أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بشار مرشد - حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟














المزيد.....

حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8471 - 2025 / 9 / 20 - 14:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة:
يعيش العالم اليوم حالة صراع متعددة المستويات. لم تعد المواجهات مقتصرة على القوى الكبرى، بل باتت تُدار غالبًا عبر "حروب الوكالة". وتُخاض هذه الحروب على أرض الغير وبدماء شعوبهم، بينما تُحصد المكاسب في مراكز القرار الكبرى. ولفهم المشهد الحالي، لا بد من النظر إلى التداخل بين النفوذ الدولي، والانقسامات الداخلية، وطموحات الكيانات الصغيرة التي ظهرت في خضمّ تلك الخلافات المستعرة، بالإضافة إلى أولى علامات التململ ومحاولات بعض الدول لاستشراف الخطر الداهم.

حروب الوكالة واستغلال الانقسامات:
لم تعد القوى الكبرى بحاجة إلى إشعال صراعات جديدة من الصفر، بل يكفيها استغلال الانقسامات الداخلية القائمة في المجتمعات: كصراعات الهوية، والانقسامات الطائفية والعرقية، والخلافات الطبقية والاقتصادية. فبهذا تتحول هذه الانقسامات إلى جروح مفتوحة يمكن الضغط عليها وقت الحاجة، بما يضمن استمرار النفوذ والسيطرة على الموارد والمسارات الاستراتيجية.

سياسة "تبديل الأحذية":
تتسم سياسة القوى الكبرى بمرونة عالية تقوم على ما يمكن تسميته "تبديل الأحذية": لا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، بل مصالح ثابتة ومتغيرة وفق اللحظة التاريخية. فحليف الأمس قد يُستبدل بحليف جديد، وخصم الأمس قد يصبح شريكًا مفيدًا. في الوقت نفسه، يعمل الإعلام كأداة مركزية؛ فيُلَمع الحليف الجديد ويُشيطن السابق، ليبدو التغيير وكأنه خطوة أخلاقية لا مجرد مصلحة استراتيجية.

الكيانات الصغيرة وطموحاتها الإقليمية:
وسط هذه اللعبة الكبرى، برزت بعض الكيانات الصغيرة في خضمّ تلك الخلافات المستعرة، في محاولةٍ للخروج عن حجمها الطبيعي الجغرافي والديمغرافي. حيث لعبت دور تلاحُذِيَّة، في لعبة الأمم هذه، استثمرت الكيانات الإعلام والمال والسياسة وحتى الرياضة لتبني صورة لنفسها باعتبارها لاعبًا إقليميًا فاعلًا. كما أن التنافس فيما بينها زاد المشهد تعقيدًا، وأحيانًا بدا وكأنه صراع أنداد، لكنه في الواقع صراع على الهامش ضمن حدود مرسومة مسبقًا من قبل القوى الكبرى. والمفارقة أن هذه الكيانات، كلما توسعت في لعب هذا الدور، زادت تبعيتها لمن يوفر لها الغطاء والحماية. فهي لا تملك القدرة على الاستقلال الاستراتيجي، بل تعتمد على مظلة القوة الكبرى التي تسمح لها بالتحرك. وأي محاولة لتكبير ذاتها غالبًا ما تنتهي بتعزيز الوصاية عليها.

التململ ومحاولات تشكيل تحالفات:
وسط هذا الواقع المتشابك، بدأت بعض الدول تظهر علامات تململ من نمط إدارة القوى الكبرى للصراعات الإقليمية. هذه الدول، رغم محدودية مواردها، بدأت تدرك أن بقاءها منفردة أمام هذه اللعبة قد يضاعف المخاطر عليها. من هنا بدأت تنشأ محاولات لتشكيل تحالفات جديدة قائمة على المصالح المشتركة والوعي بالخطر الداهم الذي يهدد الاستقلال الإقليمي.

أن هذه التحالفات ليست مجرد بيانات سياسية أو قمم رمزية، بل تعكس رغبة حقيقية في إيجاد مساحة للتنفس والقرار المستقل بعيدًا عن سيطرة القوى الكبرى. مثل هذه التحركات تُظهر أن بعض الدول بدأت تستشرف التهديدات المستقبلية، وتحاول إعادة رسم قواعد اللعبة على هامش النفوذ الدولي. ومع ذلك، تواجه هذه التحالفات تحديات كبيرة من تفاوت القدرات الاقتصادية والعسكرية، والتوترات الداخلية، ووجود مصالح متضاربة بين الأطراف نفسها. لكنها تظل مؤشرًا قويًا على إمكانية إعادة التوازن ولو جزئيًا.

