عامر عبد رسن
الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 03:49
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
حين تتحوّل أدوات الطفولة البريئة إلى أدوات دفاعية، ندرك أن الخطر لم يعد طارئًا بل أصبح جزءًا من الحياة اليومية. ففي الوقت الذي ينشغل فيه أطفال العالم بشراء دفاتر ملوّنة وأقلام زاهية استعدادًا لعودةٍ طبيعية إلى مدارسهم،
تبرز في الولايات المتحدة صورة مقلقة: حقائب مدرسية مصفّحة ضد الرصاص تُسوّق على نطاق واسع، وتتصدر عناوين الصحف ونشرات الأخبار وحملات الأمهات على منصات التواصل الاجتماعي. شركات بأسماء لامعة باتت تتنافس
على إنتاج هذه “الإكسسوارات الأمنية”، وتعرضها كأنها سلع اعتيادية، تُباع بأسعار باهظة تتراوح بين مئات وآلاف الدولارات، في مشهد يفضح حجم المخاوف المتجذّرة من حوادث إطلاق النار المتكررة في المدارس والجامعات.
لم يعد الأمر مجرّد شائعة أو استثناء، بل أصبح ظاهرة اجتماعية–اقتصادية؛ فالحقائب التي صُمّمت أساسًا لحمل الكتب والقرطاسية، أُعيد توظيفها لتكون دروعًا صغيرة يحتمي بها التلاميذ في حال اقتحام مسلّح لفصلهم. بل إن بعض المدارس
والأسر تنظّم تدريبات يومية للأطفال على كيفية الانبطاح خلف الطاولات أو رفع الحقيبة أمام الصدر والوجه لصدّ الطلقات، وكأن التعليم لم يعد رحلة بحث عن المعرفة، بل تجربة للنجاة.
هذه الصورة المظلمة تعكس أزمة أعمق في المجتمع الأميركي: دولة تمتلك أضخم ترسانة عسكرية في العالم، لكنها تعجز عن ضمان أبسط مقومات الطفولة الآمنة داخل حدودها. وبدلًا من أن يكون الأمن مسؤولية مؤسسات الدولة،
يُترك العبء للأفراد وللأسر التي تتحمّل تكلفة باهظة — مالية ونفسية — لشراء أدوات دفاعية لأطفال لم يتجاوزوا العاشرة. وفي الوقت ذاته، يُغذّي الخطاب السياسي الداخلي، وعلى رأسه تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب
بوصفه العاصمة واشنطن بـ“المدينة القذرة والخطرة”، شعورًا عامًا بالهشاشة والريبة، ويؤسس لنمطٍ من “الأمن الاستعراضي” يقوم على عسكرة المجال العام بدل إعادة بناء الثقة المجتمعية.
في المقابل، حين ننظر إلى العراق، البلد الذي دفع أغلى الأثمان في مواجهة الإرهاب واحتفظ مع ذلك بطاقةٍ عجيبةٍ على النهوض والاحتفال والحياة، سنجد مفارقة تستحق التأمل: كيف تتحوّل المخاطر في الولايات المتحدة إلى “خصخصةٍ للأمن”
على مستوى الطفل والأسرة، فيما يسعى العراق — رغم هشاشاته — إلى إعادة تعميم الأمن العام وتقوية مؤسسات الدولة والعودة التدريجية للحياة الطبيعية بعد هزيمة “داعش” إقليميًا وتقلُّص تهديده محليًا؟
أولًا: الطفولة الأميركية تحت ظل السلاح — ملاحظات من “الحقيبة”
1) من الوقاية الفردية إلى صناعة كاملة : ارتفاع الاهتمام بالحقائب/ألواح الظهر الباليستية ليس تفصيلًا هامشيًا؛ إنه انتقال من “سياسات عامة” إلى “حلول فردية”. تقارير وإحصاءات إعلامية ترصد موجاتٍ متكررة من الاهتمام الشعبي
بهذه المنتجات عقب كل موجة إطلاق نار جماعية، مع نطاق أسعارٍ يصل — بحسب تقارير صحفية — إلى مئات الدولارات للحقيبة أو لوح الإدراج، بينما يعترف المصنعون بأن الحماية غالبًا ما تكون من عيارات مسدسات لا البنادق
نصف الآلية الأكثر استخدامًا في حوادث المدارس. وهذا بدوره يترك المستهلك بين شعورين متناقضين: “الطمأنينة الرمزية” من جهة، والاعتراف بحدود الفاعلية من جهةٍ أخرى.
