أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - الايقونات والرمزيات السيميائية : متى تكون نافعة ومتى تكون ضارة اجتماعيا- ؟!















المزيد.....

الايقونات والرمزيات السيميائية : متى تكون نافعة ومتى تكون ضارة اجتماعيا- ؟!


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 12:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الإيقونات والرمزيات السيميائية : متى تكون نافعة ومتى تكون ضارة اجتماعيا"؟!


منذ أن وجد الإنسان على وجه البسيطة ، ومنذ أن شرع بتكوين الجماعات والمجتمعات ، سواء منها المترحلة / البدوية ، أو المستقرة / الحضرية ، وهو يحاول أن يعطي لوجوده الإنساني قيمة ويضفي على حياته الاجتماعية معنى . ذلك لأن كينونة الإنسان - دون سائر المخلوقات الأخرى – لا ترتهن فقط بالعناصر الطبيعية (جغرافية وإيكولوجية) ، أو ترتبط بالمعطيات المادية (اقتصادية واجتماعية) فحسب ، وإنما هي متعلقة بمجموعة من العوامل الروحية (اعتقادات وديانات) ، والنفسية (دوافع ونوازع) ، والرمزية (إيحاءات ودلالات) وكذلك . لا بل أن هذه الأخيرة تتقدم - من حيث التأثير والأهمية - على ضرورات الأولى وتجبّها في بعض الأحيان والظروف . ولهذا فقد وجد (( ان السلطة الرمزية – كما لاحظ الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي (بيار بورديو) – من حيث هي قدرة على تكوين المعطى عن طريق العبارات اللفظية ، ومن حيث هي قدرة على الإبانة والإقناع ، وإقرار رؤية عن العالم أو تحويلها ، ومن ثم على تحويل التأثير في العالم ، وبالتالي تحويل العالم ذاته ، قدرة شبه سحرية تمكن من بلوغ ما يعادل ما تمكن منه القوة (الطبيعية أو الاقتصادية) بفضل قدرتها على التعبئة )) . وهو الأمر الذي لم تتوانى مختلف السلطات - قديمها وحديثنا - في استثمار دوره واستغلال تأثيره في توجهات أفرادها وتعبئة جماعاتها ، على صعيد تنميط وعيهم ، ونمذجة سلوكهم ، وتأطير علاقاتهم .
والحال ما المعنى المقصود – في هذه المقالة المتواضعة تحديدا"– بالعبارات الواردة في العنوان الرئيسي (الايقونات والرمزيات السيميائية) على وجه التحديد ؟ . ما نقصده بالعبارة الأولى (الايقونات) هي مجموعة (الصور) و(الرسوم) و(النصب) و(التماثيل) وما يدخل في نطاقها ، التي غالبا"ما ترمز الى (شخصية) ما أسطورية متخيلة ، أو تاريخية حقيقة ، أو (موقع) ما أثري شاخص ، أو ديني مقدس ، أو (حدث) ما سياسي كبير ، أو عمل عسكري مميز . أما بالنسبة للعبارة الثانية (الرمزيات) فالمراد بها هنا الإشارة الى كل ما يرتبط بكيان (الدولة – السلطة ) ومؤسساتها السيادية ؛ الأعلام الوطنية ، واللافتات السياسية ، والعملات الرسمية ، والشارات التكريمية ، والأوسمة العسكرية ، وما يدخل في نطاقها من جهة . وما يتعلق بشخصية (المجتمع) وطبيعة هويته الحضارية ، لجهة تنوع ثقافاته القومية ، وتعدد طوائفه الدينية ، وتباين جماعاته القبلية العشائرية من مثل ؛ الأضرحة والمقامات التي ترمز الى شخصيات دينية مقدسة ، والأعلام والرايات التي ترمز الى الخصوصيات القبلية والعشائرية ، والاحتفالات والمهرجانات الثقافية التي ترمز الى الأعياد والمناسبات ، والصور والملصقات التي ترمز الى الشخصيات الاثنية والمذهبية .
ورغم الاختلافات الكبيرة والتباينات الواسعة بين المجتمعات المصنفة (متقدمة)علميا"وصناعيا" وحضاريا"، وبين نظيرها المصنفة (متأخرة) في ذات المجالات والميادين والحقول ، إلاّ أن كليهما لا ينيا يحرصان على الاحتفاء بأهمية ودور (الايقونيات) و(الرمزيات) في حياة شعوبهما ؛ إن من حيث قدرتها السيميائية في إحداث التغييرات المطلوبة والمرغوبة سواء في مضامير السياسة أو قطاعات الاقتصاد ، أو من حيث سعة الانتشار سوسيولوجيا"وعمق التأثير سيكولوجيا". ولهذا فقد أشار الباحث الغربي (ديفيد هوكس) الى أهمية العامل (السيميائي) في التلاعب ببنى الوعي والتحكم بأنماط السلوك ، بحيث لا تستحيل فقط الرموز المجردة الى أشياء واقعية فاعلة ومؤثرة فحسب ، بل ان تأثيرها في الواقع يغدو أشدّ وقعا"وأكثر حضورا". ولهذا فقد كتب يقول (( كلما ابتعد الاقتصاد عن إنتاج الأشياء المادية الواقعية وصار ، بدلا"من ذلك خاضعا"للتبادل السلعي الذي يتحقق من خلال توسط التمثيل المالي ، جاز لنا أن نتوقع أن تولى الفلسفة قوة مجددة متزايدة لأنظمة الدلالة تبلغ حدّ اعتبارها الواقع الوحيد الذي نمكن معرفته )) .
