أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - زهير الخويلدي - استعادة الفكر التنويري في عصر الفراغ الأكسيولوجي واللايقين المعرفي والنسبية المعيارية واللاوضوح السياسي















المزيد.....

استعادة الفكر التنويري في عصر الفراغ الأكسيولوجي واللايقين المعرفي والنسبية المعيارية واللاوضوح السياسي


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 11:40
المحور: المجتمع المدني
    


مقدمة
" "ليس الأنوار الذي ينقص رؤيتنا، بل رؤيتنا هي التي تنقصها الأنوار."
في عصر يتسم بالفراغ الأكسيولوجي (فقدان القيم المرجعية)، واللايقين المعرفي (التشكك في مصادر المعرفة)، والنسبية المعيارية (تعدد المعايير الأخلاقية)، واللاوضوح السياسي (غياب الإجماع حول الأطر الحاكمة)، يبرز السؤال حول إمكانية استعادة الفكر التنويري كإطار فلسفي وثقافي لمواجهة هذه التحديات. يهدف هذا البحث إلى استكشاف كيفية إعادة إحياء مبادئ التنوير - العقلانية، الحرية الفردية، التقدم، والعدالة - في سياق معاصر يعاني من تفكك الروايات الكبرى وتصاعد التعددية الثقافية والتشكك المعرفي، من خلال مقاربة تواصلية تركز على الحوار والتفاعل الاجتماعي.فكيف يمكن للفكر التنويري، بمبادئه العقلانية والإنسانية، أن يواجه تحديات الفراغ الأكسيولوجي، اللايقين المعرفي، النسبية المعيارية، واللاوضوح السياسي؟ وما دور المقاربة التواصلية في إعادة صياغة هذا الفكر ليكون أداة فعالة في بناء إجماع معرفي وقيمي في مجتمعات ما بعد الحداثة؟
الفكر التنويري: المبادئ والسياق
"الحقيقة والصباح يصبحان نورًا مع مرور الوقت."
التنوير، كحركة فكرية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أكد على العقل كأداة لفهم العالم، وروّج للحرية الفردية، المساواة، والتقدم العلمي والاجتماعي. فلاسفة مثل كانط، فولتير، وروسو دعوا إلى تحرير الفرد من سلطة التقاليد والدين غير العقلاني، وإلى بناء مجتمعات تقوم على العقد الاجتماعي والعدالة.ومع ذلك، فقد واجه الفكر التنويري انتقادات في العصر الحديث، حيث اعتبره البعض (مثل أدورنو وهوركهايمر في "جدل التنوير") أداة للهيمنة والاستعمار، متهمين إياه بالتركيز المفرط على العقل الأداتي على حساب القيم الإنسانية. في المقابل، يرى آخرون (مثل يورغن هابرماس) أن التنوير يحمل في طياته إمكانيات للحوار العقلاني والتواصلي الذي يمكن أن يعالج تحديات العصر الحديث.
التحديات المعاصرة
"من المستحيل تقدير النور بشكل صحيح دون معرفة الظلام."
الفراغ الأكسيولوجي: يشير إلى فقدان القيم المشتركة التي تجمع المجتمعات، نتيجة العولمة، التعددية الثقافية، وتفكك الأطر الأخلاقية التقليدية.
اللايقين المعرفي: يتجلى في التشكك في المعرفة العلمية، انتشار نظريات المؤامرة، والتضارب في مصادر المعلومات في عصر الإنترنت.
النسبية المعيارية: تتمثل في غياب معايير أخلاقية عالمية، حيث تتصارع القيم المحلية والعالمية دون إجماع.
اللاوضوح السياسي: يعكس الاستقطاب السياسي، تراجع الثقة في المؤسسات، وصعود الشعبوية.
المقاربة التواصلية
تستند المقاربة التواصلية، كما صاغها هابرماس في "نظرية الفعل التواصلي"، إلى فكرة أن الحوار العقلاني بين الأفراد يمكن أن يؤدي إلى إجماع حول القيم والمعايير من خلال التواصل الخالي من الهيمنة. هذه المقاربة ترى أن العقل التواصلي، على عكس العقل الأداتي، يركز على التفاهم المتبادل بدلاً من تحقيق أهداف فردية.
من هذا المنطلق يعتمد البحث على المنهج التحليلي النقدي، مع التركيز على المقاربة التواصلية كإطار لتحليل إمكانيات استعادة الفكر التنويري. سيتم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة محاور رئيسية:
