أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة














المزيد.....

أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 00:06
المحور: قضايا ثقافية
    


تُعدّ إدارة الوقت من القضايا المركزية في الدراسات السلوكية والتنظيمية، إذ يرتبط حسن استثمار الوقت بمستوى الإنجاز والإنتاجية وجودة المخرجات على المستويين الفردي والمؤسسي. غير أنّ شريحة واسعة من الأفراد تعاني من ظاهرة التسويف وتأجيل المهام، وهو سلوك يتسم بترك الأعمال إلى اللحظات الأخيرة قبيل موعد إنجازها، مما يولّد حالة من التوتر النفسي والارتباك الذهني ويؤثر سلباً على جودة الأداء ويزيد من احتمالية الأخطاء والنسيان. وقد وصف بيرس ستيل هذه الظاهرة بأنها "فجوة زمنية بين نية الفرد للقيام بالمهمة وتنفيذه الفعلي لها" (Steel, 2010)، وهو ما يضعف القدرة على الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة، ويجعل الوقت عدواً ضاغطاً بدلاً من أن يكون أداة داعمة للإنجاز. إنّ المشكلة لا تكمن فقط في ضيق الوقت عند التنفيذ، بل في ضعف التخطيط وغياب الوعي بقيمة الزمن بوصفه مورداً لا يُعوّض، فالمال يمكن أن يُستعاد والصحة قد تُحافظ نسبياً، أما الوقت إذا مضى فلا رجعة له.

من أجل معالجة هذه الإشكالية، تظهر الحاجة إلى بدائل عملية وسلوكية تسهم في إعادة بناء علاقة الفرد بالزمن. أول هذه البدائل يتمثل في تحديد الأولويات وفق ما يُعرف بـ "مصفوفة إيزنهاور" التي تُصنّف المهام إلى عاجلة ومهمة، مهمة وغير عاجلة، عاجلة وغير مهمة، وأخيراً لا عاجلة ولا مهمة (Covey, 1989). هذا الأسلوب يساعد الفرد على ترتيب جهوده بشكل واعٍ بعيداً عن العشوائية. كما أن تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة يخفف من رهبة الإنجاز ويمنح شعوراً بالتحكم المرحلي، وهو ما أشار إليه ديفيد ألين بقوله: "تفكيك المهمة الكبرى إلى وحدات صغيرة قابلة للتنفيذ يقلل من الضغط النفسي ويزيد من احتمالية إتمامها" (Allen, 2001).

إضافة إلى ذلك، يمثل تطبيق قاعدة "الدقيقتين" أحد الحلول العملية، حيث يتم إنجاز أي مهمة يمكن إتمامها في دقيقتين أو أقل فوراً دون تأجيل. أما التخطيط المسبق اليومي أو الأسبوعي فيعد أداة أساسية لإدارة الجهد، إذ أظهرت الدراسات أن الأفراد الذين يخططون ليومهم مسبقاً يحققون إنجازاً أعلى بنسبة تصل إلى 25% مقارنة بمن يباشرون يومهم دون خطة (Claessens et al., 2007).

وفيما يتعلق بالمشتتات الرقمية، فإن الاستخدام غير المنضبط للهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي يمثل من أبرز معوقات إدارة الوقت، وقد أكدت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا أن "استعادة التركيز بعد كل مقاطعة رقمية يستغرق في المتوسط 23 دقيقة" (Mark, Gudith, & Klocke, 2008)، وهو ما يعني هدراً كبيراً للوقت والجهد. من هنا يصبح تقنين هذه المشتتات أو الاستعانة بتطبيقات لضبط استخدامها ضرورة لاستعادة السيطرة على الزمن.