2) كُلّف نفسية وبدنية على الطفل : حتى حين تُوفّر اللوحات الباليستية قدرًا من الحماية النظرية، فإنها تُنتج أثمانًا غير مرئية: ثِقلٌ بدني إضافي، و”برمجة نفسية” مفادها أن المدرسة فضاءٌ مُحتمل للعنف، وأن النجاة مسؤولية الطفل نفسه.
هنا يتحوّل “الأمان” من وظيفةٍ عمومية لدولةٍ حديثة إلى مشروعٍ خاص تُديره العائلة والأفراد، وهو ما يترك أثرًا طويل المدى على إدراك الطفل للفضاء العام ومؤسساته.
3) المعطى الإحصائي: الحدث ليس نادرًا : العام 2025 — وحتى 27 آب/أغسطس — شهد 44 حادثة إطلاق نار داخل حرم مدارس وجامعات في الولايات المتحدة، خلّفت 18 قتيلًا وأكثر من 70 مصابًا، بحسب تحليل (CNN) لمصادر عدّة.
هذا الرقم لا يُقارَن بسنوات الذروة في عنف السلاح عمومًا، لكنه كافٍ لتفسير لماذا انتقلت “الحقيبة” من منتجٍ غريب إلى “خيارٍ واقعي” عند نسبةٍ معتبرة من الأسر.
4) ثقافة الاستجابة بدل ثقافة الوقاية : الانشغال بـ“تمارين المنزل” و”درع الحقيبة” يعكس ثقافة استجابة طارئة أكثر من كونه سياسة وقاية بنيوية. إنه اعتراف ضمنيّ بأن الدولة عاجزةٌ — أو غير راغبة — في ضبط وصول السلاح إلى الأفراد، وأن تكلفة الحماية تُرحَّل إلى الحلقة الأضعف: الطفل والعائلة والمدرسة. بهذا المعنى، الحقيبة درعٌ تقني، لكنها أيضًا “مرآة سياسية” تفضح عجز التشريعات عن إحداث تغييرٍ ملموس.
ثانيًا: الجريمة وخطاب القوة في العاصمة الأميركية — “واشنطن كمرآة”
1) خطاب رئاسي يصوّر العاصمة واشنطن كـ“مصيدة موت” : الرئيس الأميركي دونالد ترامب استخدم، منذ 2023 وما تلاه، لغةً بالغة القسوة في توصيف واشنطن، واصفًا إيّاها بأنها “قذرة، موبوءة بالجريمة، وفخّ موت”، وداعيًا إلى “الاستيلاء” الفدرالي على إدارتها لجعلها آمنة. بغض النظر عن تقييم اللغة سياسيًا، فإنها تُسهم في ترسيخ صورةٍ ذهنية عن العاصمة كمدينةٍ تُدار بـ“العصا الغليظة”، وتبرّر إجراءات استثنائية من قبيل التوسّع في نشر الحرس الوطني وتكثيف القبض على المخالفات البسيطة.
2) بين خطاب التدهور وأرقام 2025 : المفارقة الإحصائية المهمة: بيانات شرطة العاصمة (MPD) تُظهر أن الجرائم العنيفة في 2025 — حتى تاريخه — انخفضت مقارنةً بـ2024، بما في ذلك جرائم القتل والسطو، وأن إجمالي الجرائم تراجع قرابة 8% على أساسٍ سنوي، فيما وثّقت تقارير إعلامية أن عدد جرائم القتل في آب/أغسطس 2025 كان أقل من الفترة ذاتها من 2024. هذا لا يعني أن العاصمة “آمنة تمامًا”؛ لكنّه يوضح الفجوة بين الخطاب السياسي المبالغ في تصوير الانهيار، وبين منحنىٍ إحصائيٍّ يشير إلى تحسّنٍ نسبي .
3) القبضة الفدرالية وتسييس الأمن : العمليات الفدرالية الأخيرة في واشنطن رافقها — بحسب تقارير صحفية — آلافُ الاعتقالات منذ مطلع آب/أغسطس، مع احتجاجاتٍ واسعة وتنديدٍ من ناشطين رأوا أن جزءًا كبيرًا من الجهد انصبّ على مخالفاتٍ طفيفة لا على الجرائم الأشد خطورة، ما أثار جدلًا حول “تسييس الأمن” واستعراض القوة في مدينةٍ ذات رمزية سياسية. هذه الديناميات تزيد الاستقطاب بدل تهدئته، وتعيد إنتاج شعورٍ عام بأن “الأمن” موضوعٌ للصراع الحزبي بقدر ما هو وظيفةٌ مؤسسية.
4) أين الطفل من هذا كله؟ : طفل واشنطن — مثل أطفال الولايات الأخرى — يتلقى رسائل متعارضة: من جهة، دولة تقول إنها تحميه عبر “يدٍ حديدية” في الشارع، ومن جهةٍ أخرى، مدرسة تطلب من أسرته شراء درعٍ باليستي وتحضيره لسيناريو إطلاق النار. الرسالة المركّبة هنا: الحماية العامة غير كافية، فوفّر لنفسك حمايةً خاصة. هذا ما يجعل النقاش حول السلاح في أميركا نقاشًا عن الفلسفة السياسية للدولة بقدر ما هو نقاشٌ أمني.
ثالثًا: مقارنة على مهل — أمن الطفولة .
1) العراق: الذاكرة القريبة والواقع الراهن : العراق عرف خلال عقدٍ ونصف أثقل موجات العنف الإرهابي. لكنه أيضًا عرف واحدةً من أكبر عمليات التعبئة الشعبية–المؤسسية التي أطاحت بسيطرة “داعش” الإقليمية، وتوّج ذلك بإعلان النصر في كانون الأول/ديسمبر 2017. ورغم بقاء خلايا نائمة وخطرٍ أمنيٍّ موضعيّ، فإن طبيعة التهديد تغيّرت جذريًا: لم يعد هناك كيانٌ يسيطر على أراضٍ واسعة، وغدت المفاجآت الأمنية استثناءً لا قاعدة. على المستوى الدولي، وافق مجلس الأمن — بطلبٍ من الحكومة العراقية — على إنهاء ولاية بعثة (يونامي) بحلول نهاية 2025، وهو قرارٌ لا يُتخذ عادةً إلا حين تكون الدولة قد قطعت شوطًا معتبرًا باتجاه الاستقرار السياسي والأمني. هذه مؤشرات صلبة على التحسّن البنيوي في البيئة الأمنية
2) من “حقيبة الطفل” إلى “مؤسسة الدولة”
• في الولايات المتحدة: ( الحلول تميل إلى الخصخصة: شراء دروعٍ شخصية، دروس “الاستجابة الفورية”، وتأمين المدارس بمقاولات خاصة. الحكومة الفدرالية والولايات تتجادل حول التشريعات المرتبطة بالسلاح، فيما تبقى السوق قادرةً على عرض بدائل “تمنح الطمأنينة” دون معالجة الجذر).
• في العراق: (بعد هزيمة “داعش” عسكريًا، عاد النقاش إلى “كيف نُعمّم الأمن” — أي: تقوية الشرطة المحلية، إعادة انتشار الأجهزة، ضبط السلاح، ورفع كفاءة أجهزة العدالة. والرهان على الدولة ومؤسساتها أخذ يتقدم — على علاته — على الرهان على “حمايةٍ فردية” متروكة للمواطن).
3) أثر البيئة الأمنية على الطفولة : في العراق، ورغم بقاء تحديات جنائية–اجتماعية في المدن، فإن “مزاج الفضاء العام” تغيّر: ساحات واحتفالات ومواسم دينية ورياضية وثقافية أوسع حضورًا، وعودة تدريجية لطقوس الحياة اليومية. هذا لا ينفي الحاجة إلى إصلاحات عميقة في التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، لكنه يقول إن الطفل العراقي بات — في معظم المحافظات — أقرب إلى “مكان مدرسةٍ طبيعي” مما كان عليه قبل سنوات. أمّا في الولايات المتحدة، فثمة قطاعٌ من الأطفال يعيشون “التطبيع مع احتمالات العنف”: تمرينٌ منزلي، حقيبةٌ مجهّزة، ووعيٌ مبكّر بأن المدرسة ليست دائمًا “مكانًا آمنًا
4) الدرس الفلسفي: من يملك تعريف “الأمن”؟
• في النموذج الأميركي الراهن، الأمن قضية حريات فردية وسوق ومنظومة حقوق متشابكة؛ لذا كثيرًا ما تُحسم السياسات بقوة اللوبيات والاقتراع والمحاكم. النتيجة: حلولٌ مجزأة وتفاوتات جغرافية واسعة.
