أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار مرشد - الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة أيديولوجية














المزيد.....

الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة أيديولوجية


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 11:58
المحور: الادب والفن
    


مقدمة:

استكمالًا لمشروع الاستشراق السلبي، تناولت جزءًا من الأعمال الدرامية العربية شخصيات تاريخية بارزة، متجاوزة حدود النقد الفني لتصبح أدوات لتشويه التاريخ. هذه الأعمال لم تقتصر على تسليط الضوء على الشخصيات، بل امتدت إلى الحقب الذهبية التي مثلت أوجًا حضاريًا وازدهارًا علميًا وفكريًا، والتي صارت اليوم رمزًا للحلم الضائع في ظل التردي الحالي.

استخدم بعض الكتاب والمؤلفين، أحيانًا بمباركة شركات الإنتاج أو بدوافع سياسية، هذه الشخصيات كأدوات فنية لنقل رسائل مشوهة عن الماضي. في هذا الإطار، تناولت الأعمال الدرامية شخصيات بارزة من عصور مختلفة مثل: معاوية، وعبد الملك، والحجاج، وهارون الرشيد، والمعتصم، وقطز، وبيبرس، مواصلة لمسار بعض المستشرقين الغربيين الذين ركزوا على تشويه التاريخ وتقليص إنجازاته. لم يكتفِ المؤلفون بعرض الواقع المعاصر المتردي، بل سعوا إلى مطاردة أحلامنا بالأمجاد الماضية والتاريخ، لتشكيل صورة مغلوطة عن الماضي أمام المشاهدين.


الوقوع في فخ الغل والحقد؛ كيف شوهت الدراما الإنجازات التاريخية:

من حسن حظنا وسوء حظ هؤلاء الكتاب، أنهم وقعوا في فخ عاطفة الغل والحقد الواضح، ما أفسد أهدافهم أمام أي متابع واعٍ ومدرك. كيف يمكن تناول شخصية بهذه الطريقة المبتذلة، مثل التصوير الساخر لهارون الرشيد أو الحجاج بن يوسف، بينما إنجازاتهما موثقة ومدوّنة: قيادة حقبة شهدت بناء المدن، وإصدار العملة، وتأليف الموسوعات والمخطوطات، والتطور العلمي، بينما يُصوَّر من كان حولهما مجرد حمقى وأغبياء؟ هذا أمر غير منطقي على الإطلاق.

إن الهدف الخفي من هذه الأعمال لا يمكن أن يكون مجرد نقد تاريخي، بل يظهر مدى الصفاقة والخسة في العداء الإيديولوجي والحقد على عصور ذهبية ناجحة. فالإنجاز لم يكن صدفة، ولا نتاج عقول فارغة كما يُصوَّر، بل نتيجة جهود وإبداع وإدارة فاعلة قادت الحضارة والازدهار في تلك الحقبة.



انتقاء الشخصيات والفترات الذهبية؛ تشويه التاريخ لخدمة الأجندات:

إن انتقاء هذه الشخصيات والعصور التي عاشوها لم يكن صدفة، بل كان اختيارًا متعمدًا لمراحل مزدهرة وشخصيات عظيمة، بهدف ضرب عمق التاريخ، وزرع الإحباط واليأس في أجيال المستقبل، وتشويه صارخ للتاريخ. هذا التناول يخدم أجندات أيديولوجية ودينية وطائفية وعرفية، ويصب في مصلحة أهداف سياسية ضعيفة. حتى اختيار الفترات التاريخية لم يكن محايدًا، بل كان جزءًا من استراتيجية لتقوية هذه الرسائل المشوهة.

في الحقيقة، لو كان الهدف مجرد نقد درامي ساخر أو هادف، لكان من الطبيعي اختيار بعض فترات الانحدار والانقسام والفشل، مثل انحدار الإمبراطورية الرومانية، وأواخر الدولة العباسية، وملوك الطوائف في الأندلس، وفترات محاكم التفتيش الأوروبية. التاريخ مليء بفترات سقوط وظلم وطغيان يمكن أن تخدم الغرض الفني، دون الحاجة لتشويه الإنجازات الحضارية الحقيقية للعصور الذهبية. كل حضارة لها فترات نهوض وفترات تهاوٍ، وسوء الاختيار يعزى إما إلى جهل أو نوايا خبيثة.


