أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عامر عبد رسن - التضخم السلبي في الاقتصاد العراقي: تحسّن مؤقت أم نذير ركود؟















المزيد.....

التضخم السلبي في الاقتصاد العراقي: تحسّن مؤقت أم نذير ركود؟


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 17:27
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


يُقصد بالتضخم السلبي (Deflation) انخفاضاً مستداماً في المستوى العام للأسعار، مما يعزز القوة الشرائية للعملة، لكنه غالباً ما يخفي وراءه هشاشة في الطلب والنمو. وعلى الرغم من أن تراجع الأسعار قد يبدو للوهلة الأولى أمرًا إيجابيًا للمستهلك،
فإن هذا الاتجاه غالبًا ما يعكس مشكلات أعمق في الاقتصاد، من بينها ضعف الطلب العام وتراجع النشاط الإنتاجي.
في الحالة العراقية، ومع تزايد الأزمات الإقليمية وتشديد القيود الدولية على النظام المصرفي العراقي، لوحظ خلال النصف الأول من عام 2025 تسجيل معدلات تضخم سالبة لأول مرة منذ عام 2019،
في دلالة مركّبة تجمع بين مؤشرات إصلاح مالي وتحديات اقتصادية هيكلية.
ويتناول هذا المقال تحليل هذه الظاهرة ضمن السياق العراقي، ويناقش انعكاساتها على حياة المواطنين، ويبحث في ما إذا كان الاقتصاد يواجه بالفعل خطر الركود أو الانكماش، مع تقديم حلول واقعية لتفادي الأسوأ.
رغم أن انخفاض الأسعار قد يمنح انطباعاً بارتفاع القوة الشرائية، خاصةً لذوي الدخل الثابت، إلا أن ذلك يخفي آثاراً مقلقة، مثل انكماش الطلب، تراجع أرباح الأعمال، تفاقم أعباء الديون، وتهديد الوظائف، مما ينذر بتراجع اقتصادي أوسع نطاقاً.

تطور التضخم في العراق : شهدت السنوات الأخيرة تغيرات واضحة في اتجاهات الأسعار داخل الاقتصاد العراقي. فبعد أن بلغ معدل التضخم السنوي 4.4% في عام 2023، تراجع في عام 2024 إلى حدود 2.6%،
ثم سجّل في يونيو 2025 انخفاضًا إلى ما دون الصفر، حيث بلغ –0.6% بحسب بيانات موقع Trading Economics وتقارير البنك المركزي العراقي.
هذا الانخفاض في المؤشر العام للأسعار جاء نتيجة لمجموعة عوامل، من أبرزها:
1) تحسّن سعر صرف الدينار العراقي في السوق الرسمي.
2) إحكام السيطرة على التحويلات المالية وتقليص نشاط السوق الموازي.
3) تراجع أسعار عدد من السلع المستوردة بفعل سياسات الاستيراد والتسعير.
وتُشير التقديرات الصادرة عن صندوق النقد الدولي IMF) ) إلى أن معدلات التضخم في العراق قد تبقى ضمن حدود معتدلة خلال العام 2025، لكنها تتطلب متابعة دقيقة خشية الانزلاق إلى حالة ركود انكماشي.

الانعكاس على معيشة المواطنين : بالنسبة للمواطن العراقي، فإن انخفاض الأسعار قد يمنحه وهمًا بارتفاع القوة الشرائية، خصوصًا لمن يتقاضون رواتب ثابتة. إلا أن هذه النظرة السطحية تخفي خلفها جملة من المخاطر:
1) انخفاض النشاط الاقتصادي: عندما تتراجع الأسعار، يتباطأ الطلب، ويتردد المواطنون في الإنفاق أملاً في انخفاض إضافي. هذا ما يضغط على الأسواق ويؤدي إلى ضعف المبيعات وتوقف بعض الأعمال التجارية،
وهو ما بدأ يُلاحظ فعليًا في بعض القطاعات، خاصة تجارة السيارات والإلكترونيات.
2) زيادة العبء على المدينين: التضخم السلبي يزيد من القيمة الحقيقية للديون، سواء على الأفراد أو الشركات. فالأقساط تبقى كما هي، بينما تنخفض المداخيل أو الأرباح، مما يؤدي إلى صعوبات في السداد وربما إفلاس جزئي في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة.
3) تراجع التوظيف: عندما تنخفض أرباح الشركات نتيجة ضعف الطلب، فإن أولى تداعيات ذلك تكون عادةً على التوظيف، سواء من خلال تجميد التعيينات أو تقليص عدد العاملين.
4) عدم تناسب الأسعار مع الأجور: في ظل غياب آليات فعالة لربط الأجور بمستوى الأسعار، فإن انخفاض التضخم لا يعني بالضرورة تحسن مستوى المعيشة، بل قد يساهم في تعزيز التفاوت الطبقي إذا ما استمرت الحكومة في سياساتها الريعية دون إعادة توزيع عادلة.

هل الاقتصاد العراقي يواجه ركودًا أو انكماشًا؟ : إذ أن الاعتماد المفرط على الإنفاق الحكومي يعمّق هشاشة الاقتصاد عند أي تراجع في أسعار النفط أو قيود على التحويلات الدولية، مما يُضعف قدرة الدولة على خلق ديناميكية نمو حقيقية.
كما تشير المؤشرات الكلية إلى أن العراق قد يكون على أعتاب حالة من الانكماش، وهي تختلف عن الركود التقليدي في كونها أكثر ارتباطًا بانخفاض الطلب المحلي وتراجع الاستثمار بدلاً من النمو السالب الصريح. ويُرجح هذا الاحتمال استنادًا إلى ما يلي:
1) تباطؤ النمو غير النفطي: بحسب تقرير صندوق النقد الدولي الأخير، يتوقع نمو القطاع غير النفطي بنسبة 2.5% فقط في 2024، وهي نسبة ضئيلة بالنظر إلى حجم التحديات ومتطلبات التنمية.
2) استمرار ضعف القطاع الخاص: لا يزال الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل شبه كلي على الدولة كمحرك للنمو، وهو ما يعني هشاشة القطاعات المنتجة.
3) تراجع الإنفاق الاستثماري: على الرغم من الإعلان عن توقيع عدد كبير من العقود الاستثمارية، فإن غياب التدفقات المالية المباشرة، وتأخر تنفيذ المشاريع، يعنيان أن الاقتصاد لا يزال يفتقر إلى ديناميكية النمو.
4) ارتفاع نسب البطالة: مع ثبات معدلات البطالة عند حدود 13%، وارتفاع البطالة المقنّعة في القطاع العام، فإن فرص توليد دخل جديد للمواطنين تبقى محدودة.

واستنادًا إلى ما سبق، فإن خطر الانكماش الفعلي يبقى قائمًا، خاصة إذا استمرت سياسات الانكماش المالي وضبط النفقات على حساب الاستثمارات الإنتاجية.

آليات مواجهة التضخم السلبي والانكماش : تتطلب مواجهة هذه الظاهرة حزمة متكاملة من السياسات المالية والنقدية والإدارية، من أبرزها:
1. تنشيط الطلب المحلي: من خلال تقديم إعفاءات ضريبية مؤقتة للمؤسسات الإنتاجية. وكذلك زيادة الإنفاق الاستثماري في البنية التحتية والمشاريع القابلة للتنفيذ السريع.
2. السياسة النقدية التوسعية: بخفض أسعار الفائدة أو تقديم تسهيلات ائتمانية ميسّرة. وأيضا تحفيز البنوك على الإقراض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. كما فعلت الولايات المتحدة خلال أزمة 2008 عبر برامج "التيسير الكمي"، أو كما اعتمدت اليابان لعقود لتجنّب الانكماش.
3. تشجيع الصناعات الوطنية: بتقديم دعم حكومي مباشر للقطاعات الصناعية والزراعية. وفرض رسوم حماية [ذكية] على المنتجات المستوردة التي تُنافس الإنتاج المحلي.
4. تحفيز التوظيف في القطاع الخاص: من خلال تنفيذ قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للقطاع الخاص فعليًا. ومنح قروض تشغيلية مشروطة بالتوظيف المستدام.
5. إعادة هيكلة الدعم الاجتماعي: بتوجيه الإنفاق الحكومي نحو برامج الحماية الاجتماعية المشروطة بالإنتاج. وأيضا تقليص الهدر في البطاقة التموينية وإعادة توجيهها نحو فئات محددة بدقة.
إن تفعيل هذه السياسات لا يعني فقط مواجهة خطر التضخم السلبي، بل يمثّل فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد العراقي نحو نموذج أكثر استدامة وإنتاجية.

ختاماً : التضخم السلبي في العراق ليس مجرد متغير مالي، بل إنذار مركب يعكس تحديات السياسات الاقتصادية، والركود الهيكلي، وضيق أفق الاستثمار.
المطلوب ليس فقط تسجيل استقرار ظرفي، بل تبني إصلاحات مؤسساتية تقود العراق نحو دورة نمو مستدامة وأكثر عدالة.
السؤال اليوم: هل نملك الجرأة لفعل ذلك؟




قائمة المراجع :
1. البنك المركزي العراقي. (2024). التقرير السنوي للتضخم في العراق. بغداد: البنك المركزي العراقي. متاح على: https://cbi.iq
2. الجهاز المركزي للإحصاء – وزارة التخطيط العراقية. (2024). نشرة مؤشر أسعار المستهلك CPI). ) بغداد: وزارة التخطيط. متاح على: http://cosit.gov.iq
3. International Monetary Fund. (2024). Iraq: 2024 Article IV Consultation—Press Release Staff Report and Statement by the Executive -dir-ector for Iraq. IMF Country Report No. 24/125. Retrieved from https://www.imf.org/en/Countries/IRQ
4. World Bank. (2024). Iraq Economic Monitor: Harnessing Oil Windfalls for Economic Stability and Transformation. Washington, DC: World Bank Group. Retrieved from https://www.worldbank.org/en/country/iraq
5. منار العبيدي. (2024). تحليل اقتصادي حول التضخم والسياسات المالية في العراق. منشور في جريدة العالم الجديد، بغداد.
6. محمد حيدر. (2024). هل التضخم في العراق انعكاس داخلي أم مستورد؟. جريدة المدى الاقتصادية.
7. مركز البيان للدراسات والتخطيط. (2023). قراءات اقتصادية في بنية الأسعار وسوق السلع في العراق. بغداد: مركز البيان. متاح على: https://www.bayancenter.org
8. بيت الحكمة. (2022). سلسلة دراسات اقتصادية: التضخم وتآكل القوة الشرائية في العراق. بغداد: قسم الدراسات الاقتصادية.
9. Al-Monitor. (2023). Iraq’s economic outlook amid currency volatility and inflation pressures. Retrieved from https://www.al-monitor.com
10. World Bank. (2024). Macro Poverty Outlook: Iraq. Washington, DC. Retrieved from https://www.worldbank.org/en/publication/macro-poverty-outlook



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من بغداد إلى بورصات العالم: قراءة في زيارة -Asia Frontier Ca ...
- إدارة الإدراك وصناعة الإرباك: استراتيجيات الحرب النفسية الأم ...
- التمويل المستدام: فرصة استراتيجية للاقتصاد العراقي في مواجهة ...
- سباق الممرات الإقليمية: بين جنون الجغرافيا وفرصة العراق الأخ ...
- شبكة الضمان الصحي العراقي: بين توسعة الخدمات واستدامة التموي ...
- بعد إلغاء أنقرة لاتفاقية أنبوب النفط: هل يعيد العراق رسم خرا ...
- صواريخ THAAD تحت المجهر هل تكشف CNN عن نقطة ضعف ؟ أم خطة خدا ...
- سانت ليغو المعدَّل 1.7: برلمان مكلف واقتصاد بلا إصلاح – نحو ...
- السياحة في العراق: رافعة اقتصادية استراتيجية وكنز تنموي متنو ...
- إيران تغيّر خطابها في العراق: لحظة اختبار لسيادة الدولة أم ت ...
- المخدرات في العراق: أزمة تتسارع بتأثير اقتصادي مدمر وجهود عل ...
- العقوبات الأمريكية على شبكة شمخاني: قراءة عراقية في التأثيرا ...
- تراجع الفقر متعدد الأبعاد في العراق: قراءة تحليلية في نتائج ...
- من غزة إلى الضفة: رهانات نتنياهو ومآلات السلطة الفلسطينية وس ...
- من تابع إلى شريك: العراق يعيد صياغة موقعه الاقتصادي إقليمياً ...
- العراق ونظام الشرق الأوسط الجديد: من الردع الاستراتيجي إلى ا ...
- الخليج يقود التوازنات الجديدة: من التقرير السنوي إلى خريطة ا ...
- جمهورية الرواتب: كيف تُفرغ الدولة العراقية موازنتها في جيوب ...
- العراق بين توازن الردع وفوضى الاستثناء: قراءة استراتيجية في ...
- من الجبال إلى الطاولات: العراق وتركيا على أعتاب شراكة ما بعد ...


المزيد.....




- رسوم ترامب الجمركية تخنق المصانع الصينية
- ماذا يحدث في الاقتصاد الفرنسي؟
- حليب الأبقار قد يشعل حربا تجارية بين الهند وأميركا
- العراق وتركيا يتفقان على رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى ...
- مبيعات السيارات الكهربائية تتباطأ عالميا في يوليو
- هل تلبي الموارد المتاحة خطط الحكومة السورية لتعافي الاقتصاد؟ ...
- وكالة الطاقة الدولية ترفع توقعاتها لإمدادات النفط في 2025
- إنديان إكسبرس: مودي قد يلتقي ترامب في نيويورك الشهر المقبل
- الـ AI وإعادة تشكيل الأسواق المالية.. ما هي الفرص والمخاطر؟ ...
- مصر توقع عقداً مع سايلون الصينية باستثمارات تبلغ مليار دولار ...


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عامر عبد رسن - التضخم السلبي في الاقتصاد العراقي: تحسّن مؤقت أم نذير ركود؟