• في العراق، الأمن — بعد الحرب — يُعرّف أولًا باعتباره “سلعة عمومية”: إمّا أن تُتاح للجميع، وإمّا أن ينهار البناء كله. ولهذا فإن أي تراجعٍ في احتكار الدولة للسلاح يعيد فتح الباب للفوضى على مصراعيه.
رابعًا: لماذا يهمّنا خطاب ترامب عن “واشنطن الخطرة”؟ : لغة ترامب الشديدة تجاه العاصمة ليست مجرد “تصعيد بلاغي”. إنها تصوغ عمليةً سياسية تُبرّر الفعل الاستثنائي (نشر الحرس، تكثيف الاعتقالات، الفدرلة الأمنية). غير أن بيانات شرطة العاصمة وتقارير إعلامية تشير إلى انخفاضٍ ملموس في مؤشرات العنف خلال 2025 مقارنةً بـ2024، ما يعيد طرح السؤال: أيُّ أمنٍ نريد؟ أمنٌ تُحدده الشعارات أم تُثبته المؤشرات؟ هذه الملاحظة ليست دفاعًا عن واشنطن ولا هجومًا على إدارةٍ بعينها؛ إنما هي تذكير بأن الخطاب الأمني، إن انفصل عن الإحصاءات، ينتج سياساتٍ مفرطةٍ في التصلّب، ويُضعِف الثقة بالمؤسسات.
والأهم من ذلك بالنسبة إلينا في العراق: تجنّب استيراد “الحلول الاستعراضية” التي تميل إلى الإحاطة العسكرية الرمزية بدل الإصلاح المؤسسي المتدرج. لقد جرّب العراق كِلا النهجين، وأثبتت التجربة أن بناء الشرطة المحلية والمخابرات الجنائية والقضاء والأمن الوقائي — ولو ببطء — أشدّ كفاءة من “القفزات الاستثنائية” التي تُربك المشهد من دون أثرٍ مستدام.
خامسًا: العراق اليوم — رغبة الحياة كاستراتيجية أمن
1) الذاكرة ليست قدرًا : العراق بلدٌ يتذكّر جيدًا. يتذكّر 2014 حين كاد المشروع الداعشي يُسقط الدولة، ويتذكّر 2017 حين رفرفت رايات النصر على الموصل، ويتذكّر بعد ذلك كيف أعاد الناس فتح الأسواق والساحات والجامعات. اللحظة الراهنة تقول إن “الإرهاب” تبدّل شكله: من احتلال مدنٍ إلى خلايا صغيرة وأعمال متفرقة. هذا التحول لا يبرّر الاسترخاء، لكنه يسمح بتغييرٍ نوعي في مفهوم الأمن: من “الاستجابة للحرب” إلى “الإدارة الوقائية للحياة اليومية
2) بحبوحة الأمن: مؤشرات ملموسة :
• سياسيًا–مؤسساتيًا: إنهاء بعثة (يونامي) بنهاية 2025 بطلبٍ حكومي، وتخفيض حضور بعثات عسكرية دولية، إشارات إلى الثقة بقدرة المؤسسات على تولي مهامها
• مدنيًا–اجتماعيًا: توسّع الأنشطة الثقافية والرياضية والدينية والحياتية في أغلب المدن، وازدياد حضور الفعاليات الجماهيرية التي كانت قبل سنواتٍ مخاطرةً أمنية عالية.
• اقتصاديًا–حضريًا: رغم الأزمات المعروفة (الريعية، البطالة، الخدمات)، فإن الأعمال والتجارة الداخلية لا تعيش تحت ظلّ “احتمال القصف اليومي” ولا “حظر التجوال المزمن”، بل تحت تحدياتٍ تنموية يمكن قياسها ومعالجتها بأدوات السياسة العامة.
3) أمن بلا استعراض : لا تعني “بحبوحة الأمن” أننا في مأمنٍ من كل خطر. المطلوب هو إدارةُ أمنٍ عاقلٍ: ضبطُ السلاح المنفلت، استكمال هيكلة قوى الأمن الداخلي، أستمرار دعم بناء العدالةٍ الجنائية ، والانتقال الحازم من اقتصاد “الريع” إلى اقتصاد “العمل والإنتاج”، لأن الجريمة — في جانبٍ منها — ابنة الفراغ الاقتصادي. هنا أيضًا يظهر الفرق مع النموذج الأميركي: بدل دفع العائلة نحو شراء “الحقيبة الدرع”، ندفع الدولة نحو تقديم “المؤسسات الدرع” — شرطة وقضاء ومدرسةً آمنة ومناهجَ حياة.
