أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي














المزيد.....

أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 15:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ منتصف السبعينات أدركت الولايات المتحدة أن المواجهة المباشرة مع الاتحاد السوفيتي قد تقود إلى صراع نووي شامل لا يحتمله العالم، لذلك وضعت استراتيجيتها القائمة على الضرب من وراء الجدار وبناء طوق يحيط بالاتحاد السوفيتي من الشرق. هذا الطوق لم يكن عسكرياً بقدر ما كان أيديولوجياً يعتمد على تفعيل القوى الإسلامية واستخدامها كأداة لمواجهة الشيوعية. فقد رأت واشنطن أن الإسلام بما يحمله من جاذبية روحية واجتماعية قادر على تحريك الشعوب الشرقية في مواجهة الفكر الماركسي الذي كان يتمدد في العالم العربي والإسلامي. وقد انعكست هذه الرؤية في خطوات ملموسة كان أبرزها السماح بعودة الخميني إلى طهران وإسقاط الشاه الذي أنهكته الأزمات الداخلية، وتقديم الدعم غير المباشر للثورة الإسلامية لتتحول إيران إلى قوة مواجهة شرسة ضد النفوذ السوفيتي في آسيا الوسطى والعالم الإسلامي. وفي الوقت ذاته أُطيح بذي الفقار علي بوتو في باكستان عبر انقلاب عسكري قاده ضياء الحق، الذي رفع لواء "أسلمة الدولة" وربط بلاده بالمشروع الأمريكي للجهاد في أفغانستان. وبذلك تحولت باكستان إلى القاعدة الخلفية لتمويل وتسليح المقاتلين الذين أرهقوا الاتحاد السوفيتي حتى سقوطه. ثم جاء الدور على أفغانستان نفسها، حيث دعمت الولايات المتحدة القوى المتشددة التي أصبحت فيما بعد نواة طالبان التي حكمت كابول ورفعت راية الإسلام السياسي المتشدد. كل ذلك كان جزءاً من هندسة استراتيجية معقدة جعلت الإسلام السياسي في قلب الصراع العالمي. وفي تركيا لم يكن الأمر مباشراً، لكن صعود حزب العدالة والتنمية بمرونة "الإسلام الديمقراطي" كان متناغماً مع رغبة أمريكية في خلق نموذج مقبول يجمع بين الإسلام والانخراط في حلف الأطلسي.

غير أن هذه السياسة التي بدت ناجحة في المدى القصير حملت بذور فشلها في المدى البعيد، فالقوى التي استخدمتها واشنطن لم تبق أدوات طيّعة بل تحولت إلى قوى ذات مشاريع مستقلة؛ بعضها اصطدم بالولايات المتحدة نفسها كما حدث مع إيران التي خرجت عن الطوق الأمريكي بعد سنوات الثورة، وبعضها ورّطها في حروب وصراعات استنزفتها مثل طالبان والقاعدة التي وُلدت من رحم الدعم الأمريكي ـ الباكستاني ثم ارتدت على واشنطن في أحداث الحادي عشر من سبتمبر. هذه التناقضات التاريخية تكشف أن السياسة الأمريكية خلال الحرب الباردة كانت براغماتية إلى درجة المجازفة، إذ فضّلت إسقاط الاتحاد السوفيتي عبر الإسلام السياسي ولو كان الثمن لاحقاً ولادة حركات معادية لها.

أما اليوم فإن صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تكاد تكون أكثر ارتباكاً؛ فهي لم تعد صانعة استراتيجيات بعيدة المدى بل رهينة لمعادلات إسرائيلية آنية ومصالح ضيقة مرتبطة ببقاء الاحتلال في فلسطين. وبذلك خسرت جانباً كبيراً من مكانتها الأخلاقية والسياسية لدى الشعوب العربية والإسلامية. ومع اشتداد العدوان الإسرائيلي على غزة وتوريط واشنطن في تغطية الجرائم السياسية والعسكرية، تحولت الولايات المتحدة من قوة "ضابطة للتوازن" إلى طرف منحاز بشكل أعمى. وما زاد من ارتباك الموقف أن الهجوم الإسرائيلي الإعلامي والسياسي امتد إلى الدوحة، الحليف الأوثق لواشنطن في المنطقة والتي تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج أراضيها، فضلاً عن كونها وسيطاً لا غنى عنه في قضايا كبرى مثل مفاوضات الأسرى في غزة وأفغانستان. هذا التناقض جعل كثيراً من الأنظمة العربية تشعر أن أمريكا لم تعد شريكاً يمكن الاعتماد عليه، بل دولة رهينة للقرار الإسرائيلي حتى لو كان ذلك على حساب مصالحها المباشرة.

من زاوية مستقبلية يمكن القول إن استمرار واشنطن في ارتمائها بحضن إسرائيل سيعجّل بخسارتها لحلفائها في الشرق الأوسط، خاصة مع صعود بدائل استراتيجية أخرى كروسيا التي وسّعت حضورها في سوريا وإيران، والصين التي أصبحت الشريك التجاري الأول لكثير من دول الخليج. كما أن بروز التكتلات الإقليمية الجديدة كالبريكس يفتح المجال أمام خيارات اقتصادية وسياسية بعيدة عن الهيمنة الأمريكية. وفي ظل تنامي الوعي الشعبي الرافض للسياسات الأمريكية المنحازة لتل أبيب فإن الحكومات نفسها ستواجه ضغوطاً تجعلها تبحث عن بدائل أكثر توازناً. لذلك فإن الولايات المتحدة إذا لم تُراجع سياستها وتفصل بين مصالحها الاستراتيجية ومصالح إسرائيل الضيقة، فإن خسارتها للتحالفات الكبرى في الشرق الأوسط لن تكون احتمالاً بعيداً، بل مساراً محتوماً يذكّرنا بأن السياسة الأمريكية التي صنعت جداراً أخضر في وجه الاتحاد السوفيتي قد تجد نفسها الآن محاصَرة بجدار من الرفض الشعبي والرسمي في الشرق الأوسط.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب
- العدو الصغير والقائد الثائر
- القصف الأسرائلي على الدوحة بين الأستهتار الأسرائلي والخنوع ا ...
- أحتمالات المواجهة الفينزوالية الأمريكية وتأثيرها على الساحة ...
- الدور العراقي كوسيط في الملف الأيراني النووي هل يجدي بنفع؟
- تحالفات الكبار بين أحلال السلام والهيمنة (مجموعة شنغهاي)
- الفجور والتقوى لدى النفس البشرية
- التخنث وسط الشباب العراقي
- حزب الله بين الأيدلوجية المذهبية وشعار المقاومة
- الأغتصاب الجنسي بين التحريم والتجريم والعار الأجتماعي
- البداوة وأثرها في بناء المجتمعات
- البداوة وأثرها في نشأت المجتمعات
- الأنتخابات البرلمانية العراقية ٢٠٢٥ ...
- القوات الأمريكية تغادر العراق...قرأة موجزة
- قمة ترامب وبوتين… خارطة نفوذ جديدة وتوازنات خفية
- الاندماج والتعنصر لدى المهاجرين في المجتمعات الحديثة
- أحلام قسد المستقبلية
- الاثباتات الجنائية في جريمة الزنا
- بريطانيا ودولة فلسطين
- الوحدة 8200


المزيد.....




- صورة متداولة لـ-تعزيزات عسكرية مصرية على طريق السويس-.. ما ح ...
- ما تفاصيل مقتل تشارلي كيرك؟
- -الجيش الإسرائيلي استولى على منزلي واستخدمه كفندق ثم أشعل في ...
- المرحلة الرابعة من تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان: 8 شاحنات ...
- رغم إصابته في العانة.. برشلونة -أجبر- لامين يامال على اللعب ...
- ترامب يشترط على دول الناتو وقف شراء النفط من روسيا لفرض عقوب ...
- باختراقها للأجواء البولندية... هل تسعى روسيا إلى جر حلف الأط ...
- هذا ما نعرفه عن اغتيال تشارلي كيرك والقاتل المفترض
- لمعالجة الجفاف في بريطانيا.. الحكومة تطلب من الناس حذف رسائل ...
- مفتي القاعدة السابق يروي تفاصيل مقاومة طالبان للأميركيين حتى ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي