أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عامر عبد رسن - من الفلاح إلى المتقاعد: استدعاء الفئات الشعبية قبل الاقتراع وغيابهم بعده














المزيد.....

من الفلاح إلى المتقاعد: استدعاء الفئات الشعبية قبل الاقتراع وغيابهم بعده


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 16:41
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


رغم أن اللقاءات الدورية بين مرشحي أنتخابات مجلس النواب القادمة ورجال الأعمال أصبحت تقليدًا مألوفًا، إلا أن ما يثير الانتباه هو أن اللقاءات التي تُعقد مؤخرًا من هؤلاء المرشحين مع بعض الفئات الاجتماعية المنتجة، كالفلاحين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتقاعدين والمعلمين، وتبدو مشروطة بزمن الانتخابات، وتُعقد في إطار استرضائي أكثر منه تنموي. فغياب حوارات مؤسسية دائمة مع هذه الشرائح يكشف عن خلل تمثيلي بنيوي في صناعة القرار الاقتصادي، ويحوّل الاهتمام بهم إلى أداة انتخابية ظرفية بدل أن يكون جزءًا من سياسة اقتصادية عادلة ومستقرة.
لقد أسهم الإصرار الممنهج لتحالف رجال السياسة والأعمال على ترسيخ صورة الدولة كـ"رجل أعمال فاشل" – وفقًا لتوصيف رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي – في إفراغ الدولة من دورها التنموي وتحويلها إلى وسيط ريع عقاري، يمنح الامتيازات للأقوياء ويقصي المهمّشين.
فبدلاً من أن تكون الدولة حَكَمًا في السوق ومحرّكًا للعدالة الاجتماعية، تحوّلت إلى موزّع انتقائي للفرص، تُصادر أدواتها الإنتاجية وتُفرّغ سياساتها من مضمونها التنموي.
إن هذا التواطؤ البنيوي لا يجهض فقط قدرة الدولة على إدارة الاقتصاد، بل يُكرّس اقتصاد التمييز والتفاوت، حيث تُمنح الأراضي والامتيازات لمستثمرين نافذين، وتُترك الضواحي، والمناطق الزراعية، ومشاريع الإسكان الشعبي فريسة للإهمال والتدهور.
خطر هذا المسار لا يكمن في عجز الدولة عن التنافس مع القطاع الخاص، بل في انسحابها الكامل من أدوارها السيادية في التخطيط، والعدالة، وتوزيع الثروة، مما يهدد بتعميق الفجوة الطبقية وحرمان شرائح واسعة من فرص النهوض.
وتُظهر تجربة السنوات الماضية أن هذا المسار لم يكن عشوائيًا، بل هو نتاج رؤية ضيقة ترى في الدولة مجرد موزّع للامتيازات وليس محرّكًا للنهضة. فعلى سبيل المثال، وفي تقرير صدر عن البنك الدولي عام 2023 حول الإنفاق العام في العراق، تم توثيق اختلال حاد في توزيع المشاريع التنموية، حيث استأثرت مناطق محددة بنسبة 73% من مجمل الإنفاق الاستثماري، بينما لم تحصل مناطق الأطراف والمناطق الريفية على أكثر من 8% من تلك التخصيصات، وهو ما عمّق من التفاوت التنموي وشعور الإقصاء الاجتماعي.
ولا تقف خطورة هذا التوجّه عند البعد الاقتصادي فقط، بل تتعداه إلى الجانب السياسي والاجتماعي؛ إذ إن حرمان قطاعات واسعة من السكان من حقوقها في التنمية والسكن والعمل والتعليم والرعاية، يدفع نحو مزيد من الاغتراب الاجتماعي، ويُضعف من شرعية النظام السياسي.
وفي ظل هذه المعادلة المختلّة، تُستخدم السياسات الاقتصادية – خصوصًا في مرحلة ما قبل الانتخابات – كأدوات دعائية تُوزّع من خلالها المكاسب على أساس الولاء، لا على أساس الاستحقاق أو الحاجة. وتشير تقارير مراقبة الأداء الحكومي في الربع الثاني من عام 2025 إلى تزايد إطلاق برامج دعم مبهمة تحت عناوين "تحفيز الفلاحين" و"تمكين الشباب" و"دعم المشاريع الصغيرة" دون إطار مؤسسي واضح أو معايير شفافة، ما يعزّز الشكوك في استخدامها لأغراض انتخابية أكثر منها تنموية.
إن الاقتصاد العراقي، في ظل هذه الظروف، قد ينحدر الى أن يدار من منطلقات السياسات الاقتصادية العامة، أو يصبح خاضعًا لمنطق السوق السياسي، حيث تُمنح التراخيص، وتُوزع الأراضي، وتُقر القوانين، وفقًا لمصالح النخب السياسية–الاقتصادية.
والأخطر من ذلك، أن هذا التحالف الحاكم اذا تحقق وجوده فعلا قد لا يكتفي بإضعاف الدولة كمستثمر أو قائد للأستثمار، بل يُفرغ مؤسساتها من القدرة على التنظيم والرقابة. فعلى سبيل المثال، تُهمل مؤسسات الرقابة المالية، وتُكبّل أجهزة التفتيش، وتُغيّب البيانات الرسمية الدقيقة، لصالح ترك السوق في حالة من الفوضى المحمية سياسيًا.
ولعل أبرز تجلٍ لهذا المسار هو قطاع الإسكان، الذي تحوّلت فيه الدولة من منتج مباشر إلى سمسار أراضٍ، تمنح الامتيازات لشركات بناء خاصة، غالبًا ما تكون مرتبطة سياسياً، في حين تُهمّش مشاريع الإسكان الاقتصادي، ويُترك المواطن العادي فريسة لأسعار السوق المحتكرة.
إن خطورة هذا الواقع لا تكمن فقط في التفاوت الاقتصادي الذي يخلقه، بل في تثبيت بنية اقتصادية–سياسية لا تُنتج تنمية، بل تُنتج تبعية مستدامة للفئات الفقيرة والهشة.
ولمواجهة هذا التدهور، لا بد من إعادة تعريف دور الدولة الاقتصادي، واستعادة موقعها كفاعل تنموي، عبر سياسات تخطيطية تستند إلى العدالة والمساءلة والمشاركة المجتمعية.
كما ينبغي للطبقة السياسية أن تعي أن استثمارها المؤقت في الفئات الشعبية قبيل الانتخابات، مهما بدا مربحًا على المدى القصير، لا يعوّض عن غياب استراتيجية وطنية شاملة للتنمية.
فسياسات الزبائنية والريعية التي راكمت الحرمان واللامساواة، تُنذر اليوم ليس فقط بتآكل نظرية النظام الاقتصادية، بل باحتمال انفجار اجتماعي قادم.
وإذا استمرت النخب الحاكمة في تجاهل هذا التآكل، فقد تستفيق على أحد مشهدين لا ثالث لهما: إما عزوف جماهيري واسع عن العملية الانتخابية، يقاطع فيه المواطنون صناديق الاقتراع احتجاجًا على تكرار الإقصاء؛ أو اندلاع ما يمكن أن يُسمى بـ"ثورة الجياع"، تفرض نفسها بوصفها فعلًا جماهيريًا مضادًا لاضطراب توزيع الموارد، ولتجريد الدولة من وظيفتها التنموية.
فهل تستدرك الدولة هذا المسار الخطر، وتعيد تموضعها كقائد تنموي عادل؟
أم ستبقى رهينة منطق المكاتب الاقتصادية و"المقاولين السياسيين" حتى لحظة الانفجار؟



