردون، رغم ما يبدو عليهم من انكسار، يحملون في أعماقهم شعلة صغيرة من التمرد على قسوة الحياة. الجوع الذي يعذبهم لا يقتصر على حاجة الجسد، بل يمتد ليصبح جوعًا لمعنى، لرؤية أفقٍ جديد. الجوع الذي يحمل في طياته رسالةً، كأنه نداءٌ خفي من الوجود يدعوهم للنهوض، للبحث عن تلك اللحظة التي تتصالح فيها الروح مع الكون.
أما الخوف، فهو ليس مجرد إحساس عابر بل هو سجنٌ داخلي، يقيدهم بأغلالٍ من الشك والارتباك. يخافون ألا يجدوا يومًا طريقهم إلى الطمأنينة، يخشون أن تكون الأحلام التي تراودهم مجرد وهمٍ لا يتحقق. ومع ذلك، فإن الخوف نفسه، في عمقه، يبرز هشاشة إنسانيتهم، تلك الهشاشة التي تجعلهم أحياء رغم كل شيء.
وفي هذا العراء، حيث لا جدران تحميهم من قسوة الطبيعة، يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع الكون، مع السماء التي تبدو صامتة ولكنها تحمل في صمتها عزاءً خفيًا. ينظرون إلى القمر في لياليهم الحالكة، كأنه شاهدٌ صامت على معاناتهم. يرونه يحتضن أوجاعهم بنورٍ خافت، يمنحهم شعورًا بالانتماء إلى لحنٍ أزلي لا ينتهي.
الفلسفة تكمن في إدراكهم أن الجوع والخوف والضياع ليست مجرد آلامٍ عابرة، بل هي تجارب تشكل وعيهم العميق بالحياة. إنها تجعلهم يدركون هشاشة الوجود، ولكنها أيضًا تمنحهم فرصةً للبحث عن معنى يتجاوز المأساة. أما اجتماعيًا، فإن معاناتهم تكشف عن فجوةٍ عميقة في العدالة الإنسانية، عن عالمٍ تجاهلهم بينما انشغل بتراكم الثروات والمظاهر الزائفة.
ورغم كل شيء، يبقون جزءًا من سيمفونية الكون، تلك السيمفونية التي تمتزج فيها نغمات الألم بالأمل، والعذاب بالبحث عن الخلاص. هم رمزٌ للإنسانية في أضعف حالاتها، لكنها أيضًا في أقوى تجلياتها، حين تُصر على أن تبقى رغم كل ما يواجهها.



#محمد_بسام_العمري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- درسٌ في الحساب: بين الأعداد واللّا-نهاية
- سنرو الأدعياء: هجاء قصير في زمن الأدب الزائف
- مفهوم السعادة والشقاء
- مِنْ حِكَمِ الأَجْدَادِ إِلَى الفِكْرِ الفَلْسَفِيِّ الحَدِي ...
- الملل المدرسي بين العوامل النفسية والبيداغوجية: قراءة في الأ ...
- حين يتجلى الجمال في مرآة الأخلاق: بين نيتشه والفكر المعاصر
- السلبيات والحلول الممكنة لمشكلة الملل والتسرب المدرسي
- -المرأة العصبية: بين الحقائق العلمية والافتراضات الاجتماعية-
- من سباحة الأجرام إلى تعاقب الليل والنهار: حوار العقل والقلب ...
- الملل والتسرب المدرسي: قراءة في الأسباب النفسية والاجتماعية ...
- الذئب الذي يقطف الإوزة
- الملل المدرسي بين العوامل المؤثرة والاستراتيجيات العلاجية: م ...
- بين الفهم والوهم
- فنون التعليم الحديثة: بين تعزيز المشاركة وبناء العاطفة وتنمي ...
- أشياء لا يفعلها الرجل إلا للمرأة التي يحبها حقًا
- -اخضرار الياسمين-،
- -الانطفاء الأخير-
- المقامة الفاسدة
- الأدب الياباني: مرايا الروح بين البساطة والعمق
- التي جعلت إبليس يعيد التفكير في كل شيء


المزيد.....




- فنزويلا تسعى لحشد الدعم في الأمم المتحدة ضد التهديد الأميركي ...
- مراسل CNN يحلل خطاب نتنياهو أمام الأمم المتحدة.. شاهد ما لاح ...
- إصابات واعتقال شاب والاعتداء على طاقم مسعفين بالخليل
- منظمات حقوقية تدين انسحاب -دول الساحل- من الجنائية الدولية
- بقائي: نتنياهو يردد خطابه الفاشي أمام مقاعد شبه فارغة بالامم ...
- الأمم المتحدة: مقتل أكثر من 1800 مدني في جنوب السودان منذ بد ...
- الأمم المتحدة تُحدّد 158 شركة مرتبطة بأنشطة في مستوطنات إسرا ...
- الأمم المتحدة تُحدّد 158 شركة مرتبطة بأنشطة في مستوطنات إسرا ...
- بريطانيا تستعد لفرض بطاقة هوية إلزامية للحد من الهجرة
- فتح: انسحاب الوفود من أثناء كلمة نتنياهو بالأمم المتحدة استف ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد بسام العمري - -أشرعة الروح في ليل المنفى-