أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تاج السر عثمان - كيف تم نهب الأراضي في المهدية؟















المزيد.....

كيف تم نهب الأراضي في المهدية؟


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 11:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


1
اوردنا في دراسة سابقة عن كيف شهدت فترة المهدية صراعات قبلية كشكل من أشكال الصراعات : دينية ومن أجل السلطة والثروة فجوهر الصراع كان طبقيا من أجل نهب الأراضي والممتلكات والثروات.
كما اشرنا سابقا إلى أن الحرب الجارية حاليا لاتقل عن حروب المهدية من أجل النهب والسلب فقد نتج عن الحرب الجارية حاليا تهجير ونزوح واستيلاء لأراضي ولثروات وحواكير ومنازل المواطنين ونهب الذهب والمعادن والماشية والمحاصيل النقدية والتصدير للدول التي تسلح طرفي الحرب وتكوين حكومتي بورتسودان ونيالا لإطالة أمد الحرب وتقسيم البلاد بهدف نهب ثروات البلاد ، مع مطالب النازحين للعودة لمنازلهم ولاراضيهم وحواكيرهم وعودة المستوطنين لبلدانهم ليست جديدة، فقد شهدت المهدية بعد الوصول للسلطة في فترة الخليفة عبد الله تجربة مماثلة ، دافع فيها السكان المحليون عن اراضيهم بمختلف الأشكال عن اراضيهم ولاسيما في قضية الأرض التي تعتبر ركيزة العمل لتلك القبائل الزراعية والرعوية. ونعيد هنا نشر هذه الدراسة عن تجربة نهب الأراضي في المهدية.
٢
في بداية الثورة المهدية اوضحت رسائل الأمام المهدي الخط العام الذي حكم تطور الثورة المهدية ، وهو الخط المنحاز للفقراء والمستضعفين، ودعوته المتكررة لنبذ الدنيا وفانى لذاتها والتركيز على القيمة والدرجة العليا للتصوف التى تصور المسلمين الاحرار الكرام الذين يخافون من الله لاطمعا في جنته أو خوفا من ناره ( للمزيد من التفاصيل ، راجع الآثار الكاملة للامام المهدي، تحقيق محمد أبراهيم ابوسليم ، دار جامعة الخرطوم للنشر) .
كان أمر ملكية الأرض في الفترة ( 1881 – 1885 ) ، وهى فترة التشريعات المباشرة للإمام المهدي التي كان يوازن فيها بين مصالح الفقراء وصغار الملاك وكبار الملاك من تأكيده على الملكية الفردية والضرائب غير الباهظة ( الزكاة ) على صغار الملاك ، وهذا الواقع فرضته طبيعة الثورة الشعبية والجماهيرية في ذلك الوقت أو توازن القوى في القيادة .
٣
لكن الصورة تغيرت في الفترة ( 1885 – 1898 ) ، وهى فترة الخليفة عبد الله ألتعايشي .
– في هذه الفترة نجد أن الدولة المهدية استولت على كل الأراضي التي كان يمتلكها الترك والنصارى أو أراضي الحكومة وتشكلت بذلك النواة لملكية الدولة للأرض بحكم الغنيمة أو الفئ ، وأغلب تلك الأراضي كانت في الخرطوم والكاملين ودنقلا والحلفايا والفتيحاب والقاش ودار الشايقية .. وقد أعطيت تلك الأراضي في بعض الحالات للجهادية وعامة الأنصار دون مقابل ليستفيدوا من محصولها في المعاش وفي علف الخيول ولم يكن بيت المال يحصل منها على نصيب.
( للمزيد من التفاصيل د. محمد إيراهيم أبو سليم : الساقية، معهد الدارسات الأفرو- اسيوية ، 1981 ، ص 235 )، راجع ايضا ، تاج السر عثمان الحاج ، دراسات في التاريخ الاجتماعي للمهدية ، مركز عبد الكريم ميرغني ، 2010) .
– في بداية حكم الخليفة عبد الله اتسعت هذه العملية وحدثت حركة هجرة جماعية لترحيل البقارة من ديارهم البعيدة في جنوب دار فور على أم درمان لتأمين مركز الخليفة وحماية سلطانه من مؤامرات الأشراف وغدر سكان النيل (د. محمد سعيد القدال : السياسة الاقتصادية للدولة المهدية ، دار جامعة الخرطوم ، ص 58 ) .
ليس هذا فحسب بل أن تلك القبائل لم تكن كلها تفد إلى أمدرمان ، فبعد مجاعة سنة 1306 ه أخذ الخليفة يعمل على توطين ( أولاد العرب ) في منطقة الجزيرة والنيل الأبيض في موسم الخريف .. وكان يتخير لهم الأماكن القريبة من العاصمة ، أما التعايشة فكانوا يمنحون مزارع خاصة بهم ( د . القدال، المرجع السابق ، ص 59 ) .
٤
كان من الطبيعي أن يثير التهجير احتكاكا مع السكان المحليين بالذات عند حدوث تعدى على ملكيتهم الخاصة للأرض ، ويظهر ذلك من رسالة الخليفة لعماله بالجزيرة والتي حاول فيها أن يؤكد سياسته الرامية إلى أن يتم ذلك التهجير دون صراع مع سكان المنطقة ، جاء في الرسالة : –
( وقد بلغنا أنكم أجريتم قسمة أطيان الأهالي المزروعة التي زرعوها بأيديهم للأهل التعايشة ظلما بدون وجه حق وهذا ما لايرضي الله ولا رسوله ولا يرضينا وما علمنا السبب إلى ذلك ، فيلزم بوصول أمرنا هذا إليكم أن تسلموا كافة ديار أهالي البلد التي زرعوها إليهم وترفعوا الأهل التعايشة عن خصوص ديارهم التي زرعوها بأيديهم فقط ولا يأخذوا من ديار الأهالي المزروعة شبرا واحدا وكيف يحصل منكم ذلك الظلم مع أن الأراضي واسعة وليس فيها ضيق وهى كافية لأكثر من الأهل الذين توجهوا ) ( نص الخطاب في القدال المرجع السابق ، ص ، 60 ) .
ويبدو من رسالة الخليفة تلك أن أهالي الجزيرة الذين انتزعت أراضيهم اشتكوا، وحاول الخليفة ظاهريا حل المشكلة بإرجاع الأراضي إلى أصحابها، فالمشكلة ليست في أن الأراضي واسعة ولكن المشكلة في أين الأراضي الخصبة ؟ .
٥
يبدوا أن الصراع هنا كان حول الأراضي الخصبة ذات المنتوج العالي والقريبة من ضفاف النيل والري الدائم .. وهذه الأراضي كانت مملوكة لأهالي الجزيرة منذ أيام الفونج ، ثم أن السبب الأساسي لذلك الاحتكاك هو تلك السياسة الواسعة للتهجير ، والتي كان لابد وأن تحدث تلك السياسة احتكاكا مع السكان المحليين .. وكما أشار د. قدال ( ولكن لنا أن نفترض أن توطينا جديدا على ذلك المستوى الكبير لابد أن يحدث احتكاكا بين المجموعات الوافدة والمجموعات المحلية ، وفي تلك الحالة ، فإن الصراع سيحسم لصالح المجموعات التي في يدها السلطة ) ( قدال ، المرجع السابق ، ص 60 ) .
وقد اتخذ الخليفة مثل ذلك الإجراء ضد قبيلة كبيرة هي قبيلة الشكرية حيث أمر بتوزيعهم على ثلاث مناطق : أم درمان ، عطبرة ، كسلا .
٦
هكذا حدث تحول في ملكية الأراضي الزراعية لصالح الفئات الطبقية الجديدة التي كان يعبر عنها حكم الخليفة دون سند قانوني معلوم. وبالتالي استحوذ زعماء البقارة على أحسن وأجود الأراضي الزراعية .
وتلك العملية شبيهة إلى حد ما باستيلاء حكام سلطنة الفونج على أراضي النوبة الزراعية الخصبة في بداية حكمهم ، فالسيطرة السياسية في تلك الأنظمة كانت دائما تتبعها سيطرة اقتصادية ، وفي بلد زراعي كالسودان ، فان السيطرة الاقتصادية تعني السيطرة على أجود الأراضي الزراعية وأخصب المراعي .. وهذا ما فعلته الفئات الجديدة التي استولت على السلطة. يقول د قدال ( فما أحدثته المهدية من تحول خرج على النمط القانوني التقليدي الذي يستند على وثائق التمليك ) ( نفسه ، ص 30 ) . كما أورد وعلق على رأى د . محمد هاشم عوض الذي يقول أن الآثار التي خلفها الفونج والأتراك في ملكية الأرض أبعد أثرا من تلك التي أحدثتها المهدية ( في المرجع السابق ن ص 60 ) .
ولكن في اعتقادي أن مافعله الفونج والأتراك في بداية حكمهما للسودان لا يختلف عن ما فعله الخليفة عبد الله التعايشي في بداية حكمه .
نذكر أن حكام الفونج في بداية حكمهم نهبوا واستولوا على أراضي النوبة الزراعية الخصبة . وبعد أن تمكنت الطبقة الجديدة أو عصبة الفونج في السلطة والحكم وبعد أن أصبحت كل الأراضي ملكا للسلطان أو الملك على نمط النظم الإقطاعية الشرقية وكنتاج لتطور تاريخي طويل ظهر نظام التمليك والتوثيق الذي كان يقوم به سلاطين الفونج ، والتي كانت من ضمن أهدافها إعادة إنتاج النظام .
٧
نذكر أيضا أن محمد على باشا في بداية حكمه استولى على كل أراضي مصر ، وبعد ذلك قنن نظم التوثيق ، وفي مرحلة لاحقة ظهرت الملكية الخاصة للأرض بعد صدور قانون سعيد باشا في عام 1857 والذي قنن الملكية الفردية للأرض وحق المالك في البيع والإيجار والرهن وغير ذلك .
بعد احتلال محمد على للسودان استولى نظريا على كل أراضي السودان ونظم عملية تحصيل الضرائب والملكية الفردية.. وبالتالي استولى الأجانب ( الأتراك والنصارى ) على أجود الأراضي، تلك الأراضي التي استولى عليها الإمام المهدي.. وتم تقنين تلك العملية وفق قانون محمد على وقانون سعيد باشا فيما بعد . والخليفة عبد الله – وليس هذا تبريرا – لم يفعل غير ما فعله الفونج والأتراك . ولكن الفرق أن حكم الخليفة لم يدم طويلا، فلو استمر ربما كان استنبط نظما ووثائق للتمليك لتقنين الواقع الجديد.. فوثائق التمليك ما هي إلا تقنين لواقع طبقي واجتماعي وهي نتاج تطور تاريخي طويل..