وفي إطار هذه الرؤى والتصورات ، تبدو (الإيقونات) و(الرموز) التي باتت تتوالد وتتناسل على إيقاع التصدعات والانقسامات والصراعات (سلاح ذو حدين) ، ينبغي التعامل معها بحرص شديد وحذر بالغ وإلاّ فإن العواقب الناجمة عن إساءة استخدامها ستكون كارثية ومدمرة ، ليس فقط على صعيد سلطة (الدولة) التي قد لا تحسن التعاطي مع هذه الأشكال والتعابير (السيميائية) ، بحيث يمكن أن يقوّض شرعيتها ويتحدى سلطتها ويهدد وجودها فحسب . وإنما على كيان (المجتمع) الذي ربما يشتط في توظيف دورها واستثمار قدراتها واستخدام إيحاءاتها ، بحيث يفضي به ذلك ليس فقط الى التصادم مع الدولة التي اختارت أن تكون طرفا"في أتون هذا المعترك (السيميائي) الخطر فحسب ، وإنما الانخراط في دوامات تصعيد الاحتقانات وتأجيج الكراهيات وتعميق الانقسامات .
ولغرض معرفة الكيفية التي من خلالها تستحيل هذه الأشكال والتعابير (الرمزية) التي ترتكز فاعليتها ويتمحور تأثيرها على ما تتوفر عليه من قوة (ناعمة)هائلة بإمكانها فعل الأعاجيب ، الى عامل شديد القوة في التأثير سواء في حالات النهوض والتطور أو في حالات النكوص والتقهقر ! . ينبغي أن نشير الى أن تلك الأشكال والتعابير لا تحمل في ذاتها - من حيث الأصل والطبيعة – خصائص معينة يمكن اعتبارها (إيجابية) أو (سلبية) بالمطلق ، وإنما هي – ضمن بئيات اجتماعية وظروف سياسية وسياقات تاريخية – تستحيل ؛ أما الى عامل (بناء) و(تعمير) بإمكانه تقوية كيان (الدولة) وتعزيز هيبتها من جهة ، وجمع شتات المكونات الاجتماعية المتنافرة وسمتنة وحدتها من جهة أخرى . وإما ينقلب الى عامل (هدم) و(تدمير) باستطاعته تحطيم كيان الأولى وتشتيت شمل الثانية بزمن قياسي .
وهكذا ففي (الحالة الأولى) يمكن ملاحظة أهمية الدور وقوة التأثير الذي تمارسه الرموز والإيقونات ، عند تعرض الدولة أو المجتمع الى ما يهدد وجودهما الجغرافي والسياسي بالفناء ، حيث يمكن استثمارها في شحذ الهمم وتقوية العزائم لرفع مستويات التحدي وتصليب روح المقاومة . وذلك بالحضّ على وضع الخلافات والصراعات البينية جانبا"، والتركيز من ثم على ما يدعم سيادة الدولة ويعزز سلطتها من جانب ، ويحافظ على وحدة المجتمع ويحمي شخصيته ويصون هويته من جانب ثان ، أي بمعنى استثمار تلك الرموز السيميائية استثمارا"وطنيا" وإنسانيا"وحضاريا". وأما في (الحالة الثانية) فإن هذه الأخيرة ستكون وبالا"على الدولة وشرا"مستطيرا"على المجتمع في حال واستغلال دورها الاجتماعي واستثمار مخزونها النفسي ، عند وقوع الحروب والصراعات (الأهلية) التي تكون الدوافع (القومية - العنصرية) و(الطائفية - المذهبية) و(القبلية - العشائرية) سببا"أساسيا"في اشتعال فتيلها اندلاع سعيرها .
ولعل حالة المجتمع العراقي في الوقت الحاضر تعطينا المثال / النموذج الأشدّ ضراوة على استغلال واستثمار الرمزيات والايقونات وفقا"لتوصيف الحالة (الثانية) التي أشرنا إليها سابقا"، حيث تنهمك قواه السياسية وتنخرط مكوناته الاجتماعية بحمية لا تحسد عليها في أتون من المنافسات البدائية المزيادات الفجة ، التي تستعرض من خلالها مختلف (الصور) و(الأعلام) و(الرايات) و(الشارات) و(التشابيه) ، التي لا تخفى دلالاتها (الدينية – الطائفية) و(القبلية – العشائرية) و(الاثنية – العنصرية) بشكل سافر ، لا بل يكاد يكون استعراضا"(استفزازيا") على صعيد جمعي ، بحيث تستنفر كل العصبيات وتجيش كل الأصوليات بما يوحي بأن المجتمع تحوّل من الحالة الحضارية الى الحالة البربرية !.