الأمل واستمرارية التحالفات:
وفي مقال سابق لي بعنوان "الطبيعة وتصحيح اختلال القوة" أشرت إلى إمكانية بروز تحالفات جديدة من شأنها تغيير الواقع، لاستمرار عجلة التاريخ وتصحيح مسار الطبيعة. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل يستمر هذا الأمل في ظل صراعات الوكالة المستمرة؟ رغم كل التحديات، تبقى المؤشرات موجودة على أن بعض الدول بدأت تسعى لإيجاد مساحة للاستقلال واتخاذ القرار، وهو ما يمنحنا بصيص أمل بأن التاريخ قد يميل مرة أخرى نحو التوازن ولو بشكل جزئي.

أمثلة من التاريخ القديم:
ظاهرة حروب الوكالة ليست جديدة؛ فقد شهدها التاريخ القديم أيضًا. الإمبراطورية الرومانية استخدمت المدن الصغيرة كحلفاء ووكلاء لتوسيع نفوذها على الحدود. اليونان القديمة شهدت صراعات بين المدن المستقلة مثل أثينا وسبارتا، التي تحولت أحيانًا إلى صراعات بالوكالة عبر حلفاء خارجيين. الإمبراطورية الفارسية اعتمدت على حكام محليين للتحكم في المقاطعات البعيدة، ما أدى لصراعات جانبية ضمن حدود السيطرة الفارسية. وحتى الصين القديمة أسست نظامًا إقطاعيًا ووكلاء محليين لضمان النفوذ، رغم أن هذه الوكالات كانت تتحرك أحيانًا حسب مصالحها الخاصة.

الخلاصة والحل الممكن:
المشهد الحالي يظهر ثلاث طبقات متداخلة:
1. قوى كبرى تدير الصراعات عبر الوكلاء والأدوات.
2. كيانات صغيرة ظهرت في خضم تلك الخلافات لتضخيم أدوارها، لكنها تبقى رهينة الخارج.
3. شعوب تعيش بين الاستنزاف المتواصل ودورة لا تنتهي من الدمار وإعادة الإعمار.

والحل لا يكمن في انتظار تغيّر مواقف القوى الكبرى، فمصالحها ثابتة مهما بدت سياساتها متقلبة. بل الحل الحقيقي يكمن في بناء تحالفات جديدة للدول الضعيفة والمتوسطة، تقوم على مشروع اقتصادي وسياسي وثقافي جامع، يمنحها استقلالًا نسبيًا وصوتًا حقيقيًا، ويكسر منطق الوكالة والتبعية.

وبدون ذلك، سيبقى العالم مسرحًا لتبديل الأدوار والأحذية، حيث تُستبدل الوجوه واللاعبون، لكن تبقى النتيجة واحدة: دماء تُسفك محليًا، ومكاسب تُحصد بعيدًا.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء الثامن
- النظرة السطحية للسياسة... سراب لبعض الكتاب والمحللين
- ريشة ابن خلدون الثاقبة… تكشف زيف أقلام التلوين
- الصبر بين الفضيلة والانتظار القسري...مأساة الإنسان أمام الظل ...
- الانتهازية والغطرسة والنفاق... قراءة عبر العصور
- التواصل الاجتماعي كأداة استخباراتية… والوعي المفقود
- حوار المعالجات الرقمية...الجزء السابع
- قبول المذلّة… إقرار بالمزيد
- ندم شاهين ...وتهكّم الممعوط
- حين تتوحد الأعراق... ويتشرذم الأعراب
- الحرية الكَيِّسَة...والحياد الجَري
- حوار المعالجات الرقمية... الجزء السادس
- حوار المعالجات الرقمية... الجزء الخامس
- حوار المعالجات الرقمية....الجزء الرابع
- حوار المعالجات الرقمية.... التسريب الثالث
- حوار المعاجات الرقمية... التسريب الثاني
- حوار مسرب بين معالجات ألفا وبيتا
- الأقنعة والحقائق... مسرحية الانتصار عبر المنصات الاجتماعية
- ظل المؤسسة... بين الولاء والنهب
- الشرق والغرب... الظل الذي تغلّب على النور


المزيد.....




- البيت الأبيض: أمريكا ستُكمل صفقة تيك توك -خلال الأيام المقبل ...
- بوتين يختبر -صمت- ترامب لإعادة رسم معادلة الحرب في أوكرانيا ...
- هاتريك كاين يقود البافاري لفوز كبير.. ونصر أول لهامبورغ
- كيف يفكر نتنياهو في مواجهة العزلة التي يعيشها الكيان الصهيون ...
- من عمود الحلاق إلى سهم أمازون.. حكايات الرموز ودلالاتها الخف ...
- مسعد بولس يكشف التوجه الأميركي بأفريقيا وجهود السلام في الكو ...
- قتيل في قصف إسرائيلي على سيارة جنوب لبنان
- حماس: إسرائيل تستخدم عربات مسيّرة مفخخة لإبادة المدنيين بغزة ...
- الديمقراطيون يضغطون للقاء ترامب مع اقتراب الإغلاق الحكومي
- معهد العالم العربي في باريس يناقش الاعتراف الفرنسي المؤجل بف ...


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بشار مرشد - حروب الوكالة... من يدفع الثمن في لعبة الأمم؟