حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 02:28
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في العدد: 8464 من الحوار المتمدن الأغر، المورخ 2025 / 9 / 13، نشر الأستاذ حميد كوره جي المحترم مقاله الموسوم: "هل الصين دولة شيوعية ونظامها اشتراكي؟"، استهله بهذه الفقرة:
"من المنظور الماركسي، الصين ليست دولة شيوعية. فالنظام فيها لا يلبي المتطلبات الأساسية للتحول الحقيقي نحو الشيوعية أو الاشتراكية كما تطرحها النظرية. فوفقًا لماركس، يجب أن يتم الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية بقيادة مباشرة من الطبقة العاملة عبر مجالس ديمقراطية، أي مجالس العمال، وليس عبر هيمنة حزب سياسي يدّعي أنه يمثل العمال. في حالة الصين، أن السلطة تتركز في يد الحزب الشيوعي الصيني، وليس في يد الطبقة العاملة بشكل جماعي. كما أن الدولة الصينية لم تتبنَّ نظامًا يتيح للعمال الحكم مباشرة أو المشاركة في عزل قياداتهم. وهذا يتناقض بشكل جوهري مع ثورة أكتوبر 1917 في روسيا، حيث بُنيت حكومة لينين على أساس السوفييتات، وهي مجالس العمال والجنود التي كانت تُعبر عن إرادة البروليتاريا بشكل مباشر."
انتهى نص الفقرة الاولى من المقال أعلاه .
الكاتب يتحدث بيقينية ورهاوة عن أنه: " وفقًا لماركس، يجب أن يتم الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية بقيادة مباشرة من الطبقة العاملة عبر مجالس ديمقراطية، أي مجالس العمال، وليس عبر هيمنة حزب سياسي يدّعي أنه يمثل العمال ".
السؤال هنا هو: عن أي ماركس يتحدث الكاتب في الفقرة أعلاه ؟
عند ماركس الذي نعرفه حق المعرفة كماركسيين، احتل مفهوم "الحزب البروليتاري" مركز الصدارة في فكره السياسي هو وإنجلز منذ عام 1847 فلاحقاً، مثلما أكد انجلز ذلك. كلنا قرأ "البيان الشيوعي" الصادر في أواخر عام 1847، وعرفنا أن أسمه الكامل إنما هو: "بيان الحزب الشيوعي" وليس "بيان مجالس العمال" مثلما ينص عليه كاتب هذا المقال. وفي الفصل الأول من هذا البيان، ينص ماركس وإنجلز على أن: "هذا التنظيم للبروليتاريين في طبقة، وبالتالي في حزب سياسي، يتعرض للانقلاب باستمرار بسبب التنافس بين العمال أنفسهم. لكنه ينهض من جديد، أقوى وأكثر رسوخًا وجبروتًا".
وفي مؤتمر لاهاي للأممية الأولى - المنعقد في تشرين الأول من عام 1872 - اعتمد المؤتمر المادة 7 من النظام الأساسي العام التي كتب نصها ماركس بخط يده (مع وضعه خطاً تحت عبارة "الغاء الطبقات")، ونصها:
"أولا - القرار المتعلق بالقواعد العامة
المادة التالية التي تلخص محتويات القرار التاسع لمؤتمر لندن (سبتمبر 1871) المراد إدراجه في القواعد بعد المادة 7، وهي: --
المادة 7أ - في نضالها ضد السلطة الجماعية للطبقات المالكة، لا تستطيع الطبقة العاملة أن تتصرف كطبقة إلا من خلال تشكيل حزب سياسي متميز ومعارض لجميع الأحزاب القديمة التي شكلتها الطبقات المالكة.
إن تشكيل الطبقة العاملة في حزب سياسي أمر لا غنى عنه لضمان انتصار الثورة الاجتماعية، وهدفها النهائي، وهو إلغاء الطبقات."
المصدر:
https://www.marxists.org/archive/marx/iwma/documents/1872/hague-conference/resolutions.htm
نص ماركس أعلاه واضح بصدد ضرورة انشاء الحزب الشيوعي لضمان انتصار الثورة الاجتماعية وغايتها النهائية هي إلغاء الطبقات، وهو يفسر نفسه بنفسه. إذاً، فمن أين جلب الكاتب المحترم نصه أعلاه: " فوفقًا لماركس، يجب أن يتم الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية بقيادة مباشرة من الطبقة العاملة عبر مجالس ديمقراطية، أي مجالس العمال، وليس عبر هيمنة حزب سياسي يدّعي أنه يمثل العمال".
ثم ما معنى عبارة "يدعي أنه يمثل العمال" ؟ مَن يُمثل الشيوعيون (الماركسيون اللينينيون) غير المصالح الحقيقية للعمال؟
في الفصل الثاني من بيان الحزب الشيوعي لماركس وانجلز، نقرأ مايلي عن علاقة الشيوعيين بالبروليتاريا:
"ما هي العلاقة بين الشيوعيين والبروليتاريين ككل؟
لا يشكل الشيوعيون حزبًا منفصلاً معارضًا للأحزاب العمالية الأخرى.
