|
تاريخ الكومونات الاشتراكية (3)
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 18:28
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
المشروع الكوموني في فنزويلا تمهيد في عام 1997، أسس هوغو تشافيز في فنزويلا حزباً سياسياً أسماه بـ "حركة الجمهورية الخامسة"، والذي حظى بمسانده اليساريين والطبقات الفقيرة في البلد. وأعلن عن برنامج يركز على محاربة الفقر والرشوة، ففاز بالرئاسة بنسبة 56% في انتخابات كانون الأول، 1998. وقتها، كان 50% من مواطنيه يرزحون تحت خط الفقر رغم كون فنزويلا من أغنى الدول النفطية والتي يقدر دخلها بـ 850 مليون دولار في الشهر. وكان سبب أفقار غالبية الشعب الفنزويلي يعود للطبقة السياسية الحاكمة المرتشية وتابعيها من رجال الأعمال الفاسدين على نحو فاحش خطير، باعتبارهم السماسرة المرتبطين مباشرة باليانكي ممن دأبوا على نهب ثروات البلد وهم يقيمون في شاليهات فخمة حيث ينظمون حفلات الدعارة ويكرعون الويسكي الفاخر المستورد بالمال الحرام، متغنين نفاقاً بالليبرالية وحقوق الأنسان والديمقراطية والتنوير لحضارة الإبادات الجماعية الغربية. استطاع تشافيز أن يحقق نقلة اجتماعية ضخمة بتركيزه على رفع مستوى المعيشة للمواطنين من خلال تأميمه للنفط وإعادة توزيع عائداته على المواطنين. كما رَفَعَ شعار: "القضاء على بيوت الصفيح" التي كانت منتشرة في فنزويلا، وتبنى مشروع إنشاء 200 ألف مسكن اقتصادي تم توزيعها مجاناً على المحتاجين. وفي عام 1999 تم اقرار دستور جديد للبلاد استبدل مفهوم دولة القانون بدولة القانون والعدالة، وادخل مفهوم الديمقراطية بالمشاركة الشعبية المباشرة. وأصبح المنتخَبون قابلين للعزل، وأدخل مفهوم التعاونيه العماليه و التسيير الذاتى في اقتصاد البلد. وجرى الاعتراف بحقوق الاهإلى، بما فيها حق تملك الأرض وتسييرها وفق تقاليد اسلاف شعوب أمريكا الجنوبية قبل الغزو الأوربي لها. وتم تأطير مبدأ حماية البيئة بمقتضيات دستوريه عديدة. وازيح النفط – باعتباره ثروة وطنية تخص الشعب كله – خارج نطاق التعرض للخصخصة؛ كما وتم منع وجود قوات أجنبية على تراب البلد. وخلال الفترة الرئاسية الثالثة لتشافيز (2006 – 2012)، اتخذ البرلمان الفنزويلي قراراً بتحويل فنزويلا إلى "دولة اشتراكية"، وتم تغيير اسم الدولة من "جمهورية فنزويلا " إلى "جمهورية فنزويلا البوليفارية". وقد بذلت حكومة تشافيز جهوداً حثيثة للجمع بين سياسات الدولة والسلطة الشعبية القاعدية. ففي عام 2009، أعلن تشافيز أن الكومونات هي "الخلايا الأساسية" للاشتراكية الفنزويلية ، وتم البدء بتشكيل المجالس الكومونية في مدن وأرياف البلد على حد سواء. وقد عزز تاسيس الكومونات الفنزويلية الديمقراطية التشاركية المباشرة واليومية في الجمعيات البلدية والبرلمانات المحلية، مع السعي إلى توسيع نطاق الرقابة الديمقراطية لتشمل الحياة الجماعية بأكملها، حيث أكد تشافيز إن عملية البناء الاشتراكي يتم الحكم عليها بمدى تطبيقها للديمقراطية الجوهرية الشاملة في المجتمعات المحلية. وكالعادة بصدد أي حكومة منتخبة ديمقراطياً ذات توجه اشتراكي في العالم، فقد شمَرت الإدارة الأمريكية عن ساعديها لإفشال هذه التجربة الاشتراكية الوليدة عبر فرض العقوبات التجارية الخانقة وترتيب الانقلابات والموامرات