الخاتمة:

يتضح من هذا الاستعراض أن الأعمال الدرامية التي تناولت بعض الشخصيات التاريخية الكبرى لم تكن مجرد محاولات للنقد الفني أو السخرية التاريخية، بل كانت جزءًا من استراتيجية ممنهجة لتشويه التاريخ وزرع الإحباط واليأس في نفوس الأجيال القادمة. التركيز على الشخصيات الناجحة والفترات المزدهرة، مع تجاهل أو تحريف إنجازاتها، يعكس أهدافًا أيديولوجية وسياسية ضعيفة، ويكشف مدى الحقد الإيديولوجي في تقديم التاريخ بهذه الصورة.

فالعمل الدرامي الحقيقي يجب أن يكون مجردًا من الغل العاطفي، لا يُمجِّد شخصية ولا يُسيء إليها. الأمانة التاريخية تقتضي إبراز الإنجازات والإخفاقات معًا، وكل ما يختلف عن ذلك يكون هدفه الإساءة أو التلميع.

التاريخ مليء بالعبر والدروس، وفهم الإنجازات والإخفاقات معًا يتيح رؤية أكثر اتزانًا وعمقًا. الالتزام بالحقائق، والابتعاد عن المغالطات الدرامية، هو السبيل للحفاظ على التراث الحضاري، ونقل صورة حقيقية للأجيال عن الماضي، بعيدًا عن أي أجندة سياسية أو دينية أو طائفية.

في النهاية، يكمن التحدي الحقيقي في أن نقرأ التاريخ بوعي، ونميز بين الإبداع والنجاح الذي تحقق فعليًا وبين الحملات الفنية أو الأدبية التي تحاول تشويهه، لنستفيد من الماضي في فهم حاضرنا وتخطيط مستقبلنا، دون أن نقع في فخ التزييف أو الدعاية المشوهة.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهجاء المستتر بالمديح… بهرجة وسط الدياجير
- الوعي غربال... بين المجاملة واللباقة والتملق
- حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء الثامن
- النظرة السطحية للسياسة... سراب لبعض الكتاب والمحللين
- ريشة ابن خلدون الثاقبة… تكشف زيف أقلام التلوين
- الصبر بين الفضيلة والانتظار القسري...مأساة الإنسان أمام الظل ...
- الانتهازية والغطرسة والنفاق... قراءة عبر العصور
- التواصل الاجتماعي كأداة استخباراتية… والوعي المفقود
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء السابع
- قبول المذلّة… إقرار بالمزيد
- ندم شاهين ...وتهكّم الممعوط
- حين تتوحد الأعراق... ويتشرذم الأعراب
- الحرية الكَيِّسَة...والحياد الجَري
- حوار المعالجات الرقمية... الجزء السادس
- حوار المعالجات الرقمية... الجزء الخامس
- حوار المعالجات الرقمية....الجزء الرابع
- حوار المعالجات الرقمية.... التسريب الثالث
- حوار المعاجات الرقمية... التسريب الثاني
- حوار مسرب بين معالجات ألفا وبيتا


المزيد.....




- برنامج الكوميدي جيمي كيميل يعود للبث من جديد بعد أيام من الإ ...
- هل تكون -الثامنة ثابتة-؟ فيلم -معركة تلو الأخرى- أحدث رهانات ...
- موسكو تحتفي بالملابس المحتشمة القادمة من الشرق الأوسط
- صدور المجموعة الشعرية الجديدة -ساعي بريد اللهفة- للشاعر نمر ...
- الإيفوارية تانيلا بوني تفوز بجائزة -تشيكايا أوتامسي- للشعر ا ...
- مجلس الوزراء يدعو لترجمة المواقف الدولية إلى خطوات عملية لو ...
- الكتاب وطن متنقل يمد يده للقارئ في الغربة والوحدة
- زيورخ تتراجع عن تعليم اللغة الفرنسية في سنّ مبكّرة: فهل الوح ...
- وزير الثقافة والسياحة التركي للجزيرة نت: انتقلنا في 7 سنوات ...
- ادباء ذي قار يستضيفون القاص محمد الكاظم للاحتفاء بمنجزه الاد ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار مرشد - الدراما العربية وتشويه التاريخ... عندما يتحول الفن إلى أداة أيديولوجية