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطنية (الظرفية) في المجتمعات المأزومة
- الحراك السياسي والانزياح الثقافي : قراءة في سيرورات المدى (ا ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم السادس والأخير) ال ...
- الخصائص المعيارية للخصية العراقية (القسم الخامس) الخاصية الم ...
- انكفاء الوعي النقدي : من النسق (الثقافي) الى النسق (الايديول ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الرابع) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الثالث) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الثاني) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية : مدخل تمهيدي
- احتضار الثقافة في العراق : عزوف القارئ بعد كسوف المقروء !
- كيف نتصالح مع الماضي ونخوض تجربة النسيان ؟!
- لماذا تتعصب (الأقليات) في المجتمعات الانقسامية ؟!
- ما معنى القول ان (التاريخ يعيد نفسه) ؟!
- أوزار التراث في خطاب الحداثيين العرب : بين التجاهل والتحامل
- الثروة النفطية في أتون الصراعات السياسية بين المركز والإقليم
- (المدينة) كهدف لانتقام المعارضة من السلطة
- الجدليات السوسيولوجية .. تركيبية لا تفاضلية
- سبل تطور الوعي التاريخي بين مفهومي (الاستمرارية) و(السيرورة)
- ملاحظات حول مقال (لجان مناقشة الرسائل الجامعية ليست لجان إغا ...
- (البرودويلية) ومنهجية البحث في تاريخ العراق


المزيد.....




- لأول مرة منذ 19 شهرًا.. الأمير هاري يلتقي والده الملك تشارلز ...
- أثر الهجوم الإسرائيلي في قطر على ترامب.. محلل يعلق لـCNN وهذ ...
- في أول بيان بعد -هجوم الدوحة-.. -حماس- تصفه بـ-الفاشل- وتعلن ...
- تقرير: حرّاس مواقع المساعدات في غزة ينتمون لنادي أمريكي معاد ...
- تصعيد ميداني يتزامن مع زيارة لودريان: مقتل شخص في غارات إسرا ...
- قطر تشيع ضحايا الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على الدوحة
- ماذا نعرف عن الناشط الأمريكي تشارلي كيك الذي قتل بطلق ناري ب ...
- لجنة برلمانية فرنسية تصف تيك توك -بأسوأ شبكة اجتماعية- وتطال ...
- ضجة حول عارض أزياء يشبه بشار الأسد في -شي إن-.. ما الذي جرى ...
- زيمبابوي تترشح للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - الايقونات والرمزيات السيميائية : متى تكون نافعة ومتى تكون ضارة اجتماعيا- ؟!