ليس لديهم مصالح منفصلة ومستقلّة عن مصالح البروليتاريا ككل.
إنهم لا يضعون أية مبادئ طائفية خاصة بهم، والتي من خلالها يقومون بتشكيل وتشكيل الحركة البروليتارية.
يتميز الشيوعيون عن أحزاب الطبقة العاملة الأخرى بما يلي فقط: ١. في النضالات الوطنية للبروليتاريين في مختلف البلدان، يُبرزون ويُقدمون المصالح المشتركة للبروليتاريا بأكملها، بغض النظر عن أي قومية. ٢. في مختلف مراحل التطور التي يمر بها نضال الطبقة العاملة ضد البرجوازية، يُمثلون دائمًا وفي كل مكان مصالح الحركة ككل.
"إن الشيوعيين هم، من ناحية، يشكلون الجزء الأكثر تقدمًا وتصميمًا من أحزاب الطبقة العاملة في كل بلد، وهم الجزء الذي يدفع كل الآخرين إلى الأمام؛ ومن ناحية أخرى، يتمتع الشيوعيون نظريًا بميزة على الأغلبية العظمى من البروليتاريا في فهم واضح لخط المسيرة، والظروف، والنتائج العامة النهائية للحركة البروليتارية.
إن الهدف المباشر للشيوعيين هو نفس هدف كل الأحزاب البروليتارية الأخرى: تشكيل البروليتاريا في طبقة، والإطاحة بالسيادة البرجوازية، واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية."
المصدر:
https://www.marxists.org/archive/marx/works/1848/communist-manifesto/ch02.htm
إذن، الشيوعيون - وفقا لماركس وابجلز - يمثلون " الجزء الأكثر تقدمًا وتصميمًا من أحزاب الطبقة العاملة في كل بلد": "لأنهم يدفعون كل الآخرين إلى أمام" بفضل: " تمتعهم نظريًا بميزة على الأغلبية العظمى من البروليتاريا في فهم واضح لخط المسيرة، والظروف، والنتائج العامة النهائية للحركة البروليتارية"، وليس لكونهم "يدعون أنهم يمثلون الطبقة العاملة" مثلما يقول كاتب المقال.
صحيح أن دوائر المخابرات الغربية قامت وتقوم بتصنيع دكاكينها المزيفة التي "تدعي أنها تمثل العمال"، ولكن هذه الدكاكين (مثل الخمير الحمر) سرعان ما يتم اكتشافها من طرف البروليتاريا وفضحها وتعريتها، ومن ثم رميها في مزابل التاريخ والخزي والعار. الحزب الشيوعي يفصح عن نفسه بنفسه في كل مكان، وبرنامجه ونضالاته العملية تتكلم عن طبيعته، وليس ادعاءاته. الحزب الشيوعي - وليس مجالس العمال أبداً - هو "طليعة الطبفة العاملة"، مثلما تعلمنا من لينين – قائد الحزب البلشفي (وليس مجالس العمال) الذي فجر ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917.
في ضوء ما هو وارد باختصار شديد في أعلاه، فإن من الواضح تماماً إن نص كاتب المقال إنما يقوِّل ماركس بما لم يقله البتة، وذلك على نحو مؤسف. كما أنه ينعى على الحزب الشيوعي الصيني استلامه السلطة في الصين وشروعة في بدء سيرورة التحول الاشتراكي - وهذا واجب كل حزب شيوعي وفق نص ماركس اعلاه المعتمد من طرف الأممية الأولى - ويتهمه جزافا بكونه غير اشتراكي لأنه لم يترك لـ "مجالس العمال" الاضطلاع بهذه المهمة، رغم واقع عدم وجود أي "مجالس عمال" في أي بقعة صينية لبلد زراعي أساساً، نسبة عدد سكان الريف فيه كانت 89,36% من أصل 540 مليوناً عام 1949! بل ويتهم الحزب الشيوعي الصيني بكونه غير ماركسي بالضبط لأنه استلم السلطة على نحو مطابق لقول ماركس وانجلز: "بضرورة ذلك لضمان انتصار الثورة الاجتماعية، وغايتها النهائية: إلغاء الطبقات" !
معلوم أن ماركس وانجلز - وكل شيوعي ثوري مثلهما – يحيي ويشارك (مثلما فعل انجلز عام 1848) بأي شكل من أشكال النضال البروليتاري السياسي والاقتصادي مثل الانتفاضات والاعتصامات وتأسيس النقابات ومجالس العمال ونواديهم وكوموناتهم ... ولكن بدون التنظيم السياسي للعمال في حزب شيوعي موحد لا تقوم للعمال قائمة، مثلما أكد ذلك ماركس وانجلز مراراً وتكراراً، ومثلما أثبتته لنا وقائع التاريخ .
يتبع، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