الدخلية وبث الدعايات الكاذبة والتخريب من كل نوع وضخ رزم الدولارات في خزائن زعماء المعارضة. ولكن الثورة التشافيزية مضت قدماً إلى أمام بين شد وجذب حتى بعد وفاة تشافيز في 5 آذار 2013، وفوز مادورو بالرئاسة كمرشح عن" الحزب الاشتراكي الموحد لفنزويلا". وقد حظيت شؤؤن الكومونات مؤخراً بوزارة خاصه بها في حكومة الأخير. في هذه الحلقة، أقدم ترجمتي لنص المقابلة التي أجرتها الأستاذة شيرا باسكوال ماركوينا مع وزير الكومونات في حكومة مادورو: أنخيل برادو، المنشورة في عدد (1) تموز، 2025 من المجلة الماركسية الأمريكية المستقلة "المراجعة الشهرية" (Monthly Review) تحت عنوان: " المشروع الكوموني في فنزويلا" لإلقاء الضوء على التجربة الكومونية الاشتراكية في فنزويلا . وأنخيل برادو هو المؤسس لكومونة "إل مايزال"، ووزير الكومونات في حكومة نيكولاس مادورو منذ عام ٢٠٢٤. وهو أيضًا أحد مؤسسي "اتحاد الكومونيين"، وهي منظمة تجمع ثمانين كومونة فنزويلية. بين عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٤، عمل عمدة لبلدية مدينة "سيمون بلاناس"، حيث تقع كومونة "إل مايزال". في منصبه وزيراً للكومونات، يجمع برادو بين العمل الدؤوب لتعزيز التنظيم الجماعي على الصعيد الوطني والمشاركة الفعالة في شؤون الدولة. في هذه المقابلة، يشرح الوزير الكوموني أولاً شكل هيكلة الكومونات في فنزويلا وكيفية ارتباطها بالدولة. كما يتأمل برادو في التحديات التي تواجهها الكومونات اليوم، وأهمية الوحدة في الحركة التشافيزية، وخطط تضمين الكومونات في الإصلاح القادم للدستور الفنزويلي. طول الوقت، يؤكد برادو على الكومونة كحل عملي للاحتياجات الفورية للمجتمع وكجزء من مشروع استراتيجي للتحرر الوطني والبناء الاشتراكي. أما شيرا باسكوال ماركوينا فهي معلمة مشهورة في جامعة بلوريسيداد، وهي مبادرة تعليمية تابعة لكومونة إل بانال في حي ٢٣ دي إنرو، وهو حيّ شعبي في كاراكاس. وهي أيضًا المؤسسة والعضوة في "شبكة الديمقراطية البلدية" الفنزويلية. أُجريت هذه المقابلة بكاراكاس في 11 آذار، 2025. رابط المقابلة: https://monthlyreview.org/2025/07/01/venezuelas-communal-project/ نص المقابلة شيرا باسكوال ماركوينا : دعونا نبدأ بالسؤال الأساسي: ما هي الكومونة الفنزويلية؟ أنخيل برادو : أولاً، أود أن أعرب عن مدى امتناني لاهتمام قرائكم بفهم التحول السياسي الذي يحدث في فنزويلا وكيف تعمل الكومونة - وفقًا لخريطة الطريق التي وضعها القائد [هوغو] تشافيز - كمسار لبناء الاشتراكية. الكومونة هي منظمة شعبية علملة داخل إقليم محدد، حيث يتم إنشاء الحكم الذاتي من خلال الهيكل السياسي للتشريع، وادارة الموارد، وإدارة وسائل الإنتاج الخاصة به. في الكومونة، توجد مستويات عديدة للتنظيم الشعبي. فهناك البرلمان الكوموني، والمصرف الكوموني، ولجان ذات تخصصات متنوعة، من الاقتصاد إلى الرياضة. وفي قاعدة الكومونة، توجد المجالس الكومونية، وهي الخلايا التنظيمية الأساسية. تُعدّ عملية التجمع جوهرَ عمل الكومونة، فهي جوهرُ منظماتنا. وتُعدّ الجمعية أعلى هيئةٍ لاتخاذ القرارات في الكومونة، حيث يحقّ لأيّ مواطن في أراضي الجمعية المشاركة والتحدث والمطالبة والاستفسار والتصويت والإشراف على العمليات. وللجمعية الكلمة الفصل بصدد جميع المسائل المتعلقة بالكومونة. تُولي المجتمعات المحلية أيضًا أهميةً بالغةً للرمزية وللهوية، وتُرسي معايير التعايش المشترك، وتُطوّر خططًا تُعالج مشاكل المجتمع. تُشكّل هذه العمليات الحياة الجماعية، مُعززةً تدريجيًا ما نُسميه: "روح المجتمع المحلي"، وهي روح جماعية قائمة على الهوية والعمل الجماعي. شيرا: أليس صحيحاً أيضاً، وفقا لتشافيز، أن الكومونات يجب أن تعمل على تعزيز العلاقات الاجتماعية الجديدة للإنتاج؟ برادو : نعم، تُركِّز الكومونة على الأرض والهوية، وكذلك على التنظيم الاقتصادي. فهي تُحشد وتُوحِّد القوى الجماعية للشعب لحل المشكلات القائمة وتحسين الظروف المعيشية المادية. وهذا يعني توليد عمليات اقتصادية ذاتية الحكم. ومن خلال التخطيط وقوة عمل المجتمع، تبني الكومونة ما نُسميه اقتصادًا شعبيًا وجماعيًا. يحتاج الناس إلى الخدمات والغذاء والسلع الأخرى، ويمكن إنتاج الكثير منها داخليًا. وفي كل هذا، يُعد التخطيط الجماعي أمرًا أساسيًا. يدور جدلٌ مستمرٌّ في الكومونات حول الملكية، بدءًا من الملكية الجماعية وصولًا إلى الملكية العامة والعائلية والخاصة. تسعى الكومونات إلى هيمنة الملكية الجماعية على أراضيها، إلا أن هذا لا يزال قيد التطوير. ولذلك، يدور صراعٌ للسيطرة على وسائل الإنتاج - الأرض والمصانع وجميع الموارد الضرورية لتطوير القوى الإنتاجية في الكومونات. ومن القضايا الأخرى التي تُناقَش توزيع الفائض وإعادة استثماره. وهناك حاجةٌ إلى موازنة الاستثمار الاجتماعي مع إعادة الاستثمار الإنتاجي. شيرا: في بلدٍ مُحاصرٍ بسبب العقوبات الأمريكية، سعت أقوى الكومونات إلى تلبية الاحتياجات المُلحة في مجتمعاتها. وفي كثيرٍ من الحالات، نجحت على نحوٍ كبيرٍ في مُواجهة بعض آثار الحصار. برادو: في المجتمعات المحلية، من الضروري تحديد القيم والمبادئ التي تُشكل الحياة المجتمعية. يرى الناس أن المجتمع المحلي هو أقرب مستوى حكومي في مجتمعهم، وهو المؤسسة الأقرب التي يلجأون إليها لحل مشاكلهم. لقد رأينا ذلك جليًا خلال جائحة كورونا. حينها، عملت المجتمعات المحلية المنظمة جنبًا إلى جنب مع الناشطين المحليين في مجال الرعاية الصحية، وسائقي الدراجات النارية المتطوعين، وغيرهم من أفراد المجتمع الذين تولوا، بروح التضامن، مهمة توفير الأدوية، وتنفيذ حملات التطعيم، وضمان حصول الناس على الرعاية اللازمة. وكان للمتحدثين باسم المجتمعات المحلية المنتخبين دورٌ هام في هذا، إذ أظهروا روح القيادة والاهتمام الصادق بأهالي مجتمعاتهم. وقد وفرت المجتمعات المحلية هيكلًا تنظيميًا، وفي خضم الأزمة، أدرك الناس أنهم يستطيعون اللجوء إلى قادة المجتمعات المحلية طلبًا للدعم. رغم الحصار والجائحة والأزمة الاقتصادية، لا يوجد حيّ واحد في فنزويلا يخلو من تنظيم شعبي. في العديد من المناطق، توجد كومونات ذاتية الحكم تُشارك في التخطيط وتنفيذ مبادرات المساعدة المتبادلة. كما تحتفظ الكومونات ببيانات مُفصّلة عن مجتمعاتها، مما يُساعدها على فهم احتياجات سكانها وتلبيتها بشكل أفضل . شيرا: يبدو اليوم أن هناك علاقة تآزرية بين الحركة المجتمعية والحكومة البوليفارية، بينما كانت هناك لحظات توتر وتناقض ملحوظة قبل خمس سنوات فقط. ما الذي سمح بحدوث هذا التقارب؟ برادو: بعد رحيل القائد تشافيز، تزايدت التناقضات ليس فقط داخل الحركة الشافيزية، بل أيضا في العلاقة مع البرجوازية الوطنية والإمبريالية الأميركية، التي تهدد باستمرار البلدان التي تؤكد سيادتها . لقد شهدنا مؤخرًا ما حدث في سوريا. كان ذلك بمثابة تحذير للشعب الفنزويلي المناهض للإمبريالية في معظمه. لحظتنا التاريخية تتطلب الوحدة. التشافيزية متنوعة، تمامًا مثل البيرونية في الأرجنتين، بتوجهاتها الأيديولوجية المختلفة. مع ذلك، في فنزويلا، أي سياسي يُطلق على نفسه اسم التشافيزية ولكنه غير متجذر في المجتمع ويفتقر إلى الاعتراف الشعبي، لا يُسهم بشيء في الجبهة الوطنية ضد الإمبريالية - والشعب يعلم ذلك. إن من الواضح تماماً ما الذي يحصل عند الإطاحة بالحكومات التقدمية والمعادية للإمبريالية: المجازر والقمع والتدمير. ولذلك، تُعد الوحدة أمرًا أساسيًا. ستكون هناك دائمًا نقاشات داخلية. ومع ذلك، في الحركة الجماهيرية، نناضل من أجل تقوية الكومونات، وضمان أن تصبح أكثر تنظيمًا وقوة، وأن تكون تعبيرًا حقيقيًا عن الحكم الذاتي للشعب. اليوم، ثمة تآزر قوي بين قادة الحكومة والحركة المجتمعية. وهناك استعداد واضح من الحكومة للاعتراف بالكومونات ودعمها. وبالطبع، سيظل لدينا دائمًا إصلاحيون وانتهازيون لا يؤمنون بالكومونة، ويتربصون في صفوف التشافيزية لتخريب هذه الوحدة. ومع ذلك، فإن نضالنا المناهض للإمبريالية يبقينا متحدين، مما يسمح لنا بأن نكون قدوة للدول والشعوب الأخرى التي تقاوم الإمبريالية حول العالم. شيرا: خلال أصعب فترة من الحصار والأزمة، ازدادت قوة الكومونات. ومع ذلك، سعى الكثيرون إلى الحلول الفردية وليست الجماعية لمشاكلهم. وهذا لا يزال قائمًا حتى اليوم. ما هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع من لا يتفاعلون مع المشروع الجماعي؟ برادو : أي حربٍ لها خسائر فادحة. في فنزويلا، نعاني من حربٍ اقتصاديةٍ دامت قرابة عقدٍ من الزمان. إنها حربٌ وحشيةٌ تهدف إلى تقويض معنويات المجتمع الفنزويلي وتفكيكه، وإجبار الناس على انتهاج أساليب فردية للبقاء. في الواقع، لقد تراجع البعض عن العمل الجماعي، مُركزين فقط على احتياجاتهم المباشرة واحتياجات أسرهم، مُنسحبين مؤقتًا من المشاركة الشعبية. لكن الذين صمدوا في وجه النضال - أولئك الذين استمروا فيه - كُثر. ورغم المصاعب، ظلت طليعة ثورية فاعلة في كل حيّ وكل مجتمع ريفي. لقد صمدت، وقاومت، وقادت، وحافظت على شعلة التنظيم الشعبي متقدة. لهذا السبب، تتقدم الثورة الفنزويلية اليوم من جديد. لقد ولّت السنوات الأصعب - من ٢٠١٦ إلى ٢٠٢١ - عندما طورت البلاد قدرات اقتصادية جديدة، مصحوبة أحيانًا بقرارات سياسية صارمة شكك فيها بعضنا، لكنها في النهاية حالت دون اندلاع الحرب الأهلية والتدخل الأمريكي. لقد جعلتنا هذه المقاومة أقوى. ورغم الجراح، ما زلنا صامدين أخلاقيًا وسياسيًا. وقد أثبت ملايين القادة الشعبيين، ومعظمهم من النساء، أن الدفاع عن المجتمع هو أسمى أشكال القيادة. لقد أصبحت المجتمعات التي نشأت أو عادت إلى الظهور في السنوات الأصعب أكثر قوة، حيث تسيطر على الاقتصادات الشعبية، وتعزز التعليم السياسي، وتنظم الشباب. شيرا: تُعدّ الاستشارات الشعبية التي بدأت في مايو/أيار 2024 مثالاً جيداً على التعاون الوثيق بين الحكومة والكومونات. هل يمكنك شرح آلية عملها؟ كيف تُنقل عملية الاستشارات السلطة إلى الكومونات؟ برادو: لقد أصبحت عمليات الاستشارة الشعبية قناةً مهمةً للتواصل بين الحكومة والكومونات في هذه المرحلة. تبدأ هذه العملية بعقد الجمعيات في جميع الكومونات والدوائر الكومونية [وهي في الأساس كومونات لم تُدمج بعد] في جميع أنحاء البلاد. يجتمع الناس في هذه الجمعيات لمناقشة القضايا الأكثر إلحاحًا وتحديد أولوياتها. ثم تأتي عملية تصويت وطنية يختار فيها أعضاء كل كومونة مشروعًا واحدًا من بين المشاريع التي حددتها الجمعيات على أنها ضرورية. بعد عملية التصويت، تُخصَّص الأموال لكل كومونة أو دائرة كومونية، والتي تتولى مسؤولية متابعة المشروع حتى اكتماله. في الوقت الحالي، التمويل محدود [١٠,٠٠٠ دولار أمريكي لكل استشارة]، إلا أن الرئيس أشار إلى أن الحكومات البلدية والإقليمية ينبغي أن تموِّل أيضًا مشاريع الكومونات. بهذه الطريقة، ينبع كل مشروع من عملية تخطيط داخلية للمجتمع. وقد تبنى الناس هذه الممارسة الجديدة، وأعادت إشراك الكثيرين ممن انسحبوا من المشاركة المجتمعية، وأعادت الثقة بالمجالس والكومونات. والآن، بوسع الجميع أن يروا كيف يمكن للكومونات بالفعل معالجة المشكلات الجماعية. النتيجة هي استعادة الثقة بالهياكل المجتمعية. منذ ما يقرب من عام، تُعقد الاستشارات الشعبية كل ثلاثة أشهر، وتنمو المشاركة مع كل دورة جديدة. وقد أصبح الناس يثقون بهذه الطريقة. ترتبط المشاورات بتطلعات الطبقة العاملة، حيث تُمكّن هذه العملية المجتمعات المحلية وتعزز ارتباطها بالكومونة. مهمتنا الآن هي تعزيز الكومونات بشكل أكبر، حتى تتحقق رؤية القائد تشافيز - بأن يحكم الشعب نفسه بنفسه ويقود التحولات الكبرى القادمة - على أرض الواقع. يجب أن يكون الشعب المنظم رائدًا في إصلاح البنية التحتية للرعاية الصحية والتعليم، وتحسين الأماكن العامة؛ والأهم من ذلك، تولي مسؤولية تخطيط المشاريع وإدارتها وتنفيذها والإشراف عليها. باختصار، تُعدّ المشاورات عملية تمكين وتجربة تعلّم في آنٍ واحد. تعمل المجتمعات جاهدةً لمنع النكسات مع ضمان إدارة الموارد التي تتلقاها بكفاءة. إنّ مكافحة البيروقراطية والفساد معركةٌ مستمرة، ولكن عندما يتحكّم الناس بأنفسهم بتلك الأموال ويعملون جماعيًا لحمايتها، فهذا هو أفضل علاج. ومن خلال المشاورات الشعبية، فإننا نضمن المشاركة الحقيقية في الديمقراطية الفنزويلية: ونثبت أن الشعب المنظم قادر على تحقيق المزيد من الإنجازات التي تستطيع أي مؤسسة حكومية بمفردها تحقيقها. شيرا: من المقرر إجراء إصلاح دستوري هذا العام، وقد جادل الكثيرون بضرورة أن يكون للكومونة دور بارز في الميثاق الوطني المُحدَّث. تثير إمكانية إدراج الكومونة في الدستور البوليفاري تساؤلات عديدة حول علاقة الكومونة بالدولة. كيف تفهمون هذه العلاقة؟ برادو: بوضع الدستور البوليفاري لعام ١٩٩٩، خطى الشعب الفنزويلي خطوةً مهمةً نحو الديمقراطية التشاركية. أرسى هذا الدستور أطرًا قانونيةً تُمكّن الشعب من التنظيم بطرقٍ مختلفة: في المصانع والجامعات والنقابات، وكذلك على المستوى الإقليمي. كان هذا وحده إنجازًا كبيرًا. ومع ذلك، لم نحصل على الموافقةٍ على الإصلاحٍ الدستوريٍّ عام ٢٠٠٧ والذي كان من شأنه الاعتراف بالمنظمات المجتمعية والشعبية صراحةً في الدستور. في خطابه عام ٢٠١٢ - الذي عُرِف شعبيًا باسم "غولبي دي تيمون" (الهجوم على الدفة) - تحدى القائد تشافيز وزراءه قائلاً: "أين الكومونة؟". اليوم، يستطيع الشعب الفنزويلي أن يجيب: "الكومونة هنا، في أرضنا. إنها منظمة، فاعلة، وتناضل". مع ذلك، ما زلنا نرغب في الاعتراف بالكومونة صراحةً في الدستور؛ وهذا ما يزال أحد أكبر تحدياتنا في الوقت الراهن. ولذلك، نعمل جاهدين، سواءً من جانب الكومونات أو من جانب وزارة الكومونات، لكسب المزيد من الشرعية والثقة، حتى نتمكن من بناء توافق واسع يدعم إدراج الكومونة في نص الدستور. يتجاوز النقاش مسألة الاعتراف. فهو لا يقتصر على إدراج الكومونة في الدستور فحسب، بل نفكر أيضًا في كيفية تنظيم ارتباطها بالدولة الفنزويلية. اليوم، تعترف الحكومة بالكومونة كمنظمة شعبية، لكننا نحتاجها لتكون على قدم المساواة مع المؤسسات والهياكل الحكومية الأخرى. نحن نتمسك بشعارنا: " الكومونة أو لا شيء!" الذي لم يعد مجرد كلام، بل أصبح واقعًا ملموسًا في المنطقة. اليوم، تُعدّ الكومونات أكثر الهياكل التنظيمية واقعيةً ومباشرةً في المناطق الحضرية والريفية. كل هذا بالغ الأهمية، لكننا نريد أن نُرسّخ هذا التعبير الحيوي عن السلطة الشعبية. حتى أولئك الذين قد لا يتفقون تمامًا مع الحكومة أو الثورة، يُقرّون بشرعية الكومونة. يفعلون ذلك لأنهم يرون كيف يُحلّ المجتمع المُنظّم مشاكله بنفسه. يعيش غالبية الفنزويليين في مجتمعات من الطبقة العاملة، ويحتاجون إلى دعم حكومي لتلبية احتياجاتهم. وكما أن للبلديات وحكومات الولايات حقًا دستوريًا في الحصول على التمويل، فإننا نطالب بمنح الكومونات الحق نفسه - حق لا يعتمد على الإرادة السياسية لرئيس بلدية أو حاكم أو وزير، بل هو مُلزم بموجب الدستور. وينبغي أن يكون ضمان الوصول إلى هذه الأموال واجبًا دستوريًا على الدولة الفنزويلية. نقاشاتنا حول الدستور ما تزال في بدايتها، لكننا سنتوصل إلى قرار هذا العام. هناك اتفاق واسع على أن أحد أهدافنا الرئيسية ينبغي أن يكون ضمان إدراج مصطلح "الكومونة" والاعتراف به في الدستور. ومع ذلك، من المهم بنفس القدر تحديد علاقة الكومونات بالدولة وضمان حصولها على التمويل. شيرا: هل لديك أية أفكار ختامية حول تشافيز والكومونة والاشتراكية؟ برادو: على مدى العقود الثلاثة الماضية، خاضت فنزويلا كفاحًا شاملًا ضد قوى الإمبريالية التي نهبت بلادنا لقرون. وكما قال القائد تشافيز: "حان الوقت للوقوف إلى جانب قضايا الكرامة والتحرر الحقيقي، ورفع رايات الاستقلال وتقرير المصير". في مواجهة الهجمة الإمبريالية، لا يمكننا أن نكون متحفظين في نموذجنا السياسي. لا يمكننا تقليد نموذجهم في الديمقراطية الزائفة. في الوقت الراهن، في منطقة الساحل، ثارت عدة دول ضد الشركات العابرة للحدود والهياكل الاستعمارية الجديدة، فطردت القواعد العسكرية وفتحت الطريق نحو السيادة. يُلهمنا نضالهم، مُذكرين بمثال تشافيز، الذي ناضل أيضًا من أجل السيادة الوطنية. يجب أن نواصل المعركة التي بدأها تشافيز، وهي صراعٌ اشتدّ وازداد استقطابًا. الخيار أمامنا واضح: إما أن نتقدم في بناء الاشتراكية، ونبني ديمقراطية تشاركية وفاعلة، مع حماية مواردنا الطبيعية؛ أو أن نخاطر بأن نصبح دولةً إصلاحيةً أخرى بحكومةٍ تُسمى تقدميةً تفشل في