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تصريحات نافع وشهد شاهد من أهلهم
- مستجدات في نهب وتهريب الذهب وتمويله للحرب
- جرائم الحرب في تقرير البعثة الدولية المستقلة
- كيف تعثر الحكم المدني الديمقراطي بعد الاستقلال؟
- حول خطوة نداء سلام السودان لوقف الحرب
- كيف كانت المقاومة القبلية للمهدية؟
- كيف شق الفكر السوداني طريقه في خضم العثرات؟
- ذكرى هبة سبتمبر وتصاعد الحملة لوقف الحرب
- رغم الحرب لازالت جذوة ثورة ديسمبر متقدة
- كيف استمر نقض العهود والمواثيق بعد ثور ديسمبر؟
- تزايد خطر التقسيم مع أداء القسم للحكومة الموازية
- كيف تهدد حرب السودان الأمن والسلام في العالم؟
- لا شرعية لتنازل البرهان عن مثلث حلايب وشلاتين وأبورماد لصالح ...
- التنمية المستقلة بديل لشروط الصندوق والتبعية والتخلف
- كيف قاد تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي الانتفاضات وثورات؟
- الحل الداخلي هو البديل للتسوية التي تعيد إنتاج الحرب
- كيف كانت تجربة صندوق النقد الدولي في السودان؟
- كيف استمر الهجوم على الحزب الشيوعي بعد ثورة ديسمبر؟
- تعقيب على عاطف عبدالله
- الحرب وتصاعد حدة تدهور الأوضاع المعيشية


المزيد.....




- هيومن رايتس ووتش: هجمات تنظيم الدولة الإسلامية تتصاعد في الن ...
- رئيس الشؤون الدينية التركي: نبذل قصارى جهدنا لضمان حرية فلسط ...
- الرئيس الإيراني: على الدول الإسلامية إدانة جرائم الكيان الصه ...
- دعوى ضد مسؤولة أممية بعد اتهامها منظمات مسيحية بتمويل -الإبا ...
- قائد الثورة الاسلامية يمنح عفوًا ويصادق على تخفيف عقوبات للم ...
- خطوات تنزيل تردد قناة طيور الجنة toyour el-janh kides tv .. ...
- جائزة المصطفى (ص) لعام 2025 تُمنح لثلاثة علماء من نخبة العال ...
- مصطفى العقاد.. مخرج حمل رسالة الإسلام إلى هوليود
- قائد الثورة الاسلامية يجيز بصف جزء من اموال الخمس لأهلي غزة  ...
- -الإسلامية المسيحية- تدين قيام بلدية الاحتلال بتغيير التسمية ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تاج السر عثمان - كيف تم نهب الأراضي في المهدية؟