إلى جانب ذلك، يمكن تعزيز الانضباط الذاتي عبر المكافأة الذاتية بعد إنجاز المهام، بما يحفز الاستمرارية ويجعل الالتزام بالخطة سلوكاً مرغوباً. غير أنّ التمسك بالمثالية المفرطة قد يشكل عائقاً في حد ذاته، إذ يشير بيرس ستيل إلى أن "الكمال أحد أبرز دوافع التسويف، لأنه يجعل البدء في المهمة مؤجلاً إلى حين توافر ظروف مثالية لا تأتي غالباً" (Steel, 2010). لذا يصبح الاكتفاء بالإنجاز الجيد في وقته أفضل من السعي وراء المثالية المتأخرة.

وأخيراً، فإن بناء عادات إيجابية تدريجية – مثل الاستيقاظ المبكر، وتخصيص أوقات ثابتة للعمل، وممارسة تمارين التركيز الذهني – يمثل استثماراً بعيد المدى في تحسين إدارة الوقت. فهذه العادات لا تُحدث تحولاً فورياً، لكنها تُعيد برمجة السلوك على نحو يجعل التنظيم الذاتي جزءاً من الممارسة اليومية.

وعليه، يمكن القول إن ظاهرة التسويف ليست مجرد مشكلة وقتية، بل هي نمط سلوكي يحتاج إلى وعي وتدخل منهجي لتغييره. إن إدراك قيمة الوقت بوصفه رأس مال الإنسان الحقيقي يشكل الخطوة الأولى للتحرر من دوامة ضغط اللحظة الأخيرة، واعتماد البدائل العملية المذكورة يسهم في تحسين الكفاءة الإنتاجية، وتعزيز الاستقرار النفسي والاجتماعي، وتحويل الحياة اليومية من مسرح للفوضى والإرباك إلى مسار منتظم للإنجاز الفعّال والرضا الذاتي.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي
- الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب
- العدو الصغير والقائد الثائر
- القصف الأسرائلي على الدوحة بين الأستهتار الأسرائلي والخنوع ا ...
- أحتمالات المواجهة الفينزوالية الأمريكية وتأثيرها على الساحة ...
- الدور العراقي كوسيط في الملف الأيراني النووي هل يجدي بنفع؟
- تحالفات الكبار بين أحلال السلام والهيمنة (مجموعة شنغهاي)
- الفجور والتقوى لدى النفس البشرية
- التخنث وسط الشباب العراقي
- حزب الله بين الأيدلوجية المذهبية وشعار المقاومة
- الأغتصاب الجنسي بين التحريم والتجريم والعار الأجتماعي
- البداوة وأثرها في بناء المجتمعات
- البداوة وأثرها في نشأت المجتمعات
- الأنتخابات البرلمانية العراقية ٢٠٢٥ ...
- القوات الأمريكية تغادر العراق...قرأة موجزة
- قمة ترامب وبوتين… خارطة نفوذ جديدة وتوازنات خفية
- الاندماج والتعنصر لدى المهاجرين في المجتمعات الحديثة
- أحلام قسد المستقبلية
- الاثباتات الجنائية في جريمة الزنا
- بريطانيا ودولة فلسطين


المزيد.....




- بعد الغيبة لماذا استدعى المرشد الإيراني علي لاريجاني؟
- زامير يبلغ الحكومة: حماس لن تُهزم حتى بعد احتلال غزة
- أونروا: قطاع غزة بدأ يتحول إلى أرض قاحلة غير صالحة للسكن
- تضامن -عربي - إسلامي- مع قطر ضد -الاعتداء الإسرائيلي-
- مشاهد الانقسام.. أميركيون يفقدون وظائفهم لانتقادهم كيرك
- السودان.. هجوم بالمسيرات يستهدق مواقع استراتجيية في كوستي
- نتانياهو: زيارة روبيو تظهر -قوة التحالف الإسرائيلي الأميركي- ...
- قمة الدوحة الاستثنائية: رسالة قوية للسلام والسيادة الخليجية ...
- نتنياهو يحتفي بـ-وحدة اليمام-: -لا يوجد أفضل منها بالعالم-
- رئيس وزراء قطر: الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة -إرهاب دولة- ...


المزيد.....

- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رحيم حمادي غضبان - أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة