أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - بين سقوط الأسد وتحوّلات دروز الجولان: دروس استراتيجية للأمن القومي العراقي















المزيد.....

بين سقوط الأسد وتحوّلات دروز الجولان: دروس استراتيجية للأمن القومي العراقي


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 13:38
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


المقدمة: من خبر عابر إلى تحوّل استراتيجي
مساء الأحد، كشفت القناة السابعة العبرية عن ارتفاع ملحوظ في طلبات الجنسية الإسرائيلية المقدمة من دروز الجولان، معتبرة ذلك نتيجة مباشرة لسقوط نظام بشار الأسد وما رافقه من اضطرابات في السويداء. وأكدت القناة أن هذا التحوّل يُعدّ سابقة في هوية سكان الجولان الذين طالما تمسكوا بانتمائهم السوري رغم سيطرة إسرائيل الفعلية على المنطقة. في السياق ذاته، أفادت هيئة البث الإسرائيلية “كان” أن الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي لدروز إسرائيل، زار باريس مؤخراً حيث طُرح أمامه ملف الانتهاكات في السويداء وأوضاع جبل العرب، في حين أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع من دمشق عن تقدم في مفاوضات أمنية مع إسرائيل بوساطة أميركية ورعاية خليجية.
هذه الأخبار التي قد تبدو محلية الطابع تخفي وراءها أبعاداً استراتيجية عميقة، ليس على مستقبل سوريا فحسب، بل على الإقليم ككل، وبخاصة العراق الذي يقف عند مفترق طرق مشابه في مواجهة تحديات الهوية الوطنية والانقسامات الطائفية والعرقية.
أولاً: ماذا يعني اندفاع دروز الجولان نحو الجنسية الإسرائيلية؟
القرار الفردي أو الجماعي لأبناء الأقليات في المناطق المتنازع عليها بالانتماء إلى سلطة الأمر الواقع يكشف قاعدة استراتيجية خطيرة: حين تفشل الدولة الوطنية في توفير الأمان والحقوق والخدمات، تتجه المجتمعات نحو خيارات بديلة، حتى لو بدت متناقضة مع هويتها التاريخية.
دروز الجولان لم يكونوا يوماً مؤيدين لسيطرة إسرائيل، لكنهم اليوم يبحثون عن أمان قانوني وخدماتي لم يعد النظام السوري قادراً على ضمانه.
هذا التحول يُظهر أن القوة الناعمة للدولة لا تقل أهمية عن السلاح، وأن الشرعية تُبنى بالخدمات والأمن أكثر مما تُبنى بالشعارات.
إسرائيل استثمرت هذا الفراغ وفتحت الباب لمنح الجنسية، مقدمة نفسها كدولة حامية للأقليات، في مقابل صورة “الدولة السورية” التي تحولت إلى سلطة متداعية محاصرة.

ثانياً: الدروز كورقة استراتيجية في الصراع السوري – الإسرائيلي
لا يمكن فهم التحرك دون إدراك وزن الطائفة الدرزية في المعادلة:
الشيخ موفق طريف لم يعد مجرد زعيم روحي، بل بات جسراً سياسياً بين إسرائيل، أميركا، والشتات الدرزي في سوريا ولبنان.
دمشق، عبر دعوته لزيارة سوريا، حاولت استعادة بعض النفوذ المعنوي المفقود في جبل العرب.
واشنطن استثمرت ملف السويداء لتقويض سردية “الممانعة” السورية، محولة المعاناة الإنسانية إلى ورقة ضغط.
هذا البعد يعلّمنا أن الأقليات ليست مجرد تفاصيل ديمغرافية، بل أوراق تفاوضية حساسة يمكن أن تغيّر مسارات النزاعات، إذا ما أُهملت من قبل الدولة.

ثالثاً: المفاوضات السورية – الإسرائيلية وظلالها على الإقليم
إعلان الرئيس أحمد الشرع من دمشق عن بحث “اتفاق أمني جديد” مع إسرائيل، برعاية أميركية وخليجية، يؤكد أن الدولة السورية باتت مستعدة للمساومة على أوراقها التقليدية مقابل استقرار داخلي.
أي تفاهم سيكون ضمن خط الهدنة لعام 1974، لكنه يحمل رسالة استراتيجية: دمشق تدرك أن تحالفها مع إيران لم يعد كافياً لضمان البقاء.
إسرائيل تسعى لتحييد سوريا عن طهران، وهو هدف جوهري ضمن صراعها الأوسع مع إيران.
الخليج والولايات المتحدة يرون في هذا الاتفاق بداية إعادة إدماج سوريا في معادلة إقليمية جديدة.

رابعاً: الدرس العراقي – كيف تحمي الدولة نفسها من سيناريو الجولان؟
هنا يأتي السؤال للعراق: ما علاقة دروز الجولان بالأمن القومي العراقي؟
العلاقة تكمن في القاعدة الذهبية: الشعوب حين تُترك بلا أمان، تتفتت وتبحث عن بدائل. العراق، مثل سوريا، يتكون من نسيج متنوع ومعقد من قوميات وطوائف. فشل الدولة في إدارة هذا التنوع وتحويله إلى هوية جامعة قد يدفع بعض المكونات للبحث عن “جنسية بديلة” أو “حامٍ خارجي”.
تجربة الإيزيديين بعد اجتياح داعش، حيث اضطر آلاف منهم إلى الهجرة بحثاً عن حماية غربية، مثال صارخ.
التوترات في كركوك والمناطق المتنازع عليها تكشف هشاشة الانتماء حين تغيب إدارة الدولة العادلة.
استمرار السلاح المنفلت والميليشيات يرسل رسالة خطيرة بأن الدولة العراقية لا تحتكر الأمن، وهو ما يضعف ثقة المكونات فيها.

خامساً: الوطنية الجامعة كخيار استراتيجي عراقي
المطلوب عراقياً هو بناء وطنية جامعة تتجاوز الطائفة والعرق. هذه الوطنية ليست شعاراً رومانسياً بل استراتيجية للأمن القومي.
على الدولة أن تُثبت لكل مواطن، من زاخو إلى الفاو، أن أمانه وحقوقه مصونة حصراً بسلطة الدولة، لا بعشيرة ولا ميليشيا ولا قوة خارجية.
تعزيز سيادة القانون وتكريس العدالة الاجتماعية يخلق شعوراً بالانتماء يتفوق على أي دعوة انفصالية.
إدماج الأقليات في مفاصل القرار، لا كـ “ديكور سياسي” بل كشركاء حقيقيين، يحصّن العراق من اختراقات خارجية مشابهة لما يجري في الجولان.

سادساً: خطر “الأمان الشكلي” الذي تبحث عنه الشعوب الضعيفة
ما نراه اليوم في دروز الجولان يعكس بحث الشعوب عن أمان شكلي حين تفشل الأنظمة الدكتاتورية في توفير الأمان الحقيقي.
الدكتاتوريات ترفع شعارات “الوحدة والصمود”، لكنها تعجز عن ضمان الخبز والكهرباء والأمان من السلاح المنفلت.
في النهاية، يلجأ الناس إلى من يوفر لهم الأمان حتى لو كان خصماً تاريخياً أو قوة احتلال.
هذا الدرس موجه للعراق: لا تتركوا المواطنين في فراغ أمني وخدماتي، وإلا بحثوا عن البدائل مهما كانت قاسية.

سابعاً: انعكاسات مباشرة على العراق
أمنياً: أي تقارب سوري – إسرائيلي برعاية أميركية يعني إضعاف نفوذ إيران، وهذا يفرض على العراق إعادة تقييم توازناته مع طهران وواشنطن.
اجتماعياً: التحول الدرزي يذكّرنا بخطورة ترك المكونات العراقية في الهامش أو تحت تهديد السلاح المنفلت .
سياسياً: العراق يجب أن يستبق أي اختراق خارجي لمكوناته عبر بناء خطاب وطني جامع يعالج المظالم قبل أن تتحول إلى مطالب انفصال.
اقتصادياً: أي استقرار سوري – إسرائيلي قد يعيد فتح بوابات التجارة عبر الشام نحو المتوسط، ما يفرض على العراق التفكير في ممراته التجارية البديلة.

ثامناً: نحو استراتيجية عراقية جامعة
إذا أراد العراق أن يتجنب سيناريوهات التفتت، عليه تبني استراتيجية شاملة تقوم على:
احتكار السلاح بيد الدولة: أي سلاح خارج سيطرة الدولة يهدد الوطنية العراقية.
تحصين الاقتصاد الوطني: حتى لا تبقى المجتمعات تحت رحمة الوظائف الحكومية أو المساعدات الأجنبية.
إصلاح التعليم والإعلام: لترسيخ الهوية الوطنية الجامعة على حساب الهويات الفرعية المتنازعة.
تطوير سياسة خارجية متوازنة: لا ارتهان لمحاور، بل شراكات اقتصادية وأمنية متوازنة تحفظ استقلالية القرار العراقي.

الخاتمة: الدرس الكبير للعراق
إن اندفاع دروز الجولان نحو الجنسية الإسرائيلية ليس مجرد تفصيل سوري، بل رسالة للعراق:
المجتمعات حين تُترك بلا أمان حقيقي تتفتت وتلجأ للبدائل، ولو كانت بدائل عدائية.
الوطنية الجامعة هي خط الدفاع الأول للأمن القومي العراقي، لأنها وحدها القادرة على تحصين المجتمع من الاختراق الخارجي والتمزق الداخلي.
العراق اليوم أمام لحظة حاسمة: إما أن يُعيد بناء دولته على أساس العدالة والأمان والخدمات، أو يترك الباب مفتوحاً لانقسامات شبيهة بتلك التي نراها في الجولان.
إن الشعوب الضعيفة تبحث دائماً عن أمان شكلي لم تستطع أن توفره لها الدكتاتوريات. والدروس أمامنا واضحة والفرصة ما زالت سانحة : لنحْصُن العراق قبل أن يصبح كل مكون فيه يبحث عن جنسية بديلة أو حماية خارجية.



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الكاش إلى الرقمنة: هل ينجح العراق في إرجاع 80% من العملة ...
- ضرورة إصلاح القطاع المالي في العراق: أولوية لتعزيز كفاءة الب ...
- إيران على أعتاب التحول: ماذا يعني ذلك لمستقبل العراق الاقتصا ...
- القطاع النفطي العراقي بين الصدارة العالمية وفرص التحول الاقت ...
- غرفةٌ واحدة، مقعدٌ واحد يتحدّث والبقية تُصغي. حين تعيد واشنط ...
- فوضى المعلومة في العراق: من يحمي الحقيقة في زمن الشائعات؟
- من الممارسات التقليدية إلى الثورة المالية: إصلاح القطاع المص ...
- الاقتصاد قبل المدفع: كيف تهدد ضغوط الأسواق الإسرائيلية مشروع ...
- الكهرباء في العراق: وفرة الموارد وغياب الإنجاز
- من الفلاح إلى المتقاعد: استدعاء الفئات الشعبية قبل الاقتراع ...
- بين مذكرة التفاهم ورهانات المستقبل: العراق في معادلات الأمن ...
- التضخم السلبي في الاقتصاد العراقي: تحسّن مؤقت أم نذير ركود؟
- من بغداد إلى بورصات العالم: قراءة في زيارة -Asia Frontier Ca ...
- إدارة الإدراك وصناعة الإرباك: استراتيجيات الحرب النفسية الأم ...
- التمويل المستدام: فرصة استراتيجية للاقتصاد العراقي في مواجهة ...
- سباق الممرات الإقليمية: بين جنون الجغرافيا وفرصة العراق الأخ ...
- شبكة الضمان الصحي العراقي: بين توسعة الخدمات واستدامة التموي ...
- بعد إلغاء أنقرة لاتفاقية أنبوب النفط: هل يعيد العراق رسم خرا ...
- صواريخ THAAD تحت المجهر هل تكشف CNN عن نقطة ضعف ؟ أم خطة خدا ...
- سانت ليغو المعدَّل 1.7: برلمان مكلف واقتصاد بلا إصلاح – نحو ...


المزيد.....




- خفض أم تثبيت؟.. تباين التوقعات بشأن قرار تحديد أسعار الفائدة ...
- ترامب يقيل حاكمة الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك
- سوريا: إسرائيل استولت على أراض حول جبل الشيخ
- ترامب: الكثير من الأميركيين يرغبون في دكتاتور
- ترمب قد يزور الصين العام الجاري
- ترمب ينوي تغيير تسمية وزارة الدفاع إلى -وزارة الحرب-
- واشنطن تسقط لوائح العقوبات ضد سوريا ودمشق ترحب
- منظمات دولية: يجب محاسبة إسرائيل وداعميها على قتل صحفيي غزة ...
- سوريا: 60 جنديا إسرائيليا استولوا على أراض حول جبل الشيخ
- إسرائيل تواصل قتل الشهود على جرائمها في غزة


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - بين سقوط الأسد وتحوّلات دروز الجولان: دروس استراتيجية للأمن القومي العراقي