سادسًا: ماذا نتعلّم من التجربتين لصالح الطفل العراقي؟
1. الأمن يبدأ من المدرسة : مدرسة طفلنا يجب ألا تُشبه “حصنًا” ولا “معسكرًا”. تكون آمنة حين تتكامل بنية المدرسة (تجهيزات، مخارج، كاميرات رقابية منضبطة، خطط إخلاء) مع بيئةٍ مجتمعيةٍ مطمئنة وشرطةٍ محلية معروفة الوجه والاسم وقضاءٍ سريعٍ وشفاف.
2. لا لخصخصة مخاطر الطفولة : يجب أن نقاوم أي نزعةٍ لنقل كلفة “الأمن” إلى البيت: لا لشراء وسائل دفاعٍ فردية، لا لخطاب “احمِ نفسك بنفسك”. هذه ليست فلسفة دولةٍ حديثة، خاصةً في بلدٍ خرج لتوّه من حربٍ مع الإرهاب ويعيد بناء ثقته بالمجال العام.
3. الوقاية المؤسسية لا الاستجابة الرمزية :
• شرطة مجتمعية مدرَّبة، إدارة تعليمية لديها بروتوكولات واضحة، مجالس أولياء أمور فاعلة، شبكات حماية من التعنيف والتنمر والمخدرات حول المدرسة.
• تشريعات محكمة لضبط السلاح الفردي ومنابع سوقه السوداء.
• إعلامٌ يوازن بين التحذير المسؤول وبين عدم صناعة الهلع.
4. الطفل مُؤشرٌ للنجاح العام : حين يشعر الطفل بالأمان في الطريق إلى المدرسة، نكون على الطريق الصحيح. وعندما تُفتح الساحات والحدائق وتنشط الرياضات المدرسية والكشفية والموسيقية، يكون ذلك مقياسًا أفضل للأمن من أي استعراضٍ عسكري.
سابعًا: على هامش خطاب “المدينة الخطرة” — تحذير للعراق : من الخطير أن نخلط بين “الإحساس بالخطر” و“مؤشرات الخطر”. خطابٌ يبالغ في تصوير العاصمة — أي عاصمة — كـ“مصيدة موت” قد يمنح السلطة مبررًا للاستثناء الأمني الدائم، لكنه يُضعف الثقة ويُقصي المجتمع عن الشراكة في إنتاج الأمن. لقد اختبر العراقيون هذا الدرس مرارًا: الأمن لا يُستعاد بالشعار بل بالمؤسسات، لا بالكاميرا ونقطة التفتيش وحدهما بل بحُسن الإدارة والعدالة والخدمات.
بكلمات أخرى: إذا كانت واشنطن اليوم ساحةً لسجالٍ سياسي حول “من يعرّف الأمن؟”، فبغداد — وقد خرجت من مرحلة الحرب المفتوحة — تحتاج أن تثبّت تعريفها: الأمن سلعةٌ عمومية، لا تنجو أيُّ فئةٍ من دون سائر المجتمع.
خاتمة: رغبة الحياة أقوى من “درع الحقيبة” : صورة الطفل الأميركي وهو يرفع حقيبته الباليستية أمام صدره تختصر فلسفة أمنٍ نقلت العبء إلى الأفراد، فيما تُظهر تجربة العراق — بكل ما بقي فيها من عيوب وتحديات — أن الرهان على الدولة والمجتمع معًا يمكن أن ينتج “بحبوحة أمن” تتوسع عامًا بعد عام. هذا لا يعني أن العراق بات “جنةً آمنة”؛ لكنه يعني أن منحنى الخطر تغيّر، وأن أدوات المعالجة ينبغي أن تتغيّر معه: من الطوارئ إلى الوقاية، ومن الحلول الفردية إلى المؤسساتية، ومن لغة الاستعراض إلى لغة الأرقام والنتائج.
ولأن الطفل هو البوصلة، فلنقِسْ أمننا بما يحمله في حقيبته: في أميركا، يحمل بعض الأطفال لوحًا باليستيًا؛ في العراق، يجب أن يحمل كتابًا وكرةً ولحنًا وصباحًا مطمئنًا. هذه ليست رومانسية؛ إنها سياسة عامة. وما بين الحقيبة والكتاب تُصنع الأوطان.
#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