تحليل التحديات المعاصرة وتأثيرها على المجتمعات.
استعراض مبادئ الفكر التنويري وإمكانيات تكييفها مع السياق الحديث.
تطبيق المقاربة التواصلية كأداة لإعادة صياغة الفكر التنويري.
تحليل التحديات المعاصرة
الفراغ الأكسيولوجي
في عصر العولمة، تواجه المجتمعات تحدي فقدان القيم المشتركة. التعددية الثقافية، بينما تثري المجتمعات، تؤدي أحيانًا إلى صراعات قيمية. على سبيل المثال، القيم الليبرالية الغربية قد تتعارض مع القيم التقليدية في مجتمعات أخرى، مما يخلق فراغًا أكسيولوجيًا يصعب ملؤه.
اللايقين المعرفي
انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الوصول إلى المعلومات أديا إلى تضارب الروايات المعرفية. على سبيل المثال، تنتشر نظريات المؤامرة حول قضايا مثل التغير المناخي أو اللقاحات، مما يقوض الثقة في العلم. هذا اللايقين يعيق بناء إجماع معرفي يمكن أن يوجه السياسات العامة.
النسبية المعيارية
النسبية الأخلاقية تجعل من الصعب التوصل إلى معايير مشتركة للحكم على الأفعال. على سبيل المثال، قضايا مثل حقوق الإنسان قد تُفسر بشكل مختلف عبر الثقافات، مما يعقد الحوار العالمي حول هذه القضايا.
اللاوضوح السياسي
يظهر اللاوضوح السياسي في صعود الشعبوية، تراجع الثقة في المؤسسات الديمقراطية، والاستقطاب السياسي. هذا الوضع يجعل من الصعب بناء إجماع حول القضايا الجوهرية مثل العدالة الاجتماعية أو التغير المناخي.
إعادة صياغة الفكر التنويري
العقلانية التواصلية
بدلاً من العقل الأداتي، يمكن للعقلانية التواصلية، كما يقترحها هابرماس، أن تكون أداة لإعادة إحياء الفكر التنويري. هذه العقلانية تركز على الحوار العقلاني بين الأفراد للوصول إلى تفاهم مشترك. على سبيل المثال، يمكن استخدام هذه المقاربة في مناقشات حول التغير المناخي لتجاوز الاستقطاب وتحقيق إجماع حول الحلول.
الحرية الفردية والمسؤولية الجماعية
الفكر التنويري أكد على الحرية الفردية، لكنه في السياق المعاصر يحتاج إلى إعادة صياغة لتضمين المسؤولية الجماعية. على سبيل المثال، يمكن أن يُعاد تعريف الحرية لتشمل التزام الأفراد بالمساهمة في حلول للتحديات العالمية مثل الفقر أو التغير المناخي.
التقدم كمشروع مشترك
بدلاً من رؤية التقدم كمسار خطي يقوده العلم والتكنولوجيا، يمكن إعادة تعريفه كمشروع مشترك يعتمد على الحوار بين الثقافات والمجتمعات. هذا يتطلب إشراك أصوات متنوعة في صياغة أهداف التقدم.
المقاربة التواصلية كأداة للاستعادة
المقاربة التواصلية تقدم إطارًا عمليًا لإعادة إحياء الفكر التنويري. يمكن تطبيقها من خلال:
إنشاء فضاءات حوارية: إنشاء منصات للحوار العام تشجع على التواصل الخالي من الهيمنة، مثل المنتديات العامة أو منصات التواصل الاجتماعي الموجهة نحو الحوار البناء.
تعزيز التعليم التواصلي: تطوير مناهج تعليمية تركز على التفكير النقدي والحوار العقلاني لمواجهة اللايقين المعرفي.
إعادة بناء الثقة في المؤسسات: استخدام الحوار التواصلي لبناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات من خلال الشفافية والمشاركة.
مواجهة النسبية المعيارية: تشجيع الحوار بين الثقافات للوصول إلى قيم مشتركة دون فرض نموذج ثقافي واحد.
النتائج والتوصيات
النتائج: يمكن للفكر التنويري، بمبادئه العقلانية والإنسانية، أن يقدم إطارًا لمواجهة تحديات العصر الحديث، ولكن يتطلب إعادة صياغة ليتوافق مع التعددية والتعقيدات المعاصرة. المقاربة التواصلية توفر أداة فعالة لتحقيق هذا الهدف من خلال تعزيز الحوار والتفاهم المتبادل.
التوصيات:
تعزيز الحوار العام من خلال منصات تشجع على التفاهم المتبادل.
تطوير سياسات تعليمية تركز على التفكير النقدي والتواصل العقلاني.