تغيير هياكل الدولة القائمة. إذا لم نتقدم بنموذجنا السياسي الخاص - الذي اقترحته الثورة البوليفارية وتشافيز - فإن الإمبريالية ستدمرنا. إذا لم نفكك الهياكل التي فرضوها علينا، فسوف يدمرون كل ما بنيناه. نحن نشهد هذا التدمير الذي يحصل الآن في الأرجنتين، حيث انتشلت الحكومات التقدمية البلاد من الانهيار الاقتصادي، لكنها فشلت في تغيير أسس السياسة. اقد حافظت على الدستور القديم، وحافظت على هياكل الحكم التقليدية، ولم تنقل السلطة للشعب عبر المنظمات الشعبية. ونتيجة لذلك، أُطيح بها. وللأسف، اليوم ينهب صندوق النقد الدولي والشركات الإمبريالية ما كانت يومًا ما إحدى أغنى دول أمريكا اللاتينية، بينما يرتفع فيها الفقر بمعدلات مقلقة. فنزويلا ملتزمة بتغيير الدولة، وبناء المجتمع الجديد، وبناء الديمقراطية الحقيقية، والحفاظ على الاستقلال الوطني. كما أننا ملتزمون ببناء الاشتراكية... والشعب يدفع هذا التقدم قدمًا!"
يُتبع، لطفاً.
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاريخ الكومونات الاشتراكية (2)
-
تاريخ الكومونات الإستراكية (1)
-
الفنان التشكيلي الكبير رسول علوان حيدر في كتاب جديد
-
إيضاحات بصدد الكومونة الاشتراكية
-
الكومونات الاشتراكية ومناهضة الإمبريالية: النهج الماركسي
-
أعلام عراقية شامخة: الأستاذ المتمرس الدكتور عبد اللطيف علوان
...
-
أعلام عراقية شامخة: الأستاذ المتمرس الدكتور عبد اللطيف علوان
...
-
الفنان التشكيلي العراقي الكبير غازي السعّودي في كتاب مهم
-
فيزياء الرأسمالية
-
إلى روح الشاعر الفذ: موفق محمد أبو خُمْره
-
الطفل حيدر يريد الزواج
-
خطبة الأسقف نعنول بن نمنم
-
فيروس جائحة كورونا صناعة أمريكية 99%
-
حكاية مؤرّخ الخرّيط
-
إيضاحات بصدد مقال الرفيق أ. د. علي طبله المحترم / 2-3
-
إيضاحات بصدد مقال الرفيق د. علي طبله المحترم / 1-3
-
قاريء الكف: الدكتور ماكس
-
التركيبة الطبقية لفاشية ترأمب
-
عرس سعيدة وسعيد
-
تمساحٌ في الدار
المزيد.....
-
لنقف بحزم ضد عسكرة المدن والقمع السياسي
-
با ل?ب?اوان? دژ ب? ميلتاريز?کردني شار?کان و س?رکوتي سياسي بو
...
-
مظاهرات حاشدة في أستراليا دعماً للفلسطينيين، وغانتس يدعو لتح
...
-
عائلتي الشهيدين الدريدي وبلهواري: تعزية في وفاة المناضل الكب
...
-
ستوكهولم.. مئات المتظاهرين ينددون بخطة إسرائيل لاحتلال كامل
...
-
م.م.ن.ص// الرفيق: المفهوم، المضمون، والوجود الثوري
-
-كان ديكتاتورا-.. عمرو موسى يشعل ضجة بانتقاده جمال عبدالناصر
...
-
اليمين المتطرف يقود موجة احتجاجات منظمة أمام فنادق اللاجئين
...
-
الإهمال الطبي في السجون جريمة.. أفرجوا عن مروة عرفة
-
محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يع
...
المزيد.....
-
علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية!
/ طلال الربيعي
-
مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي
...
/ مسعد عربيد
-
أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا
...
/ بندر نوري
-
كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة
/ شادي الشماوي
-
الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة:
...
/ رزكار عقراوي
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
المزيد.....
|