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين مذكرة التفاهم ورهانات المستقبل: العراق في معادلات الأمن ...
- التضخم السلبي في الاقتصاد العراقي: تحسّن مؤقت أم نذير ركود؟
- من بغداد إلى بورصات العالم: قراءة في زيارة -Asia Frontier Ca ...
- إدارة الإدراك وصناعة الإرباك: استراتيجيات الحرب النفسية الأم ...
- التمويل المستدام: فرصة استراتيجية للاقتصاد العراقي في مواجهة ...
- سباق الممرات الإقليمية: بين جنون الجغرافيا وفرصة العراق الأخ ...
- شبكة الضمان الصحي العراقي: بين توسعة الخدمات واستدامة التموي ...
- بعد إلغاء أنقرة لاتفاقية أنبوب النفط: هل يعيد العراق رسم خرا ...
- صواريخ THAAD تحت المجهر هل تكشف CNN عن نقطة ضعف ؟ أم خطة خدا ...
- سانت ليغو المعدَّل 1.7: برلمان مكلف واقتصاد بلا إصلاح – نحو ...
- السياحة في العراق: رافعة اقتصادية استراتيجية وكنز تنموي متنو ...
- إيران تغيّر خطابها في العراق: لحظة اختبار لسيادة الدولة أم ت ...
- المخدرات في العراق: أزمة تتسارع بتأثير اقتصادي مدمر وجهود عل ...
- العقوبات الأمريكية على شبكة شمخاني: قراءة عراقية في التأثيرا ...
- تراجع الفقر متعدد الأبعاد في العراق: قراءة تحليلية في نتائج ...
- من غزة إلى الضفة: رهانات نتنياهو ومآلات السلطة الفلسطينية وس ...
- من تابع إلى شريك: العراق يعيد صياغة موقعه الاقتصادي إقليمياً ...
- العراق ونظام الشرق الأوسط الجديد: من الردع الاستراتيجي إلى ا ...
- الخليج يقود التوازنات الجديدة: من التقرير السنوي إلى خريطة ا ...
- جمهورية الرواتب: كيف تُفرغ الدولة العراقية موازنتها في جيوب ...


المزيد.....




- غزة في قبضة -اقتصاد الظل-: أزمة السيولة تفتك بالمواطنين وسط ...
- تباطؤ نمو الاقتصاد البريطاني في الربع الثاني
- وزير الخزانة الأميركي يرجح بدء خفض الفائدة الشهر المقبل
- بيتكوين تتخطى 124 ألف دولار مدعومة بصعود الأسهم الأميركية
- نمو الاقتصاد البريطاني يتباطأ في الربع الثاني
- 2.8 مليار دولار أرباح سيسكو الفصلية بنمو 27%
- وكالة موديز ترفع تصنيف باكستان الائتماني وسط مؤشرات على تحسن ...
- هاباغ لويد تخفض توقعات أرباحها لعام 2025
- اقتصاد دبي ينمو 4% خلال الربع الأول من 2025
- أسواق الشرقيات في دمشق تستعيد عافيتها بعد ركود الحرب


المزيد.....

- دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر / إلهامي الميرغني
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / د. جاسم الفارس
- الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل / دجاسم الفارس
- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عامر عبد رسن - من الفلاح إلى المتقاعد: استدعاء الفئات الشعبية قبل الاقتراع وغيابهم بعده