دعم المبادرات التي تعزز الشفافية والمشاركة في المؤسسات السياسية.
تشجيع الحوار بين الثقافات للوصول إلى قيم مشتركة تحترم التعددية.
خاتمة
" عندما ينطفئ اللهب، يتوقف أيضًا عن الإضاءة. الحياة شعلة."
في عصر الفراغ الأكسيولوجي واللايقين المعرفي، يمكن للفكر التنويري أن يقدم إطارًا لتجاوز هذه التحديات، بشرط إعادة صياغته بما يتناسب مع السياق المعاصر. المقاربة التواصلية، بتركيزها على الحوار العقلاني والتفاهم المتبادل، تمثل أداة فعالة لإعادة إحياء مبادئ التنوير وتوجيهها نحو بناء مجتمعات أكثر عدالة وتضامنًا. إن استعادة الفكر التنويري ليست مجرد عملية فكرية، بل مشروع اجتماعي وسياسي يتطلب إشراك جميع أطراف المجتمع في حوار مفتوح وبناء.
المصادر والمراجع
هابرماس، يورغن. (1981). نظرية الفعل التواصلي.
أدورنو، تيودور، وهوركهايمر، ماكس. (1944). جدلية التنوير.
كانط، إيمانويل. (1784). ما هو التنوير؟.
فولتير. (1764). المعجم الفلسفي.
كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجاوز الأزواج الميتافيزيقية نحو إطلاق سراح الحياة، الإبداع، ...
- مستقبل الوطن العربي بين التعدد الإثني والخلافات السياسية وبي ...
- غاستون باشلار والتحليل النفسي للمعرفة العلمية بين القطيعة ال ...
- ثورة في العلم الحديث حسب فيرنر هايزنبرج من خلال دراسة العلاق ...
- الحضارة الغربية في منحدر خطر من منظور ماكس فيبر، مقاربة سوسي ...
- الالتجاء إلى الحرب بين الدوافع اللاشعورية الجمعية والمطامع ا ...
- الضمير الإنساني بين الجرح الفلسطيني والألم العربي - مقاربة إ ...
- الاحتفاء بالفنون بين إقامة المهرجانات الموسمية وتخليد الذكري ...
- ألكسندر كوجيف بين اعادة قراءة فلسفة التاريخ عند هيجل وكتابة ...
- العدالة كأرقى فضائل الحياة السياسية وغياب الوفاق العملي حول ...
- معالم القول السياسي والاجتماعي لما بعد الحداثة الفلسفية
- أزمة المثقف في الوطن العربي وتحديات التكنولوجيا وشروط إمكان ...
- أنطونيو غرامشي بين الثوري عابر للثقافات وتغيير المحاور نحو ع ...
- الفلسفة هي فن طرح الأسئلة الصحيحة، بدلاً من الحصول على إجابا ...
- مقاربة فلسفية للتنوير والتراصف والمقاومة في السياق الحضاري
- توحش وبؤس الليبرالية الجديدة ومخاطرها على الشعوب الضعيفة وال ...
- دراسة مقارنة بين جوديت بتلر ونانسي فريزر حول الفكر النسوي وم ...
- المقاومة الفلسفية ضد الهيمنة الصهيوامبريالية، مقاربة ما بعد ...
- الفكر الاستراتيجي عند مهدي المنجرة بين الاقتصاد وعلم الاجتما ...
- دازاين المقاومة عند مارتن هيدجر من خلال مكوث الشعب على الأرض ...


المزيد.....




- خطة فلسطينية -صامتة- خلال خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة
- نتنياهو يلتقي بقادة حلفاء في نيويورك قبل خطابه أمام الأمم ال ...
- اعتقال النائب ياسر منصور في نابلس خلال عملية عسكرية للاحتلال ...
- اقتحام قوات الاحتلال لمخيمات نابلس واعتقالات واسعة فجر الجمع ...
- استهداف أميركي إسرائيلي متصاعد لمؤسسات الأمم المتحدة
- حماس ترد على خطاب أبو مازن بالأمم المتحدة: المقاومة مسئولية ...
- منظمة حقوقية إسرائيلية: تدهور خطير بصحة الطبيب حسام أبو صفية ...
- زيلينسكي مستعد للتنحي بعد الحرب.. وروسيا متهمة بارتكاب جرائم ...
- حماس تعقب على كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية ...
- غوتيريش يدعو لمواصلة دعم الأونروا


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - زهير الخويلدي - استعادة الفكر التنويري في عصر الفراغ الأكسيولوجي واللايقين المعرفي والنسبية المعيارية واللاوضوح السياسي